المشاهد نت

نســاءٌ بين الشـك والشـوك

تعز – محمد نائل

“بسبب ذنبٍ لم أقترفهُ كدت أُقتل، بل قُتلتْ وأنا على قيد الحياة”، هذا ما قالته “أمل” بعد اتهامها بالخيانة الزوجية من دون دليل.

“أمل” اسم مستعار لفتاة ريفية من إحدى قرى محافظة تعز قررت الانعزال تمامًا حتى لا تواجه نظرات المجتمع الخبيثة وكلامَهُ الجارح.
 
مواجع الشك

“اخرجي من بيتنا. إيّاكم أن تفتحوا لهذه البنت الباب، ولا تجالسوها”، هذا ما كان يتردّد على مسامع أمل حينما كانت تطالب بدليل على جنايتها، ومع هذا ظلّت أمل تكابد الحياة بقسوتها التي لم تدع لها أي خيار للعيش.

فهي لم تحظ بتعليم جيد، وليس لديها مهارات تمكّنها من الحصول على بعض الوظائف العامة مثل الآخرين.

فتوجّهت لتنظيف البيوت وإعانة النساء في بعض حوائجهن، عسى أن تجد قوت يومها عندهن، ولكنهن سرعان ما كُنَّ يطردنها حالما يعلم أزواجهُنَّ بوجودها في بيوتهم خشية أن ينتقل فيروس الخيانة إلى نسائهم.

توالت الصدمات في نفسية أمل، وكانت تظنّ أن ملاذها الوحيد هو أهلها، فهم العزوة والنسب، لكنها فوجئت تمامًا من ردود أفعالهم، بل من تبرؤ البعض منها.

هنا انهارت أمل وصرخت: “يكفي يا ناس، كفاية حرام عليكم. لم أفعل شيئا حتى أُعاقب من دون ذنب ومن دون دليل”، ثم أُغمي عليها.

وبعد إسعافها قررت “أمل” العزلة والابتعاد عن الجميع، وهذا ما تسبّب لها باضطراب نفسي حاد، وهي تحاول الآن الخروج من هذه الحالة بجلسات نفسية وعلاجية، كما أشارت في حديثها. 

وبهذا الخصوص تقول أستاذة علم الاجتماع المساعد، ونائبة عميد كلية الآداب بجامعة عدن لشؤون خدمة المجتمع والتطبيق العلمي، الدكتورة رضية باصمد: “إن الإهانة اللفظية أو الجسدية المستمرة للمرأة، وعدم القدرة على التكيف مع الزوج، أو تخلي الزوج عن مسؤولياته والاستهتار بواجباته إلى الحد الذي تتعرض فيه الأسرة للأذى، من أبرز العوامل التي تدفع المرأة إلى الدخول بحالة نفسية”.

وتضيف الاختصاصية النفسية أحلام الأديمي أن اتهام المرأة بشرفها لمجرد الشك قد يُدخلها في حالة من القلق والتوتر وضعف التنفس وعدم الثقة بالنفس، وقد يؤدّي للإصابة بالاكتئاب، وربما يؤدي إلى الانتحار هروبًا من الواقع.
 
أسباب متعمدة

حاولت أمل تجنّب المجتمع عبر الانخراط في المجال العملي، لكنها لم تفلح، بل زادها ذاك سوءًا. فاعتماد المرأة على نفسها في المجتمعات العربية شيء مستحيل نسبيًا، وذلك نتيجة النظرة الذكورية القاصرة للمرأة التي تُحَمّلها تقريبًا مسؤولية كل شيء، فالمرأة هُنا مسؤولة عن شتات الأسرة والعلاقات، وهم يتجاهلون أن المرأة هي السبب في وجود الرجل ونجاحه بشكل أساسي.

وبشأن هذا الخصوص، صرح الأستاذ أحمد أن فشل النساء عِلميًا وعَمليًا يكمن في حجم التجهيل الكبير لَهُنّ؛ إذ تزداد نسبة الأمية بين النساء يومًا بعد يوم، ويأتي هذا بسبب العادات والتقاليد التي تحرم آلاف النساء اليمنيات من التعليم المدرسي والجامعي على حد سواء؛ إذ يعتبرن، في بعض المناطق، وعاء جنسيا يمكن استبداله في أي زمان وأي مكان يريدهما الرجل، ودومًا ما يُشكّك في قُدرات هذا الوعاء ونظافته. وتُرجع المحامية والناشطة الحقوقية منى اليزيدي أسباب المعاملة القاسية التي تواجهها النساء إلى نقص الوعي والإحساس لدى الأسرة وأفراد المجتمع بمعاناة المرأة.
 
غريبة بين معارفها

من جانب آخر فاطمة أيضا هي أحد ضحايا هذه الشكوك. تقول فاطمة: “حاولت أن أصلح علاقتي مع زوجي من دون تدخل من أهالينا رغم اتهامه لي بالخيانة، فقدّمت كثيرا من التنازلات كي لا تمسنا وصمة العار في المجتمع وأحاديث الناس التي تكاد تخرق طبلات الأذن”.

لم تكن فاطمة أحسن حظًا من أمل في تلك المحاولات، فقد تعرّضت للعنف اللفظي والجسدي والجنسي إلى جانب من الإهمال والتعالي عليها، إلا أن قضية فاطمة تختلف نوعًا ما عن أمل، ففاطمة اتُهمتْ بالخيانة من يومها الأول بحجة أن جسدها لم يكن طاهرا بسبب امتناعه عن النزيف المعتاد، فباشرها زوجها بكفٍ شديد ولفظٍ قبيح، مما أثار دهشة فاطمة واستغرابها مُتسائلة: ما الذي يجري؟! ماذا هُناك؟!، ثم قام بتطليقها ببساطة كما أشارت فاطمة.

يقول اختصاصي النساء والتوليد الدكتور عادل: “إن غشاء البكارة أنواع: نوع به ثقوب صغيرة أو ثقب واحد صغير، وغالبا يحدث معه نزيف وقت الجماع، ونوع به ثقب مركزي كبير ومرن، وغالبا لا يحدث معه دم مع الجماع، وآخر به فتحة جانبية كبيرة، وغالبا أيضا لا يحدث نزول دم مع الجماع الأول. وبالطبع من الوارد أن يتمدّد أي نوع منه، ولا يحدث نزيف أثناء الجماع الأول وهذا الموضوع شائع جدا.

القانون والمرأة

تتحدث فاطمة عن الماضي وقسوته بألم، وتقول: “للأسف كنت أحبّه، وكنت حريصة على إسعاده، إلا أن وصول الأمر إلى الضرب والطعن في شرفي جعلني أكرهه وأكره هذه النوعية من الرجال، ولجأت إلى المحكمة لرد اعتباري قانونيًا”.

تعاني المرأة في تحقيق مساعيها القانونية بشكل قاس وصعب، بل تُحرم أحيانًا من بعض حقوقها الاجتماعية والإنسانية بسبب القصور القانوني في تنفيذ حقوقها.

وتقول الناشطة الحقوقية والمحامية غزة يحيى: “ليس هُناك نص في الدستور اليمني يؤيد أو يعارض هذا الفعل، ولكن الاتهام بالخيانة من دون دليل يندرج في قانون الجرائم والعقوبات اليمني تحت موضوع القذف”.

كما تضيف غزة: “يجب على المرأة اليمنية التحلّي بالشجاعة وعليها رفع قضية على كل من تسوّل له نفسه باتهامها في شرفها وعرضها”.

ما تم ذكره مجرد غيض من فيض من بعض المعاناة التي تعانيها هذه الفئة من النساء و يجب علينا محاولة مساندة و مساعدة مثل هكذا قضايا لكي لا تزداد بشكل كبير و ملحوظ في المجتمع.


(أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية).

مقالات مشابهة