المشاهد نت

تضييق حرية تنقل المرأة  باسم الدين

منع المرأة من السفر-اليمن

صنعاء-حسين الأحمدي

كانت ريم السباعي، 32 عامًا، تجهز نفسها للسفر، في سبتمبر الماضي من مطار صنعاء الدولي نحو الأردن، ، وقبل أن تدخل إلى صالة المسافرين في المطار، استوقفها رجال الأمن، وطلبوا منها ورقة الموافقة. “لم أفهم ما المقصود بالموافقة، كانت معي الموافقة الأمنية لدخول الأردن، التي أبرزتها لهم، ليخبروني بأنهم لا يريدون التأشيرة أو الموافقة الأمنية، وإنما الإذن من ولي أمري بالخروج من البلد”، تشرح السباعي ما حصل معها، وتضيف أنها ليست الوحيدة التي تعرضت لذلك الإجراء.

ومنذ إعادة افتتاح مطار صنعاء في مايو الماضي، أصدرت جماعة أنصار الله (الحوثيون)، التي تسيطر على العاصمة اليمنية، تعليمات منع سفر النساء دون محرم، وحصرًا بموافقة خطية من ولي الأمر معتمدة من الجهات القضائية.

استطاعت السباعي السفر بعد تواصلها مع والدها الذي أتى سريعًا إلى المطار، وكتب ورقة الموافقة هناك، والتي تتضمن موافقة ولي أمرها على سفرها بعد تعهدها بالالتزام بتعاليم الدين الإسلامي، وكذلك التزام ابنته بما جاء في الورقة.

علياء محمد (اسم مستعار)، 24 عامًا، وهي صحفية في منصة متخصصة بقضايا المرأة في صنعاء، تلقت دعوة للمشاركة بمؤتمر في تونس،في ديسمبر 2022، إلا أنها قررت مغادرة البلاد من مطار عدن (جنوبي البلاد)، بعد القصص التي سمعتها عما يحدث للنساء في مطار صنعاء، وانطلقت في رحلة شاقة وطويلة باتجاه عدن، برفقة شقيقها الأصغر، وعند بلوغها مدينة إب (وسط البلاد)، والخاضعة كذلك لسيطرة الحوثيين، أوقفتها نقطة أمنية على مشارف المدينة. تقول محمد: “طلبوا مني ورقة المحرم وموافقة ولي الأمر، قلت لهم إن أخي معي، وهو بجانبي، لكنهم رفضوا، وقالوا إنني يجب أن أُشهر موافقة والدي أو زوجي، وإلا لن أكمل طريقي”.

تواصلت الشابة مع والدها، الذي ذهب إلى عاقل الحارة للحصول على نموذج جاهز من موافقة ولي الأمر، وقام بتعبئته ببيانات ابنته، وكذلك معلومات عن وجهتها وسكنها في الخارج، ومن ثم تم التوقيع عليه، وكذلك وضع ختم عاقل الحارة.

تقول محمد إن المجتمع اليمني مجتمع مسلم منذ الفترات المبكرة لظهور الإسلام، وإنه منذ سنوات ما بعد ثورة سبتمبر 1962 كانت المرأة اليمنية جزءًا أساسيًا من العملية السياسية والاجتماعية، مضيفة أن المرأة في هذا السياق المجتمعي والسياسي ظلت تسافر وتعمل في أي مجال تريد بدون قيود تفرض عليها باسم الدين.

عقب وصولها إلى أحد فنادق عدن، بعد يوم سفر شاق برًا، حيث طلبت غرفة لتنزل بها، إلا أن موظف الاستقبال رفض، بحجة التعليمات المعلقة، والتي قرأتها بنفسها، ولم تنفع محاولات الشابة العشرينية لإقناع موظف الاستقبال بإعطائها غرفة صغيرة ترتاح فيها حتى يحين موعد رحلتها.

وتضيف الصحافية اليمنية أن “الحوثيين اليوم يريدون تعميم تجربة دينية خاصة بهم، وكانت بدايتهم من التضييق على النساء”، معربة عن استغرابها “كيف لجماعة ادعت المظلومية لسنوات، أن تقوم بالتضييق على المجتمع، وفرض مذهبها عليه، وإجبار النساء على ما لم يرد صراحة في الأحاديث النبوية أو القرآن الكريم، ووضع تفاسير خاصة بها”.

“ومن أجل تكريس ذلك، أطلق الحوثيون رجال الدين والدعاة التابعين لهم على المجتمع، عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد ووسائل التواصل الاجتماعي، لدعوة الناس لذلك، تارة بالترهيب وتارة بالترغيب”، تختم محمد.

إقرأ أيضاً  دور النساء في تحسين جودة الدراما اليمنية

المحرم في السكن

لم يقتصر التضييق على النساء على مناطق سيطرة الحوثيين، كما أنه لم يقتصر على فرض وجود محرم أو موافقة ولي الأمر على السفر، وإنما امتد إلى مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، حيث تُمنع النساء من الإقامة في الفنادق بدون وجود محرم يرافقهن، وفق تعليمات من وزارة الداخلية للفنادق والزبائن على حد سواء.

من بين هؤلاء النساء اللواتي واجهن هذا الشكل من التضييق، داليا عبدالرحمن، 27 عامًا، وهي محامية تحت التمرين، والتي تمكنت من تجاوز نقاط الحوثيين وصولًا إلى عدن، في يونيو 2019. تصف عبدالرحمن ما تعرضت له بأنه صعب ومرهق وحزين بالنسبة لها، وترى أنه “لخّص علاقة النساء بالجماعات الحاكمة شمالًا وجنوبًا”.

تستذكر عبدالرحمن ما حدث معها عقب وصولها إلى أحد فنادق عدن، بعد يوم سفر شاق برًا، حيث طلبت غرفة لتنزل بها، إلا أن موظف الاستقبال رفض، بحجة التعليمات المعلقة، والتي قرأتها بنفسها، ولم تنفع محاولات الشابة العشرينية لإقناع موظف الاستقبال بإعطائها غرفة صغيرة ترتاح فيها حتى يحين موعد رحلتها. وتردف أنها ذهبت إلى أربعة فنادق، فلم تجد إلا نفس الجواب ونفس التعليمات ونفس ردود موظف الاستقبال في الفندق الأول.

الحوثيين اليوم يريدون تعميم تجربة دينية خاصة بهم، وكانت بدايتهم من التضييق على النساء”، معربة عن استغرابها “كيف لجماعة ادعت المظلومية لسنوات، أن تقوم بالتضييق على المجتمع، وفرض مذهبها عليه

استطاعت عبدالرحمن أن تجد لها فندقًا على أطراف المدينة، مشيرة إلى أنه، وفي ظل وضع أمني صعب، كان لا بد لها أن تقيم في هذا الفندق لساعات قصيرة. تقول الشابة اليمنية إنها أثناء السفر خارج البلاد لم تكن تفكر بشيء سوى أين ستقيم عند العودة إلى عدن: “جعلني التفكير مشوشة كثيرًا، غير مركزة، ودائمًا أسأل نفسي لماذا خلقني الله امرأة ليتحكم بي هؤلاء!”.

المنابر والمرأة

أشكال التضييق المختلفة وجدت صداها بعدة طرق في الفضاء العام، ومنها الخطب والدروس الدينية، وبخاصة خطب صلاة الجمعة، وخطب ما بين صلاتي المغرب والعشاء، والتي تركز على مواضيع الجهاد أو الدعوة لطاعة زعيم جماعة الحوثي عبدالملك الحوثي، أو المواضيع المتعلقة بالنساء. تقول الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة فاطمة الخولاني، إن منزلها يقع قرب أحد المساجد المعروفة في صنعاء، مضيفة أن خطب الجمعة في السنوات الأخيرة أصبحت تهاجم المرأة بشكل صريح وقوي، وتشير إلى أن “الخطباء متنوعون، لكن مضمون الخطب هو ذاته، المرأة والمرأة والمرأة، وكأن المرأة نكرة، وليس لها قيمة في الدين”.

كما هاجم مسلحون حوثيون محلات ملابس النساء في صنعاء ومدن يمنية أخرى، في أكتوبر 2022 وبداية العام الجاري، وطلبوا من مالكيها عدم بيع العباءات الضيقة والمزخرفة، وهددوا من يعرض هذه الأنواع من الملابس. ومع تكرر الهجمات، قالت قيادات في جماعة الحوثي إنها مجرد تصرفات فردية لا علاقة للجماعة بها، لكن المحامي يحيى السياغي يقول إن هذه التصرفات مخالفة للقوانين والأعراف الاجتماعية، وهي توجه عام لجماعة الحوثي، ويشرح أن الجماعة تقيس نبض الشارع وردة فعله، ثم تتخذ الخطوة التالية بناء على ذلك، مضيفًا أن رفض المجتمع لهذه التصرفات يدفع المسؤولين الحوثيين للقول بأنها تصرفات فردية، رغم تكررها واستمرارها.

مقالات مشابهة