المشاهد نت

مجددًا.. مفاوضات حول المنطقة العازلة بين اليمن والسعودية

يعود الحديث عن المنطقة العازلة بين اليمن والسعودية إلى 1934 عندما وقع البلدان معاهدة الطائف وتم تثبيتها في اتفاقية 2000

عدن – سامي عبدالعالم

يعود الحديث عن المنطقة العازلة بين السعودية وشمال اليمن، كأبرز نقاط الضمانات الأمنية التي تطالب بها الرياض، جماعة الحوثي “أنصار الله” في دهاليز المفاوضات الجارية بينهما منذ أعوامٍ، والمحاطة بكثير من السرية.

سيطر مسلحو جماعة الحوثي على صنعاء، في نهاية 2014، لتتدخل السعودية بحملة عسكرية في مطلع العام التالي، لإعادة الحكومة، دون تقدم كبير في هذا الجانب حتى الآن.

ومع أولى سنوات القتال اتسعت رقعتها لتشمل الحدود اليمنية -السعودية، حيث اندلعت العمليات العسكرية في المنطقة العازلة، مما جعل اتفاقية جدة حول المنطقة مجمدة وغير معمول بها. إذ شهدت الحدود معارك شرسة بين السعودية مسنودة بقوات الجيش الوطني وقوات سودانية من جهة، وبين مسلحي جماعة الحوثي.

وقد تراجعت العمليات القتالية في السنوات الاخيرة وصولًا إلى إعلان الهدنة في اليمن، التي تم تنفيذها في مطلع أبريل الماضي، وتمديدها حتى ٢ أكتوبر ٢٠٢٢، حيث انتهت الهدنة. غير أن العمليات القتالية تراجعت في الداخل اليمني، وتوقفت على الحدود السعودية بشكل شبه كلي، باستثناء مناوشات محدودة من وقت لآخر، وهو ما يجعل المنطقة العازلة نقطة جوهرية في الوقت الراهن، ضمن المفاوضات الجارية بين السعودية وجماعة الحوثي، لضمان عدم اندلاع القتال مجددًا على امتداد الحدود.

مجددًا.. مفاوضات حول المنطقة العازلة بين اليمن والسعودية
وفد من قيادة جماعة الحوثي في زيارة ميدانية لمقاتليهم على حدود السعودية في نجران-أغسطس 2022-تصوير وكالة سبأ

ليست المنطقة العازلة حديثة عهد في النزاع بين السعودية واليمن. إذ كانت المنطقة العازلة إحدى أهم نقاط معاهدة الطائف عام ١٩٣٤، والتي انتهت بموجبها الحرب بين السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية، وثبتت النقطة المتعلقة بالمنطقة العازلة في اتفاقية جدة الحدودية الموقعة عام 2000 بين المملكة والجمهورية اليمنية، وهي معاهدة قامت على أساس معاهدة الطائف، وشملت تحديد وترسيم الحدود التي لم تشملها معاهدة الطائف.

ونصت اتفاقية جدة على بقاء المنطقة العازلة مع حدود اليمن الشمالية كما هي، وحسب معاهدة الطائف، والمحددة بخمسة كيلومترات من الجانبين، فيما نصت اتفاقية جدة بشأن الحدود الشرقية أن تكون المنطقة العازلة بعرض عشرين كيلومترًا على طول الحدود.

أزمة نجران

جاءت معاهدة الطائف بعد حرب بين السعودية والمملكة المتوكلية التي حكمت شمال اليمن منذ عام ١٩١٨ وحتى ١٩٦٢. كانت منطقة نجران أول ميادين المعركة التي نشأت عند قيام أهالي المنطقة بطرد الجيش السعودي عام 1932، حين “توجه الإمام يحيى حميد الدين إلى مناطق قبائل وائلة، ومنها إلى نجران موطن قبيلة يام، عدد كبير من هذه القبيلة ناصر الإمام، وطُرد الجيش السعودي من المنطقة”، بحسب ما ورد في كتاب “تاريخ اليمن الحديث” للمؤلف بول دريش، صفحة ٣٥.

لكن بحسب “مذكرات القاضي عبدالرحمن الإرياني”، في الجزء الأول، فإن دويلات صغيرة نشأت في أجزاء من اليمن عند ضعف الحكومة المركزية في صنعاء. كان من بين هذه الإمارات الصغيرة إمارة الأدارسة التي نشأت في القسم الجبلي من لواء عسير. وأعلن فيها محمد علي الإدريسي حاكمًا على تهامة عسير. وامتدت قوات الأدارسة إلى الحديدة، لكن قوات الإمام يحيى تمكنت من طردها. وعند شعور هذه الإمارة بالخوف من سقوط بقية مناطقها بيد قوت الإمام يحيى، طلبوا الحماية من ملك السعودية الذي كان في ذلك الوقت يسمى “سلطان نجد وملك الحجاز”، حسب المصدر نفسه.

وقد دخلت قوات الإمام يحيى بقيادة نجله وولي عهده أحمد، نجران في 1933، ولكن أهلها كان غالبيتهم من الطائفة الإسماعلية، وكانوا على علم بما فعله الإمام يحيى بأبناء طائفتهم في “حراز وعراس”، من مصادرة كتبهم وإيداعهم السجون حتى “يقروا على أنفسهم بالكفر ويعتنقوا الإسلام مجددًا”، فخافوا على أنفسم من ملاقاة هذا المصير، وطلبوا حماية عبدالعزيز، ورضوا بحكمه بشرط إبقائهم على مذهبهم.

وانهمكت قوات الجيش السعودي في حرب لاستعادة السيطرة على نجران عام ١٩٣٣، ما دفع كثيرًا من سكان نجران للفرار والنزوح إلى منطقة عسير.

الإمارة التي تقاسمها الإمام والملك

بحسب كتاب ملوك العرب لأمين الريحاني وتاريخ اليمن لبول دريش، كانت أراضي الإمارة الإدريسية تقع في المنطقة الجغرافية لعسير وجيزان، وامتدت إلى الحديدة بقيادة مؤسسها محمد الإدريسي. كانت عسير جزءًا من ولاية اليمن، تحت سيطرة شكلية للعثمانيين، وكانت عسير في حالة فوضى في أوائل القرن العشرين، وقد تفاقمت صراعات بين الأتراك والسكان المحليين، ليظهر محمد بن علي الإدريسي، ويعلن نفسه إمامًا في 24 ديسمبر 1908، وقد اعترفت به عدة قبائل في منطقة عسير كزعيم روحي لها، وبدأ أولى خطواته ضد العثمانيين عام ١٩٠٩. بعد ذلك، استولت القوات الإدريسية على الزيدية واللحية في الحديدة، وانضمت إليه العديد من قبائل عسير العليا، وأرغم ذلك الأتراك على مهادنته وعقد اتفاق سلام معه عام ١٩١٠، وتعيينه بمنصب قائمقام عسير كحاكم شبه مستقل تحت الحكم العثماني.

وبعد شهور تمرد الإدريسي مجددًا ضد الأتراك، وفي ١٩١٥، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأت اتصالاته مع بريطانيا من خلال إدارتها في عدن، وفي أغسطس ١٩١٧، نصب محمد الإدريسي نفسه أميرًا لإمارة عسير المستقلة، وقد توفي عام ١٩٢٣، ليتصارع شقيقه الحسن مع ابن محمد الإدريسي المؤسس علي، الذي خلف والده، واستمر حتى ١٩٢٦، حيث تمت الإطاحة به من قبل عمه الحسن، وكان الإمام يحيى حميد الدين قد استولى على الحديدة في أبريل 1925، واحتل أجزاء أخرى من الإمارة الإدريسية، وهو ما دفع الحسن الإدريسي، بعد توليه عام ١٩٢٦، إلى السعي لعقد اتفاق مع ابن سعود في ما سميت معاهدة الحماية الموقعة في 21 أكتوبر 1926، حيث يتولى السعوديون السياسة الخارجية، بينما يحتفظ الأمير الحسن الإدريسي بسلطته على الشؤون المحلية، وفي الوقت نفسه سعى الحسن إلى استعادة استقلال الإمارة الإدريسية، وتقويض اتفاق الحماية مع السعودية، وقد عمل على الاتصال بالإمام يحيى حميد الدين، وهو ما دفع ابن سعود إلى العمل على ضم الإمارة بالكامل عام ١٩٣٤، عبر معاهدة الطائف مع الإمام يحيى، وتقاسمهما أراضي الإمارة الإدريسية، وتسليم العائلة الإدريسية التي كانت تحالفت مع الإمام يحيى، ولجأت إلى السعوديين، وليعلن بعد ذلك توحيد كامل المملكة العربية السعودية.

الحرب اليمنية السعودية

تعود خلفية هذه الحرب إلى حرب بين المملكة المتوكلية اليمنية والإماراة الإدريسية، بين عامي ١٩٢٤ و١٩٢٦، انتهت بسيطرة قوات الإمام يحيى حميد الدين على الحديدة، ومحاصرته مناطق أخرى في الإمارة الإدريسية، تحولت بعدها الإمارة الإدريسية لحكم ذاتي تحت حماية السعودية، بعد رفض يحيى حميد الدين عرض الحسن الإدريسي الاعتراف بالسيادة الزيدية على عسير مقابل حكم ذاتي، وما لبث اتفاق الحماية السعودية أن تحول إلى سيطرة تامة على إمارة الأدارسة، وضم المنطقة للسعودية في أكتوبر 1930، ما أدى إلى تمرد الأدارسة بين عامي ١٩٣٢ و١٩٣٣، ضد ابن سعود، وتحالفهم مع الإمام يحيى، يعود ذلك تحديدًا إلى “نوفمبر 1933، حيث نقض الأدارسة حلفهم مع البريطانيين وابن سعود، والتحقوا بالإمام”، وفقا لكتاب “تاريخ اليمن الحديث” لمؤلفه بول دريش. عقب ذلك جاء اندلاع الحرب عام ١٩٣٤ في نجران، بين ابن سعود والإمام يحيى، وفي بقية الجبهات بين ابن سعود والأدارسة المتحالفين مع الإمام يحيى، والذين هزموا وأصبحوا لاجئين في اليمن عند الإمام يحيى.

إقرأ أيضاً  خطة أمنية لمنع إطلاق النار في المناسبات غرب لحج

وبحسب كتاب “تاريخ اليمن الحديث” لمؤلفه بول دريش، فقد “قامت حرب خاطفة بين  مارس ومايو  عام 1934، وانتهت بتوقيع معاهدة الطائف عقب سيطرة ابن سعود على 100 كيلومتر بعد ساحل صبيا”.

وقد انتهت الحرب بانتصار القوات السعودية وتوقيع معاهدة الطائف بين الملك عبدالعزيز وبين يحيى حميد الدين، وتصفية وجود الإمارة الادريسية، وسيطرة السعودية على جيزان وتهامة، وضمهما لنجران، وانسحاب الجيش السعودي من حجةوالحديدة، ووضعهما تحت سيطرة الإمام يحيى.

معاهدة الطائف

أدرك الإمام يحيى أن قواته لن تصمد أمام قوات الملك السعودي عبدالعزيز آل سعود وقوات سلاطين جنوب اليمن، وكلاهما كان متعاهدًا مع بريطانيا، وعقدت مفاوضات بين الجانبين يومي 18 و19 مايو ١٩٣٤، بوساطة المجلس الإسلامي الأعلى، انتهت بتوقيع معاهدة الطائف بين المملكة المتوكلية اليمنية والمملكة العربية السعودية، وتم إعلان انتهاء الحرب السعودية اليمنية، وإقامة علاقات سلمية بين الدولتين.

ترسيم الحدود

بموجب نصوص معاهدة الطائف، اعترف كل طرف باستقلال وسيادة الطرف الآخر. كما مكنت المعاهدة، السعودية من السيطرة على نجران وعسير  وجيزان، وهي مناطق يمنية أصبحت سعودية حتى اليوم، رغم أن مدة سريان المعاهدة حددت بعشرين عامًا، على أن تجدد من تلقاء نفسها ما لم يعرب أحد الطرفين أو كلاهما عن رغبته في تعديلها، وذلك “مقابل سلام وأمن واستقرار البلدين، ومعاملة اليمنيين في المملكة كالسعوديين”، وهو الشرط الذي أخلت به السعودية حتى يومنا.

ووفقًا لوضع اليمنيين المغتربين في المملكة طوال العقود الماضية وحتى اليوم، حيث تتم معاملتهم كوافدين يطبق عليهم نظام الكفيل، ودفعهم أموالًا طائلة مقابل الإقامة والعمل، كما لا يحق لهم امتلاك أعمالهم الخاصة ما لم تسجل باسم الكفيل السعودي.

وكان من نتائج المعاهدة انسحاب السعودية  وقواتها من الحديدة والساحل اليمني، وإعادتها لليمن تحت سلطة يحيى حميد الدين، وتسليم الأدارسة اللاجئين في اليمن إلى الملك عبدالعزيز بن سعود.

المنطقة العازلة في معاهدة الطائف

وفي المعاهدة المؤلفة من ٢٣ مادة، نصت المادة الرابعة على تحديد الحدود الجغرافية الفاصلة بين البلدين، وهما السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية حينها، والمحددة بشمال اليمن.

ونصت المادة الخامسة على المنطقة العازلة التي تعهد الطرفان بعدم إحداث أي بناء محصن في مساحة خمسة كيلومترات في كل جانب من جانبي الحدود في كل المواقع والجهات على طول خط الحدود.

استمرت الحدود بين اليمن الشمالي والسعودية غير معتمدة بشكل نهائي لعقود زمنية، وكانت أخطر ملف تتحاشى أية حكومة في شمال اليمن الخوض فيه،  و”في عام 1974 طلبت السعودية اعتماد الحدود نهائيًا، ووافقت حكومة الجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن) آنذاك على الطلب، إلا أنه قوبل برفض شعبي وسياسي كذلك أدى إلى رفضه. تم اعتماد الحدود بعد توقيع اتفاقية جدة في 13 يوليو عام 2000″.

حددت معاهدة جدة عام 2000، بين السعودية والجمهورية اليمنية، الحدود النهائية بين الدولتين، على أساس معاهدة الطائف، حيث تضمنت المعاهدة التزام الطرفين بمعاهدة الطائف لتحديد خطوط الحدود الفاصلة بين السعودية وأجزاء اليمن الشمالي (سابقًا)، وبالنسبة للأجزاء التي كانت ضمن (اليمن الجنوبي سابقًا) تم الاتفاق على ترسيم هذا الجزء بصورة ودية، ويبدأ هذا الجزء من جبل الثأر وينتهي عند النسق الجغرافي لتقاطع خط عرض 19 شمالًا مع خط طول 52 شرقًا.

وقد نصت المادة الأولى في اتفاقية جدة على إلزامية وشرعية معاهدة الطائف وملحقاتها بما في ذلك تقارير الحدود الملحقة، والتزام الطرفين بمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في 27 رمضان 1415هـ، وتضمنت تحديد منطقة الرعي بعشرين كيلومترًا، بحيث يحق للرعاة من البلدين استخدام مناطق الرعي ومصادر المياه على جانبي هذا الجزء من خط الحدود، استنادًا إلى التقاليد والأعراف القبلية السائدة، لمسافة لا تزيد عن عشرين كيلومترًا.

“وتضمنت الاتفاقية أنه لا يجوز لأي من الطرفين المتعاقدين حشد قواته المسلحة على مسافة تقل عن عشرين كيلومترًا على جانبي الحدود، ويقتصر نشاط أي طرف في كل جانب على تسيير دوريات أمن متنقلة بأسلحتها الاعتيادية”.

وفي حالة اكتشاف ثروة طبيعية مشتركة قابلة للاستخراج والاستثمار على طول خط الحدود بين البلدين، تتم المفاوضات اللازمة للاستغلال المشترك لتلك الثروة.

المنطقة العازلة في اتفاقية جدة

وهكذا ثبتت اتفاقية جدة، معاهدة الطائف كاتفاقية أساس بالنسبة للمنطقة العازلة، حيث نصت المادة الرابعة في اتفاقية جدة على التزام الطرفين بالمادة الخامسة من معاهدة الطائف، وذلك في ما يتعلق بإخلاء أي موقع عسكري تقل مسافته عن خمسة كيلومترات على طول خط الحدود المرسم بناء على تقارير الحدود الملحقة بمعاهدة الطائف. وبالنسبة لخط الحدود الذي لم يتم ترسيمه، آنذاك، بدءًا من جبل الثأر حتى نقطة تقاطع خط عرض 19 شمالًا مع خط طول 52 شرقًا، فيحكمه الملحق رقم 4 للمعاهدة، والمتضمن عدة مواد، منها المادة رقم ٥، وتنص على أنه لا يجوز لأي من الطرفين المتعاقدين حشد قواته المسلحة على مسافة تقل عن عشرين كيلومترًا على جانبي الجزء الثاني من خط الحدود المشار إليه في هذه المعاهدة، ويقتصر نشاط أي طرف في كل جانب على تسيير دوريات أمن متنقلة بأسلحتها الاعتيادية.

مقالات مشابهة