المشاهد نت

 أطفال في صفوف إدمان القات

مشكلة إدمان الأطفال مضغ القات-صنعاء

صنعاء – يحيى العكوري 

يطل أسامة (10 أعوام) من نافذة منزلهم بإحدى أحياء مدينة صنعاء، مجيبًا لصوت صديقه، ويطلب منه الإنتظار قليلا حتى يُنهي وجبة الغداء، ثم يغادر المنزل مسرعًا على وقع نداء صديقه رامي الذي يرتفع صوته مع استمراره بالركض نحوه.

يمسك أن بايدي بعضهما البعض، ويمضيان سويًا باتجاه سوق القات، وعندما يصلا إلى بائع القات يجلسان بجواره ويقلبا أكياس القات الصغيرة، وينتقيا ما اعتادا عليه من الصنف الأقل سعرًا، ثم يتحسسا جيبيهما ليخرجا ما فيه ويعطياه للبائع وينصرفا نحو حارتهما.

يُشرع  أسامة بفرش سجاد مهترئ جوار منزله، ليبدأ  بمضغ القات مع أصدقاءه، ترافقهم أغاني تصدح من مسجل صوتيات قديم  تشده لصق كثيرة من الأطراف، لا يعكر صفو جلستهم إلا قطرات الغيث وهي تسقط عليهم أكثر فأكثر، فيهربوا باتجاه بيت كبير يحتوي على شرفة لاستكمال جلسة مضغ القات فيها حتى أذان المغرب.

روتين شبه يومي يقوم به أسامة وأصحابه من بداية موسم انخفاض أسعار القات في اليمن، حيث يوفروا مصروفهم المدرسي، ويحرموا أنفسهم من وجبة الراحة في المدرسة من أجل شراء القات ومضغه، دون أن يعترضه أحد، فوالد أسامة يذهب لعمله قبل ذهابه هو إلى المدرسة، أما والدته فلا تمانع مقابل أخذ جزء من القات لها لتمضغه في مجالس النساء.

مفهوم خاطئ 

مهند الروني يعتقد أن ولده رامي (11 عامًا) يصبح رجلا ويكبر عندما يمضغ القات، ويشجعه على مضغه ويعطيه من قاته أحيانًا، خاصة في المناسبات، والجلسات العامة، غير مكترث من تورط ولده في تناول هذه النبتة وهو في هذا السن.

يحترم بائع القات أسامه وأصدقاءه، ويرحب بهم بحفاوة، يُشعرهم بأهميتهم وتقديرهم وهو ما يجعلهم أكثر حماسًا، حتى يتخلص مما لديه من قات رخيص سعرًا وجودةً، ويُقبل عليه البسطاء أو المبتدئين في تعاطي القات كأسامة ورفاقه.

موسم ”البورة”

ومع فصلي الصيف والخريف يزداد نمو شجرة القات التي تنتشر زراعتها في مناطق يمنية عديدة، ومنها صنعاء، وتنخفض أسعار هذه النبتة في هذين الفصلين وهو ما يطلق عليه باللهجة الشعبية بـ(البوره)، مقارنةً بموسم فصل الشتاء.

وهذا يجعل القات في متناول الجميع بمن فيهم الأطفال، حيث يجدون من هذه المواسم فرصة لمضغ وريقات القات تحت تأثير عاملي الثقافة السائدة والغواية.

ومع التواجد الكثيف للقات في الأسواق هذه الأيام، سُهّلت للأطفال عملية شراءه بأقل الأثمان، تماشيًا مع ثقافة المجتمع الذي تتأصل فيها عادة مضغ القات كطقس من الطقوس اليومية.

إذ لا يكاد يخلو بيت في اليمن من وجود متعاطين لنبتة القات، وهذا ما يجعل الطفل في محاكاة أو اتباع لسلوك والده أو شقيقه أو أي فرد من أفراد أسرته.

إقرأ أيضاً  جمود القطاع السياحي بتعز في زمن الحرب

آثار نفسية

لا يخلو القات من مضار عديدة يسببها لمتعاطيه، وهذه الأضرار تكون أشدة حدة ووطاة على الأطفال، ويأتي على رأسها الاضطرابات النفسية الناتجة عن القات، بحسب الدكتور محمد الشعبة.

يقول الشعبة لـ«المشاهد»: إن تناول القات يُحدث نشوةً بسيطة لدى الطفل تُحمسة الرغبة في تناول المزيد، يليها مرحلة الانتقال للشعور بالخوف والقلق والتفكير الزائد والعصبية، انتهاءً بالشعور بالاكتئاب والتشتت وعوامل نفسية أخرى قد تدفعه لتصرفات غير سليمة”.

وأضاف أن القوات “يتسبب بإدمان الأطفال في تناول هذه النبتة بشكل مستمر قد يؤدي بهم إلى الانحراف الأخلاقي، حيث سجلت وقائع كثيرة لأطفال وهم يسرقون مبالغ مالية من بيوتهم من أجل شراء القات، وآخرين تورطوا في أعمال غير أخلاقية تحت تأثير القات”.

مشاكل صحية 

على الجانب الصحي، ثمة أمراض كثيرة يسببها القات للأطفال، وفق الدكتورة نورة علي، التي صنفت القات ضمن الأسباب الرئيسية للإصابة باضطرابات هضمية ومعوية وإمساك، خاصة عند الأطفال الذين ما زالوا في مرحلة النمو، بحسب حديثها مع «المشاهد».

وأشارت إلى أن هذا يؤثر سلبًا على عملية النمو لديهم، وتنمو أعضائهم بشكل بطيء جدًا مقارنةً بغيرهم ممن لا يمضغونه، وتصبح أجسادهم هزيلة، إضافة الى الإصابة بالتهابات في المسالك البولية والمثانة، قد تؤدي مستقبلاً للإصابة بالالتهابات البروستات؛ كون القات ملوثا بالسموم والمبيدات.

وحذرت الدكتورة نورة علي من إفراط الأطفال بمضغ القات، باعتباره يؤثر على وظائف الكبد؛ لأنه أول من يمتص السموم، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بالقلب والأوعية الدموية؛ حيث يعمل على ارتفاع مستوى الضغط وتسارع نبضات القلب نتيجة النشاط اللحظي الزائد الذي يسببه القات.

وتشير الكثير من الدراسات العلمية إلى أن القات يلحق أضرارًا باللثة وتجويف الفم؛ ما يتسبب بالتهابات شديدة نتيجة السموم الموجود في شجرة القات”، التي تعمل على تدمير اللثة، خصوصًا لدى الأطفال.

كما يؤدي إلى ظهور فجوات بين الأسنان نتيجة تأكل اللثة مع الوقت، إضافةً إلى تسوس الأسنان، فيما تؤدي الالتهابات المزمنة في اللثة بسبب مضغ القات إلى الإصابة بسرطان اللثة.

الإدمان

تشير تقارير منظمة الصحة العالمية، نشرتها وسائل إعلام عالمية، إلى أن ما نسبته 90 % من الذكور في اليمن يتعاطون هذه النبتة، فيما 50 % من الإناث، وحصة تناوله من الأطفال تصل من 15% الى 20% وهي نسبة مرتفعة جدًا.

وقد صنفت منظمة الصحة العالمية القات بأنه عقار ضار من الممكن أن يسبب الإدمان بشكل خفيف ومتوسط، ووفقا لموقع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا”، تحتوي نبتة القات على مادة “مينوامين”، وهي شبيهه بمادة “الأمفيتامين”، وهو منشط يسبب فقدان الشهية وحالة النشاط الزائد ويكون تأثيره أكثر على الأطفال.

مقالات مشابهة