المشاهد نت

في يومهم العالمي.. من يُعيد لملاك ومازن طفولتهما؟!

أطفال في مخيمات النزوح - تعبيرية

القاهرة – آية خالد:

في أحد شوارع الحارة، الذي اعتادت ملاك عبدالله مسعود (8 سنوات) أن تلعب فيه برفقة صديقتها سارة، وأخيها مازن (6 سنوات) وبقية أصدقائهم، والقريب من منزلهما في حي شارع الأربعين بمديرية المظفر بمدينة تعز الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية، كانت تقضي ملاك وبقية الأطفال في الحي أوقاتًا من المرح واللعب والضحك، لكن لم يعد هذا المكان منذ عام 2022م، متنفسًا بالنسبة لها ولأشقائها وبقية أطفال الحارة، فقد تحول إلى مكان يتوزع في أرجائه آثار دماء بعد سقوط قذيفة كاتيوشا أثناء ما كان أطفال الحي، بينهم الطفلة ملاك وشقيقها مازن، يلعبون كالعادة، أدت إلى سقوط أكثر من عشرة أطفال بين قتيل وجريح، كما يؤكد سكان الحي.
يقول عبدالله مسعود، والد الطفلة ملاك، في حديثه لـ”المشاهد” أن حادثة سقوط القذيفة ومقتل وإصابة ما يزيد عن عشرة أشخاص عام 2022م، اضطره والكثير من الأسر إلى مغادرة الحي، والاستقرار في مخيم “المنيج” في مديرية مقبنة غرب مدينة تعز.
ويضيف مسعود: “قرار النزوح لم يكن سهلًا على الإطلاق، لكن كان من الأجدر المغادرة حفاظًا على نفسية أطفالي الذين مازالوا حتى اليوم يحلمون بكوابيس، والموقف يتكرر أمامهم كلما تذكروا أصدقاءهم الذين توفوا أمامهم”.

ذكريات مؤلمة

أكثر من سنة من نزوح الطفلة ملاك وأسرتها، خوفًا من تعرضهم لقصف، لكن ذكريات ما حدث مازالت تلاحقهم، كما تقول ملاك، واصفة ما حدث بأنه كان يومًا مرعبًا بالنسبة لهم ومخيفًا.
تقول ملاك: “كانت حارتنا حلوة وفيها أطفال كثير، وكنا كل يوم نلعب زي الإخوة متربين كلنا مع بعض، وفي يوم جالسين نلعب فجاة جاء دخان وافتتحت بطن سارة ومكناش نشوف شيء غير دخان كتمنا، وكنت أسمع مازن يجري ويصيح، ومادريناش غير وإحنا بالمستشفى كلنا ومليانين دم”.

الحياة في مخيم النزوح بالنسبة للطفلة ملاك، ليست كما الحياة التي عاشتها في حي شارع الأربعين، حيث كانت تلتقي كافة صديقاتها من أطفال الحي، وتلعب معهن


الحياة في مخيم النزوح بالنسبة للطفلة ملاك، ليست كما الحياة التي عاشتها في حي شارع الأربعين، حيث كانت تلتقي كافة صديقاتها من أطفال الحي، وتلعب معهن.
تشعر ملاك إلى أنها لا تنتمي للمخيم الذي يعيشون فيه، حسب تعبيرها، ولم تستطع التأقلم، وتصف الحياة في المخيم بأنها “صعبة وسيئة، أتمنى أن يكون لنا منزل كالأول، ونفسي أرجع بيتنا بس يكونوا أصحابنا موجودين ويكون ذا كله حلم ومحد منهم مات، ويكون أثر الدم راح من الجدران”، وأكملت حديثها بدموع ومغادرة للخيمة.
وبحزن طفلة كانت شاهدة على مجزرة دموية، تقول ملاك: “مابنسيش خالص أبي وهو يجمع الجثث حقهم، والبعض لقوا باقيتهم والبعض لا، المنظر ذا أشوفه وسط الأكل حتى، ويطاردنا بالنوم وبكل يومنا”.
مسعود والد الطفلة ملاك يشرح بمرارة حياة أطفاله بعد مغادرة حيهم، يقول: “مازن حتى اليوم كلما سمع صوت رصاص يصرخ بأعلى صوت ويركض بهلع بشكل لا إرادي، مع الأسف أطفالي حتى اليوم لديهم مشاكل صحية ونفسية بسبب ما تعرضوا له”.
ويتابع ان ولده مازن بعد الحادثة فقد النطق لفترة، والآن يتكلم بصعوبة، ويعاني من الشتات الذهني والقلق المستمر، حسب تعبيره.
وبالنسبة لابنته ملاك يقول إنها “أصبحت منعزلة تمامًا عن العالم، حتى الأكل تفضل تناوله بمفردها، ولا تخرج من خيمتنا سوى لتحت إحدى الأشجار تظل تلعب بالحجر والتراب”.
مازن وملاك دفعا ضريبة مجزرة قتلت بداخلهما الطفولة، توفي أصدقاؤهما، وبقيا يصارعان الموت بمفردهما، ويتلقيان جُرعًا موجعة من الحياة بروتين قاسٍ فرضته عليهم الحرب وظروفها.

إقرأ أيضاً  الإصابة بالسرطان في ظل الحرب

جلسات دعم نفسي

وحول مدى تأثير الصدمات النفسية على الأطفال، تقول نيرمين سيد، أخصائية نفسية مصرية متخصصة بعلم نفس الطفل، في حديثها لـ”المشاهد” إن الأطفال الذين يتعرضون لمواقف صادمة، فإن هذه المواقف لا تفارقهم حتى يكبروا، وتكون غمامة على شخصياتهم، وتتكون لديهم صورة نمطية عن أي مسمى فيه حرب أو أي صوت لضرب نار بأن الصورة التي شاهدوها آخر مرة ستتكرر.
وبخصوص الطفلين ملاك ومازن قالت بأن “هذه العُقدة المصابين بها سترافقهما حتى المشيب، إذا لم يتم إجراء جلسات دعم نفسي لهما، ومحاولة إخراجهما من قوقعة الصراع الداخلي لديهما والخارجي من الوضع العام”.
وفي السياق ذاته، أكد تقرير سابق لليونيسف أن الحرب في اليمن قتلت وشوهت أكثر من 11,000 طفل، أي بمعدل أربعة أطفال يوميًا، كما كانت أكدت في تقرير آخر أن في اليمن يموت طفل واحد كل 10 دقائق، لأسباب كثيرة صحية وغذائية، ترجع تفرعاتها لاستمرار الحرب، وانعدام الخدمات الصحية.
في الختام طلبنا من ملاك كطفلة توجيه رسالة، فكانت: “أيش ذنبنا إحنا نعيش خائفين؟ أيش ذنب أخي مازن اللي كل شهر يمشي نحسه إنه مجنون مش بعقله؟ أيش ذنب سارة وأخوها، وأيش ذنبنا نعيش بدون بيوت ولا أصدقاء؟”.

مقالات مشابهة