المشاهد نت

غياب الطب النفسي يدفع مرضى الأرياف نحو «الشعوذة»

تعز – فاطمة العنسي

تتذكر أم بسمة محمد، 50 عامًا، قصة ابنتها ذات العشرين ربيعًا بكثير من الأسى، عقب تعرضها لصدمة نفسية في عام 2021.

تقول أم بسمة التي تنتمي لمديرية “شرعب الرونة” بمحافظة تعز لـ«المشاهد»: “مرض زوجي فجأة وكان بصحة جيدة، ذهبنا إلى المدينة للعلاج، وهناك تعرض لذبحة صدرية أدت إلى وفاته، عندما عدنا به جثة هامدة، لم تستوعب بسمة، ما حدث وتعرضت لصدمة أفقدتها توازنها النفسي مده ثلاثة أشهر، غير مستوعبة ما يحدث حولها، كانت كثيرة الصمت والعزلة، وبالكاد تأكل وتشرب”.

لم تعرف الأم ما حدث لابنتها، وظلت قرابة عامين تذهب بها من مقرئ إلى آخر، ومن مشعوذ إلى آخر، إذ اعتقدت أن ابنتها تعاني من السحر أو العين.

كانت حالتها تزيد سوءًا، وبعد أن نصحها أحد المتعلمين بالقرية بضرورة عرضها على طبيب نفسي، ذهبت الأم برفقة ابنتها إلى مدينة تعز؛ لهذا الغرض.

عمل الطبيب النفسي على تشخيص حالتها، وإعطاها العلاج، وبعد أيام من الاستخدام، تحسنت حالة بسمة تدريجيًا.

حاليًا، تعيش بسمة في المدينة مع أمها، نظرًا لعدم وجود مراكز مختصة بالطب النفسي في ريف تعز.

يميل أغلب الناس في المناطق الريفية للاعتماد على المشعوذين عندما تصيبهم أمراض نفسية، ولا يعرفون أو لا يؤمنون بأهمية الطب النفسي للتعامل مع تلك الاضطرابات النفسية.

رئيس الوحدة النفسية لمستشفى الرسالة لطب النفسي وعلاج الإدمان بصنعاء، الدكتورة منيرة النمر، تقول لـ«المشاهد»: “إن السبب الأول لهذا السلوك هو غياب الوعي بالصحة النفسية، وعدم معرفة معلومات حول طبيعة المرض النفسي وخصائصه وأعراضه، أو أسباب نشأته؛ لذلك نشهد انتشار ظاهرة الدجل والشعوذة والسحر، وأصبح الارتياد عليهم أمر مألوف”.

توضح النمر أن الكثير من الأشخاص يجدون حرجًا عندما يوصف ابنهم أو قريبهم بأنه يعاني من مرض نفسي، وقد يصبح منبوذًا في المجتمع.

تضيف: “يُفضلون أن يقولوا عن المريض النفسي بأنه مصاب بسحر أو عين أو جني، وهو ما يجعلهم لا يأتون إلى الطبيب النفسي إلا بعد مرورهم على أكثر من شخص في الطب الشعبي، وتكون الحالة النفسية قد تفاقمت، ويحتاج إلى علاج لمدة طويلة لكي تحصل استجابة”.

النمر تشير إلى أن المرض النفسي عبارة عن خلل في الكيمياء الدماغية، وهو مرض مثله مثل المرض العضوي، كالسكر والضغط.

وتكشف إلى أن معظم الحالات النفسية تأتي من المناطق الريفية، حيث يأتي وقد مر على مرضهم سنوات بعد أن يئسوا من جدوى العلاج لدى المشعوذين.

إقرأ أيضاً  تعز .. مقتل مدني بلغم أرضي في عزلة الأحكوم

طبيب نفسي واحد لنصف مليون شخص

تشير دراسة بحثية أجرتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري، مؤسسة غير حكومية، إلى تزايد أعداد المرضى النفسيين، سيما في الأرياف في الوقت الذي يفتقر اليمن عمومًا إلى وجود المرافق المتخصصة بالصحة النفسية، وندرة الأطباء المختصين، ونقص الأدوية في السوق المحلية، وتدهور المرافق والخدمات الصحية، وسوء الأوضاع المعيشية، إذ لا يستطيع المرضى مواصلة جلسات العلاج نتيجة التكاليف الباهظة في المستشفيات الخاصة.

بحسب الدراسة، بلغ عدد الأطباء النفسيين عام 2020 قرابة 59 طبيبًا؛ ما يعني توافر طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص في اليمن، ويصل إجمالي عدد العاملين الصحيين المتخصصين في الصحة النفسية (أطباء وممرضين ومعالجين) حوالي 300، أي بمعدل متخصص واحد لكل مائة ألف شخص.

تُبيّن الدراسة أن “الشبان من الفئة العمرية بين 16 و30 سنة يشكلون نسبة 80 في المائة من إجمالي الحالات التي تعاني من أمراض عقلية ونفسية”.

الثقافة المجتمعية والحرب

المختصة النفسية في إحدى المنظمات الإنسانية، إيمان البريهي، تقول لـ«المشاهد» إن الثقافة المجتمعية، والعادات والتقاليد تحول دون الحصول على الخدمات النفسية الطبية، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى مثل العامل الاقتصادي، وعدم الثقة في الأدوية الكيميائية، والخوف من الآثار الجانبية المحتملة لها وتفضيل العلاجات الشعبية.

وتُضيف البريهي أن جميع هذه الأسباب فاقمت من الأمراض النفسية في الأرياف، حيث تزيد الحالات سنويًا، لا سيما في ظل غياب الدور الحكومي؛ نتيجة الصراع القائم منذ سنوات.

الحرب في اليمن جلبت مآسي عدة للمواطنين، ومنها الاضطرابات النفسية، وتوضح منظمة الصليب الأحمر الدولية أن الإصابات النفسية تزايدت في مواضع متعددة، منها عائلات المفقودين والمختطفين، المصابين بإعاقة جسدية، المحتجزين المعرضين للتعذيب، الناجين من حوادث العنف الجنسي، وينعكس ذلك على النساء والأطفال كونهم الفئة الأشد ضعفا.

حلول مقترحة

اللجنة الدولية للصليب الأحمر تدعو إلى الاستثمار في الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في اليمن، وإدماج الصحة النفسية في جميع الاستجابات الإنسانية؛ لأن التدخلات المبكرة تعمل على الحيلولة دون تطور حالة الحزن إلى اضطرابات نفسية شديدة.

البريهي ترى أن توفير خدمات صحية نفسية عالية الجودة وسهولة وصول المرضى إليها، بالإضافة إلى توعية الناس بأهمية الرعاية النفسية والعلاجات المتاحة وفعاليتها، حلول ممكنة لمواجهة الأمراض النفسية في اليمن.

فيما ينصح المختصون بضرورة تفعيل دور الإعلام والمؤثرين وناشطي وسائل التواصل، وحث المواطنين على الرجوع إلى الطبيب النفسي المختص في حال التعرض لأية أزمة نفسية، مع توضيح النتائج السلبية الناجمة عن الاعتماد على المشعوذين.

مقالات مشابهة