المشاهد نت

الحكومة تفشل فى إيقاف تدهور الريال اليمنى

المشاهد-خالد الحميري-خاص:

سجلت العملة الوطنية أدنى مستوى لها في التاريخ، حيث اقترب سعر الورقة الخضراء (الدولار) من حاجز الـ600 ريال يمني، مع توقعات خبراء ومراقبين باستمرار هبوط وتدهور الريال مقابل العملات الأجنبية الصعبة؛ في ظل استمرار الحرب وغياب سياسات تعالج مسببات أزمة تدهور العملة.
وأسهمت الحرب المندلعة في البلاد منذ قرابة الأربعة أعوام، في زيادة معاناة الريال اليمني الذي ظل يسير منذ أشهر بخطوات متسارعة نحو التدهور، حيث ارتفع سعر صرف الدولار في السوق الموازي من 215 ريالاً في مارس/ آذار 2015 إلى 580 ريالاً في أغسطس/ آب 2018، ما يعني أن الريال خسر من قيمته ما يقارب النصف.
وترافق صعود سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني مع ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية، مع واقع مرير يعيشه اليمنيون جراء استمرار الحرب، وانقطاع المرتبات منذ عامين، وتدهور أوضاعهم الإنسانية بصورة مأساوية.

أسباب التدهور
يرجع خبراء اقتصاديون أسباب تراجع سعر الريال اليمني أمام الدولار، إلى الحرب القائمة في البلاد، وشحة النقد الأجنبي، والإفراط في الإصدار النقدي، ونشاط المضاربين في سوق الصرف، وغياب سلطة نقدية موحدة وفعالة على الجهاز المصرفي في كافة مناطق البلاد.
وقالت وزارة التخطيط، في تقرير حديث، إن شح موارد النقد الأجنبي ونفاد الاحتياطيات الخارجية والإفراط في الإصدار النقدي ونشاط المضاربين في سوق الصرف، هي أبرز العوامل الاقتصادية التي تقود أزمة تدهور قيمة الريال راهناً.
وأشارت إلى أن العوامل الاقتصادية منفردة لا تعد شرطاً كافياً لتفسير التدهور السريع في قيمة الريال، أو توقع اتجاهاته المستقبلية، فأجواء الحرب والعوامل السياسية والسيكولوجية، وغياب سلطة نقدية فاعلة، تفسر أيضاً بدرجة كبيرة التقلبات المتسارعة في قيمة العملة.
ويعتبر هذا التدهور في قيمة العملة الوطنية في الفترة الأخيرة، هو الأكبر في تاريخ البلاد، والذي يأتي في ظل انقسام المؤسسات المالية بين جماعة الحوثيين والحكومة الشرعية، وتهاوي احتياطي النقد الأجنبي إلى 987 مليون دولار (شاملة ودائع البنوك) في سبتمبر/ أيلول الماضي، مقابل 4.7 مليارات دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2014، بعد نهب الحوثيين الاحتياطي النقدي الأجنبي.

فشل حكومي في انقاذ الريال
دفع التدهور المريع للعملة الوطنية الحكومة الشرعية للتحرك لاتخاذ مزيد من الإجراءات للسيطرة على الأوضاع، ومن بين هذه الإجراءات إغلاق بعض محلات الصرافة غير المرخصة في عدن ومأرب وتعز، في محاولة للحد من انهيار العملة، وإعلان البنك المركزي تدخله بشكل مباشر لإنقاذ سعر العملة المحلية وإعادة الاستقرار إليها عبر ضخ العملة الصعبة إلى السوق، ودعم الاستيراد للسلع الأساسية اعتماداً على الوديعة السعودية المليارية.
وعلى الرغم من إيداع السعودية ملياري دولار كوديعة لصالح البنك المركزي اليمني، في مارس/ آذار الماضي، بعد مطالبة الحكومة الشرعية بمساعدات مالية عاجلة لإنقاذ الريال من الانهيار ودعم الاقتصاد المتداعي، إلا أن القيمة الشرائية للعملة الوطنية ظلت تشهد تدهوراً يومياً منذ أشهر، ومن دون توقف، ما أثار مخاوف قطاع المال والأعمال والمواطنين أيضاً.
وفشلت جهود البنك المركزي اليمني بعدن، في إنعاش الريال، بسحب الدفعة الأولى من الوديعة السعودية لتغطية الاعتمادات البنكية للمواد الأساسية بمبلغ وقدره 20 مليوناً و428 ألف دولار، ووقف التضارب غير الشرعي على العملة.
ولم تثمر إجراءات الحكومة الشرعية سوى في مزيد من التدهور للريال مقابل الدولار والعملات الأجنبية، وفشلت إدارة البنك المركزي في معالجة الأزمات العديدة التي تضرب القطاع المصرفي والاقتصاد الكلي للبلاد، وأكبرها أزمتا تهاوي الريال وشح السيولة النقدية.
ويبدو أن السلطات الحكومية نفسها باتت تدرك جيداً أن قراراتها للحد من تدهور قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، باتت غير نافذة وغير مجدية؛ وتلاها ركود اقتصادي مستمر وغير مسبوق.

طباعة عملة دون غطاء نقدي
تصاعد سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية أمام الريال اليمني، جاء عقب وصول شحنات جديدة من الأموال المطبوعة في روسيا بدون غطاء، رغم تحذيرات خبراء الاقتصاد اليمنيين من خطورة طباعة عملة جديدة دون غطاء من النقد الأجنبي، والتي تنذر بكارثة تهدد الاقتصاد، وقد تؤدي إلى إفلاس البلاد.
وتهاوى الريال اليمني مجدداً، وتراجع إلى مستويات قياسية منخفضة جديدة مقابل العملات الأجنبية، وسجل الأربعاء أكبر هبوط منذ بداية الحرب قبل أربع سنوات، بعد يومين من إعلان الرئيس هادي عبد ربه منصور هادي، عن تشكيل اللجنة الاقتصادية (المعنية بمعالجة الريال اليمني) برئاسة حافظ معياد.
وقال مصدر مصرفي لـ”المشاهد”، إن سعر الدولار الواحد في مصارف مدينة عدن التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة، وصل أمس الأربعاء، إلى 580 ريالاً، والريال السعودي إلى 155 ريالاً، فيما وصل سعر صرف الدولار في العاصمة صنعاء الخاضعة للحوثيين إلى 570 ريالاً، والريال السعودي إلى 152 ريالاً.
وهذا هو أسوأ انهيار للعملة اليمنية في تاريخ البلاد، لتصل نسبة التراجع 150% منذ اندلاع الحرب في مارس 2015م، حيث كان سعر الدولار الواحد حينها 215 ريالاً يمنياً، في أقصى نقطة انهيار وصلت لها العملة المحلية.

إقرأ أيضاً  تعز: العيد دون زيارات في ظل الحصار

ارتفاع جنوني للأسعار
الانحدار المخيف لقيمة العملة المحلية ينذر بكوارث اجتماعية وسياسية وإنسانية بدت بوادرها واضحة في الشارع، حيث أدى تدهور الريال المتسارع خلال الأيام الماضية، إلى موجة ارتفاع سعرية جنونية للسلع الغذائية، بما فيها الأرز والقمح والحليب، والوقود، حيث وصلت إلى مستويات قياسية.
وشهدت أسعار معظم السلع الأساسية ارتفاعاً غير مسبوق، بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني. ويرى خبراء اقتصاديون أن ارتفاع أسعار الصرف مرتبط في جانب منه بالمضاربة التي تقوم بها شركات الصرافة في السوق الموازية.
وانعكس انهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، على السلع الغذائية الأساسية التي تضاعفت أسعارها، وهو الأمر الذي يهدد بمفاقمة الأوضاع الاقتصادية للمواطنين بشكل متسارع، في ظل غياب الرقابة الرسمية على التجار من قبل السلطات، سواء في المدن الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين أو المحافظات التي تديرها الحكومة الشرعية.
وقال أحمد صالح (تاجر جملة في العاصمة صنعاء)، لـ”المشاهد” إن أسعار السلع ارتفعت خلال الأيام الأخيرة بنسبة مضاعفة، موضحاً أن سعر كيس الدقيق وزن 25 كيلو 5100 ريال، وكيس البر وزن 25 كيلو 4600 ريال، بينما وصل سعر السكر وزن 10 كيلو إلى 2700 ريال.
أما في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وحسب التاجر أبو حمدي، فإن سعر كيس الدقيق (50 كيلوغراماً) تجاوز 13000 ريال، وكيس الأرز قفز إلى 35 ألف ريال، بينما وصل سعر جالون الزيت (20 لتراً) إلى 10500 ريال.
ويصف المواطن صبري محمود التجار بالاستغلاليين، مشيراً إلى أنهم يتخذون من تدهور الريال فرصة لرفع الأسعار بشكل جنوني وعشوائي، خصوصاً في ظل غياب الرقابة الحكومية الرسمية، ما يتيح المجال أكثر أمام التجار للتلاعب بالأسعار.
ويضيف في حديثه لـ”المشاهد” أن غالبية التجار أظهروا خلال الأسابيع الماضية جشعاً غير مسبوق رغم معرفتهم ومعايشتهم للأوضاع الاقتصادية والمالية، والتي تأثرت سلباً مع الحرب المستمرة، وزادت تفاقماً وتدهوراً في ظل استمرار الحصار الحوثي على مدينة تعز.
وانعكس انهيار العملة الوطنية على أسعار المستهلك، حيث قُدر معدل التضخم التراكمي بحوالي 69 نقطة مئوية خلال الفترة بين ديسمبر 2014 ويونيو 2018، ما يؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعار السلع، الأمر الذي يضاعف معاناة اليمنيين الذين يعيشون منذ عامين بلا رواتب، بينما أكثر من 22 مليوناً يتهددهم الفقر.

تحذيرات أممية
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، حذر السبت الماضي، في بيان، من استمرار تدهور الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وعدم القيام بأي إجراء أو مبادرة لتهدئة اضطراب سوق الصرف، الذي يفوق الحرب من حيث آثاره وأضراره على الشعب اليمني.
وقال الحساب الرسمي للبرنامج في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، إن التدهور الحاصل في سعر العملة المحلية في اليمن، أدى إلى قفزة جديدة في الأسعار، ما فاقم الكارثة الإنسانية، ووسّع من رقعة الفقر في البلاد.
وتزايدت رقعة الفقر في اليمن بشكل غير مسبوق، جراء الحرب المستمرة منذ نحو أربعة أعوام، حيث ارتفعت نسبة الفقر في اليمن إلى 85%، من إجمالي عدد السكان البالغ 27.4 مليون نسمة، بحسب تقرير مؤشرات الاقتصاد اليمني الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.
وأوضح التقريرالذي صدر مطلع العام الجاري، أن 17 مليون نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و20.7 مليون نسمة بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما 9.8 مليون نسمة يتهددهم خطر المجاعة والموت جوعاً.
وأشار إلى أن ما يقارب 2.2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، و462 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، فيما تعاني 1.1 مليون امرأة من سوء التغذية، و2.2 مليون امرأة أو فتاة في سن الإنجاب معرضة صحتهن للخطر بسبب سوء التغذية.
ولفت التقرير إلى أن ما يقارب 90% من إجمالي عدد السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فيما يفتقر 15.7 مليون نسمة إلى المياه الصالحة للشرب ومرافق الصرف الصحي، في ظل وضع صحي متدهور ومنشآت صحية متوقفة، حيث يفتقر ما يقارب 65% من السكان إلى الرعاية الصحية الكافية.

مقالات مشابهة