المشاهد نت

تأثير الحرب نفسياً على اليمنيات

سمر اثناء عملها في النقش

الحديدة – سميرة عبداللطيف:

“دفعتني الظروف المعيشية الصعبة والحرب المستمرة للتخلي عن أحلامي في سن مبكرة، والنزول إلى سوق العمل”؛ هكذا تعبر سمر (اسم مستعار) عن واقعها المعيشي في اليمن، قائلة: “كنت أشعر بالخوف والحزن لبقائي في المنزل مكتوفة الأيدي، فطلبت من والدتي أن تبقى في المنزل وأنا خرجت للعمل. لم أكن أعلم حينها أن خروجي للعمل سيكلفني الكثير”.
وكانت والدة سمر تعمل في أحد المنازل بمحافظة الحديدة (غرب اليمن)، حيث تعيش، براتب 10 آلاف ريال يمني (12 دولاراً أمريكياً)، وهو مبلغ ضئيل أمام متطلبات الحياة والغلاء المعيشي.
وتقول سمر: “كانت جملة أمي تتردد على مسامعي كلما استلمت راتبها “ما شنهب بمفلوس دحين وما نوطي بها؟”، أي ماذا سنفعل بهذا المبلغ؟ وماذا نعمل به؟”.
وشكَّلت الحرب الدائرة في اليمن منذ مارس 2015، منعطفاً في حياة اليمنيين، بخاصة النساء اللاتي انعكس عليهن العبء الأكبر في رعاية أسرهن، نتيجة لغياب معيل الأسرة أو تعرضه لانتكاسة مرضية (جسدية، أو نفسية)، الأمر الذي جعلهن يتشبثن بأي عمل قد يصادفهن، ويرضين بأقل القليل، فأصبحن عرضة للعديد من المواقف والضغوط. فيما يتعرض بعضهن للعنف الممنهج من (الضرب والإهانات)، لينتهي بهن الأمر إلى العيادات النفسية.

معاناة نفسية

وعملت سمر في نقش النساء (وضع الحناء على أيديهن وأرجلهن بأشكال فنية مختلفة)، إضافة إلى التنظيف في منازل الميسورين.
وخلال فترة عملها عانت سمر (19 عاماً) من تدهور نفسي جعلها تنعزل في غرفتها الصغيرة بعيداً عن عيون أهلها والتفكير بالانتحار، كما تقول، وتضيف بنبرة حزينة: “كرهت الحياة، وتمنيت أن تنتهي ولا أعيش في هذا العذاب”.

سمر :كنت أتعرض للطرد من المنزل من قبل والدي حين لا أستطيع توفير حق القات أو إحضار مبلغ مالي”.


شردت سمر لبرهة في استذكار شعورها الأول حين دخلت مستشفى السلام للأمراض النفسية، لتعاودنا بابتسامة حزينة وهي تقول: “كنت أظن أني سأدخل مكاناً يكتظ بالمجانين الطليقين، لذا ترددت كثيراً بين الدخول والعودة، لكني تشجعت حين رأيت بعض النساء وهن يدخلن للعلاج”.
وكانت تتعرض للضرب في حال لم توفر مبلغاً مالياً لوالدها الذي يعاني من حالة نفسية بعد توقفه عن العمل، لشراء القات (وهو نبتة يمنية يتعاطاها أغلب اليمنيين بعد تناول الغداء).
وتقول سمر: “كنت أتعرض للطرد من المنزل من قبل والدي حين لا أستطيع توفير حق القات أو إحضار مبلغ مالي”.
وفي ردها على سؤال أين تذهب حين يطردها والدها؟ قالت: “كنت أخرج عند إحدى صديقاتي، أو أمشي في الشارع حتى أهدأ ثم أذهب عند جارتي”.

لماذا تزايدت أعداد المريضات نفسياً؟

وماتزال وصمة المرض النفسي هي الغالبة في المجتمع، الأمر الذي يجعل المرضى النفسيين لا يفصحون عن مرضهم أو حتى يبحثون عن العلاج، خشية التقاليد المجتمعية.
ويؤكد الاستشاري النفسي فؤاد أبكر، أن نظرة المجتمع السلبية لمستشفى الأمراض النفسية، وتدني الوعي في جانب الصحة النفسية، أسهما في ارتفاع نسبة المرضى النفسيين. لكن الحرب تعد العامل الأكثر تأثيراً في تزايد المرضى.
وبحسب منظمه الصحة العالمية، تنتشر الأمراض النفسية في الظروف العادية بنسبة 3-5٪ والمتوسط 10-15٪ والحروب 25-30٪ من عدد السكان، كما يقول أبكر.

أروى قاسم : هناك العديد من الخدمات والأنشطة والجهود التي بذلت في الجانب النفسي، لكنها توقفت مع الوضع الطارئ الذي تمر به البلاد، والذي أثر على جميع الفئات في الجانب النفسي، وأوقف العديد من الخدمات الصحية.


وعن مساعدة المرضى، تقول الأخصائية النفسية والباحثة الاجتماعية بمستشفى دار السلام، أروى قاسم لـ” المشاهد “: “لقد قُدمت سابقاً العديد من الأنشطة في الجانب النفسي، سواء كان للمرضى أو للمجتمع، حيث قمنا بتنفيذ العديد من الحملات التوعوية والنزول الميداني لجميع المنشآت التعليمية في الحديدة (مدارس، جامعات، ومراكز محو الأمية) وغيرها من الأماكن، فيما تعد خدمة الخط الساخن التي تم تنفيذها برعاية مشفى دار السلام، والعديد من الجهات والأكاديميين والمتخصصين، من أهم المنجزات التي نفذت عام 2009”.
وتشير قاسم إلى أن هناك العديد من الخدمات والأنشطة والجهود التي بذلت في الجانب النفسي، لكنها توقفت مع الوضع الطارئ الذي تمر به البلاد، والذي أثر على جميع الفئات في الجانب النفسي، وأوقف العديد من الخدمات الصحية.
وقدم مستشفى السلام خدمات طبية لـ8783 مواطناً، خلال العام 2019، بحسب ما يقول مديره العام الدكتور عبدالكريم النجدي، لـ”المشاهد”.

إقرأ أيضاً  شركات ترفض البطاقة الشخصية "الذكية" في مناطق سيطرة الحكومة

عبدالكريم النجدي : تم تشخيص 4410 حالات إصابة بفصام، و1086 حالة صرع، و123 هيستيريا، و367 قلق، و1620 اكتئاب، و97 تخلف عقلي، و164 ذهان، و200 هوس .


وأوضح النجدي أن الحالات التي استقبلها المستشفى من المدينة 7578 حالة، ومن الأرياف 1843 حالة، والمحافظات المجاورة 362 حالة. مشيراً إلى أن عدد الذكور من الحالات المترددة بلغ 6416 حالة، والإناث 2112، والأطفال 255 حالة.

صورة تعبيرية عن المرضي بالاكتئاب


ولفت إلى أنه تم تشخيص 4410 حالات إصابة بفصام، و1086 حالة صرع، و123 هيستيريا، و367 قلق، و1620 اكتئاب، و97 تخلف عقلي، و164 ذهان، و200 هوس، و24 حالة ثنائي القطب، فيما بلغت حالات الخرف 34، والشلل العصبي السابع 67، وضمور خلايا الدماغ 94، وشلل الأطفال 42، وجلطات دماغية وقلبية 73، وأخرى 382 حالة. منوهاً إلى أن قسم المختبر استقبل 1715 حالة، وقام بإجراء 10405 فحوصات مخبرية.
واستقبل قسم تخطيط الدماغ 516 حالة، ومركز العلاج الطبيعي 509 حالات، بعد افتتاحه مؤخراً، ورفده بالأجهزة اللازمة، كما يقول النجدي.
ويضيف أن إجمالي الرقود بالمستشفى بلغ 2755 حالة، منها 659 دخول و660 حالة خروج. فيما بلغت الوفيات 14 حالة، مشيراً إلى أنه تم تقديم كافة الخدمات الطبية والعلاجية للحالات المرضية الوافدة إلى المستشفى، حتى تماثل بعضهم للشفاء، فيما بعض الحالات تحسنت صحتها بنسبة عالية، ولازالت تتلقى العلاجات.
ويؤكد أن المستشفى يعمل على تقديم خدمات صحية متميزة ومتنوعة لكافة شرائح المجتمع، وبتكلفة بسيطة، وكذا تقديم خدمة صحية مجانية للنزلاء، مشيداً بدور قيادة السلطة المحلية ومكتبي الصحة والمالية وأهل الخير والمنظمات، في تذليل الصعوبات أمام المستشفى، وبما يسهم في استمرار تقديم خدماته لجميع أبناء المحافظة والمحافظات المجاورة.

استمرار الحرب أوقف خدمات مستشفى السلام

وقبل العام 2016، عمل مستشفى السلام على تقديم برنامج الاستشارات المجانية والتَّوجيه المنتظم الأُسبوعي من قِبلِ 6 أخصائيات مدربات بدقّة عالية للمساعدة والإرشاد النفسي، يعملن على استقبال اتصالات الموطنين والرد على أسئلتهم مجاناً من خلال الخط الساخن، وتقديم النصح والإرشاد لهم، فاستطاعت هذه الخدمة كسر حاجز الخوف والرهبة لدى الكثير للإبلاغ عن معاناتهم، والتحدث عن كل ما يشعرون به من دون أن يضطر لذكر الاسم أو يذهب إلى المشفى إذا لم تكن الحالة تستدعي ذلك. وقد وُجد تفاعل كبير من مختلف الفئات والمكانات الاجتماعية، بحسب أروى.
لكن هذه الخدمة توقفت، بسبب تفاقم الوضع آنذاك بوصول الاشتباكات، إلى جانب أزمة البترول، ونزوح العديد من طاقم الفريق، والعديد من الأسباب المتلاحقة، حسب قولها.
وأبدت مؤسسة رواحل مساعدتها من أجل مشروع تمكين المريضات نفيساً بالأشغال اليدوية كحرفة الخياطة، إلا أن الخوف من أن يساء استخدام الأدوات (الإبرة، والمقص) في تغيير المزاجية الفجائية للمريضات، أدى إلى التخوف من الفكرة، وحتى الآن لم يتم التأكيد من قبل المؤسسة على تنفيذ المشروع أو استبداله أو التوقف عنه، حسبما تقول أروى.
وتنصح سمر التي خضعت للعلاج في مستشفى السلام، النساء اللواتي يعانين من أمراض نفسية، بأن يذهبن للعلاج دون تحرج. وتقول: “أشعر بتحسن، وأصبحت بحال أفضل”.

مقالات مشابهة