المشاهد نت

حصار الحديدة.. منفذ وحيد ومعاناة متعددة الوجوه

الحديدة – علاء فقيرة

تتفرد محافظة الحديدة عن بقية المحافظات اليمنية بتعدد أشكال المعاناة فيها؛ الحصار الخانق، حرارة طقسها، والأوبئة المستوطنة فيها، الفقر والبطالة وانقطاع خدمات الكهرباء.

مركز المحافظة هي مدينة الحديدة، أو “عروسة البحر الأحمر” كما يسميها أهلها، صارت منذ منتصف العام 2018م جبهة القتال الأكثر شراسة بين أقطاب النزاع في اليمن، بمعارك عنيفة زادت من تفاقم الوضع المعيشي لسكان المدينة، فاضطر بعضهم للنزوح فيما يعيش البقية داخل مدينتهم المحاصرة من ثلاث جهات.

إذ مازالت الخنادق والمتاريس ممتدة من ساحل البحر غرباً لتحيط المدينة من جهتي الجنوب والشرق بخطوط نار تتجدد اشتباكاتها من يوم لآخر.

نتيجة ذلك هي قطع أهم مدخلين للمدينة؛ (الطريق الساحلي) جنوباً، و(طريق كيلو16) شرقاً، والأخير يمثل الشريان الرئيسي للمدينة فمنه يعبر أهالي ريف جنوب وشرق المحافظة إلى المدينة قاصدين المراكز الخدمية والصحية والتجارية والتعليمية.

منذ ثلاث سنوات صار على المسافرين سلوك طريق التفافية تتطلب منهم ثلاث أو أربع ساعات إضافية عبر المنفذ الأخير للمدينة وهو المنفذ الشمالي (خط الشام). بما يقتضيه ذلك من تكاليف مالية وما يكابده المسافرون و الطلاب، والمرضى خصوصاً أولئك المصابين بالفشل الكلوي ممن يحتاجون إلى غسيل الكلى مرتين أسبوعيا.

نماذج عن معاناة المتضررين
من جامعة الحديدة- كلية طب الأسنان، يتحدث الطالب (رياض صالح–اسم مستعار) الوافد من محافظة تعز قائلاً: قبل إغلاق خط (كيلو 16) لم أكن أحس بعناء السفر، أما حالياً فالمعاناة كبيرة.

كانت مدة السفر من تعز إلى الحديدة 5 ساعات وكانت تكلفة المواصلات ثلاثة آلاف ريال يمني، والآن صارت تكلفة المواصلات حوالي 20 ألف ريال يمني، أي أنها تضاعفت ست مرات!.
يضيف رياض: “صرت أقضي العطلة السنوية في الحديدة بدلاً من السفر إلى تعز، ومثلي عشرات الزملاء بعضهم من أبناء مديريات الحديدة كـ (زبيد وبيت الفقيه) وغيرهم من محافظات أخرى. طبعاً معاناتي هي الأصعب كون رحلتي تتجاوز 15 ساعة وتكلفة سفري هي الأغلى”.

(الدكتور/ يوسف العجيلي) عميد كلية التربية بجامعة الحديدة يتحدث عن تأثير هذا الوضع على الطلاب المقيمين في الريف، حيث تزايدت نسبة غيابهم عن المحاضرات نتيجة تضاعف تكاليف المواصلات ومدة السفر. في حين كانوا سابقاً يمرون عبر (خط كيلو16) قادمين من قراهم إلى الجامعة ليعودوا في نفس اليوم، أما الآن فيضطرون للتغيب وهو ما يؤثر سلباً على مستواهم الدراسي.

إقرأ أيضاً  جمود القطاع السياحي بتعز في زمن الحرب

في ذات السياق يقول المريض “مطهر البشري – 45 عاما” والذي يعاني من مرض الفشل الكلوي، أن رحلة سفره تستغرق خمس ساعات من مدينة الجراحي إلى مدينة الحديدة، مع تضاعف تكلفة المواصلات إلى خمسة آلاف ريال يمني.

بنبرات مؤلمة يقول :” كنت عامل بناء “حجر وطين” بالأجر اليومي قبل أن أصاب بمرض الفشل الكلوي الذي أعجزني عن العمل”.

موضحا أنه يقترض قيمة مصاريف السفر من أصدقائه إلى أن يحصل على مساعدة من أي فاعل خير أو تصله حوالة من أحد أقربائه.

(رضوان النمري- 32 سنة) محاسب يعمل في محل تجاري بمدينة باجل، يسافر أسبوعياً إلى الحديدة لقضاء إجازته عند أهله. يشكو من مشقة وعناء السفر عبر (خط الشام)، بعدما كان يقطع الرحلة في أقل من ساعة عبر (خط كيلو 16).

السائقون أيضا لهم معاناتهم، فمثلا (ناصر محمد -اسم مستعار- 40 عاما) يقول أنه كان يسافر من مديرية زبيد إلى الحديدة في ساعة واحدة فقط عبر (خط كيلو 16).

أما الآن فالسفر يستغرق ست ساعات على الخط الاسفلتي أو قرابة أربع ساعات عبر طريق رملية مختصرة محفوفة بالمخاطر.

بشأن معاناة المرضى يتحدث الدكتور (نايف أحمد) الذي يعمل في قسم الطوارئ بأحد المستشفيات الحكومية يقول: أغلب مرضى الريف يأتون وقد ساءت حالتهم بسبب طول مسافة الطريق.

وهناك من يؤجلون سفرهم بسبب ظروفهم المادية فلا يأتون إلا بعد تفاقم حالتهم الصحية”، ويحكي أنه في إحدى المرات تم إسعاف مريض مصاب بجلطة في القلب قادماً من (مديرية بيت الفقيه) واستغرق نقله 3 ساعات، وما إن وصل إلى بوابة المستشفى حتى فارق الحياة.

قصص كثيرة وعذابات يصعب حصرها، العامل الأساسي فيها هو إغلاق (طريق كيلو16). معظم ضحاياها هم سكان ريف الحديدة وبعض المحافظات القريبة مثل ريمة والمحويت.

ستظل المعاناة وتستمر المآسي ما لم يتم إعادة فتح هذا الطريق الذي كان لإقفاله التأثير الأوسع نطاقاً عن بقية نتائج المعركة المعروفة إعلامياً بمسمى (معركة الحديدة).


تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة صحفيي السلام اليمنيين ومبادرة يمن بيس في إطار نشاط بناة السلام لمنصتي 30

مقالات مشابهة