المشاهد نت

المثقف اليمني: بيع الكتب لشراء الخبز

المشاهد-معاذ الحيدري-خاص:

يختلف الجميع حول مسببات الحرب في اليمن، ويتفقون حول تأثيرها على جوانب الحياة المختلفة، كالجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والجانب الثقافي ليس استثناﺀ من ذلك، فقد كان المشهد الثقافي اليمني أبرز المتضررين بالحرب من خلال انهيار المؤسسات الثقافية، من اغلاق الصحف إلى اغلاق المواقع الالكترونية، إلى التدهور الكبير الذي طال كل المتنفسات الثقافية. الأمر الذي جعل المثقف اليمني، يدفع الثمن باهظا، ووصل الأمر إلى عدم قدرة هذا المثقف على الصمود والبقاء.

بقاء الحرب، وبقاء المؤسسات الثقافية مغلقة، ومدمرة ومنهارة، دفع بكثير من المثقفين، إلى اعلانهم عن بيع مكتباتهم، نتيجة لظروفهم المعيشية الصعبة، كان اخرهم الاديب والمثقف محمد القعود، وقبله الكاتب الصحفي حسن عبد الوارث، الأمر الذي ينذر بأزمة ثقافية، ويعرض المخزون الثقافي والمكتبات الثقافية للشتات والتمزق والضياع.

يذهب وزير الثقافة السابق خالد الرويشان في حديثه، ورده عن اعلان أحد المثقفين والادباء مكتبته للبيع، بالقول: “لا تبِعْ مكتبتك شاعري الجميل محمد القعود! ستموت بعدها حسرةً وقهرًا. أعرفك؛ لذلك لا تفعل ..لو فعلت ستندم وتأكل قلبك الحسرة وتموت كل يوم وأنت تتساقط وتتهاوى كجدّك الشاعر الأول امرئ القيس.. مات البردوني قهرًا وصبرًا ومرضًا واليوم يموت شعراء اليمن وفنانوه ..يموتون كل لحظة ثقيلة جاثمة فوق صدورهم ..تنفجر قلوبهم قهرًا وشرايينهم جوعًا، لكنك لن تموت قهرا ونحن أحياء هنا ثق من ذلك”.

ويضيف الرويشان: “لا تَبِع .. لأن تِبْعان الله سينتهزون الفرصة ويشترون واحدة من أروع مكتبات البيوت الخاصة ..لا ليقرأوا ، بل ليضعوها للتفاخر على الصفيف فوق النوافذ! لا أحد يبيع شغف العمر وشغاف القلب للصفيف أو للجدْر مهما تكن الظروف”.

أمر محزن

يقول الصحفي والاديب محمد عبد المغني، في حديثه لـ “المشاهد”: “حقيقة ان ما حدث ويحدث للشاعر محمد القعود بعد ان قرر بيع مكتبته ليتمكن من إعالة اسرته يدعونا للحزن الكبير فبعد ان نالت هذه الحرب من كل شيء ها هي اليوم تنال من روح وعقل المجتمع المكون من شعراء وكتاب ومثقفين”.

ويضيف: “كان يقال لنا سابقا ان المثقف لا يمكن ان يعيش في عزلة عالمية او عزلة اجتماعية فهو يرى المجتمعات والعالم كل يوم داخل مكتبته او بداخل مجموعة الكتب التي اقتناها طيلة مسيرة اطلاعه وبحثه غير أن الوضع اليوم في اليمن قد اختلف تماما فماذا يمكن ان يحدث بعد أن أصبح الوضع نتيجة الحرب لا يتيح للمثقف من توفير ابسط مقومات الحياة لأسرته وقد يلجأ إلى بيع ثروته التي تتمثل في هذه الكتب، أربع سنوات من حرب عصفت بكل شيء والغت كل ملامح الحياة في هذه البلاد اصبح فيها المثقف أيضا عاجز عن  توفير قوت يومه بالفعل هو شيء مؤسف للغاية وسيكون له تأثيراته على مستقبل المعرفة والحياة الفكرية الأدبية في البلاد”.

من أراد أن يهتم بالأدب فليستعد للموت جوعا

من جهته يقول خالد عياش: “من أراد أن يهتم بالأدب، فليستعد للموت جوعا، وهذا ليس حثّاً للناس على ترك الأدب، بقدر ما أعني أن من واجب الدولة والمجتمع الوقوف إلى جوار الأديب ومساندته في معركة الحياة؛ فالأديب ليس سياسياً لئيماً يختلس المال العام بالباطل، ولا تاجراً جشعاً يبذل كل ما في وسعه لكي يربح أضعاف ما بذل، ولا هو حاجبٌ، ولا مسؤولٌ في ديوان الجُنْد يخصم من رواتب الجنود ما ينمّي ثروته ويعزّز به سلطته، ولا هو موظّفٌ في مصلحة المكوس والضرائب تُجبى إليه الإتاوات فينتقي منها ما يشاء”.

ويتابع عياش: “الأديب ليس سوى إنسانٍ نبيل، لا يملك سوى الكلمات الطيبة، والعبارات الرائعة، يعتصر روحَه لكي يصل إليها، فيخرجها للناس عذبةً نقيّةً، تروي وجدانهم وتغذّي عقولهم لذلك لا عَجَب، أن يخرج إلينا الأديب اليمني محمد القعود، مُعلناً عن استعداده بيعَ مكتبته التي تحوي بين جنباتها قرابة الثمانية آلاف عنواناً؛ وذلك بعد أن أصبح الوضع مزرياً، وبعد أن بلغتْ الديون الحدّ الذي لا يُطاق ففي ظل هذا الوضع الشاذ، كل المآسي متوقّعة، لاسيما مآسي الأدباء”.

وأطلق كتاب وادباء يمنيون، مناشدة على وسائل التواصل الاجتماعي، بشأن ما يتعرض له الاديب اليمني عبد الودود سيف، الذي يتعرض للموت جراء تعرضه لجلطة، أقعدته الفراش، وسيف من الادباء اليمنيين البارزين والذين كان لهم أدوار ثقافية بارزة. وعمل سيف رئيسا لتحرير صحيفة الثورة، وأيضا له أعمال ثقافية وأدبية واسعة.

المثقف كان ولا زال عرضة للقمع والسجن والاعتقال

ويجمع مثقفون وأدباء يمنيون على أنه منذ بدء الحرب وحتى الآن يستمر غياب الثقافة والمثقفين بشكل متسارع، وأسباب ذلك كثيرة، خصوصاً أن الحالة الثقافية في اليمن ليست مؤسسية؛ ولكن الملفت أنه مع الحرب زاد وضعها سوءاً، وصل إلى حدّ غيابها بشكل كبير، وما تناقص عدد الأنشطة والفعاليات الثقافية المُختلفة إلا تأكيد على تدهورها في البلاد. ليس هذا فحسب بل وصل الحال إلى تحول المثقفين والنُخب الثقافية إلى أدوات تُستخدم بشكل سلبي في الصراع الراهن، وأصبح الكثير من المثقفين يكتبون عن الموت والخراب ولم يقوموا بدورهم الذي يفترض بهم في هكذا حال، وهو صناعة الوعي والحفاظ على الحالة الثقافية وتوهجها حتى لا تتضاعف مأساة البلاد والعباد، بحسب تعبير البعض. ناهيك عن تعرض بعض المثقفين والادباء والكتاب للتضييق والملاحقة وإسكاتهم بطريقة أو بأخرى.

إقرأ أيضاً  تفوق أطفال اليمن في مسابقات الحساب الذهني

يقول الصحفي نبيل الشرعبي في حديثه لـ “المشاهد”: “لم يكن المثقف اليمني أو الأديب بمعزل عما تمر به البلد من حالة تكسير، وقد ناله كثير من القمع ومصادرة الحق بالعيش كأديب مورس على الاديب اليمني صنوف متعددة من الانتهاكات والحروب غير المعلنة بدء بمصادرة حقوقه ومرور بإغلاق كافة نوافذ التنفس الاعلامي امامه ناهيك عن تعرض بعض للضرب والسجن وغير ذلك لم ينال الاديب مثلما ناله من قمع خلال سنوات الحرب التي تعصف باليمن”.

الوزير دماج يرد على سؤال المشاهد ويحمل الدولة المسؤولية

“المشاهد” تواصل، مع وزير الثقافة، في حكومة أحمد عبيد بن دغر، مروان دماج، وطرح أمامه جزء مما يتعرض له المثقفون والادباء والكتاب اليمنيين من وضع مؤسف وصل ببعضهم إلى عرض مكتباتهم للبيع مقابل العيش، وعما اذا كان لوزارته جهود في هذا الاتجاه، دماج وبدوره رد على استفسار “المشاهد” بالقول: “دفعت الحرب الاجرامية التي دشنها الحوثي بأغلب اليمنيين الى حافة الفاقة وكان المثقفين عموما يعيشون اوضاعا اقتصادية ومادية سيئة حتى قبل الازمة والثورة والحرب وكانوا مثل اغلب المواطنين محرمون من التغطية الصحية والاجتماعية وزاد الامر سوء مع الانقلاب الرجعي والحرب .. هذا امر مؤسف ولابد من انجاز إطار لمعالجة وضع المثقفين والادباء سوى في جانب الصحي او المعيشي غير صرف المساعدات والاعانات الموسمية والاستنسابية وهو الامر الذي لابد ان يكون في إطار توفير الضمانات والحقوق لعموم الموطنين وهذه مسؤولية الدولة نعم لكنها اساسا مسؤولية عموم الموطنين فلا شيء يحصل بدون نضال واصرار على نيل الحقوق …هناك من المثقفين من فقد حياته او مسكنه او مصدر عيشه في هذه الحرب اللعينة والتي كان يمكن تجنبها لولا اطماع واوهام وتخلف الحركة الحوثية ومن يقف ورائها”.

اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين في الجنوب يواجه محاولات التشطير والتفكيك

ويواجه اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين حملة شرسة، في جنوب اليمن، وتحديدا في محافظة عدن. ولم ينفرط عقد الاتحاد لكن التاريخ تغير، وبحسب تعبير أمين عام الاتحاد فرع عدن، “أصبح أمر المحافظة على عنصر الوحدة في الاتحاد هو الموضوع الرئيس لنضالنا في وطن يتشظّى كل يوم”.

وتتوالى البيانات ضد “اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين”، وهي بيانات معبّرة عن رغبات مختلفة، بعضها صافٍ ورقراق، وبعضها بالتأكيد مضمر ومموّه وغير معبّر عنها بصورة واضحة. يتجلى ذلك الأمر في ملمح اللغة غير المتوازنة، من حيث إطلاق الصفات على الاتحاد بصورة لا تمت للأدب بصلة، والآمرة في بعض الأحيان –لإطار ثقافي يستميت في البقاء برغم صروف الدهر لغة تخلو من العقلانية والتواضع، لغة تنسى أن هذا هو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وليس جمعية قروية، كما طرح بعض القائمين على الاتحاد.

وكتب رئيس اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين: “لم أكن أنوي الكتابة في هذا الموضوع، غير أن حماس الأدباء الشبان في بياناتهم وآرائهم المنثورة هنا وهناك، هي التي دفعتني إلى الكتابة من موقعي الثقافي من جهة، والنقابي من جهة أخرى. ومعظم هذه المنشورات تُلوِّح بعقد مقارنة بين دَور الاتحاد إبان التشطير، ودوره في حالة الحرب التي عصفت بكل شيء فلم تبق ولم تذر، من دون النظر الى تاريخية الوضع والموضوع، وبصورة أدق، بنوع من المبالغة والشطط، فبعضهم على سبيل المثال يطلب من الاتحاد أن يعقد اجتماعات الأمانة العامة والمجلس التنفيذي ولم يقل لنا أحد، كيف؟ ومتى؟ وأين؟

وأضاف “أمر انعقاد دورة للمجلس التنفيذي أو حتى اجتماعاً للأمانة العامة أصبح مستحيلاً في هذه الظروف، ببساطة ومن دون مواربة؛ لأن هذه الهيئات مبعثرة في جغرافيا الوطن الغارق في الدم وفي الشتات خارج الوطن. الأمانة العامة للاتحاد ومجلسه التنفيذي تتشكل من الناس الذين شردتهم الحرب، لكنها لم تستطع أن ترهنهم لأحد وكلفة التئامهم باهظة، علماً أنها كانت كذلك حتى في أيام السلم، بعدما حُجبت موازنة الاتحاد وانعدمت موارده منذ 2014، مكافأة لمواقفه غير المنحازة أو المرتهنة. لم يُسلّم الاتحاد رايته لأحد، محافظةً من أمانته العامة على وحدته وعلى إرث مؤسسيه”.

وتابع: “إننا اليوم في اتحاد الأدباء والكتاب لسنا ضد أحد، ونرى أن قضية الاتحاد الأولى هي الحفاظ على وحدته، والسعي مع الخيرين في الوطن إلى رفع صوت العقل ووقف الحرب التي دمرت كل مقدرات شعبنا، كما أن الأمانة العامة تحافظ على موقع الاتحاد العربي والدولي في المحافل الخارجية بمجهودات شخصية. وللشباب الواعد الذي سيرث لاتحاد لا محالة”.

وختم: “أقول إن التنظير سهل لكن الحفاظ على هذه المؤسسة الوطنية العريقة من قوت أولادك ليس سهلا، ولا تعملوا على تفكيك الاتحاد، وهو الأمر الذي عجزت عنه السلطات المتعاقبة على اليمن، منذ الجمهوريتين وصولاً إلى سلطة الحرب”.

مقالات مشابهة