المشاهد نت

حماية الأجيال من “الطائفية والتطرف” في البيوت

تعديل المناهج المدرسية في اليمن يماثل الثورة الإيرانية حين غير نظامها المناهج في إيران عام 1979

صنعاء – فاطمة العنسي

تتجاهل أسماء حامد (30 عامًا)، دروس ابنتيها في الصفين السابع والثامن، للمواد الدراسية التي تم تعديها مؤخرًا، متعمدة عدم الخوض في تفاصليها، لاسيما التي تحمل طابعًا طائفيًا مذهبيًا توجيهيًا.

تقول أسماء، في حديثها لـ”المشاهد”: ما عدت أسعى مثل السابق لحصول بناتي على المراتب الأولى في الاختبارات، بت أراعي ما يمكن أن يؤثر سلبًا على عقولهن، بتركه وعدم الخوض فيه، وفي حالة دروس القرآن والإسلامية أعيد شرح الدروس بالطريقة الصحيحة التي تعلمناها في مناهجنا الأولى بعيدًا عن التطرف.

“صحيح أن بناتي لم يعدن من الأوائل كما عهدتهن، لكنني برفقة والدهن مدركة حقيقة ما تخبئه تلك الدروس المفخخة من تضليل للحقائق وتربية أطفال مسلوبي الإرادة والتفكير، في تمجيد أسرة واحدة، وأحيانًا يراودني التفكير في توقيفهن عن الدراسة، وتعليمهن من المنزل في معاهد وعبر الإنترنت”، تضيف أسماء.

“تطييف” المناهج

في إطار سعيها لتعزيز قبضتها على المناطق الواقعة تحت سيطرتها، تستهدف جماعة الحوثي الأطفال والشباب بصورة ممنهجة، لغرس أيديولوجيتها عبر تغيير المناهج الدراسية، في خطوة تشبه ما اتخذته الثورة الإيرانية عام 1979، حين غيّر نظام آية الله الخميني المناهج الدراسية في إيران، كوسيلة لتشكيل الجيل القادم، حسب تقرير لمنتدى سلام اليمن، نشر في نوفمبر العام الماضي، عن التعديلات التي أدخلتها جماعة الحوثي على المناهج الدراسية.

يقول التقرير إن “تولي الحوثيين زمام الأمور في العملية التعليمية، ينذر بمضاعفة تحويل المدارس والجامعات إلى وحدات إنتاج حشد طائفي، لاسيما بعد غرس الإمامية والمذهبية، ومداهمتها لعقول طلاب اليمن ممن مازالوا في سن الطفولة”.

ولخصت منصة صدق اليمنية، في تقرير استقصائي حول التغيرات التي طرأت على المناهج الدراسية في مناطق سيطرة الحوثيين، وشمل التقرير تعديلات المناهج في الصفوف الأولى من المرحلة الأساسية، تحقيقًا آخر عن التغييرات في الصفوف المتأخرة من المرحلة الأساسية.

وحسب التحقيق الأول، فقد ركز الحوثيون في التعديلات على 4 مواد دراسية: القرآن الكريم، التربية الإسلامية، اللغة العربية، والتربية الاجتماعية.

ولفت التقرير إلى وجود تغييرات طفيفة في مواد أخرى، لكنها تأتي من باب عدم لفت الانتباه إلى التغييرات الجذرية في المواد المذكورة.

رابط تقرير استقصائي-تغيير المناهج الدراسية-الصفوف الأساسية الأولى

رابط تقرير استقصائي-تغيير المناهج الدراسية من سابع إلى تاسع

يقسم التقرير التغييرات التي أحدثتها جماعة الحوثي، إلى ثلاثة أقسام: تغييرات عقائدية طائفية، تغييرات سياسية، وتغييرات غير سياسية أو طائفية.

وتشمل التغييرات إضافة أو حذف دروس كانت مثبتة في المنهج السابق، بالإضافة إلى تعديل شرح الآيات والأحاديث وفق التوجه العقائدي للجماعة، أضف إلى ذلك توظيف بعض الدروس توظيفًا سياسيًا طائفيًا في فقرة ما يستفاد من الدرس.

تفادي المفاهيم المغلوطة

بالنسبة لنسيم محمد (29 عامًا)، وهي أم لطفل، فهي مضطرة إلى أن تحفظ ابنها ما في الكتاب الدراسي من غير شرح المحتوى، كما هو، من أجل الحصول على الدرجات الكاملة، تقول نسيم: “ابني صغير، مازال غير مدرك، لو شرحت له الدروس، خصوصًا أنها ممنهجة لا تمت للحقيقة بصلة، فضلًا عن وجود دروس تمجد القتال والعنف، لكني أسعى إلى تلقينه الدروس كحفظ فقط”.

إقرأ أيضاً  إحصائية: جماعة الحوثي الأولى في تفجير المنازل

وتوجه نسيم خطابها إلى أولياء الأمور، بغرس مفاهيم الدين الصحيح، وعدم ترك الطالب بيد المدرسة تزرع في عقله ما تشاء، مشيرة إلى أن غياب دور الأسرة لإصلاح الخلل القائم في المناهج، وعدم اللحاق بركب التقدم والتطور التعليمي الذي يشهده العالم، هو ما ينبغي إدراكه قبل فوات الأوان.

وتتابع لـ”المشاهد”: أنصح الأسر أيضًا بعدم التركز على التفاصيل، أو مناقشتها أمام الأطفال. علموا أطفالكم الثوابت الوطنية، والاعتدال والوسطية، لكن ليس بالهجوم المباشر أو المنع المطلق، خوفًا عليهم من التأثير النفسي، ممكن أن نشرح لهم سيرة الصحابة والتابعين والأبطال العرب كقصص ملهمة للاقتداء بها، تجنبًا لبناء نماذج حقيقية من الأطفال مستقبلًا ممن قد يتحولون إلى مقاتلين ضد المدنية وضد المجتمع في سبيل الولاء إلى طائفة محددة وفكر معين، يتعين على الأسر حماية الأطفال من التلقين العقائدي، وحماية الأجيال من التطرف والإرهاب.

صعوبة الموقف

ترى آية خالد، صحفية متخصصة في قضايا الطفولة والمنتجات الإعلامية الموجهة للأطفال، أن دور الأسرة صعب، لأن الطالب ملزم بأخذ المنهج المطروح عليه كما هو، والمعمم من قبل الوزارة والمدارس، مشيرة إلى أن دور الأسرة يكمن في تصحيح المفاهيم المغلوطة للطلاب، وإرجاعهم للأصول والحقائق دون تحريف أو تفخيم.

وتضيف في حديث لـ”المشاهد”: “هناك أسر عملوا على تسجيل أبنائهم كمستمعين من أجل الحصول على الشهادة فقط، وعملوا على إلحاقهم بمعاهد لتعلم مهارات ودراسة اللغات والكمبيوتر، وهذا حل، ولكنه ليس صحيًا؛ كون الطفل بحاجة للجو المدرسي والأصدقاء، هذا يشكل جزءًا من شخصيته، ويصقل مهاراته، لكن اضطر الكثير له حفاظًا على أطفالهم”.

أي شيء ممكن أن تعرضه على الطفل يكوِّن شخصيته مستقبلًا، فمراحل تجسيد شخصية الطفل تكون من عمر 6 سنوات إلى 12 سنة، عندما يتعرض الطفل إلى مناهج طائفية عقائدية، فإننا نزرع داخله حقدًا سياسيًا توجيهيًا حزبيًا، يبني داخله عنصرية ضد فئة معينة، ويكبر طفلًا غير سوي، في داخلة رغبة بالانتقام والثأر، إنها طريقة كارثية على أطفال اليمن، هذه الطريقة كانت تستخدم خارج إطار المدرسة عن طريق الدورات والمخيمات والبرامج الصيفية، لكنها الآن باتت على كراسي الدراسة، وهذا ما لا يجب السكوت عنه، تقول آية.

وتتابع: يجب أن تتم الرقابة من قبل وزارة التربية والتعليم، مع سحب المناهج المعدلة، وإنقاذ العملية التعليمية من مزيد من الانهيار في أسرع وقت، كما يجب على الحكومة الشرعية أن تقوم بدورها للحد من كل هذا العبث.

يرى تقرير منتدى سلام اليمن أن “واجب المؤسسات الوطنية أن تعمل مع الأسرة لوقف تسلل هذه الأفكار إلى المدارس والحياة اليومية للأطفال، إذا لم يتم فعل شيء للحد من تأثير هذا التلقين العقائدي، ستمضي أجيال من الشباب اليمني نحو مستقل يكون فيه أعلى تطلعاتهم في الحياة، هو الاستشهاد في معركة، حيث سيشار إلى الشهرة والنجاح من خلال تعليق صورته في الشوارع، معتقدين أن العنف الذي يرتكبونه كان باسم الدين وباسم الله”.

مقالات مشابهة