المشاهد نت

مشاريع نسائية  في زمن كورونا

مشروع إنتاج حيواني تقوده سيدتان بصنعاء-اليمن

صنعاء-فاطمة العنسي

في كل صباح تنهض لجين الوزير برفقة أمها واختها بنشاط، للتعاون على أداء مهام رعاية مزرعتها في سطح منزلها، فيقمن بتنظيف واطعام الحيوانات المختلفة من الأغنام، والأرانب، والبط، والدجاج، والماعز. هكذا تبدأ أيام لجين، وهي فتاة عشرينية في العاصمة صنعاء، منذ بدأت تدابير الصحة العامة التي فرضتها جائحة كورونا في اليمن في مارس عام 2019.

عن مشروعها تقول لجين، “أُغلقت كلية الزراعة التي أدرس فيها، وبقيت في المنزل لأشهر، فكرت بطريقة استثمر فيها وقت فراغي، بمشروع متعلق بدراستي، فخطرت لي فكرة، بإنشاء مشروع خاص يتعلق بالحيوانات على سطح منزلنا، وفعلاً بدأت مشروعي برأس مال قدره 1000 دولار.

أطلقت لٌجين، على مشروعها اسم “الذهب الساري”، وتستخدم صفحة على الفيس بوك باسم “مزرعتي في بيتي” للتسويق لمزرعتها الصغيرة.

بدأت بتربية سلالة من الدجاج البلدي والخارجي، والديك الرومي والتركي، ومن ثم انتقلت الى تربية الدجاج البياض من سلالة لوهمان الهولندية، بالإضافة الى عدد من الأغنام والماعز.

استمع الى القصة كاملة في البودكاست التالي:

في منتصف 2020، بلغ دخل لجين الشهري حوالي 200 دولار امريكي، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف معدل راتب الموظف متوسط الدخل والذي يبلغ نحو (36.800 ألف ريال يمني)، وهو ما تراه إنجازاً، في ظل ارتفاع نسبة البطالة الى 60% في اليمن خلال السنوات الأخيرة، وفق تقارير حكومية.

 بسبب طبيعته وخروجه عن الأعراف المحلية، واجه مشروع لجين العديد من الانتقادات من المحيطين بها والمجتمع، عن هذا الجانب تقول، ” أغلب الانتقادات هي أن ما أقوم به هو إن المهنة لفتيات القرية، ولا تناسبني او تناسب بيئتي المدنية، فكيف سأتمكن من تربية الحيوانات المختلفة وليس لي خبرة كافية، كما أن السطح ليس مكانا مناسبا للحيوانات مثل الماعز الهندي، وغيرها”.

 وتضيف لجين، “بيد أن حبي لمشروعي غيرت النظرة، وبات من كانوا أول المتذمرين من أصوات وروائح المزرعة، وهم جيراني، مالكي مشاريع مماثلة، وكنت أنا الدافع الأول لهم، حيث أصبحت ست عائلات منهم تربي الدجاج البلدي، وأربع أسر أخرى تملك دجاج بلدي، وأغنام وماعز.

ولم تكتفي لجين بتشجيع جيرانها لحذو حذوها، بل شجعت النساء خاصة على البدء بمشاريع مشابه، وعن هذا تقول “أصبحت حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، مرجعا لمن تريد النصح والإرشاد، وأستطيع الان القول بأني أصبحت بمكانة جيدة، في مجتمعي الذي بات يراني سيدة أعمال أملك مشروعي ومصدر دخلي الخاص، كما أنني أصبحت مستشارة ومختصة بالثروة الحيوانية في قطاع الاستثمار اللجنة الزراعية العليا في صنعاء، والذي اعتبره فخر كبير لي”.

مشروع الألبان

مشاريع نسائية  في زمن كورونا
ينتج المشروع منتجات الألبان الطازجة

عند الهبوط قليلا من السطح، المليء بأصوات الحيوانات وحركاتها العشوائية، الى الطابق الأسفل، توجد جوى الوزير شقيقة لُجين، هي أيضا تملك مشروعها الخاص في تصنيع الاجبان والالبان الطازجة.

بدأت جوى مشروعها بعد لٌجين بأشهر قليلة، وهي أيضاً اختارت تخصصاً متعلقا بدارستها، فهي حاصلة على بكالوريوس   قسم علوم الأغذية والتغذية كلية الزراعة، لتعلن الشقيقتان دمج طموحهن في مشروع واحد.

تقول جوى: بدأت تصنيع الجبن في الجامعة خلال سنوات الدراسة، إذ استحضرت فكرة تصنيع الجبن من حليب الأبقار المحلية، بحيث يكون طازجاً عوضا عن الحليب البودرة، وكانت تجربة ناجحة، استفدت منها شخصياً واستهلكته في بيتنا، إلى أن تطور الأمر ــ بعد سنوات في مشروع خاص”.

يحمل مشروع جوى اسمها، وقد تفاجأت بإقبال الناس للمنتجات الطبيعية، من زبادي، وسمن، ولبن، ولبنة، وقشطة، “ولان منتجاتي صحية ومضمونة، بت أتلقى طلبات من محافظات أخرى للبيع، كما أن مشروعي حاصل على ترخيص من وزارة الصناعة والتجارة” تضيف جوى.

مشاريع نسائية  في زمن كورونا

على غرار التحديات التي واجهت لٌجين في مشروعها، واجهت جوى كذلك، مشاكل ارتفاع تكاليف المشتقات النفطية وأسعار الكهرباء، ما أثر سلبا على توسيع وانتشار المنتجات الى بقية المحافظات، ومدى صلاحيتها اذ تحتاج الى التبريد المستمر.

لجين وجوى هن نموذج من بين مئات النساء اللواتي بدأن مشاريعهن الخاصة خلال فترة جائحة كورونا في البلاد، فبحسب دراسة ميدانية أجرتها مؤسسة  SMEPS( وهي  وكالة رائدة في تنمية المنشآت والمشاريع المنزلية في اليمن)، تزايدت اعداد المشاريع المنزلية التي قادتها النساء منذ 2019، الى 40%  في العام 2020. وفق مسؤول المشاريع رفعت العريقي.

إقرأ أيضاً  الانتهاكات الإنسانية باليمن «مازالت مستمرة»

وتهدف منظمة SMPES   إلى تعزيز دور المرأة العاملة من خلال تعزيز مرونة الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تملكها وتديرها النساء في السياقات الهشة، وقد وصل برنامجهن “برنامج المرأة الشجاعة” الى 800 امرأة على الأقل من الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من خلال تدريب متخصص في مجال الأعمال ومساعدة 400 منهن على الأقل للتأهل للحصول على الدعم المشترك للمنح والمساعدات الفنية في اليمن.

ويقول مسؤول المشاريع في المنظمة رفعت العريقي إن مبيعات المستفيدات من البرنامج ازدادت بنحو 86% سنوياً.

دور المرأة

“استطاعت اليمنيات تنفيذ العديد من المشاريع المنزلية، خلال جائحة كوفيد 19، وإيجاد مصادر دخل في ظل الصراع القائم والذي تحول لعائق كبير امام طموحات الشباب والشابات وتطلعاتهم\ن، وساهمت المشاريع بمكافحة الظروف الاقتصادية والأزمات الإنسانية التي تعصف بالبلاد” بحسب المحامية والمدافعة على حقوق النساء في اليمن هدى الصراري.

وتضيف المحامية هدى: “إدارة النساء لمشاريعها الخاصة، عزز دورها في المجتمع واثبتت أنها عنصر فعال وشريك أساسي مع الرجل في مجابهة الأزمات، كما ساهمت المشاريع النسائية بكسر الحاجز المجتمعي، والعادات الاجتماعية البالية المتمثلة في عدم السماح للنساء في الخروج من المنزل والعمل والاختلاط، والضغط عليها بالبقاء تحت رحمة المعيل في الاسرة”.

مشيرة كما غيرت المشاريع النسائية التفكير النمطي عن النساء، فأصبح للمرأة موقفها، وكلمتها، وأثبتت أن بإمكانها تولي زمام الأمور والقرارات”. وفق المحامية هدى الصراري.

من جهتها تؤكد مديرة إدارة المرأة في غرفة التجارة والصناعة تغريد البركاني، أن مشاريع النساء سيدات الأعمال انتعشت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة بصورة ملحوظة بدليل زيادة عدد طلبات التراخيص المقدمة من قبلهن، من مكتب الصناعة والتجارة.

مستدركة، “لكن أغلب سيدات الاعمال اللواتي يزاولن مشاريعهن من المنازل لا يستخرجن تراخيص مزاولة مهنة كما تتقدم إلينا طلبات التراخيص فقط من النساء اللواتي عليهن اشتراطات لازمة من جهات عمل معينة فقط”.

وازداد عدد التراخيص المستخرجة من الغرفة خلال عام 2022 للمشاريع النسائية، بنحو 30%، عن العام 2021.

وتؤكد المدربة الهام الزريقي رئيسة قسم التدريب في الجمعية الخيرية للأسر المنتجة في اليمن، “أن الواقع المفروض في ظل الحرب القائمة وحاجة الأسر الى مصدر دخل، ساهم في وجود نهضة مشاريع ريادية على مستوى المحافظة خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في ظل غياب الرجل او انشغاله بالحرب”.

وتضيف المدربة الهام: ” برزت النساء في مشاريع ابتكارية ومنافسة للسوق خلال فترة كورونا، فهناك من حالفها الحظ وحصلت على منح مالية من قبل جهات داعمة، وطورت من مشروعها مثل المطاعم والكافيات ومعامل الخياطة وغيره أيضا في التجارة واستيراد البضائع التي تلبي رغبات العملاء”.

مشيرة إلى أن أثر هذه المشاريع على دور المرأة اليمنية في مجتمعها وموقعها، سيظهر مستقبلاً، عندما تصبح المرأة شريك حقيقي في نهضة مجتمعية متوازنة مستقبلا، وهذا ما لمسته كمدربة في مجال المشاريع المنزلية، إذ كانت فترة كورونا حجر الأساس لرياده النساء مجتمعياً.

يوافقها الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، “بأن انعدام سبل العيش، وتقليص فرص العمل، وتوقف الأنشطة الإنتاجية، وما قابلة من نشاط مهني للنساء جعل أدوارهن أكثر أهمية، وقد تضاعفت الحاجة الى وجودها في بيئة العمل والإنتاج أكثر، من أجل تحمل أعباء ونفقات الأسرة، الأمر الذي جعلها تضطلع بدور فعال”. كما يقول.

وأدت الحرب إلى خسارة اقتصاد البلاد 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 30 مليونا على المساعدات، وفق الأمم المتحدة.

كان يمكن لعائلة لجين وجوى أن تكون من ضمن هذه الفئة، لولا فكرتهما والإمكانيات التي توفرت لهما لتنفيذها، ولم تكتف الأختان لما وصلتا إليه الآن، اذ تطمح لجين ان يكون لديها مزرعة دجاج بلدي محسنة وراثيا، مزرعة لإنتاج حليب الماعز البلدي، أيضا تحسين سلالة الماعز البلدي، ومزرعة ابقار بلدية، أما جوى فتطمح الى وجود مصنع إنتاج الالبان والمنتجات الطبيعة الخالية من المواد الحافظة.

تم إنتاج هذه المادة في إطار مشروع “أما بعد” بدعم من الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام

مقالات مشابهة