المشاهد نت

زجاج السيارات… وسيلة للتعبير والتواصل

يقوم بعض سائقي المركبات بكتابة الحكم والأمثال على زجاج السيارة

صنعاء – علي ناصر:

أصبحت الكتابة على زجاج السيارات أمرا شائعا في العديد من المدن اليمنية، وتتنوع الأفكار التي تنقلها تلك الكلمات، إذ تتضمن المدح والذم والدعاء والفكاهة.  تعكس تلك الكلمات الهموم والانتصارات والإخفاقات التي يشعر بها الكثير من المواطنين في اليمن. 

محمد شكيب، 40 عاما، خطاط في صنعاء، يقول ل “المشاهد” إن ظاهرة الكتابة على السيارات انتشرت بكثرة، ويستقبل كل يوم في محله الكثير من السائقين الذين يطلبون كتابة بعض العبارات على الزجاج الخلفي لسياراتهم. 

يضيف:  “يأتي بعض الأشخاص ويطلبون إضافة عبارات أو كلمات على سياراتهم، وقد لا أفهم بعض الكلمات أو العبارات، لكني لا أرفض أي طلب، وأكتب ما يريدونه طالما هذه الكلمات ليست بذيئة.  بعض الخطاطين وأصحاب محال بيع إكسسوارات السيارات يكتبون أي كلمات طالما أنهم يحصلون على المال من سائقي السيارات”. 

عبارات متداولة 

يفضل السائقون العديد من العبارات المشهورة مثل “عضة أسد ولا نظرة حسد”، “لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب”، “اللهم اجعل عيشتي في اليمن شفيعا لي يوم القيامة”.  يطلب السائقون أيضا كتابة بعض الحكم والأمثال الشعبية والأدعية وعبارات الثناء لقتلى الحرب في اليمن. 

وفي الأشهر الماضية، بدأ تأثر الناس في صنعاء بأحداث غزة   التي قتل فيها أكثر من ثلاثين ألف فلسطيني منذ أكتوبر من العام الماضي. ظهرت عبارات التعاطف مع غزة والتحدي لإسرائيل، منها: ” أتتوعدنا بما ننتظر يا ابن اليهودية”، “إنه لجهاد، نصر أو استشهاد”، وهذه العبارات تعود إلى قائلها أبو عبيدة، المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.

تعبير عن الهموم

 يرى الأخصائي النفسي فاروق جهلان أن الكتابة على السيارات هي تعبير عن الحالة النفسية للمزاج الشعبي، وما يتداوله الناس على ألسنتهم من هموم وقضايا تهمهم، أو قضايا تشعرهم بالفخر. 

يوضح جهلان في حديثه  لـ”المشاهد” بأن ظاهرة الكتابة على السيارات ليست حديثة العهد في اليمن،فهي قديمة منذ الأيام الأولى لدخول السيارات في الأراضي اليمنية لكنها أصبحت أكثر شيوعا في الوقت الحاضر.

إقرأ أيضاً  لحج: «الكثبان الرملية» تودي بحياة مرتادي الطرق

 يرى جهلان بأن بعض سائقي السيارات أصبحوا مدمنين على إضافة بعض العبارات على سياراتهم، فيحاولون يلفتون انتباه الآخرين إلى ما يشعرون به من خلال كتابة الأمثال والحكم على زجاج سياراتهم. 

يضيف:  “يهدف بعض السائقين إيصال رسائل لخصومهم أو لأحبائهم من خلال تلك الكتابات. ومن الأشياء التي تدفع بعض الأشخاص للكتابة على السيارات هي أن البعض ليس لديه القدرة على الاتصال بأقرانه لأسباب نفسية”. 

زجاج السيارات... وسيلة للتعبير والتواصل
بعض العبارات على زجاج السيارت يريد أصحابها رسالة لأحبتهم أو خصومهم

دعوات الزفاف

 مروان نايف، باحث في الانثروبولوجيا  في جامعة صنعاء، يرى أن ظاهرة الكتابة على السيارات صحية ولها انعكاسات إيجابية، ويمكن الاستفادة منها لإيصال رسائل ودعوات اجتماعية. 

يقول نايف ل “المشاهد”: “على سبيل المثال، بعض الأشخاص أصبحوا يستغلون زجاج السيارات التي تصول وتجول في حاراتهم وشوارعهم ، ويلصقون دعوات زفاف، وهذا أفضل لهم من طباعة مئات البطائق والدعوات. هذه وسيلة مبتكرة”. 

بحسب نايف، بعض الأشخاص يستفيدون من الكتابة على السيارات من أجل إيصال رسائل توعوية، سواءً فيما يخص  السلامة المرورية، أو غيرها من الرسائل التي تفيد وتخدم المجتمع. 

دور شرطة المرور 

لا يوجد نص في القانون اليمني الخاص بالمرور يمنع الكتابة على السيارات، بخلاف ما هو سائد في بعض البلدان العربية التي تمنع هذا الفعل. العميد محسن السقاف، مسؤول سابق في إدارة المرور بصنعاء، يقول في حديثه لـ ” المشاهد” إن الالتزام بقواعد المرور تتضمن الامتناع عن الكتابة في الزجاج المقابل للسائق، وذلك من أجل تمكنه من رؤية الطريق بشكل واضح خاصة في الطرق السريعة .

ويحث السقاف السائقين على احترام الآداب العامة، وعدم كتابة العبارات البذيئة، أو الخادشة للحياء، أو التي تحتوي على شتائم أو إيحاءات جنسية.  يختم حديثه، ويقول: “من مهام رجال المرور توعية السائقين بعدم كتابة عبارات غير لائقة على زجاج السيارات، طالما كانت تلك العبارات تخالف القيم والعادات والتقاليد الوطنية والدينية”. 

إن استمرار هذا النوع من التعبير والتواصل يظهر أن الوسائل التقليدية لا تزال فعالة ومستخدمة في زمن التكنولوجيا واتساع نطاق التحول الرقمي فضلا عن دخول تطبيقات الذكاء الإصطناعي في الإتصال.

مقالات مشابهة