المشاهد نت

“القهوة” عالمياً… 90% من البن يزرع في اليمن

البن في اليمن

تعز – محمد علي محروس:

لم يمر الأول من أكتوبر مروراً عابراً عند اليمنيين، فبالإضافة إلى القيمة العالمية التي مثلها بعد 5 سنوات من إعلان المنظمة الدولية للقهوة، موافقتها عليه، وأطلقته رسمياً في ميلانو الإيطالية، عام 2015؛ للتشجيع على التجارة العادلة للقهوة، وزيادة الوعي حول مشاكل واحتياجات مزارعي البن، فقد شكل هذا اليوم نافذة احتفائية لدى اليمنيين، الذين احتفلوا بطريقة استثنائية هذا العام، آخذين في اعتبارهم ضرورة أن يعود بُنهم إلى صدارته المشهودة منذ آلاف السنين.
ووفقاً لوكالة بلومبيرغ الأمريكية، فإن البن اليمني اكتسب شهرة عالمية بفضل جودته العالية، مما جعله الأفضل عالمياً، وتشير الوكالة إلى أن 90% من أنواع القهوة تزرع في اليمن. وهو ما يجعل البن اليمني في مقدمة أنواع البن الأخرى، وذا حظوة ذوقية عند مقارنته بأصناف دول منتجة كالبرازيل وفيتنام وكولومبيا، وهي في نظر ناشطين يمنيين دعوة للعودة، وحافز لتصدر المشهد الزراعي اليمني في ظل العديد من الإشكاليات التي يواجهها قطاع الزراعة منذ اندلاع الحرب في البلاد.
“يومان من البُن احتسيت فيهما حوالي 4 أباريق بُن، ولأول مرة، لأني حقيقةً من محبي الشاي، لكني عرفتُ سر الهدية والهوية، التي انتشلتني من غربتي، وسافرت بي إلى كل مدرجات اليمن، وشعاب البُن، وصافحتُ كُل مزارعي البُن من القفر إلى العدين إلى حراز إلى ذمار إلى وصاب، والكثير الكثير من مناطق الحُب والبن، من القرون السابقة إلى الآن، صافحت كل مزارعي اليمن واحداً واحداً، تارةً نغني: شجروها شجروها، وأحياناً: يلا بنا يا شباب”.. هكذا احتفل الفنان التشكيلي أحمد النخلاني، باليوم العالمي للقهوة، معلناً بذلك انضمامه لعشاق البن اليمني بامتياز.
لم يكتفِ النخلاني باحتفاله الذاتي، بل أخذه البن في رحلات سيريالية أخّاذة، إذ يعبر عنها بالقول: “فجأة أرى نفسي أُصلي في مسجد الشاذلي بالمخا، مع أن الوقوف لوحده داخل ذاك المسجد سفرةٌ إلى عالم المُنتهى، إلى ما وراء الوجود، والطبيعة، والأكوان، فمآذنه أعمدة السماء، ونوافذه من بحرٍ وماء، سراديبه تصل إلى صديقه ابن علوان، أروقته وعتباته كأنها أكتاف تُجار البُن تركوها هُنا ورحلوا”.
ولا يتوقف عند هذا الحد، فكأس البن الـ20، الذي صُب في كوب من خشب، عاد به -عندما احتساه- إلى القرن السابع، وهو القرن الذهبي لعقد أولى صفقات البن مع تجار هولنديّين في مينائنا المخا تحديداً، “أنا الآن في عام ١٦٢٨، الصفقة ستباع في غرب الهند، وأما في هولندا كان البيع هناك عام ١٦٦١”، والكلام هنا له. ويواصل: “ها نحنُ الآن نحتفل بتاريخ هديتنا للعالم آنذاك، وبإذن الله نعود فنحن الأصل، ونحن الحب والبن للعالم”، يقولها بقدر كبير من البهجة، وهو يشارك أبناء بلاده فرحتهم بيوم البن.

احتفاء مغاير

وشهد اليوم العالمي للقهوة فعاليات ثقافية واحتفائية وتسويقية ذات علاقة مباشرة بالبن اليمني، حتى إن بعضها ما كانت لتكون لولا الهدف الاحتفالي القائم على الانتماء للشجرة اليمنية العتيقة.
في صنعاء اختار الدكتور محمد الشميري، رئيس نادي القراءة بمحافظة الحديدة، اليوم العالمي للقهوة، لتوقيع كتابه “رياح في قصاصة عنيدة”، راجياً لها الخلود في يوم البن اليمني.
الشميري الذي وقع كتابه في فعالية مشهودة في شركة موكا هانترز، عبر عن ذلك لـ”المشاهد” قائلاً: “ربما شاءت الرياح أخيراً بعد عجزها عن بعثرة قصاصاتي، أن تجعل الصدفة تختار يوم الاحتفال، لتبعث رسالة للقارئ، أن يتذوق الحرف مثلما يتذوق القهوة اليمنية، وربما الرسالة هي أننا نحاول إحياء الحرف والقهوة بعد نسيان طويل”.
أما في تعز فقد أُعلن عن إشهار نادي البن اليمني، خلال فعالية فنية وثقافية احتضنها منتزه التعاون، بحضور مسؤولين حكوميين وناشطين وجمع من المحتفلين بيوم البن اليمني، وخلال الإعلان قال هاشم بدر نعمان، رئيس النادي، إن إشهار النادي، جاء لإعادة الاعتبار لشجرة البُن “أيقونة اليمن”.
وخاطب نعمان الحاضرين: “كلما استوعبنا تاريخنا، أدركنا سر بقائنا، نحن في نادينا اخترنا أن نكون البذور، وتكونوا أنتم الحقول ليعود البُن اليمني، مُكملاً رحلته إلى كل العالم، ليضع قُبلة الصباح على كل الشفاه”.

إقرأ أيضاً  خطة أمنية لمنع إطلاق النار في المناسبات غرب لحج

“أصبح البن هوية وطنية”

وعلى امتداد أسبوع كانت مواقع التواصل الاجتماعي تضج باستعدادات مكثفة للابتهاج بيوم البن اليمني، كل بطريقته، تحت هاشتاجات عدة تصدرها هاشتاج #موكااصلهيمني، و #اليومالعالميللقهوة، و #بناليمنيادرر، دونت في إطارها العديد من الذكريات والمشاهد.
يقول محمد قصيلة: “أنا ممن لحق قهوة الجمنة وشافها بعينه وشربها بفمه وذاقها بلسانه”.
ويضيف: “أذكر أنهم كانوا يطرحون الماء والبن أو القشر، ولكل واحد منهم جمنته الخاصة عشان لا يختلط المذاق في الجمنة، وسدوا فم الجمنة بالليف المخصص، وطرحوها فوق الموقد على نار الجمر الهادئة؛ تتخلص مدة طويلة ثم يسكبوها في الحَيَاسي (أكواب فخارية)، خصوصاً القشر”.
ويتابع: “تغلي القهوة في أقل من دقيقة بمكائن الاسبريسو، ومكائن تحضير القهوة، ويتم التركيز فيها على كمية البن الموضوعة لاستخلاص النكهة والقوة اللازمتين للمذاق، بدلاً عن التحضير البطيء، اختصاراً للزمن”.
بنظرة أخرى، اختار وضاح الرويشان، ناشط ثقافي، لغة أخرى للحديث عن المناسبة، فقال: “يوم البن اليمني المواكب ليوم القهوة العالمي، فكرة جميلة، ونحن بحاجة لها جداً.. لكنني أرى أهمية نقطة تتكرر في البال عند كل مناسبة للبن: كيف يمكن أن نطوّر ونحسّن ونزيد الثقافة الشعبية للبن بمختلف طرق زراعته والاهتمام به أولاً، ثم طرق تحميصه وطحنه، وأنماط صنع القهوة، والفروق بين كل نوع، بحيث يصبح الشعب -لا النخبة فقط- مستهلكاً ومهتماً بالبن والقهوة، وتصبح جزءاً من نمط حياته اليومي. شعبنا صاحب مزاج، والدلائل كثيرة على ذلك، أيضاً تعداده أكثر من 30 مليوناً، وهو رقم جيّد ومغرٍ للاستهداف والتسويق له”.
“حالياً أعتقد أن استهداف اليمن واليمنيين كشريحة استهلاكية أوجب وأهم كثيراً من التسابق نحو تصدير البن اليمني والترويج له خارجياً، على أهمية ذلك طبعاً، بعد تحقيق ونشر ثقافة البن داخل اليمن”، يقول الرويشان.
أما النخلاني فلم يجد ختاماً يحاكي حبه للبن اليمني سوى القول بأن “البُن ليس مجرد محصول زراعي يمر بعلاقة عابرة بمُزارع، وينتهي عند البائع والمتذوق، بل علاقة تاريخية كعلاقة الأرض بالإنسان، وأصبح بالنسبة لنا هوية وطنية، ويتفق معه أكثر من 30 مليون يمني.
حضروا قهوتكم كل صباح، واستمتعوا بالتفاصيل التي تثيرها، وعيشوا على وقع هويتنا التي أعاد البن لها اعتبارها، باحثاً عمن يعيد له اعتباره، وقد حان ذلك”.

مقالات مشابهة