المشاهد نت

تجربة سيراليون في إحلال السلام… هل تشكل نقطة مضيئة لليمن في الخروج من مأزق الحرب؟

تعز – عبد العالم بجاش:

 عاشت سيرالون 153 عامًا تحت الاستعمار البريطاني، وهي فترة تزيد بربع قرن عن فترة احتلال بريطانيا لجنوب اليمن ومدينة عدن، حيث تمركزت القوات البريطانية.

وفي 1961، مُنحت سيراليون الاستقلال عن المملكة المتحدة، وأصبحت جمهورية عام 1971.

التزامن في استقلال دول متعددة عن التاج البريطاني، من بينها اليمن الجنوبي وسيراليون، كان توجهاً لبريطانيا لإنهاء حقبة استعمارها التي شملت مناطق واسعة في العالم.

وشهدت سيراليون تمردًا داخليًا دعمته ليبيريا، بهدف السيطرة على الألماس، قاد إلى حرب أهلية مدمرة أسفرت عن قرابة 100 إلى 120 ألف قتيل، بحسب بعض التقديرات.

تجربة سيراليون في إحلال السلام... هل تشكل نقطة مضيئة لليمن في الخروج من مأزق الحرب؟
طرق بدائية في الزراعة

وأدى تمرد الجبهة الشعبية المتحدة، وهي جبهة مسلحة كان زعيمها السري رئيس ليبيريا في تلك الفترة تشارلز تايلور، وقد تشكلت في ظروف شبيهة بظروف ومبررات التدخل الإيراني في دعم انقلاب الحوثيين باليمن تحت مسمى محور المقاومة.

جمهورية صغيرة: فقر وألماس

 توصف جمهورية سيراليون كدولة صغيرة في غرب قارة أفريقيا، على ساحل المحيط الأطلسي، تبلغ مساحتها قرابة 71,740 كم2، يجتمع فيها النقيضان: الفقر والألماس. وكانت سيراليون عبارة عن سهل ساحلي وأيكة ساحلية، قبل أن يتم تجفيف المستنقعات وقطع الغابات، لتحل مكانها زراعة الأرز، وإلى الداخل سلسلة من الهضاب والقمم الجبلية تتخللها الأنهار.

تحدها غينيا من الشمال وليبيريا من الجنوب الشرقي، وعاصمتها فريتاون التي تعتمد على مينائها، ويقطنها أكثر من مليون نسمة، أسسها البريطانيون من خلال تثبيت العبيد المحررين عام 1787.

وأهم مدن سيراليون كويدو، ويو، وكينما، ويتألف مجتمعها من 13 قبيلة.

أهالي سيراليون يطلقون عليها اسم “رومادونج”، وتعني الجبل، واسم سيراليون يعود لرحالة برتغالي يدعى بيدرو سنترا، هو من أطلق عليها التسمية المؤلفة من كلمتي سيرا وليون، وتعني قمة الأسد تشبيهًا لصوت الرعد على قمم الجبال، الشبيه بزئير الأسد.

تجربة سيراليون في إحلال السلام... هل تشكل نقطة مضيئة لليمن في الخروج من مأزق الحرب؟

كانت سيراليون غنية بثروات طبيعية يتم استخراجها بوفرة، كالألماس والذهب والبوكسيت والروتيل والحديد الخام والسمك والبنّ والكاكاو، حين تم تصنيفها عام 1991، العام الذي بدأت فيه كواحدة من أفقر البلدان في العالم.

وعانت البلاد بسبب الفساد والسياسيين الفاسدين، مما أطاح بمجمل أوضاع البلاد، وفقدت الحكومة القدرة على دفع المرتبات، وانهار التعليم بعد فترة تردٍّ في مستواه على نحو متعمد، مما دفع الشبان للانخراط في جبهات القتال إلى جانب متمردي الجبهة الشعبية المتحدة، وهي أوضاع إجمالًا تشبه إلى حد كبير الأوضاع التي تشهدها اليمن منذ 6 أعوام.

حرب الألماس الدموي

منذ استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1961، عاشت في صراعات متتالية وعدم استقرار نتيجة الانقلابات، وقد فاز زعيم حزب مؤتمر عموم الشعب “المؤتمر الشعبي” سيتكا ستيفنز، بانتخابات عام 1967، لكنه تسلم السلطة كرئيس للوزراء في العام التالي بسبب الاضطرابات والانقلابات.

وبعد سنوات من حكمه سعى ستيفنز إلى فرض نظام الحزب الواحد، واصبحت سيراليون في 1978، دولة الحزب الواحد، حيث بات المؤتمر الشعبي العام، الحزب السياسي القانوني الوحيد، واستمر استغلال مناجم الألماس من قبل قادة النظام في البلاد.

وفي 1985، حل قائد الجيش جوزيف موموه، بديلًا لستيفنز، وتم انتخابه رسميًا العام التالي.

وشهدت تلك الفترة، إعادة تشكيل الجبهة الثورية المتحدة بتمويل من ليبيريا في عهد تشارلز تايلور، بهدف الإطاحة بالحكومة في سيراليون.

بدأت الجبهة الثورية المتحدة تمردها بشن سلسلة هجمات استهدفت المستوطنات على طول الحدود عام 1991، وسيطرت على مناجم الألماس، وتولى المتمردون تهريب الألماس إلى ليبيريا، بهدف الاتجار بها وشراء السلاح.

وكانت الحكومة في سيراليون قد تشاركت مع 14 دولة أخرى، في تشكيل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التي تأسست عام 1975، وكان لها دور فعال على المستوى العسكري أيضًا في مواجهة التمرد المدعوم من رئيس ليبيريا تشارلز تايلور.

وتوالت الانقلابات منذ مطلع التسعينيات، ودخلت البلاد حربًا أهلية مدمرة استمرت 11 عامًا حتى 2002، ضعفت خلالها السلطة المركزية لصالح ظهور جريمة منظمة لتهريب الألماس الخام.

وأطلق على عمليات استخراج وتهريب الألماس أثناء الحرب الأهلية من مناطق النزاع، بـ”الألماس الدموي”.

وكان يتم تهريب الألماس المستخرج وبيعه للشركات الدولية بأسعار مخفضة.

وبسبب الجريمة المنظمة لتهريب الألماس الخام، اشتعلت حرب أهلية في البلاد بهدف السيطرة على مناجم الألماس، وتم خلالها تجنيد آلاف الأطفال، وتحويلهم إلى مجرمي حرب وقتلة.

فيلم ماسة الدم أو الألماس الدموي

يصور فيلم ماسة الدم ” Blood Diamond” أو الألماس الدموي، طبيعة الصراع والاقتتال في سيراليون على الألماس.

الفيلم الذي صدر عام 2006، من إخراج إدوارد زويك، وبطولة ليوناردو دي كابريو وجينيفر كونيلي ودجيمون هونسو، يروي قصة، حيث يعرض أحد مهربي الألماس على صياد محلي أن يجمعه بعائلته ثانية مقابل الجوهرة الكبيرة التي عثر عليها، ورشح الفيلم لنيل 5 جوائز أوسكار في مهرجان الأوسكار 2007.

 كما يصور الفيلم كيف مزقت الحرب الروابط العائلية، وكيف انخرط الأطفال في القتال والتجنيد ضد أهاليهم أحيانًا.

انهيار اقتصادي وتعليمي وفقدان القدرة على صرف المرتبات

خلال حكم قائد الجيش جوزيف موموه، للبلاد، ظلت الأوضاع  على حالها وأسوأ، حيث تفشى الفساد، وشهدت البلاد انهيارًا اقتصاديًا، وكان هناك شح في المواد والسلع الأساسية، بخاصة الوقود، في العاصمة فريتاون وأنحاء البلاد.

وفقدت الحكومة القدرة على دفع المرتبات للموظفين في القطاع المدني، وتقول بعض المصادر إن مكاتب حكومية تعرضت للنهب على أيدي موظفيها بسبب انقطاع المرتبات، كما انهار القطاع التعليمي مع عجز الحكومة عن دفع رواتب المعلمين، واقتصر التعليم على فئة صغيرة من الأغنياء.

وتعيش اليمن ظروفًا مماثلة، حيث تشهد البلاد انهيارًا اقتصاديًا. ظروف أسهمت في تهيئة بيئة ملائمة للتجنيد كما في سيراليون في الماضي القريب.

 نتيجة للظروف المعيشية الصعبة التي عاشتها سيراليون قبيل اندلاع الحرب، استقطب التجنيد عددًا كبيرًا من الشباب العاطل، بخاصة في نهاية الثمانينيات، حين وصلت البلاد حالة من الانهيار للبنى التحتية، وتفشت البطالة، وحيث كان الكثير من شباب البلاد “يهيمون على وجوههم” في حالة يأس. حينها كانت سيرالون مصنفة كواحدة من أفقر دول العالم.

11 عامًا من الحرب الأهلية وفاتورتها

اندلعت الحرب الأهلية في سيراليون، في 23 مارس عام 1991، أشعلها المتمردون المدعومون من ليبيريا في إطار الجبهة الثورية المتحدة، وبدأ تحركهم من داخل ليبيريا نحو سيراليون، بدعم من القوات الخاصة الليبيرية.

وكان الهدف من التمرد الإطاحة بحكومة جوزيف موموه، وتمكين زعيم ليبيريا من الهيمنة على ثروات سيراليون.

وقد بدأت الجبهة الثورية المتحدة برئاسة فوداي سنكوح، تمردها المسلح بدعم من رئيس ليبيريا تشارلز تايلور، وشنت أول هجوم على القرى في منطقة كيلاهون الغنية بالألماس في المنطقة الشرقية من سيراليون.

تجربة سيراليون في إحلال السلام... هل تشكل نقطة مضيئة لليمن في الخروج من مأزق الحرب؟
من الحرب الأهلية في سيراليون – ارشيفية

بلغت خسائر الحرب الأهلية خلال عامها الأول، 50 ألف قتيل، ونصف مليون شخص تم تهجيرهم إلى دول مجاورة.

خلال السنوات الثلاث الأولى للحرب، سيطرت الجبهة الثورية المتحدة المتمردة على مساحات كبيرة من الأراضي في شرق وجنوب سيراليون، وهي مناطق غنية بالألماس الغريني.

ولم تدم سيطرة متمردي الجبهة الثورية المتحدة، ففي نهاية 1993 تمكن جيش سيراليون من دحر متمردي الجبهة المتحدة الثورية إلى الحدود الليبيرية، غير أن المتمردين واصلوا القتال إلى عام 1995.

خلال تلك الفترة مارست الأمم المتحدة ضغوطًا قوية لإيقاف الحرب، غير أن كل المحاولات الأممية كانت تفشل، في وضع يشبه الضغوط الأممية المتكررة لإيقاف الحرب في اليمن، والفشل المتكرر خلال 6 أعوام من الحرب الأهلية اليمنية المستمرة حتى الآن، فيما تحاول الأمم المتحدة حاليًا إقناع أطراف النزاع بعقد مفاوضات نهائية وتوقيع ما سمي “الإعلان المشترك” لوقف الحرب في عموم البلاد.

حرب أهلية وانقلابات

تخللت الحرب الأهلية في سيراليون، انقلابات على الحكومة الشرعية، كان أحد أسبابها عدم كفاءة الرد الحكومي على هجمات متمردي الجبهة الشعبية المتحدة.

وقد حدث أول انقلاب عسكري بعد الحرب في أبريل 1992، من قبل ما سمي المجلس الوطني الحاكم المؤقت، وذلك نتيجة “الرد الحكومي غير الفاعل على الجبهة الثورية المتحدة، واضطراب الإنتاج الحكومي للألماس”.

ومع اختلاف الأسباب، واجهت الحكومة اليمنية انقلابًا مماثلًا في ديسمبر 2018، من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ينادي بانفصال الجنوب، انتهى مع نهاية 2020، بإعلان حكومة بمشاركة الانتقالي.

ومع استمرار متمردي الجبهة الشعبية المتحدة في القتال، رغم تراجعها أمام جيش سيراليون التابع للحكومة الشرعية، قامت الحكومة في مارس 1995، بالتعاقد مع شركة إكزكتيف آوتكمز العسكرية للقتال ضد المتمردين.

وإكزكتيف آوتكمز شركة عسكرية إفريقية جنوبية خاصة، أنهت حكومة سيراليون التعاقد معها بعد ذلك تحت ضغوط من قبل الأمم المتحدة.

وكانت الجبهة الثورية المتحدة المتمردة، وعلى وقع هزائمها، وقعت على اتفاق أبيدجان للسلام، وكانت جرت في سيراليون انتخابات صعدت فيها حكومة مدنية في مارس 1996، وأنهت الحكومة تعاقدها مع الشركة العسكرية الجنوب إفريقية، على خلفية توقيع اتفاق أبيدجان للسلام، وقبل تنفيذه.

ونتيجة لعدم تطبيق الاتفاق، استمرت أعمال العنف في البلاد مع قيام انقلاب عسكري ثانٍ على الحكومة الشرعية، وتحالفت مع متمردي الجبهة الشعبية المتحدة.

حدث الانقلاب في مايو 1997، حيث قام مجموعة من ضباط جيش سيراليون بالإعلان عن تأسيس مجلس القوات المسلحة الثوري، بوصفه الحكومة الجديدة في سيراليون، والتحرك للسيطرة على العاصمة فريتاون، بمشاركة الجبهة الثورية المتحدة المتمردة. وقد واجهت مقاومة ضعيفة.

وبعد أن أعلنت الحكومة الجديدة للانقلابيين أن الحرب انتهت، شهدت البلاد موجة من النهب والاغتصاب والقتل.

لم تدم حكومة الانقلاب تلك طويلًا، إذ تدخلت قوات تابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وتمكنت من إنهاء الانقلاب، واستعادة السيطرة على العاصمة فريتاون.

 كان تدخل تلك القوات تجسيدًا لرفض دولي للانقلاب على الحكومة المدنية في سيراليون.

وكان هناك صعوبة في تهدئة المناطق النائية، وفي مطلع 1999، نشطت الدبلوماسية الدولية، وتمكنت من تنظيم مفاوضات بين الحكومة والجبهة الثورية المتحدة، أفضت إلى عقد اتفاق لومي للسلام.

تجربة سيراليون في إحلال السلام... هل تشكل نقطة مضيئة لليمن في الخروج من مأزق الحرب؟

اتفاق لومي للسلام

عام 1999، تم التوقيع على اتفاق لومي للسلام، بعد نشاط دبلوماسي لعدد من قادة العالم شجعوا المفاوضات بين الطرفين.

نص الاتفاق على وقف فوري لإطلاق النار بين الأطراف الرئيسية في الحرب الأهلية، ونزع السلاح من القوات المسلحة لجمهورية سيراليون والجبهة الثورية المتحدة.

وأعطى الاتفاق زعيم التمرد فوداي سانكوح، رئيس الجبهة الثورية المتحدة، منصب نائب الرئيس، والسيطرة على جميع مناجم الألماس في سيراليون، مقابل إنهاء الصراع ونشر قوات حفظ السلام الأممية من أجل مراقبة عملية نزع السلاح. وفد لقي ذلك انتقادات واسعة بسبب تاريخه في تهريب الألماس، وبعد سنوات طويلة سيتم إلقاء القبض على سنكوح، قائد الجبهة الثورية المتحدة، والمطالبة بمحكمة دولية لمحاكمته.

رغم ما حصل عليه المتمردون في اتفاق لومي للسلام، بيتوا العزم على نقض الاتفاق، واستمروا في التصعيد ميدانيًا، والتحرك نحو العاصمة فريتاون.

وفرضت الجبهة الثورية المتحدة المتمردة عراقيل، حيث تراجعت عن تنفيذ عملية نزع السلاح، فيما كان عناصرها يتقدمون نحو فريتاون في مايو 2000، وكانت كل جهود السلام الدولية عرضة للفشل مجددًا، فيما كانت حكومة سيراليون في حالة ضعف.

إزاء ذلك، اعلنت بريطانيا نيتها التدخل عسكريًا في سيراليون، دعمًا للحكومة الشرعية.

عملية باليسر البريطانية وانتهاء الحرب

نفذت القوات البريطانية عملية عسكرية انتهت بهزيمة الجبهة الثورية المتحدة، وإعلان انتصار حكومة سيراليون.

يعود تاريخ انطلاق عملية باليسر البريطانية إلى مايو 2000.

وصفت العملية بأنها أول تدخل بريطاني على نطاق واسع في الحرب الأهلية في سيراليون، وقد بدات بهدف تنفيذ عملية إجلاء للمواطنين الأجانب. كانت الجبهة الشعبية المتحدة قطعت الطريق الذي يربط العاصمة فريتاون بالمطار الرئيسي للبلاد الواقع في مدينة لونجي، في الـ6 من مايو 2000، مما شكل تهديدًا لعملية الإجلاء.

وفي اليوم التالي كانت قوات بريطانية تقوم بتأمين المطار ومناطق أخرى، خلال عملية الإجلاء للأجانب التي تمت بنجاح.

وكانت هناك بعثة للأمم المتحدة في سيراليون لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، تضم مراقبين بريطانيين، إضافة إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي تعرضت لحصار.

أسهمت القوات البريطانية عبر عملية باليستر، في “إجلاء قوات حفظ السلام المحاصرة، بمن فيهم العديد من المراقبين البريطانيين لعملية وقف إطلاق النار، وبدأت في معاونة بعثة الأمم المتحدة في سيراليون والقوات المسلحة لجمهورية سيراليون

سميت عملية باليسر، وكانت بتفويض من الأمم المتحدة، وبدعم من القوات الجوية الغينية، وقد انتهت بفرض السيطرة على العاصمة فريتاون لصالح الحكومة، وهزيمة ساحقة للمتمردين.

وفي 18 يناير 2002، أعلنت الحكومة انتهاء الحرب الأهلية في سيراليون.

وكانت الجبهة الثورية المتحدة حصلت على مكاسب كبيرة، وحازت “مكانة كحزب سياسي شرعي ودور في حكومة سيراليون”، إضافة إلى 4 وزارات من أصل 22 وزارة في الحكومة. وكان زعيم الجبهة سنكوح حُكم عليه بالإعدام عام ١٩٩٨، بتهمة الخيانة العظمي، ويموجب اتفاق لومي للسلام حصل على عفو عام. وبعد سنوات تم اعتقاله.

 في اليمن، وبعد مفاوضات صعبة لنحو عام في العاصمة السعودية الرياض، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، تم الإعلان في 10 ديسمبر 2020، عن حكومة جديدة من 24 وزيرًا مُنح الانتقالي فيها 5 وزارات، وتوزعت بقية الوزارات على مختلف القوى السياسية، وذلك بهدف توحيد الجبهة الداخلية لإنهاء انقلاب جماعة الحوثيين سلمًا أو حربًا، وفقًا لما تم إعلانه من قبل رئيس وزراء الحكومة الشرعية معين عبدالملك.

تشتت الجبهة الشعبية المتحدة وتسليم سلاحها

خلت الأيام الأولى للتدخل العسكري البريطاني في سيراليون، من أية مواجهات مباشرة مع الجبهة الشعبية المتحدة “المتمردين”، وسرعان ما اندلعت معارك بينهما عقب قيام مسلحي الجبهة في الـ17 من مايو 2000، بمهاجمة موقع بريطاني قرب مطار لونجي.

وقد اندلعت المواجهات المباشرة بين القوات البريطانية والمتمردين من عناصر الجبهة الذين تراجعوا ولاذوا بالفرار.

وخلال المعارك، تمكنت قوات سيراليون التابعة للحكومة من إلقاء القبض على قائد الجبهة الثورية المتحدة فوداي سنكوح، نهاية مايو 2000.

وبعد سقوط سنكوح في قبضة الجيش، انهارت الجبهة الشعبية المتحدة، وبدأ انهيار التمرد في سيراليون، بالتزامن مع ممارسة المجتمع الدولي أقصى الضغوط والعقوبات على نظام تشارلز تايلور، رئيس ليبيريا في ذلك الوقت، وهو المؤسس الفعلي والمحرك للجبهة الشعبية المتحدة.

وكانت القوات البريطانية بدأت في تدريب القوات المسلحة التابعة للحكومة في سيراليون، بهدف مواجهة متمردي الجبهة الشعبية المتحدة، وذلك بعد رفض الجبهة تسليم أسلحتها طوعًا، وإقدام عناصرها على أسر جنود دورية بريطانية أثناء عودتهم من زيارة لقوات حفظ السلام الأردنية.

كان عدد جنود الدورية الذين وقعوا في الأسر 11 جنديًا، على أيدي مجموعة مسلحة تدعى فتيان الجانب الغربي، تم إطلاق 5 جنود بعد مفاوضات مع المجموعة المسلحة.

ونظرًا لتعثر إطلاق سراح بقية الجنود، نفذت القوات البريطانية عملية باسم “باراس”، تمكنت خلالها من تحرير الجنود الـ6.

كان لهذه العملية أثر كبير في استعادة الثقة لدى عناصر البعثة البريطانية، وعزز القناعة باستكمال الدور البريطاني.

ورغم أن عملية باراس محدودة وصغيرة، كان فشلها “سيؤدي إلى سحب الحكومة البريطانية لجميع قواتها من سيراليون”، وفقًا لأكاديمي بريطاني.

بحلول سبتمبر 2000، كانت عملية باليسر انتهت من معظم مهامها، وكانت ليبيريا آنذاك الداعمة للمتمردين، توصلت إلى قناعة نهائية تحت الضغط الدولي، بإنهاء تدخلها بالشأن الداخلي لسيراليون، الذي تسبب في اشتعال الحرب.

في اليمن مازال الدور الإيراني العائق الأبرز أمام إنهاء الحرب وفقًا لبيانات عديدة أصدرتها الحكومة الأمريكية، وتقارير أخرى تشير إلى الدور الإيراني الداعم لجماعة الحوثي التي قادت تمردًا على الحكومة في 21 سبتمبر 2014، وتتهم أطراف خارجية إيران بأنها وراء إطالة أمد الحرب واستخدام اليمن ساحة في صراعها مع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.

إقرأ أيضاً  الحكومة اليمنية تجدد دعمها لكافة جهود إحلال السلام

 ورغم إعلان واشنطن سياسة الضغوط القصوى على إيران، فيرجع ذلك أساسًا بسبب أنشطة برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي، وليس لدورها في الحرب الأهلية اليمنية، وحتى الآن لا يوجد دور دولي مماثل للدور الدولي الفعال وسياسة العقوبات الفعالة ضد ليبيريا، مما أرغمها على إنهاء دورها المحوري للتمرد في سيراليون، وهو ما أدى إلى سقوطه وانتهاء الحرب.

وفي سبتمبر 2000، بدأت الجبهة المتحدة الثورية المتمردة في سيراليون بتسليم السلاح.

كان ذلك نجاحًا ملموسًا لسياسة الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية على جمهورية ليبيريا التي “دعمت الجبهة المتحدة الثورية في مقابل ألماس الدماء الذي يتم تهريبه من سيراليون”، وفقًا للمصادر التاريخية.

وتم توقيع اتفاق لومي للسلام لوقف إطلاق النار بين حكومة سيراليون والجبهة الثورية المتحدة، وفرض الاتفاق “الدخول في مراحل عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج”، وهي عملية تطلبت شهورًا لإنجازها.

وكانت “عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج” في البلاد، شارفت على الانتهاء بحلول سبتمبر 2001.

وفي سبتمبر من العام نفسه، حلت قوات تدريب دولية محل قوات التدريب البريطانية، لكن وجود القوات البريطانية في سيراليون استمر لبعض الوقت، حيث “أسهمت في إمداد قوات التدريب الدولية بالأفراد، وتقديم المشورة بشأن إعادة هيكلة القوات المسلحة في سيراليون”. وكان ذلك لضمان الاستقرار في سيراليون، مما استدعى كذلك وصول قوة محدودة إلى البلاد عام 2003، لضمان استقرار الوضع عقب انتهاء الحرب.

دور البعثة الأممية في سيراليون

في نوفمبر 2000، تم التوقيع على هدنة مدتها 30 يومًا، امتدت إلى 90 يومًا، لوقف إطلاق النار في سيراليون، تمكنت خلالها بعثة الأمم المتحدة من نشر جنودها في كافة أنحاء البلاد.

وكانت الجبهة الثورية المتحدة ترفض قبل ذلك نشر قوات أمنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

كان الهدف من نشر القوات العمل على تسليم الجبهة الثورية المتحدة الأسلحة والمعدات التي بحوزتها للبعثة الأممية، تنفيذًا لعملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وفق اتفاق السلام.

في مارس 2001، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1343 بحظر الاتجار في الألماس في ليبيريا.

ورضخت الجبهة الثورية المتحدة، بعد ذلك، لعملية نزع السلاح على نطاق واسع، شمل نزعًا للسلاح متزامنًا لقوات الدفاع المدني، وهي جماعة مليشيات مسلحة موالية للحكومة.

وفي الربع الأخير من عام 2001، تم نزع السلاح من جميع المقاتلين في مناطق التنقيب عن الألماس.

وخضع 6500 جندي من الجبهة الشعبية المتحدة المتمردة و9500 جندي يتبعون مليشيا موالية للحكومة، لعملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

في اليمن، اتخذت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إجراءات مشابهة، حيث تم إيفاد بعثة أممية إلى الحديدة وفريق دولي لمراقبة وقف إطلاق النار وإعلان هدنة، غير أن الإجراءات الأمنية تراوح مكانها منذ عامين دون تحقيق إنجاز يذكر.

مصير زعيم التمرد واحتفالات سيراليون بسقوطه

في مايو 2000، تم اعتقال فوداي سنكوح، قائد الجبهة الثورية المتحدة، بالقرب من العاصمة فريتاون، وشهدت البلاد احتفالات ضخمة بالمناسبة.

وجاء اعتقاله بعد قيام جنوده بقتل عدد من المحتجين خارج منزله في فريتاون، عام 2000، وجرى تسليمه إلى بريطانيا، وتحت ولاية المحكمة المدعومة من الأمم المتحدة، بهدف محاكمته.

وكانت حكومة سيراليون طلبت من الأمم المتحدة تشكيل محكمة دولية خاصة بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لتقديم زعيم المتمردين فوداي سنكوح وآخرين إليها.

ووجهت لزعيم التمرد فوداي سنكوح 17 تهمة في جرائم حرب متعددة، بما فيها الجرائم ضد الإنسانية والاغتصاب والاسترقاق الجنسي وأعمال الإبادة الجماعية.

وبينما كان ينتظر المحاكمة، توفي فوداي سنكوح جراء مضاعفات سكتة دماغية أصابته.

 وبموته، أصدرت الأمم المتحدة بيانًا دعمته محكمة جرائم الحرب، وفيه قال المدعي العام ديفيد كرين “إن وفاة سنكوح منحته نهاية سلمية أنكرها على الآخرين”.

وكان سنكوح حصل على عفو عام، حيث تضمن اتفاق لومي للسلام عفوًا شاملًا عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت حتى يوم توقيع الاتفاق، غير أن انتهاكات المتمردين استمرت بعد توقيع اتفاق لومي للسلام، منها إطلاق حراس سنكوح الرصاص على المتظاهرين في العاصمة، ما أدى إلى اعتقاله ووفاته بينما ينتظر محاكمته.

ممارسات وحشية

وكان لزعيم التمرد سنكوح الدور الأبرز في عقد الاتفاقات ونقضها خلال سنوات الحرب الأهلية، حيث خرق وعودًا عدة لوقف القتال، بما في ذلك اتفاق سلام أبيدجان واتفاق لومي للسلام في 1999.

في اليمن، مطلع عام 2019، وبعد شهر على توقيع اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الحوثي (ديسمبر 2018)، قال خالد اليماني، وزير الخارجية الأسبق في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إن “جماعة الحوثي تتهرب من مسؤولياتها وفق اتفاق ستوكهولم، وتعمل على خلق العراقيل أمام تنفيذه، وهذا السلوك ليس جديدًا على جماعة نقضت أكثر من 70 اتفاقًا مع الدولة”.

في سيراليون، في آخر سنوات الحرب، عاد فوداي سنكوح، زعيم المتمردين، إلى سيراليون، عام 1999، بعد فراره إلى نيجيريا عام 1997، حيث تم وضعه قيد الإقامة الجبرية، وتولى مكانه سام بوكاري إدارة العمليات العسكرية للجبهة الثورية المتحدة. وبعودته عادت الخروقات لاتفاق لومي للسلام، مما استدعى تدخلًا عسكريًا بريطانيًا، وتم سحق التمرد عسكريًا بعد التأكد من رفضهم تنفيذ اتفاق السلام وتسليم السلاح.

ووفقًا للمصادر التاريخية والتهم الموجهة له، قام زعيم التمرد فوداي سنكوح، بنفسه، بالعديد من العمليات سميت إحداها “عملية كافئ نفسك”، والتي شجعت الجنود على نهب أي شيء يجدونه.

اشتهرت الجبهة الثورية المتحدة “بارتكاب أعمال القتل والاغتصاب الجماعي وقطع أطراف المدنيين بمن فيهم الأطفال، أثناء سنوات الحرب الأهلية”.

عفو مثير للجدل

تسببت الحرب الأهلية في إلحاق دمار هائل بسيراليون، وعاصمتها على وجه التحديد، وكان الصراع على الألماس سبب الحرب التي غلفتها أسباب أخرى، منها ديكتاتورية النظام الحكومي، وفساد السلطة السياسية، مما تسبب في تفشي الفقر والتخلف في البلاد، كما تسبب بحالة سخط وتذمر في أوساط الشعب.

شكل اتفاق لومي 1999، بداية فعلية لإنهاء الصراع، غير أن متطلبات السلام، ومنها المصالحة، واجهت إشكالات جوهرية.

وقد نص اتفاق لومي للسلام على عفو شامل تحت مسمى الغفران أو الإرجاء، لصالح مرتكبي الانتهاكات وجرائم الحرب، مما أثار جدلًا واسعًا، لكونه يشكل خرقًا للقانون الدولي.

 كانت هناك اعتراضات حتى من جانب الأمم المتحدة، حيث تحفظ فرانسيس أوكيلو، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سيراليون، على العفو المنصوص عليه في اتفاق لومي، وقال إنه لا يمكن تنفيذه على جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وانتهاكات أخرى خطيرة للقانون الدولي.

نص اتفاق السلام على إنشاء لجنة تحقيق ومصالحة في سيراليون، خلال 90 يومًا.

وتم تأسيس اللجنة، ونص قانونها الداخلي أن تأسيسها بهدف إنشاء سجل تاريخي محايد لانتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان وللقانون الدولي التي ارتكبت جراء الصراع المسلح في البلاد منذ بدايته عام 1961، وحتى توقيع اتفاق لومي للسلام، والتصدي لظاهرة الإفلات من العقاب والاستجابة لاحتياجات الضحايا “جبر الضرر”، ومن أجل المصالحة والتئام الجروح والحيلولة دون تكرار دوامة العنف والانتهاكات.

وتم تأسيس اللجنة بقرار من البرلمان، وبدأت عملها في ديسمبر 2002، حيث جمعت قرابة 7000 من الشهادات، معظمها لضحايا الصراع.

وعقدت اللجنة عام 2003، جلسات استماع لضحايا وجناة في جميع أنحاء البلاد، غير أن عملها تعرض لانتكاسة، حيث رفض الرئيس تيجان كبه الاعتراف بأية مسؤولية له، والاعتذار للشعب، فيما أقر قادة فصائل بدورهم، واعتذروا للشعب، وأبدوا ندمهم.

واختتمت لجنة المصالحة عملها بإصدار تقريرها النهائي الذي استغرق عامًا كاملًا، وبحسب تقرير اللجنة كانت الجبهة الثورية المتحدة المسؤولة عن معظم الانتهاكات.

 تضمن تقرير اللجنة إيرادًا لأسباب الصراع، وروايات تتهم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي والزعيم الليبيري تشارلز تايلور، بإثارة الصراع وتأجيجه، كما أشار إلى عوامل داخلية أخرى، وفقًا للتقرير، مثل الفساد وسوء الإدارة والخيانة التي تعرضت لها البلاد من قبل قادتها السياسيين والماليين، وحتى في المجال الفكري.

وذكر تقرير اللجنة أن العوامل التي أدت للصراع في البلاد لم يطرأ عليها تغيير “ناهيك عن الالتزام الضعيف أو المعدوم من طرف حكام البلاد لمعالجة هذه العوامل بجدية”.

ومنذ نهاية الحرب في 2002، بدأ اقتصاد سيراليون في التعافي تدريجيًا، ليسجل عام 2008، نموًا للناتج المحلي بنسبة 7.4%، لكن سيراليون لاتزال من الدول الفقيرة، رغم ما تزخر به من ثروات.

المحكمة الدولية الخاصة بسيراليون

بالاتفاق مع الأمم المتحدة، أنشأت حكومة سيراليون والمجتمع الدولي هيئة قضائية تحت اسم المحكمة الخاصة بسيراليون، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1315 لسنة 2000.

تم الإعلان عن إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بسيراليون عام 2002.

الهدف من إنشاء المحكمة الملاحقة القضائية للأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في سيراليون، خلال الحرب الأهلية في البلاد، وبعد 30 نوفمبر 1996.

في الحالة اليمنية، فإن تجربة محكمة سيراليون قد تكون ورقة رابحة لرفعها في وجه قادة يعرقلون السلام في اليمن، وآخرين متورطين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

تعد هذه المحكمة نقطة مضيئة حتى اليوم، في مواجهة وردع المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات جسيمة.

أهميتها تكمن في أن إنشاءها لملاحقة من يرتكبون جرائم ضد الإنسانية، لاسيما القادة، بمن فيهم الأجانب الذين عرقلوا السلام في البلاد.

وفي الحالة اليمنية، فإن تجربة محكمة سيراليون قد تكون ورقة رابحة لرفعها في وجه قادة يعرقلون السلام في اليمن، وآخرين متورطين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وبالنظر إلى الوضع، حيث يبدو السلام في اليمن صعبًا، بسبب الدور الذي يلعبه النظام الإيراني في الصراع، وهو ما أشارت إليه الإدارة الأمريكية مرارًا، واضطرار المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، لزيارة طهران من أجل إقناعها بلعب دور إيجابي لتسهيل انخراط الأطراف في مشاورات بناءة تفضي إلى السلام، فإن تجربة محكمة سيراليون تتيح للأمم المتحدة مثالًا هامًا يمكن استعماله من أجل الضغط وتجاوز التعقيدات والعراقيل التي تواجه فرص السلام في اليمن.

تكلل عمل المحكمة الدولية الخاصة بسيراليون بالنجاح، حيث أدانت المحكمة في أبريل 2012، رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور، بـ11 تهمة، منها التواطؤ في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بينها الاغتصاب والقتل وتجنيد الأطفال أثناء الحرب الأهلية في سيراليون.

جرت محاكمة تايلور حضوريًا على مدى 5 أعوام، وحُكم عليه بالسجن 50 عامًا.

وبحسب موقع أخبار المتحدة، في 30 مايو 2012، أصدرت المحكمة الخاصة بسيراليون حكمًا بسجن رئيس ليبيريا السابق تايلور، لمدة 50 عامًا، لإدانته بالمساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم حرب في سيراليون أثناء الحرب الأهلية التي استمرت 10 سنوات.

وقال القضاة في المحكمة الخاصة إن “الصراع في سيراليون كان من الممكن أن ينتهي بشكل أسرع لو لم يقدم تايلور الدعم المالي والمعنوي واللوجستي للمتمردين”.

وذكر القضاة أن “تشارلز تايلور استغل منصبه للمساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم حرب، بدلًا من أن يعزز السلام والمصالحة، وأنه لم يبدِ أي ندم على الجرائم التي أدين بها، ولم يتقبل المسؤولية عنها”.

وأضاف القضاة أن تايلور “قد تكسب من سيراليون، إذ تلقى الألماس من المتمردين مقابل تزويدهم بالأسلحة والذخيرة”.

دروس وعبر من الحرب الأهلية في سيراليون

الحرب الأهلية في سيراليون، تجربة أخرى من تجارب الحروب الأهلية، فيها من الدروس والعبر ما يمكن الاستفادة منها للأطراف المتنازعة في اليمن، من أجل تقرير وتطوير الأساليب والطرق التي يمكن أن تقلل من كلفة الحرب وزمنها، كما هي لليمنيين المنقسمين حاليًا نتيجة الحرب الدائرة في البلاد، حيث يسود فقدان يقين بالمستقبل بسبب طول أمد الحرب وانتقال أوضاع الاقتصاد والمعيشة والأمن من سيئ إلى أسوأ.

وليست الحرب الأهلية اليمنية شاذة عن غيرها من الحروب الأهلية التي شهدتها العشرات من الدول، وتسببت في كوارث إنسانية ودمار هائل ومقتل ملايين الأشخاص واضطراب كل مناحي الحياة. جميع الشعوب في البلدان التي شهدت حروبًا أهلية وصلت إلى أقصى حالات اليأس من إمكانية عودة السلام والاستقرار وتجاوز الحرب. فقدت شعوب كثيرة خلال الحرب اليقين بالمستقبل، وعاش البعض ظروفًا أكثر مأساوية مما يعانيه الشعب اليمني بعد 6 أعوام من الحرب أفقدته الأمل.

كما أن الإحساس بالضياع الذي يسود بين الشعب في ظل الحرب الأهلية وفقدان الدولة سيادتها وعوامل تدخل أطراف خارجية وانقسام أطراف النزاع الداخلي وتبعيتهم للأطراف الخارجية، مع فقدانهم القرار الفعلي، وتحكم حلفاء كل طرف بالقرار، جميعها عوامل تعزز مشاعر الضياع والتيه على المستوى الوطني، وتنامي القلق من فقدان كيان الدولة وهويتها وسلطاتها كإطار جامع لصالح مليشيات منفلتة وأمراء حرب مسيطرين على الأرض، يتبعون أطرافًا خارجية متصارعة، وتتحكم بالنزاع الداخلي.

اليمن ليس البلد الوحيد الذي تسببت الحرب الأهلية في وقوعه رهينة صراع إقليمي – دولي بين إيران والسعودية من جانب، وبين إيران ودول كبرى على رأسها الولايات المتحدة، من جانب آخر.

سيراليون عاشت الوضع نفسه، وغرقت في ظروف مشابهة، وتمكنت من إنهاء الحرب، وتجاوزها، وعودة السلام والاستقرار.

إن دولًا كبيرة كاليونان وإسبانيا وليبيريا وغيرها، عاشت شعوبها وقواها الداخلية انقسامات مماثلة وتبعية لأطراف خارجية، وتعقد فيها الوضع خلال الحرب الأهلية الضارية، إلى درجة فقد معها أي بصيص أمل بإمكانية أن تضع الحرب أوزارها، لكنها انتهت، وخرجت تلك الدول والشعوب إلى مرحلة جديدة تلملم وتعالج جراحاتها، والعديد منها نجحت في تجاوز آثار الحرب عبر آليات وإجراءات أتاحت تحقيق مستوى معين من المصالحة والمساءلة، وتخطت دول عديدة مرحلة الحرب عبر عفو عام، لكن الأفضل هي الدول التي أبدت حرصًا على تطبيق خطوات للعدالة الانتقالية، ومنها جبر الضرر والمحاكمات، مما وضع أساسًا قويًا لنهوض تلك الدول، وانتقالها من دول مدمرة وشعوب منهكة جريحة إلى مصاف الدول في التغيير الديمقراطي أو التقدم الاقتصادي.

ويعطي نموذج سيراليون لمحة عن الحرب الأهلية التي تندلع بين حكومة شرعية وتمرد مسلح، تنتهي بحسم عسكري وإلقاء المتمردين للسلاح والانخراط في المصالحة والسلام بشكل متوازٍ يشمل أيضًا نزع سلاح أية مليشيات أخرى مسلحة موالية لطرف الحكومة.

وذلك بعكس نماذج أخرى لدول انتهت الحرب الأهلية فيها بانتصار التمرد عسكريًا، وفرض نظام ديكتاتوري تسبب بمعاناة مريرة وقمع للشعب أكبر من معاناة الحرب نفسها، كما حدث في الحرب الأهلية الإسبانية.

ذلك أن الشعوب والدول يمكن أن تتعافى بسرعة أكبر، وعلى نحو أفضل، حين تنتهي الحرب بفرض تحول وانتقال ديمقراطي ينهي كثيرًا من آثار الحرب بفضل تحقيق مستوى من الرضا العام بين القوى المحلية للاحتكام لنظم ديمقراطية تنهي كثيرًا من أسباب النزاع والحروب، وترسي سلامًا يدوم طويلًا، ويفتح آفاق التحول والازدهار الاقتصادي.

ذلك النوع من الحروب التي تنتهي بسلام وإقرار تحول ديمقراطي، نهايتها شكلت منطلقًا للعديد من الدول للانتقال إلى الازدهار والتنمية، على عكس الحروب التي ينتصر فيها المتمردون على حكومات شرعية، ويميلون إلى فرض نظام قمعي لتوطيد حكمهم وسحق اية معارضة بصرامة وعنف.

إن أهم ما تقدمه تجربة الحرب الأهلية في سيراليون، هو الدرس الملهم لنهاية أبرز داعم للتمرد والحرب الأهلية، وهو الرئيس السابق لليبيريا تشارلز تايلور واقفًا في قاعة المحكمة التي أدانته بسبب تورطه في حرب سيراليون، ودعمه للتمرد المسلح.

وليس ذلك مجرد درس تاريخي ينطوي على العبرة فقط، ففي الحالة اليمنية وغيرها يمكن للجهات الدولية تذكير الأطراف التي تعوق عملية السلام في اليمن، أو تدعم استمرار الحرب، وعرقلة تطبيق القرار الدولي 2216، بمصير زعيم ليبيريا السابق.

كما تقدم هذه التجربة لمحة عن عبثية توقيع الاتفاقات ونقضها، وفعالية موقف المجتمع الدولي عندما يتصرف بعزم في مواجهة من يعيقون إرساء السلام، ويعملون على استمرار الحرب والدمار.

مقالات مشابهة