المشاهد نت

جماعة الحوثي تُفعّل أجلَي التقاعد رغم الحرب!

منظر عام لمدينة صنعاء - ارشيفية

صنعاء – محمد حامد :

يحاول عمر محمد نسيان ما فات من عمره وهو يخوض تحدٍ يومي فرضه واقع الحال الجديد منذ سبتمبر 2016 وهو الشهر الذي أوقفت فيه جماعة الحوثي صرف رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتها، ولم تعمل على إعادة دفعها منتظمة منذ ذلك الحين، وتعمد إلى انتظار المناسبات الدينية والوطنية أو تلك المرتبطة بأحداثها لتسليم نصف راتب مع اقتطاع الضريبة منه.
كل صباح يأخذ عمر على عاتقه هم وظيفته التي لا يصله منها سوى الفتات الذي لا يغطي شيئًا من احتياجاته الضرورية في ظل الارتفاع المستمر للأسعار، إذا تركتها سأجد نفسي مرميًا دون حق، وسيفعلون بي كما فعلوا بآخرين لم يعودوا في كشوفات الرواتب ولا يعترفون بهم كموظفين، يقول عمر.
كل ما يعنيني من وظيفتي هو البقاء على قيد الأمل بأن غدًا ستعود الأمور إلى مجاريها، وسنحصل على رواتبنا بانتظام، لا كما يريدون لها أن تبقى معلّقة، ومن ضاق ذرعًا أحلّوا له بديلًا، ويدعونا للمزيد من الصبر في مواجهة العدوان المتسبب في هذا الوضع، يضيف عمر.
عمر واحد من بين عشرات آلاف الموظفين الذين من المزمع أن تصدر جماعة الحوثي بحقهم قرار تقاعد خلال الفترة القادمة، وسط جدل قائم بماهية القرار وتبعاته وما سيُبنى عليه.
وكانت جماعة الحوثي وجهت بصرف النصف الثاني من راتب شهر مارس 2018 للموظفين الحكوميين بمناطق سيطرتها في مايو الماضي تزامنًا مع حلول عيد الفطر.

خطوة قاسمة


في تعميم صادر من سليم مغلس وزير الخدمة المدنية في حكومة صنعاء طالب الوزارات المعنية بالرفع بكشوفات الموظفين الذين بلغوا أجلي التقاعد الحكومي سواء أكملوا 35 عامًا من الخدمة، أو بلغوا سن الـ 60.
هذه الخطوة ستودي بأكثر من 150 ألف موظف على الأقل إلى دهاليز التقاعد في ظل أوضاع استثنائية تعيشها البلاد منذ اندلاع الحرب في مارس 2015.
يعتبر النائب البرلماني أحمد سيف حاشد الخطوة إذا ما تمت بأنها قاسمة وستمثل صفحة جديدة من المعاناة بالنسبة للموظفين الحكوميين الذين لا يحصلون على رواتبهم بانتظام منذ سنوات، وسيحالون إلى التقاعد الإجباري حسب وصفه بصفحته بالفيس بوك .
حاشد يرى أن وزير الخدمة المدنية يسعى إلى تقديم مقترح مفاده أن أكثر من 150 ألف موظف بلغوا أجلي التقاعد، وهو ما ينفيه الوزير تحت مبرر أن المسألة لا تتجاوز كونها الرفع بكشوفات لا أكثر، وبحسب النائب حاشد فإن مغلّس لم يرد على تساؤلات لنواب صنعاء بفعل إرجاء رئيس المجلس لها إلى جلسة أخرى رغم حضور وزير الخدمة المدنية في حكومة الحوثي.
وأبدى موظفون امتعاضهم من توجه السلطات في صنعاء لخطوة اعتبروها بغير المجدية في ظل الظروف الراهنة، ولن تزيد الطين إلا بلة؛ بسبب عدم انتظام صرف الرواتب، والتصاعد المستمر للأسعار، إضافة للتوجه العسكري الغالب على الوضع برمته.

تقاعد وإحلال


القرار الذي لم يُنفّذ بعد أثار عدة تساؤلات لدى أكاديميين وناشطين على مستوى البلاد، بينهم الدكتور والأكاديمي إبراهيم الكبسي الذي اعتبر قرار وزارة الخدمة المدنية في صنعاء بإحالة آلاف من الموظفين إلى التقاعد في هذا التوقيت، وذلك بسبب استيفاء أحد الأجلين دون قدرة الحكومة على دفع رواتب المتقاعدين الموجودين أصلًا بصورة كاملة ومنتظمة يثير الكثير من التساؤلات، ومنها هذا التساؤل الذي أعدّه الكبسي تساؤلًا منطقيًا: هل يوجد لدى الحكومة في صنعاء القدرة المالية على صرف التسويات المالية الخاصة بآلاف الموظفين المزمع إحالتهم للتقاعد؟

الكبسي : القرار يفتح المجال أمام الإحلال الوظيفي، وإمكانية إصدار قرارات توظيف جديدة وجعلها بيد رئيس المجلس السياسي الأعلى، إضافة إلى إدراج عبارة استثنائية أخرى وهي السماح بالتوظيف بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة


القرار بالنسبة للدكتور الكبسي هو صورة من صور الصراع التقليدي بين أحزاب اليمن الحاكمة للاستيلاء على الوظيفة العامة واستغلالها سياسيًا، ودلّل على ذلك بأن الحكومة في صنعاء عاجزة عن دفع مبالغ التسويات الخاصة بالمتقاعدين؛ لأنها تعجز عن صرف رواتب ومستحقات المتقاعدين الحاليين بصورة كاملة ومنتظمة.
يضيف الكبسي أن القرار يفتح المجال أمام الإحلال الوظيفي، وإمكانية إصدار قرارات توظيف جديدة وجعلها بيد رئيس المجلس السياسي الأعلى، إضافة إلى إدراج عبارة استثنائية أخرى وهي السماح بالتوظيف بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة، وهذا يؤكد السعي نحو استغلال هذا القرار للتوظيف السياسي وإحلال عناصر موالية في الوظائف والمناصب الشاغرة، حسب ما تناوله عبر صفحته على الفيسبوك.

إقرأ أيضاً  حرمان المهمشين من الخدمات في اليمن

مآرب أخرى


وتوالت ردود الأفعال المنددة بالقرار الصادر عن حكومة صنعاء حيث عبّر الاتحاد العام لموظفي الدولة في صنعاء عن رفضه للقرار، وطالب بالعدول عنه فورًا، ومؤكدًا بأنه اضطر للصمت عن ما وصفها بالكثير من التجاوزات؛ حتى لا تستخدم ضد حكومة الحوثي، مع أنه على يقين بأن هذه الحكومة تمتلك الإمكانات لصرف رواتب الموظفين المتوقفة منذ خمسة أعوام.
من جانبها حذرت منظمة سام الحقوقية من خطورة هذه الخطوة وتأثيرها على الأوضاع المعيشية في البلاد، مؤكدًة على أن الهدف الحقيقي من هذه القرارات هو الانتقام من الخصوم واستغلال غياب الرقابة القانونية الحقيقية على أعمال الجهات التنفيذية التابعة لجماعة الحوثي، لتصفية الحسابات السياسية على حساب حقوق الأفراد الأساسية، ومنها الحق في تقلد الوظائف العامة والمستحقات المالية والأمان الوظيفي.

وينظر توفيق الحميدي رئيس منظمة سام الحقوقية للقرار في حديثه لـ” المشاهد” بأنه تتويج لممارسات متعددة ضد الموظفين في القطاع المدني من قبل جماعة الحوثي ابتداءً بوقف رواتبهم منذ خمس سنوات، وصولًا إلى البدء التدريجي بإحلال متطوعين تابعين للجماعة.
الحميدي أضاف في حديثه للمشاهد: الخطوة تعتبر انتقامًا سياسيًا من خصوم الجماعة، وهو ما يتنافى مع القانون اليمني والقوانين الدولية النافذة، ويُفاقم المعاناة الإنسانية لعشرات آلاف الموظفين الذين لا يحصلون على أبسط حقوقهم والمتمثلة في انتظام تسليم الرواتب حسب قوله.
وينتظر أكثر من 150 ألف موظف حكومي ما ستؤول إليه الأمور في ظل تداولات مستمرة قد تنجح في تمرير قرار جماعة الحوثي التي تعمل لإحلال بدلاء في القطاع المدني مستفيدةً من إنفاذ أجلَي التقاعد، وفق ما يراه أكاديميون وناشطون حقوقيون.

مقالات مشابهة