المشاهد نت

كلّيات الطب في صنعاء.. طلّاب كثر ومعايير غائبة


صنعاء – جهينة عبدالمنعم:


يمتلئ أحد عنابر المستشفى الجمهوري الحكومي في صنعاء، بعشرات الطلاب، يرافقهم طبيب واحد. يقفون مُنصتين لفترة طويلة. هناك يدرك الطالب الشبَه الكبير بين الجانب العملي أو التطبيقي في المشفى والجانب النظري الذي يتلقاه في مدرجات الكلية. لكن داليا، الطالبة في كلية الطب بجامعة صنعاء، لا تجد أنها وزملاءها يحظون بالمساحة المطلوبة للمشاركة، ولا للتعمق في فهم حالات المرضى.
تقول داليا متأسفة في حديثها “للمشاهد “: “يشرح لنا الطبيب المختص الحالة المعروضة أمامنا، ويطلب تشخيصها. يحالف أحدنا الحظ أحيانًا، ويقدم التشخيص الملائم بالاستناد إلى حالة سبق أن درسها. لكن المشكلة تكمن في أن لا تواصل بيننا وبين المرضى، وهذا يعرقل مسار دراستنا”.
معايير عدة تفتقدها كليات الطب في اليمن، قد تجعلها محض مبانٍ تسرق أعمار الطلاب حفظًا وغرقًا في الكتب والأوراق.

صعوبات في المستشفيات

ويواجه الأطباء حديثو التخرج صعوبات في ساحة العمل، بدءًا من البحث عن الوساطة، مرورًا بالرضا بالدخل الزهيد لقاء ساعات طوال من العمل وسنوات من التدريب واكتساب الخبرة التي تخولهم تأدية واجباتهم الإنسانية تجاه المرضى.
تقول الدكتورة صفاء في حديثها “للمشاهد “ والتي تخرجت قبل عامين من كلية الطب في جامعة صنعاء، عن تجربتها: “بالوساطة حصلت على وظيفة، واعتقدت أني تجاوزت الصعاب. لكنّي أصبت بالإحباط منذ بداية مشواري المهني، وشعرت بعدم قدرتي على معالجة أي مريض. لا أعرف إذا كان الشعور ذاك يرافق أي طبيب مبتدئ، لكني أعتقد أننا بحاجة إلى سنوات إضافية من التمرس في الجانب التطبيقي بدلًا من الاستغراق في الكتب والأوراق”.

الدكتور المحبشى : جامعة صنعاء، إلى أن الجامعة أتمّت إقرار مناهجها لهذا العام، وقد نفذت، قبل فترة وجيزة، ورشة لإقرار خطة المنهج الدراسي. كما قامت بمراجعة قدرتها الاستيعابية للعام الدراسي القادم 2021/2022،


ويتخرج ما بين 500 و700 طالب سنويًا من كليات الطب البشري الحكومية (جامعتين) والخاصة (4 جامعات)، وكلها جامعات لم تحصل بعد على الاعتماد الدولي من قبل الاتحاد العالمي للتعليم الطبي (WFME).
ومن يتخرج بينهم من كلية الطب في جامعة صنعاء الحكومية، يحدوه أمل بنيل جامعته اعترافًا بشهاداتها وخريجيها، كأطباء موثوق بهم، من خلال حصول الجامعة على اعتماد دولي من WFME.
ويؤكد الدكتور عبدالواسع المخلافي، رئيس قسم الأمراض الجلدية في جامعة صنعاء، “للمشاهد “أن زيادة عدد الطلاب أثر بشكل مباشر على مدى الإفادة والتحصيل العلمي، بل على أداء الأساتذة أيضًا. ففي السنوات الأخيرة، أُدخلت أعداد هائلة من الطلاب إلى كلية الطب في جامعة صنعاء، تراوحت بين 400 و1000 طالب في الدفعة الواحدة.
في المقابل، يشير الدكتور حسن المحبشي، عميد كلية الطب في جامعة صنعاء، إلى أن الجامعة أتمّت إقرار مناهجها لهذا العام، وقد نفذت، قبل فترة وجيزة، ورشة لإقرار خطة المنهج الدراسي. كما قامت بمراجعة قدرتها الاستيعابية للعام الدراسي القادم 2021/2022، إذ لن يُسجل فيه أكثر من 200 طالب، وأعادت أيضًا أعضاء هيئة التدريس إلى الكلية، وتقوم بتسليمهم مستحقاتهم، لكن وفق نظام الساعات، وذلك لعدم وجود ميزانية خاصة بالكلية. أما المعايير الدولية التسعة المطلوبة من أجل الحصول على الاعتماد الدولي، فيُعمل على تحقيقها، وقد أنجز -بحسب المحبشي- نحو 70%‎ منها.

معايير أقل صرامة

يحدث أن يعمل الطلاب حديثو التخرج في قسم الطوارئ بلا شهادة لمزاولة المهنة، وبلا أي تأمينات من المستشفيات التي يعملون لديها، وبمعدل 12 ساعة في اليوم، مقابل 600 ريال في الساعة، أي ما يساوي دولارًا واحدًا. لذا، يلجأ الكثير من الطلاب حديثي التخرج إلى العمل في الجامعات الخاصة كمدرسين في قسم الطب البشري، لرفع مستوى دخلهم، بينما يُشترط أن تكون هيئة التدريس من الدكاترة ذوي الخبرة والأخصائيين في مجال الطب البشري، بحسب معايير منظمة WFME.
تقول خولة، وهي طبيبة متخرجة حديثًا: “عملت في جامعة خاصة، وتوقفت عن ذلك بعد سنة ونصف. وجدت أن الجامعة تفتقر إلى الكثير من المعايير التي تخولها فتح قسم للطب البشري. كان الكثير من أعضاء هيئة التدريس في قسم الطب البشري من الطلاب حديثي التخرج من جامعة صنعاء، ومناهجهم محدودة مقارنة بما كنت أتلقاه في الجامعة، كما أنها تفتقر إلى المختبرات”.
وتفتقر أقسام الطب البشري في الجامعات الخاصة إلى الكثير من معايير الاعتماد الدولي، من حيث عدم وجود مستشفيات تعليمية خاصة بها ولا كوادر تدريسية خاصة. فهي تعتمد على أعضاء هيئة تدريس جامعة صنعاء، لاسيما بعدما لجأ العديد منهم إلى الجامعات الخاصة إثر أزمة انقطاع الرواتب. ويلتحق سنويًا ما بين 500 و600 طالب بكليات الطب التابعة للجامعات الخاصة في صنعاء.

إقرأ أيضاً  رمضان.. شهر الخير والمبادرات الإنسانية بحضرموت
كلّيات الطب في صنعاء.. طلّاب كثر ومعايير غائبة


ويؤكد مدير الاعتماد والتراخيص في مجلس الاعتماد الأكاديمي الدكتور عدنان الصنوي، أن أحد أهم معايير الـWFME ، يتمثل بضرورة أن تكون نسبة الطلاب مقابل الأطباء في المستشفى اثنين مقابل واحد، بينما يزدحم في أحد عنابر المشفى حيث يجري التطبيق ما بين 40 و60 طالبًا مقابل كل طبيب في الجامعات الحكومية، وما بين 15 و20 طالبًا مقابل كل طبيب في الجامعات الخاصة.

يصعب على مجلس الاعتماد الأكاديمي إخضاع البرامج التعليمية المعتمدة في الجامعات الخاصة والحكومية إلى رقابة لصيقة، كما يصعب عليه فحص المعامل والمختبرات وتقييم إمكانياتها المادية


وبرغم أن عدد الطلاب في أقسام الطب البشري في الجامعات الخاصة، أكبر من قدرتها الاستيعابية، إلا أنها تتخذ معايير أقل صرامة، فتستقبل سنويًا نحو 100 أو أكثر من المتقدمين لكليات الطب، بحسب ما يؤكده طلاب ملتحقون في أقسام الطب البشري في الجامعات الخاصة.
ويوضح الصنوي أن معدل رسوم تسجيل الطلاب في قسم الطب في الجامعات الخاصة، يتراوح بين 4 و5 آلاف دولار، وهو ما يخشى معه تسليع دراسة الطب. ويضيف أن المجلس قام قبل فترة وجيزة برفع مذكرة إلى وزير التعليم العالي، تطلب إيقاف التسجيل في كليات الطب لهذا العام، وقد أبدت الجامعات الخاصة -بحسب الصنوي- استعدادها للتعاون في هذا الصدد.
أما وزارة التعليم العالي، فهي في مرحلة إعداد المعايير ومباشرة تطبيقها في الجامعات كافة، بحسب وكيل الوزارة الدكتور غالب القانص. عندها، من يخالف المعايير، يضيف القانص “يطبق عليه القانون”.

غياب الرقابة على كليات الطب

يصعب على مجلس الاعتماد الأكاديمي إخضاع البرامج التعليمية المعتمدة في الجامعات الخاصة والحكومية إلى رقابة لصيقة، كما يصعب عليه فحص المعامل والمختبرات وتقييم إمكانياتها المادية، وما إذا كان لدى الجامعات هيئة تدريس ثابتة أم لا، برغم امتلاك المجلس مراجعين ومختصين يتبعون WFME، بالإضافة إلى صلاحياته القانونية التي تتيح له إيقاف أي برنامج تعليمي لا يتوافق مع المعايير الدولية.
ويقول الصنوي إن لمجلس الاعتماد الأكاديمي الحق في منح الاعتماد الدولي لكليات الطب في اليمن، سواء تعلق الأمر بالجامعات الحكومية أم الخاصة، وذلك حين تمنحه منظمة WFME الاعتماد الدولي الذي يجعل منه وكيلًا لها في اليمن.
لكن المجلس يواجه العديد من الصعاب. إذ إنه لم يكتمل مؤسسيًا ولا قانونيًا بعد، نتيجة العوائق المادية التي يواجهها.
وبرغم تأكيد وزارة التعليم العالي رغبتها بتمكين المجلس، وتنظيمها ورشات عمل حول المعايير الدولية من خلال المجلس، إلا أن الخشية من عدم التزام بعض كليات الطب بالمعايير الدولية التي تخوّلها حمل مسؤولية علمية وإنسانية وأخلاقية بهذا الحجم على عاتقها، تبقى قائمة، وفق الصنوي، قائلًا: “نحن بانتظار إيجاد حلول للمشكلات القائمة، وإنفاذ القوانين، وتشديد الرقابة، حتى لا يُظلم مئات المتخرجين سنويًا من كليات الطب، ويُظلم معهم مرضاهم في المستقبل”.

مقالات مشابهة