المشاهد نت

فى اليمن فقراء في زمن السلم وموتى في زمن الحرب

المشاهد-نجيب العدوفي-خاص:

ينتمي أغلب موظفي القطاع العام في اليمن إلى فئة الفقراء، وذلك في زمن السلم، إلا أنهم لم يعودوا كذلك في زمن الحرب التي تقودهم نحو الموت جوعاً.

لم يكن المعلم محمد سفيان يعلم أنه سيصبح بلا مهنة تدر عليه الدخل الذي يمكنه من البقاء على قيد الحياة.. سفيان الذي يعمل في السلك التربوي منذ العام 1988 لا يملك مهنة أخرى إلى جانب مهنته في التدريس.

ويقول لـ”المشاهد”: “30 عاماً من عمري منحتها لمهنتي التربوية التي أحبها كثيراً، لكنها خذلتني تماماً، فمنذ ما يزيد عن عامين وأنا أصارع الموت جوعاً، وليس أمامي ما أقوم به، وكان خطأي أن أخلصت لهذه المهنة ومنحتها كل وقتي وجهدي، ولو كنت أعلم ما تخبأه لي الأيام لتعلمت صنعة أخرى بجانب مهنة التدريس”.

يبدو التربوي سفيان متحسراً على ثلاثة عقود ذهبت من عُمره لصناعة أجيال المستقبل، فالندم الذي يسيطر عليه الآن جاء نتيجة صعوبة العيش جراء انعدام الدخل الناجم عن انقطاع رواتب موظفي الدولة في اليمن، لكن هذا الرجل يعلم جيداً أهميته ودوره في صناعة أجيال الحاضر والمستقبل، إلا أن الندم الذي يتملكه مصدره غياب الدولة وعدم اكتراث من يملكون القرار في مصير الوطن والمواطن.

بدوره عبدالله أحمد البدري -موظف حكومي- هو الآخر وجد نفسه يفترش رصيف البطالة، ويقول لـ”المشاهد”: “داهمتنا هذه المصيبة دون سابق إنذار، ولم يكن أحداً يتوقع أن يأتي يوم ويصبح بلا راتب، وفجأة وجدت نفسي كغيري من الذين لا يملكون مهنة أخرى ننتظر الموت ويسيطر علينا العجز التام لصناعة أي حل لما نحن فيه”.

واقعٌ مريرٌ يعيشه كل موظف حكومي في اليمن، وفق ما يقول محمود عبدالله -موظف حكومي- لـ”المشاهد” فهو يمتلك إلى جانب وظيفته في الدولة مهنة تتمثل في النجارة، إلا أنه يعجز عن الحصول على عمل في بلد يسوده الركود ولا شيء ينمو فيه سوى أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل والموتى.

يتابع محمود عبدالله: “ما نعانيه أن أطراف الصراع لا يملكون ضميراً إنسانياً حياً، وكل ما يعرفونه أنهم يتاجرون بهذه الحرب التي أدرت عليهم الكثير من الأموال، لذا فمن الطبيعي أنهم يسعون إلى منح هذه الحرب مزيداً من الحياة والعمر الطويل، ونحن الضعفاء من ندفع الثمن”.

موظفون يتسولون وآخرون يبيعون القات والحطب

(أ.ع) هكذا يرمز لاسمه، فهو موظف حكومي قست عليه الحرب وأفقدته مصدر دخله، ويقول لـ”المشاهد” : “لقد قادني الجوع إلى أن أتسول الناس وأمد لهم يدي، وحاولت كثيراً أن أبحث عن عمل واستجديت كل من أعرف ولا أعرف أن يساعدوني بفرصة عمل تضمن توفير القوت الضروري لي ولأسرتي المكونة من 12 نسمة، لكن الله وحده يعلم أني أتسول الناس مضطراً وأشعر بالخجل من الله ومن نفسي ومن الناس ومن أسرتي، لكن الجوع لا يرحم، كما هم تجار الحروب الذين لا يرحمون حالنا”.

إقرأ أيضاً  رمضان.. شهر الخير والمبادرات الإنسانية بحضرموت

بدوره منير الحميري -موظف حكومي- يقول لـ”المشاهد” إن كثيراً ممن يعرفهم من موظفي القطاع العام باتوا يعملون في مهناً مختلفة أغلبها شاقة، كالعمل في أعمال البناء والأحمال والبعض يعملون في بيع القات التي باتت ملاذاً للكثير من الموظفين خاصة أنها السوق التي ما تزال تنبض بالحياة، وآخرون يعملون في بيع الحطب مستفيدين من أزمة الغاز المنزلي التي تعيشها أغلب المدن اليمنية.

يدخل موظفو القطاع العام في اليمن عامهم الثالث على التوالي بدون رواتب، الأمر الذي أجبرهم على بيع مدخراتهم للاستمرار في الحياة، والبحث عن مهن بديلة، كبيع القات والعمل في مهن شاقة وآخرون يعملون في بيع الحطب، في حين لجأ البعض إلى التسول .

أكثر من مليون موظف ينتظرون الراتب

ينتظر 1.25 مليون موظف اليمن رواتبهم، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولي، ويعولون حوالي 6.9 ملايين نسمة، وتشير الوزارة إلى أن فاتورة المرتبات والأجور تبلغ حوالي 75 مليار ريال شهرياً.

الفقر.. الخارطة الأكبر في اليمن

تقول الباحثة الاقتصادية ندى عبدالملك لـ”المشاهد” إن الوضع المعيشي في اليمن مقلق للغاية، خاصة أن الكثير من الأسر لا تملك إلا قوتها اليومي في زمن السلم، وأصبحت غير قادرة على ذلك في زمن الحرب بل أصبح الموت جوعاً من نصيبها، وتشير إلى أنه من المستحيل الحصول على فرص عمل، والباحث عن فرصة عمل كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، فالحياة شبه متوقفة في البلد، يقابلها حرب لا تُعرف نهايتها وأزمات تتفاقم، الأمر الذي يقود إلى مزيد من الجوع، حيث تتعالى نسبة من هم بحاجة إلى العون الإنساني والذين يصل عددهم إلى 22.2 مليون نسمة وفقاً لبيانات منظمات الأمم المتحدة، وأن كل 6 أشخاص من أصل 10 أشخاص يعانون من انعدام الغذاء.

وتؤكد الباحثة الاقتصادية ندى عبدالملك أن أغلب موظفي الدولة يندرجون تحت خط الفقر وذلك في أوقات السلم التي كانوا فيها يتقاضون رواتبهم بصورة منتظمة، وذلك بسبب تدني قيمة الأجور يقابلها غلاء معيشي، في حين أن الأقلية من موظفي الدولة كانوا يشكلون ما تسمى بالطبقة الوسطى التي انهارت لصالح الطبقة الفقيرة بسبب انقطاع المرتبات، الأمر الذي يُنذر بقدوم أجيال محرومة من حقها في الخدمات الأساسية، كما أنها مهددة بعدم قدرتها على المشاركة في التنمية وتقديم أية قيمة مضافة للمجتمع، بمعنى أن المستقبل ينذر بمزيد من الفقر والبطالة والأزمات الاقتصادية المتداخلة والمتشابكة

مقالات مشابهة