المشاهد نت

اعتراف التحالف باستهداف مدنيين في اليمن.. امتصاص لردود الفعل أم رضوخ للضغوط الدولية؟

الحديدة -خالد الحميري:

لم تجف قبور ضحايا قصف قارب صيد قبالة سواحل ميناء الخوخة (جنوب الحديدة)، حتى فوجئ ذووهم بتعويض كل أسرة بمبلغ 100 ألف ريال سعودي، مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة، بحسب تأكيد أحد أعضاء جمعية الصيادين في الخوخة لـ”المشاهد”.
وقتل 18 صياداً، منتصف سبتمبر الماضي، ونجا صياد واحد، بقصف استهدف قارباً يستقلونه، قبالة ميناء الخوخة المطل على البحر الأحمر، وسط اتهامات مباشرة من الأهالي لقوات التحالف العربي باستهداف القارب.
ونفى التحالف العربي، بعد أيام من الحادثة، استهداف قواته البحرية لزورق الصيد الذي كان يستقله الصيادون الـ18، مقابل ميناء الخوخة في عرض البحر الأحمر.
وقال المتحدث باسم التحالف العقيد الركن تركي المالكي، إن سفينة مجهولة فتحت النار على صيادين في ميناء الخوخة المطل على البحر الأحمر، مشيراً، في بيان، إلى أن التحالف يقوم بالتحقيق في الواقعة وجمع معلومات من الصيادين الموجودين في المنطقة، بالإضافة إلى الشخص الذي نجا من الهجوم.

امتصاص ردود الفعل

 

ناشط حقوقي في مديرية الخوخة الساحلية جنوب محافظة الحديدة، اعتبر تلك المبالغ المالية المغرية المقدمة إلى أسر الضحايا بمثابة اعتراف غير رسمي من قبل قوات التحالف بارتكاب المجزرة بحق الصيادين البسطاء.
وتساءل الناشط الذي رفض الكشف عن اسمه، لأسباب أمنية، لـ”المشاهد” عن سر منح السلطات السعودية، أسر الضحايا في قرية الكدحة بمديرية الخوخة، هذه المبالغ الكبيرة، بعد نفي التحالف، في بيان رسمي، ارتكاب المجزرة؟
وعدّ الناشط الحقوقي تعويض أهالي الضحايا في الخوخة، محاولة لامتصاص ردود الفعل المحلية والدولية، خصوصاً بعد ردود الأفعال الغاضبة عقب كشف تقرير فريق الخبراء الدولي التابع للأمم المتحدة حول الانتهاكات في اليمن، بأن غارات التحالف في اليمن ترقى إلى جرائم حرب.

جرائم حرب

 

أظهر تقرير قدمه خبراء مستقلون إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ارتكب ممارسات في اليمن، ربما يصل بعضها إلى حد جرائم حرب.
وأكد التقرير الذي أعلن عنه في 28 أغسطس الماضي، أن ثمة ضربات جوية شنها التحالف العربي في اليمن، تسببت بخسائر بالغة في الأرواح بين المدنيين في مناطق مختلفة، ربما تصل إلى مستوى جرائم حرب.
وأشار فريق الخبراء إلى أنه بعد التحقيق في 11 هجوماً في اليمن، تبين أن التحالف بقيادة السعودية شن هجمات تنتهك مبادئ التمييز (تجنب الأهداف المدنية) والتناسب وأخذ الاحتياطات اللازمة قبل القصف.
وذكر الخبراء الأمميون أن الخلاصات التي توصلوا إليها في تقريرهم -الذي يقع في 41 صفحة- جاءت نتيجة 14 بعثة أوفدت إلى صعدة والحديدة ومحافظات أخرى، حيث التقت السلطات والمنظمات غير الحكومية، وأجرت مقابلات مع الضحايا، وجمعت عدداً من الوثائق والصور، وجرى تقييم صور للأقمار الاصطناعية لما يقع في اليمن.
وباتت تلك الانتهاكات تلاحق التحالف رسمياً، بعد التقرير الذي أعده فريق خبراء يتبع للأمم المتحدة، أواخر أغسطس الماضي، ما يضيق الخناق على التحالف، ويضع قادته في دائرة المساءلة عن الجرائم التي تحدث عنها التقرير الذي تم تسليمه إلى مفوض حقوق الإنسان.
ويشمل التقرير تحديد أسماء مشتبه بمسؤوليتهم المباشرة عن جرائم الحرب في اليمن، ما دفع التحالف، في وقت سابق، إلى المسارعة في الإعلان عن شروعه بمراجعة تقرير فريق الخبراء الدوليين، وأنه سيتخذ “الموقف المناسب من التقرير بعد المراجعة القانونية”، وذلك على عكس مرات سابقة تجاهل فيها تقارير تنتقد جرائمه.

وعلى مدى السنوات الأربع الماضية من عمر الحرب، استهدفت مقاتلات التحالف التي تقول قيادته إنها تطبق قواعد الاشتباك بدقة، وتضرب أهدافاً عسكرية فقط، حفلات زفاف، ومجالس عزاء، ومدارس ومستشفيات، ومعامل تعبئة مياه، تجعل عدد الضحايا من الأطفال والمدنيين في ارتفاع مضطرد.

نقطة تحول

 

شكلت المجزرة التي ارتكبها طيران التحالف العربي بمحافظة صعدة (شمالي اليمن)، في أغسطس الماضي، وأدت إلى مقتل العشرات من المدنيين، غالبيتهم أطفال، نقطة تحول في الحرب المندلعة في البلاد منذ 4 أعوام.
وقتل 51 شخصاً، بينهم 44 طفلاً على الأقل، وأصيب 79 شخصاً، في قصف جوي استهدف حافلة بسوق ضحيان في محافظة صعدة، في 9 أغسطس، وفقاً للصليب الأحمر.
وتصاعدت الدعوات الدولية حينها، لفتح تحقيق في المجزرة، بعد اعتراف التحالف بارتكابها، ووصفها بـ”العمل العسكري المشروع”، قبل أن يضطر في اليوم التالي من وقوع الحادثة، إلى التراجع خطوة إلى الوراء، والإعلان عن التحقيق في ما سماه تعرض الحافلة “لأضرار جانبية” جراء إحدى عملياته العسكرية.

وسبق للتحالف أن برر قصف العديد من المناطق المزدحمة بالمدنيين، بما فيها أسواق شعبية ومراكز طبية، باعتبارها أهدافاً مشروعة، من خلال التبرير بوجود أهداف حوثية في المواقع المستهدفة، كتبريره لقصف سوق شعبي في مستبأ بمحافظة حجة، في مارس 2016، وراح ضحيته 119 شخصاً على الأقل، بالقول إن القصف تم “بناءً على معلومات استخباراتية مؤكدة تشير إلى تجمع كبير لمسلحين حوثيين”.

 

اعتراف رسمي

 

بعد يومين من تقرير فريق الخبراء الدوليين، الذي اتهم التحالف بارتكاب جرائم حرب، وأن تقييمات فريق الحوادث لا تنصف الضحايا، أقر التحالف العربي، بقصف حافلة شمال محافظة صعدة، ما تسبب بمقتل العشرات، أغلبهم من الأطفال.

إقرأ أيضاً  استمرار تراجع مؤشر التنمية البشرية في اليمن

 

وقال منصور المنصور، المتحدث الرسمي باسم الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن، الذي شكلته قيادة التحالف، خلال مؤتمر صحفي، مطلع سبتمبر الماضي، في الرياض، “إن الغارة الجوية على ضحيان لا تتوافق مع قواعد الاشتباك للتحالف”، ولم يكن القصف مبرراً في هذا الوقت، إذ لم يكن يشكل الهدف خطراً على قوات التحالف في هذه الحالة.

وطالب المنصور بمحاسبة المسؤولين عن المتسببين في وقوع أخطاء بالغارة، من بينها “تفويت استهداف الحافلة في مناطق خالية من المدنيين”، وعدم تنبيه الطيار قيادته “حيال احتمال وجود أضرار جانبية”، داعياً قوات التحالف إلى “تقديم المساعدات للمدنيين المتضررين من غارة ضحيان”.

محاسبة المتسببين

 

أعلن التحالف العربي قبوله بالنتائج، وما خلص إليه الفريق المشترك لتقييم الحوادث، بخصوص الغارة التي شنها طيران التحالف على حافلة ببلدة ضحيان في صعدة باليمن، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى، بينهم أطفال، معبراً عن أسفه حيال ذلك.
وتعهد التحالف الذي باتت تلاحقه تهم رسمية ترقى إلى جرائم حرب، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية “واس”، بمحاسبة كل من ثبت ارتكابهم أخطاء وفق الأنظمة والقوانين المتبعة في مثل هذه الحالات، مع الاستمرار في مراجعة قواعد الاشتباك وتطويرها بما يضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث، وفقاً للدروس المستفادة من تلك العمليات.

وأكد التحالف أنه سيتم تكليف اللجنة المشتركة للنظر في منح المساعدات الطوعية للمتضررين في اليمن، بالتواصل مع الحكومة اليمنية لتحديد هويات وأسماء المتضررين، ليتم العمل على مساعدتهم وفق الإجراءات المنظمة لذلك.

توالي الاعترافات

 

عقب اعتراف قيادة التحالف العربي بقصف حافلة صعدة، وتزايد الضغوط الدولية، توالت الاعترافات بغارات أخرى خاطئة تسببت في سقوط ضحايا مدنيين في اليمن، خلال الفترة الماضية.
وقال منصور المنصور، المتحدث الرسمي باسم الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن، في 25 سبتمبر الماضي، إنه من خلال تقييم الفريق لثمانية اتهامات تقدمت بها جهات حقوقية وأممية بوجود “أخطاء ارتكبتها قوات التحالف في اليمن خلال عملياتها العسكرية في اليمن”، وجد وقوع خطأين؛ يتمثل الأول في سقوط صاروخ على حارة “الصعدي” المجاورة لوزارة الدفاع بصنعاء، مما أدى لتضرر عدد من المنازل وسقوطها فوق ساكنيها، وإصابة 23 مدنياً، مرجعاً ذلك إلى خلل تقني في أنظمة الطائرة.

وأشار إلى أن الخطأ الثاني يتمثل في استهداف عربة عسكرية بالقرب من مستودع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مدينة صعدة شمالي اليمن، مما تسبب في وقوع أضرار في المستودع، وإصابة الحارس نتيجة وصول شظايا ناتجة عن الاستهداف، إلى المستودع.

ودعا المتحدث الرسمي باسم الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن، في بيان، قيادة التحالف العربي بتقديم المساعدات اللازمة لمساعدة ضحايا الحادثتين، وتعويض مكتب المفوضية لشؤون اللاجئين عن الآثار الجانبية التي ألحقتها الغارة.

ضغوط متزايدة

 

يؤكد مراقبون أن اعتراف التحالف بارتكاب مجزرة ضحيان بصعدة، جاء تحت الضغوط الدولية المتزايدة، إذ لم يجد التحالف أمام غضب المجتمع الدولي بداً من الاعتراف بمسؤوليته بوقوع مجزرة صعدة التي أودت بحياة 51 شخصاً، بينهم 40 طفلاً، كما أوقعت 79 جريحاً، بينهم 56 طفلاً.

ويرى الدكتور فيصل علي، رئيس مركز يمنيون للدراسات، أن اعتراف التحالف ببعض الغارات التي استهدفت مدنيين، يأتي بسبب ضغوط المنظمات الدولية التي حصلت على معلومات وافية من جهات عسكرية دولية بحقيقة هذه الضربات.

ويضيف في حديثه لـ”المشاهد”: “يريد التحالف إخفاء جرائمه المعتمدة في قتل المدنيين، هذه جرائم عمد وليست خاطئة، القنايل الذكية لا تخطئ، ولذا صنعت وسميت قنابل ذكية. على التحالف الالتزام بقواعد الاشتباك، أو إيقاف الضربات نهائياً”.
وصوت مجلس حقوق الإنسان، في 17 سبتمبر الماضي، لصالح قرار تمديد ولاية فريق الخبراء الدوليين البارزين للتحقيق في الانتهاكات باليمن، بموافقة 12 عضواً من أصل 47، فيما رفضت الحكومة اليمنية قرار التمديد للفريق، مؤكدة أنها “لن تتعاون مع الفريق المذكور من منطلق حقها كدولة عضو في الأمم المتحدة بعدم المساس والتدخل بشؤونها الداخلية”.
وحول قرار التمديد لفريق الخبراء الدوليين، قال الدكتور فيصل علي لـ”المشاهد”: “هناك مهمات لازمة لهم، ولذا تم التمديد، مع أن الخبراء الدوليين مجرد ابتزاز وتضخيم إعلامي أكثر منه واقعياً، من مهامهم ابتزاز التحالف”. مضيفاً أن الشرعية التي رفضت التمديد مقصرة في هذا الملف الإنساني، وهي تتناسى هذا الجانب رغبة في إرضاء التحالف المدانة جرائمه دولياً.

وأشار إلى أن الخبراء ومن يقف خلفهم ليسوا مهتمين بجرائم الهاشمية السياسية في اليمن، التي ينفذها الجناح العسكري (الحوثي)، لما لهذه الجماعة من فوائد على المستويين الإقليمي والدولي، في تمزيق اليمن والمنطقة برمتها، لتظل تحت الابتزاز والتصرف العسكري الأمريكي لفترة أطول.

وعلى الرغم من ردود الفعل الدولية الغاضبة تجاه مجازر التحالف في اليمن، وما ورد في تقرير الخبراء الدوليين حول الانتهاكات التي يرتكبها التحالف في البلاد، إلا أنه لايزال من المبكر الحكم على ما إذا كانت هذه الدعوات ستمثل منعطفاً حقيقياً يقود إلى فتح تحقيقات مستقلة لمحاسبة مرتكبي الجرائم بحق المدنيين في اليمن، أم لا؟

مقالات مشابهة