المشاهد نت

١٤ أكتوبر… من طرد المحتل إلى مقاومة المحتلين الجدد

عدن – وفاء غالب:

انطلقت قبل 57 عاماً واحدة من أهم وأنجح الثورات العربية التي تمكنت من التخلص من الاستعمار البريطاني الذي سيطر على عدن ومستعمرات وسلطنات أخرى تحت مسميات عديدة.
شجع تخلص الشمال من حكم الأئمة عبر ثورة 26 سبتمبر 1962، وحركات التحرر، الجنوبيين على التحرر من قبضة البريطانيين الذين كان الجنوب في ظل تواجدهم يعاني من انقسامات عديدة غذاها المستعمر الأجنبي ليسهل السيطرة عليها، وقد تزايد مع مرور الوقت الوعي بأهمية الاستقلال، بخاصة جراء الظلم الذي كان يعاني منه العمال.
انفجرت شرارة الـ14 من أكتوبر عام 1963، التي غيرت مصير الجنوب ككل، بمساركة أبناء الشمال، وقدموا جميعاً تضحيات كبيرة، برغم إمكانياتهم البسيطة، ونتج عنها قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي امتزج تحتها ما كان يعرف بـ”اتحاد الجنوب العربي، ومحمية الجنوب العربي”، ثم توحدت عام 1990 مع المحافظات الشمالية، تحت اسم “الجمهورية اليمنية”.
ويحتفل اليمنيون، اليوم، بهذه المناسبة، في ظل واقع جديد ومختلف، يجعل مصير اليمن الدولة الموحدة غامضاً، بسبب سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة في الشمال، ووجود ما يشبه الانفصال على أرض الواقع بسبب تحكم ما يُعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” ببعض محافظات الجنوب، تدعمه في ذلك الإمارات العربية المتحدة، واحتفاظ الحكومة بمناطق ومدن في كلا الشطرين.
ففي المحافظات التي تتبع الحكومة اليمنية، تم التأكيد على رفض الوصاية والاحتلال والتبعية والتدخل في الشؤون الداخلية، وحق السيادة، أما “الانتقالي” فأكد كالعادة، مضيه في الانفصال، والنهج ذاته يتبعه كذلك الحراك الجنوبي الذي يقوم بالاحتفال بمعزل عن المجلس بسبب الخلافات بينهما، أما جماعة الحوثي فتحاول إبراز قدرة اليمنيين على التخلص من بريطانيا التي كان يُطلق عليها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس؛ كناية عن نفوذها الهائل حول العالم.
ولا تغيب اليوم بريطانيا عن المشهد في اليمن، فهي التي تمسك ملف بلادنا في مجلس الأمن.

تجربة ملهمة للشعب

مع التعقيدات الكثيرة التي أصبحت واقعاً في المشهد اليمني، ووجود دول أخرى تدعم أذرعها المحلية في البلاد لتحقيق أطماعها، تزايدت أهمية ثورة 14 أكتوبر، التي يعتبرها مستشار وزير الثقافة محمد المهدي بأنها لا تقل أهمية عن ثورة 26 سبتمبر، كون الأولى جزءاً من المكتسبات التي حققتها الثانية.
وأكد المهدي لـ”المشاهد” أن 14 أكتوبر ذكرى عظيمة لكل اليمنيين، ليس للجنوب فقط، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها اليمن، فمن خلالها يستلهم الشعب تجربتهم السابقة، ويستفيدون منها في إطار معركتهم الحالية المستمرة حتى اليوم.
وتأتي ذكرى هذه الثورة، هذا العام، في ظل حاجة البلاد للتجربة السابقة والتاريخية، ممثلة بـ14 أكتوبر، في تحقيق الهدف السامي، وهو بلد ذو سيادة لا تحكمه أجندات خارجية، وفق المهدي.

احتفالات وأهداف عديدة

منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، تغيرت كثير من طقوس وطرق إحياء تلك المناسبات الوطنية، فبعد أن كانت الحكومة سابقاً هي التي ترعى الاحتفالات بها، أصبحت اليوم عاجزة عن ذلك في محافظات الشمال الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، والجنوب في الأماكن التي يحكم ما يُعرف بـ”المجلس الانتقالي” سيطرته عليها، ويرفض الاحتفال بثورة 26 سبتمبر.

اهتمامات “الانتقالي” بالاحتفال بعيد 14 أكتوبر، فيرى الشرجبي أنه يسير في الاتجاه نفسه الذي تبناه الحراك الجنوبي بالانفصال، وكأنه يريد أن يقول إن هذه مناسبة جنوبية، وليست يمنية، ومن ثم فهي خطوة في محاولة تكريس ذلك التوجه، ويأتي ضمن ذلك أيضاً محاولة احتواء كل المناسبات الجنوبية، وصنع واقع جديد يتساير مع خطابات “الانتقالي” الانفصالية.


قبل فترة في عدن، كانت تشهد تلك المحافظة احتفالات أحدها تقيمه الحكومة، وآخر الانتقالي، وآخر الحراك الجنوبي، أما اليوم فيقتصر هناك الاحتفال على الأخيرين، كل على حدة، والذين يستغلونها للمطالبة بالانفصال.
في تعليقه على ذلك، يذكر أستاذ إدارة الأزمات والصراعات بجامعة الحديدة الدكتور نبيل الشرجبي، أن الحكومة ماتزال تحتفي بتلك المناسبات تلفزيونياً، وليس شعبياً، أما في الجنوب فلا تفعل ذلك إلا في بعض المحافظات كأبين أو شبوة، فهو يعود -كما يقول- لأسباب يتحملها “الانتقالي” بدرجة أساسية، نتيجة للتضيق الذي ينتهجه ضدها في كافة الاتجاهات، مشيراً إلى عدم قدرة السطلة على الاستقرار في العاصمة المؤقتة بسبب تلك الممارسات التي يقوم بها المجلس المدعوم إماراتياً.
أما بشأن اهتمامات “الانتقالي” بالاحتفال بعيد 14 أكتوبر، فيرى الشرجبي أنه يسير في الاتجاه نفسه الذي تبناه الحراك الجنوبي بالانفصال، وكأنه يريد أن يقول إن هذه مناسبة جنوبية، وليست يمنية، ومن ثم فهي خطوة في محاولة تكريس ذلك التوجه، ويأتي ضمن ذلك أيضاً محاولة احتواء كل المناسبات الجنوبية، وصنع واقع جديد يتساير مع خطابات “الانتقالي” الانفصالية.
في المجمل، يؤكد الشرجبي أن مثل هذه المناسبات، هي فرصة لإعادة إحياء كل قيم التحرر والدفاع عن الأوطان، وإفراز قيم جديدة تعيد التذكير بمشهد التضحيات من أجل البلاد.
ويُلاحظ أن جماعة الحوثي تقوم بالاحتفال بالمناسبات الوطنية، منها 26 سبتمبر التي أنهت فترة حكم الأئمة الذين يعدون جزءاً منهم، ولذلك يستغرب المسؤول الحكومي المهدي الذي يعتقد أن قيامهم بتلك الخطوة كل عام، هو بغرض تمرير بعض ألاعيبهم وطرحهم الخارجي البعيد عن الوطنية، وإظهار أنهم الوطنيون وباقي الأطراف لا علاقة لهم بذلك، متسدركاً: “مع أن الحوثيين هم أكثر من أجرموا بحق اليمنيين مقارنة بما مروا به قبل أن يتخلصوا منه بثوراتهم”.

إقرأ أيضاً  الأسر المنتجة تسعد الفقراء في العيد

نقطة تحول في الجنوب

يحرص اليمنيون الجنوبيون غالباً على الاحتفال بذكرى ثورة 14 أكتوبر، ولا يكترثون لثورة 26 سبتمبر التي سبقتها، وهي امتداد لها كونها ساعدت على تهيئة انفجارها.
ويقول الصحفي والناشط السياسي ياسر اليافعي، إن الأولى شكلت نقطة تحول في تاريخ الجنوب؛ حيث انطلقت من جبال ردفان الشرارة الأولى لمواجهة المستعمر البريطاني، قبل أن تتوسع الثورة لتشمل كل مناطق الجنوب، واستمرت حتى إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، وإعلان الدولة الجنوبية.
ولذلك فهي تعد مهمة لأبناء الجنوب، كونها تذكرهم بتاريخ نضال آبائهم وأجدادهم الذين ضحوا ضد الاستعمار البريطاني حتى تحقق النصر، وتوحد كل الجنوب في إطار جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بعد أن كانت إمارات مفككة تقاتل بعضها البعض، بحسب اليافعي الذي تحدث لـ”المشاهد”، مضيفاً أنه بسبب ذلك، احتفل المجلس الانتقالي بهذه المناسبة.
وبرغم عدم شمول الاحتفالات أغلب المحافظات الجنوبية، بسبب انقسام الولاءات، يُرجع الصحفي اليافعي أسباب عدم وجود احتفالات ضخمة بهذه المناسبة في أية محافظة جنوبية، إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان، والتوتر العسكري الذي تشهده بعض المدن، ولاسيما في شبوة وأبين.

ثورة متأصلة في قلوب اليمنيين

في ظل التشويه الذي يطال الثورات اليمنية كـ14 أكتوبر، يرى البعض أن ذلك يحتاج إلى مقاومة تلك التوجهات، وعمل مبادرات توعي الأجيال الناشئة بمنجزاتها وإبراز عظمتها، وحقيقتها بعيداً عن أي تحيز أو توظيف.
وبرغم اتفاق بعض الناشطين مع تلك الفكرة، إلا أن الدكتورة مروة مدين، رئيسة منظمة “حور”، ترى أنه ليس من الضروري عمل مبادرات للتوعية بأهمية ثورة 14 أكتوبر والتعريف بها؛ لأن لها مكانة خاصة لدى اليمنيين في مختلف المحافظات منذ صغرهم.
وبيَّنت مدين لـ”المشاهد” أن التاريخ عالق بالذاكرة ومتأصل لدى اليمنيين، حتى إن وجد بعض من لا يدركون أهميتها فهم قلة، وإن ظهرت فئة تمجد الاستعمار مع هذه الأزمة الصعبة التي تمر بها اليمن، فما ذلك إلا استنكاراً منهم لما خلفته الحرب، مؤكدة: “حين تنتهي الحرب سيعود الجميع للجذور”.
واعتاد اليمنيون في مختلف مناسباتهم الوطنية على إحيائها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وذلك بتذكر رموزها، وما حققته كل ثورة، والتحذير من العودة للوراء والدعوة لمقاومة المشاريع الخارجية.

مقالات مشابهة