المشاهد نت

هكذا يعبث الممولون بتوجهات الإعلام اليمني

تعز – محمد علي محروس:

لا يختلف اليمنيون حول الهوّة الواسعة بين واقعهم وتناولات وسائل إعلامهم المختلفة، فمن رداءة المحتوى إلى سوء الإنتاج، وصولاً إلى الخروج عن المتوقع، تدور وسائل الإعلام اليمنية في دائرة مغلقة بأطر وسياقات مفروضة، إما من صنّاع القرار الذين يحسبون ألف حساب للكلمة الواحدة قبل إطلاق سراحها للنشر، أو من ملّاكها الذين يسايرون الوضع بما لا يقطع حبل الوصال مع الممولين. إنه أدوات للحرب، لا صلة لها بالسلام، كما يقولون.
ووصف تقرير صادر عن مرصد الحريات الإعلامية “مرصدك”، في يناير الماضي، الحالة الإعلامية في اليمن بالخطيرة في ظل أنواع الاعتداءات التي يتعرض لها الإعلاميون، ناهيك عن حالة الاستقطاب من قبل أطراف الصراع، وظهور قنوات وصحف ومواقع إخبارية ممولة من هذه الجهة أو تلك، سواء داخل اليمن أو خارجها، بحسب التقرير.
وأشار تقرير “الحريات الإعلامية في اليمن لعام 2019″، إلى تزايد ظاهرة الإعلام الممول من قبل دول خارجية وأحزاب وجماعات، معتبراً ذلك جزءاً من حالة الاستقطاب الإعلامي التي تخدم أطراف الصراع، وتستخدم الإعلام كدعاية لخدمة التوجهات العسكرية والسياسية للممولين.
ويظل الإعلام اليمني، في نظر بيان عمر، طالبة إعلام بكلية الآداب، في جامعة تعز، مجرد إعلام سياسي، يفتقد الحرية والآراء المجردة. وتفسر ذلك بكون وسائل الإعلام اليمنية موجّهة، ناتجة عن صراعات وحروب، تخدم تيارات وأحزاباً بعينها، كما تقول.
وتعيب بيان على الإعلام اليمني تركيز مواده على المناكفات البينية بإظهار كل طرف مساوئ الآخر، دون اعتبار لأهمية الوسيلة التي يمكنها التأثير بطريقة إيجابية لصناعة توافق بين الأطراف المتصارعة في البلاد.

وكيلٌ لتأجيج الصراعات

يلعب الإعلام الموجه دوراً كبيراً في تأجيج الصراعات، وتعتمد عليه الأطراف المتنازعة في الغالب أكثر من اعتمادها على المدافع وراجمات الصواريخ، إلى هذا يذهب بلال المريري، صحفي لدى صحيفة “الجمهورية”، ويضيف: تمحور الإعلام اليمني الممول في هذا الإطار، بل جعل من نفسه وكيلاً حصرياً لدول إقليمية لديها مشاريع ومصالح خاصة بها فقط، ومنذ بداية المواجهات المسلحة في اليمن تسابقت هذه الدول على استقطاب معظم الصحفيين اليمنيين للعمل لصالح هذا المشروع أو ذاك.
ويرى المريري أن الإعلاميين المستقطبين يهولون ويفبركون الأحداث، وهم بعيدون كل البعد عن المهنية واحترام عقلية المتلقي، وكل هذا -برأيه- يصب في خدمة الممول الذي نجح في توجيه المسار الإعلامي لصالح مشروعه، حسب قوله.

بلال المريري : تمحور الإعلام اليمني الممول في هذا الإطار، بل جعل من نفسه وكيلاً حصرياً لدول إقليمية لديها مشاريع ومصالح خاصة بها فقط، ومنذ بداية المواجهات المسلحة في اليمن تسابقت هذه الدول على استقطاب معظم الصحفيين اليمنيين للعمل لصالح هذا المشروع أو ذاك.


يتوافق معه أصيل سارية، صحفي استقصائي، ويضيف: “لا استثناء لوسائل الإعلام اليمنية من التمويل الخارجي، وتحديداً الخليجي، عدا الحكومي، وإن بشكل محدود، وعموماً تستخدم دول الخليج الإعلام اليمني في سياق صراعها البيني من أجل مصالح معينة، ولا تهدف إطلاقاً إلى تطويره أو الارتقاء به، كما تفعل المنظمات الدولية ذات الصلة”.
وبكل أسف، يرى سارية أن التمويل الخليجي لوسائل الإعلام اليمنية أسهم في تأجيج الصراع الحاصل في اليمن، وحوّل هذه الوسائل إلى أدوات تحريضية، مستشهداً بالتوجه الإعلامي لدول الخليج قبيل الأزمة الخليجية وبعدها، وكيف عكست ذلك على الضخ الإعلامي في اليمن، باعتبار الأطراف المتصارعة في البلاد كلها مدعومة خليجياً، حسب تعبيره.

أصيل سارية : تستخدم دول الخليج الإعلام اليمني في سياق صراعها البيني من أجل مصالح معينة، ولا تهدف إطلاقاً إلى تطويره أو الارتقاء به، كما تفعل المنظمات الدولية ذات الصلة”.

إعلام بلا هوية

وبحسب سارية، فإن التمويل الخليجي أعاق وسائل الإعلام اليمنية عن تأدية رسائلها التي يتوجب عليها القيام بها تجاه مجتمعها، حيث لم تعد تدفع نحو السلام، ولا تتبنى شيئاً في هذا السياق.
ولفت الانتباه إلى تأثير ذلك على المجتمع، بخلق صراع مناطقي، وسياسي، وقبلي، وطائفي، معيداً ذلك إلى الضخ الإعلامي السلبي، والمشكلة في هذه الوسائل -حسب سارية- أنها لا تتجاوز إملاءات الممول، ولا تحيد عن توجهه، خاصة أنها تمارس عملها من خارج اليمن، وهذا وحده سبب للتبعية، فتوقف رسائلها السلبية مرهون بتوقف تمويلها، كما يقول.
وينظر إلى تبعية هذه الوسائل نظرةً فاحصة، إذ يشير إلى تجريم بعض القنوات التابعة لأطراف محسوبة على قطر وتركيا، تناول شيء يمت بصلة لأي أحداث تخص الدولتين، وعلى ذلك قس ما يتعلق بالمدعومين من السعودية والإمارات، في ربطه لتوجه تلك الوسائل مع المجريات التي تشهدها المنطقة، وفق سياسة تلك الدول.
لا احترافية في وسائل الإعلام اليمني، ولا حياد، ولا ملامسة للهدف الذي أنشئت من أجله، وهذا كله بسبب التمويل الذي اعتبره سارية مشروطاً، أفقد الإعلام اليمني وظيفته الحقيقية، وحوّله إلى ناقل للأخبار، وإن كانت كاذبة بنسبة 80%، وتستخدم من طرف ضد آخر.
وأدهى من ذلك، برأيه، أن الخطر الحقيقي يتمثل في شراء ولاءات الإعلاميين من قبل الممولين، على حساب الحقيقة والانتماء للوطن، وهو ما تسبب في صمت كثيرين عن عدد من الجرائم التي ارتكبت من قبل هذه الدول الممولة، وهو ما أفقد الإعلام اليمني تأثيره؛ لأنه تماشى مع رغبة الممولين، على عكس الإعلام الغربي ووسائل الإعلام العربية المستقلة.

وديع عطا : بعض الأقلام والأصوات رهنت نفسها للارتزاق على حساب بالقضية الوطنية، وصار الجميع يزعم خدمة الوطن، لكن بمال مشبوه الغايات.


أما وديع عطا، كاتب صحفي، فيعبّر عن أسفه لما آل إليه الوضع مؤخراً، من تأثير المال الخليجي والإيراني إلى حد كبير، في المنتجات الإعلامية والصحفية، بشكل واضح وملموس.
وبحسب عطا، يمكن القول إن بعض الأقلام والأصوات رهنت نفسها للارتزاق على حساب ما وصفها بالقضية الوطنية، وصار الجميع يزعم خدمة الوطن، لكن بمال مشبوه الغايات.
ويقول لـ”المشاهد” إن ثمة شعرة بسيطة يحاول البعض التمسك بها للبقاء في مربع الولاء الوطني، وهو تيار يكاد يشمل قلة قليلة من العاملين في هذا الوسط، نظراً لندرة الرعاة والداعمين الوطنيين، ومع ذلك لا بد لأحدهم أن يكون ذا انتماء، وله أجندته غير المعلنة.
ويؤكد أن هناك صحفيين محسوبين على الخط الوطني، لم يجدوا من خيار لأداء ما يعتبرونه نضالاً وطنياً إلا باستخدام المال الخليجي الذي اختار أن يدعمهم أصلاً، ليس حباً في اليمن، بل كيداً في طرف ما ضمن الصراع القائم في اليمن.
ويرى أن التباين الحاصل في المنتج الإعلامي يبدو واضحاً، والحكم هنا للمتلقي الذي يستطيع التفريق بين ما هو وطني عن سواه، حسب تعبيره.

الإعلام اليمني يدخل مراحل جديدة من التعقيد، وفق ما هو مستجد من التمويل الموجه ، وبما يسهم في ترسيخ أهداف وغايات دول مختلفة في اليمن

رسائل لخدمة الممول

وتبقى الساحة الإعلامية اليمنية مفتوحة على مصراعيها لمن هب ودب، فمع التطورات الحاصلة، واتساع رقعة الاهتمام الإقليمي والدولي بالقضية اليمنية، ودخول لاعبين ضمنيين فيها، وما رافق ذلك من ظهور العديد من الكيانات الجديدة التي لا تخرج عن إطار رؤى وتوجه الممولين على المستويين السياسي والإعلامي، فإن الإعلام اليمني يدخل مراحل جديدة من التعقيد، وفق ما هو مستجد من التمويل الموجه ، وبما يسهم في ترسيخ أهداف وغايات تلك الدول في اليمن، وهو ما يخشاه مراقبون ويحذرون منه، إذ بذلك ستنزلق البلاد في فوضى عارمة لا نهاية لها، في ظل انعدام الوسائل الإعلامية اليمنية الجامعة والخالصة، بما يعزز التماسك المجتمعي، ويعيد الاعتبار لليمن واليمنيين.

مقالات مشابهة