المشاهد نت

بالقش والطين تحتمي “تهامة” من السيول

صورة تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي

الحديدة – محمد علي محروس:

“فقدتُ كل شيء، منزلي وكل ما فيه، والمواشي وما أملك، أنا دون أكل منذ يومين، المياه التي غمرت منزلي سلبتني حياتي، وتركتني شريداً في العراء، دون مأوى”؛ بحسرة يتحدث الستيني عبّاس النهاري، من أمام منزله الذي تحول إلى أطلال جراء السيول التي غمرت منطقته في مديرية الجراحي، جنوبي الحديدة (غرب اليمن).
عبّاس واحد من مئات السكان الذين فقدوا كل شيء، جرّاء السيول التي تسببت بها الأمطار الغزيرة في كافة مديريات الحديدة، والمستمرة منذ أسبوعين.
ولم تشهد الحديدة غزارة في الأمطار مماثلة منذ عقود، وفق ما يرويه مواطنون عايشوا عشرات المواسم من قبل.

آلامٌ بعضها فوق بعض

لم تستثنِ السيول مديرية في الحديدة إلا واجتاحتها، مسببة كوارث إنسانية عدة، ففي مديرية القناوص (شمال المحافظة)، طُمرت عشرات القرى، وانهارت مئات المنازل، ونفقت مئات المواشي، إضافة لجرف هكتارات من الأراضي الزراعية.
وتُضاف المراوعة والمنصورية والدريهمي واللحية والجراحي والزيدية والمغلاف والتحيتا، إلى قائمة المديريات الأشد تضرراً من بين مديريات المحافظة الـ26.
الموسم الاستثنائي أضاف للتهاميين آلاماً جديدة، وهم الذين يواجهون موجات أوبئة موسمية على مدار السنة، ويعانون من شظف العيش الذي أوصل عدداً من مناطقهم إلى حافة المجاعة، وسط صمت مطبق من السلطات المعنية والمنظمات ذات الصلة، التي تراقب الأزمات الإنسانية في ثاني أكبر محافظات اليمن سكاناً، دون تدخلات جذرية.
وقال الناشط هائل محمد: “الوضع مأساوي، والسيول جرفت البيوت والمواشي والمواد الغذائية، ولازلنا في تهامة نناشد أصحاب الأيادي البيضاء مد يد العون للإخوة المتضررين”.
وأضاف أن المعاناة في تفاقم مستمر، بالنظر إلى الوضع المعيشي لسكان تهامة ذوي الطابع المتواضع على كافة المستويات، مطلقاً نداء استغاثة باسم المتضررين، وتمنى أن يلقى نداؤه استجابة ممكنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ما بعد الكارثة

” إن بعض المشاهد لا تستطيع تصويرها لكثرة الألم الذي بها، أن ترى أسراً بأكملها مع أطفالهم ونسائهم في العراء، في حالة مؤلمة ينتظرون من يغيثهم ويطبطب على جراحهم، وأنت ليس أمامك سوى أن تذرف الدموع وترحل. لو كل واحد منا شعر أن تلك المرأة أمه أو أخته، وهذا الرجل أبوه، وهذا الطفل ابنه، لو استشعرنا ذلك ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم”، هذا ما وجده الناشط التهامي سامي محب، ممكناً وفي المتناول، للتضامن مع الضحايا، ولتصوير مشاهد البؤس التي خلفتها الكارثة في مناطق عدة بالمحافظة.
ولم يخفِ محب مخاوفه مما قد يترتب على الأمر، إذ تشكّل السيول عادة بيئات خصبة لانتشار أوبئة عدة، سواء من مخلّفاتها أو مما توفره بقاياها من مستنقعات وبؤر إيوائية للبعوض الناقل للأمراض.
الدكتور صادق عقلان، أخصائي باطنة، شدد على ضرورة وضع معالجات فورية؛ لما للكارثة من مخلّفات بيئية تسهم في تسارع انتشار أوبئة عدة، ستلحق أضراراً غير محمودة العواقب على السكان هناك، وهم في غنى عن ذلك، ويكفيهم ما هم فيه، وفق قوله.
وتعد محافظة الحديدة من بين أكثر المحافظات اليمنية عرضة للأوبئة الموسمية بشكل سنوي، كحمّى الضنك والملاريا والمكرفس، إذ تكتسح الأوبئة الثلاثة المحافظة، مخلّفة مئات الوفيات وآلاف المصابين.
ولم يدّخر الناشطون اليمنيون جهداً في تناول حقيقة الوضع عبر منصات التواصل الاجتماعي، مشكلين شبكة ضغط للتضامن والتعاطف مع ما يجري لسكان تهامة، ولتوصيل معلومات دقيقة تُبنى عليها استجابة ممكنة لمساعدة الضحايا والتخفيف من معاناتهم.
إذ أُطلقت هاشتاجات ضمن حملات إلكترونية تصدرها هاشتاج #أغيثواتهامة، و #تهامةتغرق، و #تهامةتستغيث و #تهامةمنكوبة و #أنقذوا_النازحين.

إقرأ أيضاً  ضياع حق المرأة في التعليم والعمل بسبب الحرب 

منصور الدبعي :لأنها تهامة، لا أحد يلتفت إليها.. لأنها تئن بصمت من غير نواح، لأنها مكلومة بالبؤس والحرمان والحزن، لأنها حاضنة للثروات والفيد، ها هي تدفع ثمن صمتها ولا تعرف كيف تداوي جراحها، لا أحد يلتفت إليها في عز الاحتياج.


وتناقل الناشطون مئات الصور وعشرات مقاطع الفيديو التي توثق حجم الكارثة وما نجم عنها، ورغم ذلك لم يستطع “المشاهد” الحصول على إحصائيات دقيقة من المعنيين في المحافظة، حيث لا يوجد توثيق ميداني لحجم الخسائر من وفيات ومفقودات.

هل من مغيث؟

“لأنها تهامة، لا أحد يلتفت إليها.. لأنها تئن بصمت من غير نواح، لأنها مكلومة بالبؤس والحرمان والحزن، لأنها حاضنة للثروات والفيد، ها هي تدفع ثمن صمتها ولا تعرف كيف تداوي جراحها، لا أحد يلتفت إليها في عز الاحتياج”، هكذا يعبّر الصحفي منصور الدبعي، عن حزنه حول التعاطي السلبي مع كارثة السيول في تهامة، في ظل المعطيات التي تؤكد تفاقماً مستمراً للمأساة هناك.
أما أكرم عبدالفتاح، وهو صحفي في المجال الإنساني، فقد نشر صورة على حائطه في “فيسبوك”، لمواطنين يهمون بدخول كوخهم القشي في إحدى مناطق مديرية اللحية، شمال المحافظة، رغم السيول التي تغمر المكان، معلّقاً عليها بالقول: “بدأ الناس بالتعايش مع الوضع… ربما يجدر بهم التفكير بتحويل الأكواخ إلى قوارب، فقد يكون تعلم صيد السمك أجدى من انتظار الإغاثة”، في إشارة منه لشحة الاستجابة من قبل المعنيين من سلطات ومنظمات، مع ما نجم من كارثة السيول في المناطق المنكوبة منذ أيام.
ويرى العامل في مجال الإغاثة وهيب صالح، أن السلطات المعنية بوضع معالجات عاجلة، لم تقم بدورها كما يجب.
ويضيف: “سُلطة لا تعير أي اهتمام لما يحدث أو وضع تدابير بالحد الأدنى للحد من معاناة المواطنين جراء السيول الجارفة والأمطار الغزيرة التي تتسبب في غرق السكان وتهدم البيوت وإغراق الشوارع والممتلكات العامة والخاصة، هي سلطة غير جديرة بالمسؤولية، ولا تستحق الاحترام”.
ويرى مراقبون أن التدخلات الإغاثية لإنقاذ المتضررين من كارثة السيول، تبقى حتى اللحظة خجولة للغاية، إذ لا تعدو في العادة عن كونها محاولات شخصية لمساعدة بعض من تضرر، مع مساهمات بسيطة لا ترقى لمستوى الحدث.

مقالات مشابهة