المشاهد نت

مسار السلام المعطل في اليمن

عدن – سامي عبدالعالم :


بين جهود السلام في اليمن، وبين مزيد من العسكرة والاقتتال في بلد قوضته الحرب حتى الآن، ومنذ 6 أعوام، بدأنا أخطر منعطف إقليمي، كأن حربًا أكثر شدة قتالية بدأت للتو. صورة الأطراف الداخلية في الحرب تغيب، ويتصدر أكثر اللاعبون الإقليميون المتصارعون؛ إيران والسعودية تحديدًا. الدور الإيراني أكثر من أي شيء آخر، هو التهديد الأبرز للسلام في اليمن.
حقيقة صادمة للمجتمع الدولي الذي اندفع بقوة لإنهاء الحرب في اليمن، حقيقة لم تغب عن إدراك المجتمع الدولي، لكنه فضل رفع سقف آماله، وقلل من قدرة طهران على نسف أي جهود لتحقيق السلام في اليمن أو وقف الحرب على الأقل.
يبدو أنه بات على المجتمع الدولي التعامل مع العقدة الفعلية. بليونة بالغة تحاول الأمم المتحدة تشجيع إيران على لعب دور مساعد لإنجاح جهود السلام. وتحصل الأمم المتحدة بالمقابل على تصريحات من قبل إيران. أما على صعيد الأفعال، ففي أعقاب كل مجهود أمريكي ودولي قوي لوقف حرب اليمن، وعقد تفاهمات مع جماعة الحوثي، تنطلق الطائرات المسيرة المفخخة والصواريخ الباليستية نحو السعودية خلال ساعات، وتنسف الجهود الدولية دفعة واحدة.
فشل مساعي الأمم المتحدة
لم تفلح مساعي الأمم المتحدة مع إيران، زيارة مارتن غريفيث لطهران، اتصال أنطونيو غوتيريش لوزير خارجية إيران، جولات المبعوث الأمريكي المخضرم تيموثي ليندركينج، وتصوره للذهاب إلى السلام ووقف الحرب بقفزة واحدة، محادثاته مع متحدث جماعة الحوثي في مسقط، ومشاوراته مع السعودية والحكومة اليمنية وأطراف أخرى، كل ذلك لم يجدِ نفعًا.
وأكثر من ذلك المغريات الأمريكية لجماعة الحوثي، وإزالتها من قوائم الإرهاب، تبخرت دون أي أثر كما كان متوقعًا. خطة الأمريكيين للسلام في اليمن فشلت، والسبب معلوم، يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق ديفيد شنكر، في مقابلة مع قناة “الحدث”، إن إيران هي العقدة، وليست السعودية.
وزير الخارجية أنتوني بلينكن، قال، قبل أيام، إن السعودية والحكومة اليمنية أبدتا التزامًا قويًا تجاه السلام.
ثقة الأمريكيين سقطت فعليًا، وكشفت أن اعتماد القناة الخلفية للمشاورات مع الحوثيين، والتي تتم في العادة في البلد الوسيط؛ سلطنة عمان، هي في الواقع قناة مسدودة، ففي مسقط يتواجد المتحدث باسم جماعة الحوثي، محمد عبدالسلام، ولم يعد للحديث معه أي وزن فعلي بوجود سفير إيران لدى جماعة الحوثي بصنعاء، فما يتم التوافق حوله بين الأمريكيين ومتحدث الجماعة، لا يعتد به، ولا يلتزم به الحوثيون، بل الملاحظ أنه يتم تقويض ما اتفق عليه خلال ساعات فقط، وذلك من خلال تصعيد الهجوم على السعودية.

الاهتمام الأمريكي في الظاهر بسرعة إغلاق ملف الحرب في اليمن، دون إيلاء أهمية لشكل وطبيعة الحل، ومدى فعاليته بما يضمن ديمومته وعدم تفجر الحرب مرة أخرى.


تركيز الأمريكيين في ظل إدارة جو بايدن، منصب على العراق وسوريا. اليمن يبقى هامشيًا رغم حديث بايدن نفسه عن إعطاء الأولوية لوقف الحرب في اليمن، وتعيين مبعوث أمريكي خاص، وتكرار الضغط على السعودية لدفعها نحو ترك الملف اليمني، مع وعود أمريكية بضمان أمنها وحدودها.
الاهتمام الأمريكي في الظاهر بسرعة إغلاق ملف الحرب في اليمن، دون إيلاء أهمية لشكل وطبيعة الحل، ومدى فعاليته بما يضمن ديمومته وعدم تفجر الحرب مرة أخرى. هناك ما هو أهم بالنسبة للأمريكيين، الصراع مع الصين، وقول بعض المراقبين إن واشنطن تريد استقطاب طهران وإخراجها من التحالف مع الصين وروسيا.
لكن إعطاء وعود أمريكية بمنح الحوثيين حصة كبيرة في صفقة السلام، لا تبدو مغرية بنظر الإيرانيين، وطهران ليست مشتتة كالآخرين، وهي تقول إنها صاحبة القرار في الملف اليمني، وأنه لا حل في اليمن دون إرادة إيران وتلبية ما تريد.
مغريات أمريكية فرصة إضافية للحوثيين


حجم المغريات الأمريكية للحوثيين فرصة لا تتكرر، وتدمير جهود المجتمع الدولي سيعيد الملف اليمني إلى زوايا الإهمال والنسيان، لكن الدور الإيراني لن يبقى بمعزل عن الحديث الدولي في المرحلة المقبلة.
وبقدر آمال الولايات المتحدة التي رسمت خطة طموحة لوقف الحرب باليمن في أسرع وقت، وانهيار خطتها قبل أن تبدأ بفعل الدور الإيراني المعطل، سيترك أثرًا في نفوس الأمريكيين، ولا شك.

لأمم المتحدة بات عليها مواجهة الحقيقة بشأن الملف اليمني، والبحث عن طريقة أكثر فاعلية لتحديد طبيعة الدور الإيراني في اليمن، وتقييمه بشكل صحيح، وتقرير الطريقة التي يجب التعامل بها إزاء هذا الدور.


ولأول مرة، متحدثون يتبعون الخارجية الأمريكية، يتحدثون عبر قنوات تلفزيونية عربية أو سعودية كـ”الحدث” و”العربية”، عن أن الولايات المتحدة قد تفكر بفرض عقوبات على إيران بسبب دورها المقوض للسلام في اليمن. غالبًا تكون مواقف الخارجية الأمريكية مجرد كلمات وتصريحات.
لكن الانتقادات في الداخل الأمريكي تتصاعد ضد سياسات إدارة واشنطن الجديدة، في ما يخص إيران، إذ يقول الجمهوريون إن إدارة بايدن فشلت فشلًا مبكرًا في إدارة الصراع مع إيران، وقدمت تنازلات مسبقة قبل بدء أية مفاوضات معها. ويجري الاسترشاد بالملف اليمني، وإخفاق مساعي المبعوث ليندركينج.
وحتى الآن تسبب تغيير السياسة الأمريكية، بتحفيز مزيد من العنف والتصعيد من جانب الحوثيين وإيران في اليمن وضد السعودية وفي العراق وسوريا.
أما الأمم المتحدة فبات عليها مواجهة الحقيقة بشأن الملف اليمني، والبحث عن طريقة أكثر فاعلية لتحديد طبيعة الدور الإيراني في اليمن، وتقييمه بشكل صحيح، وتقرير الطريقة التي يجب التعامل بها إزاء هذا الدور.
ذلك أن مساعي الأمم المتحدة مع إيران مؤخرًا، تميل إلى مظهر اللين المفرط إلى حد استجداء طهران أن تلعب دورًا مساعدًا. مثل تلك اللغة منحت طهران ثقة أكبر على المناورة واللعب على الألفاظ ، وشجعها أكثر على أفعال عمقت الصراع في اليمن والإقليم.

إقرأ أيضاً  عادات وتقاليد العيد في المحويت


تفاقم الخطر الإيراني


ثمة خطر يتفاقم، إيران تدير حروبها في كامل المنطقة كحرب واحدة، واليمن نقطة تمركزها الأبرز، وقد نجحت إيران تقريبًا في حرف طبيعة الصراع، وحولته إلى صراع إقليمي.

الجميع يذهبون سرًا أو علنًا نحو مسقط والقناة الخلفية، للحديث المباشر وغير المباشر مع قيادات حوثية، وعقد تفاهمات يتبين لهم خلال ساعات أنها تفاهمات بلا قيمة


بينما تراخى المجتمع الدولي والأمم المتحدة عن اتخاذ مواقف أكثر حزمًا، مما جعله يفقد السيطرة على الملف اليمني، وتمكنت طهران كليًا من قرار الحرب والسلم في اليمن، بينما لم تقرر الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حتى الآن، وضع موضوع التدخل الإيراني في الشأن اليمني، موضع نقاش جاد.
ولذلك تتفاقم الأزمة اليمنية خارج سيطرة وإرادة المجتمع الدولي، وخارج سياق القوانين الدولية، لأن الأطراف الدولية تعاملت بصورة حالمة للغاية، إذ وضع المبعوث الأممي غريفيث خطته التي سماها الإعلان المشترك لوقف الحرب في اليمن، وجاء المبعوث الأمريكي الخاص الجديد للملف اليمني، ليندركينج، أكثر رومانسية وأكثر حماسًا من غريفيث، والجميع يذهبون سرًا أو علنًا نحو مسقط والقناة الخلفية، للحديث المباشر وغير المباشر مع قيادات حوثية، وعقد تفاهمات يتبين لهم خلال ساعات أنها تفاهمات بلا قيمة، سرعان ما تليها عملية تصعيد حربية ضد السعودية، ويكون التصعيد دومًا رسالة إيرانية خالصة تعني أن “القرار قرارنا”.
في الحقيقة قالها جواد ظريف مرارًا وتكرارًا، وقالها مسؤولون إيرانيون آخرون أكثر من مرة، إنه لا أحد يملك قرار وقف الحرب في اليمن في ما عدا طهران، لكن الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمجتمع الدولي يفضلون التعامي، ويتصرفون بليونة، وتحصد إيران كل ثمار الأداء الدولي الرخو.
ما يجري حاليًا تصعيد كبير بالطائرات المسيرة المفخخة والصواريخ الباليستية من جانب الحوثيين، على السعودية، ردت عليه الأخيرة باستئناف الغارات الجوية على معسكرات جماعة الحوثي في صنعاء ومحافظات أخرى.
وهناك تنديد دولي واسع بهجمات استهدفت أرامكو وميناء نفطيًا شرق السعودية. الأمم المتحدة أدانت الهجمات الحوثية، وقالت إنها تضر بجهود الوساطة الدولية الهادفة لإنهاء الصراع في اليمن.
الاتحاد الأوروبي اعتبر الهجمات الحوثية على السعودية تقويضًا للجهود الدولية لحل الأزمة اليمنية.
وقالت الولايات المتحدة إن الهجمات على السعودية تظهر عدم وجود نية لدى الحوثيين للانخراط في السلام.
بيان الأمم المتحدة خجول وشبه عاجز، لكنه قطعًا لا يعبر بالضرورة عن عجز الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن الفعل واتخاذ تدابير مناسبة، وإنما يوحي بإهمال تقدير الوضع وخطورته، وفقدان الإرادة الدولية أو تخاذلها تجاه اتخاذ ما يلزم لضبط مسار الملف نحو السلام، والضغط على إيران بدل تملقها لوقف دورها المعطل.
لعل ما قاله عبدالملك المخلافي، مستشار الرئيس هادي، صحيح بشأن الإخفاق الأممي في حل الأزمة، وعزاه إلى خطأ جذري في طبيعة تعامل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، إذ تتم المساواة في المراكز القانونية لكل من الحكومة في اليمن وجماعة متمردة انقلبت على الشرعية، وبالتالي التعامل معهما كطرفين، وهو ما أدى إلى عجز أممي ودولي واضح.
إن الوقت الآن لا يحتمل مزيدًا من ذلك، وعلى الجميع مواجهة الحقيقة، والتصرف من واقع أن
الصراع في اليمن لم يعد حربًا أهلية داخلية، نتيجة النفوذ الإيراني المباشر، وتحكم طهران بالقرار الداخلي للسلام والحرب، وقد تحول بفعل الدور الإيراني إلى معترك إقليمي وحرب إيرانية بالدرجة الأولى، ضد خصمها الإقليمي؛ السعودية، على الأراضي اليمنية، مما يقتضي تدابير أممية وطريقة دولية جديدة لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في اليمن، والنظر إليه كما هو كمصدر مهدد للسلم والأمن الدوليين، والتعامل بمقتضى القوانين الدولية في مثل هكذا حالات.
إن استمرار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في تجاهل خطر الدور الإيراني الراهن في اليمن، وعدم مباشرة اتخاذ قرارات وتدابير فعالة لإضعاف هذا الدور، من شأن إضعاف كافة جهود السلام والحكم بالموت المبكر لأية مبادرة أو تحرك دولي لإنهاء حرب اليمن، لأن إيران تتعامل بخشونة مفرطة لإفساد كافة الجهود ونسف أي تحرك دولي، وعلى المجتمع الدولي تجربة التعامل الخشن طالما أثبت أسلوب الليونة والدبلوماسية التي تعاملت بها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي سابقًا في تشجيع إيران على التمادي وتشديد قبضتها أكثر على الملف اليمني.

مقالات مشابهة