المشاهد نت

التعاونيات بديلًا للدولة في دعم التعليم

مبادرات مجتمعية محلية لبناء وترميم مدارس-تعز

تعز – أسامة الكُربش

مع اندلاع الحرب الأهلية في اليمن منذ 8 سنوات، كان التعليم هو الضحية الأولى، إذ أدت إلى تدمير وانهيار البنية التحتية لقطاع التعليم، وتقلص الكادر التعليمي، مما جعل مستقبل التعليم في خطر حقيقي، خصوصًا في الأرياف.

واستشعارًا لذلك الخطر، برزت حركة التعاونيات لأهالي الأرياف، في دعم التعليم، كبديل لغياب الدولة والجهات الرسمية، كما هو حاصل في قرية الأكمة في مديرية المسراخ بمحافظة تعز (جنوب غربي البلاد)، حيث احتشد أهالي لترميم المبنى القديم لمدرسة العرفان، وتبرعوا بالمال والعمل من أجل تعليم أولادهم في بيئة آمنة، وبمبلغ وصل إلى 5 ملايين ريال، تم ترميم سطح المبنى بجهود ذاتية من أهالي القرية، حسب توثيق معد التحقيق.

وتعرض سطح مبنى المدرسة للانهيار، ولم يعد صالحًا للدراسة تحته، مما اضطر الطلاب للتعليم تحت الأشجار في خارج المبنى. ووثقت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، 380 واقعة اعتداء وتضرر لمدارس ومرافق تعليمية من قبل التحالف العربي والحوثيين والقوات الحكومية خلال الفترة من مارس 2015 حتى ديسمبر 2019، بحسب تقرير “تقويض المستقبل: الهجمات على المدارس في اليمن”، صدر في أغسطس 2020.

مجهود ذاتي لترميم وبناء مدارس

التعاونيات بديلًا للدولة في دعم التعليم
استطاعت المبادرات المحلية فتح فصول وأقسام جديدة بتمويل ذاتي من السكان-تعز

الأمر ذاته ينطبق على أهالي قرية الغُفيرة بمديرية المسراخ، الذين شرعوا منذ العام 2016 ببناء مدرسة التمكين بجهود ذاتية. حرصهم الكبير على تعليم أولادهم، دفعهم لإنجاز بناء المدرسة، وعلى مراحل تدريجية، إذ بدأت بأربعة فصول، وانتهت بعشرة فصول تجمع 400 طالب وطالبة من المرحلة الأساسية، و90% من الكادر التعليمي في المدرسة هم من المتطوعين خريجي الجامعات، الأمر الذي دفع بأولياء أمور الطلاب بتسديد ثلاثة آلاف ريال شهريًا كرواتب رمزية للمدرسين.

ويؤكد وكيل مدرسة التمكين عبدالحكيم سيف، في تصريح لـ”المشاهد”، على الأهمية والفائدة الكبيرة التي حققتها المدرسة لجميع أبناء المنطقة. وأشاد بالدور المجتمعي تجاه المدرسة، وقال إن مدرسة التمكين مثال يُحتذى به في الأمل والطموح، بحيث إنها بُنيت على سواعد الأهالي الذين تحملوا العناء والمشقة في سبيل تعليم أبنائهم بدون أي دعم رسمي من الجهات المختصة، وأضاف أن المدرسة تُعتبر فخرًا يعتز به كل أبناء المجتمع.

مدرسة الوفاق في الأقروض كانت هي الأخرى أحد إنجازات تعاون الأهالي، حيث تم بناؤها بتمويل ذاتي من أهالي بلعان في منطقة الأقروض. ويقول عبده أحمد مقبل، منسق مجلس تعاون قرية بلعان بالأقروض، لـ”المشاهد” إنه في العام 2012 قرر أهالي ومجلس تعاون قرية الهجمة بلعان، توفير أرضية من ملكهم الخاص، وفتحوا باب التبرعات لبناء المدرسة، فكان على المواطنين دفع مبالغ مالية تصل إلى 20 ألف ريال شهريًا، مع دعم من المغتربين، ومن لم يستطع المساهمة المالية، يقوم بالعمل. ويُضيف مقبل: “وفرنا الأحجار وبدأنا العمل في شهر مارس 2012، لمدة عام كامل، حيث تم بناء 8 فصول، وتم اعتماد المدرسة في 2013”.

إقرأ أيضاً  رغم العروض المغرية.. «الخضروات» بعيدة عن متناول الناس بصنعاء

وفي 2020 كانت المدرسة بحاجة ماسة لتغطية العجز في الكادر التعليمي، فتم تأسيس صندوق دعم التعليم تحت إشراف مجلس تعاون القرية، بحيث يدفع كل رب أسرة مبلغ ألف ريال في الشهر، من أجل صرفها كرواتب للمعلمين المتطوعين والمتعاقدين مع المدرسة.

وماتزال المدرسة التي تحوي 450 طالبًا وطالبة من الصف الأول حتى التاسع من التعليم الأساسي، بحاجة إلى نوافذ وأبواب وكراسي، فأغلب الطلاب يفترشون الأرض، ويقول مقبل: طموحنا القادم هو أن تضم المدرسة المرحلة الثانوية، كون المدارس الثانوية بعيدة المسافة وتشهد ازدحاما كثيفا للطلاب، حد قوله.

إيجابيات المبادرات المجتمعية

شهدت البلاد ازدهارًا في حركة التعاونيات في مختلف المحافظات اليمنية، خلال تولي الرئيس الراحل إبر اهيم الحمدي رئاسة اليمن (من 13 يونيو 1974 حتى 11 أكتوبر 1977)، وشيدت في تلك الفترة أغلب المدارس والمستشفيات في كافة المدن والأرياف، وكانت محافظة تعز من أبرز المحافظات التي شهدت انتعاش الحركة التعاونية خلال تلك الحقبة الزمنية؛ إذ أخذت نصيبها من بناء المدارس والمستشفيات، وشُقت العديد من الطرقات التي تربط المديريات وقراها ببعضها بعضًا.

ويقول الدكتور محمود المغلس، عميد كلية التربية بجامعة ذمار سابقًا، في حديثه لـ”المشاهد”، إن حركة التعاونيات التي تأسست على شكل كيان منظم خلال النصف الثاني من سبعينيات القرن المنصرم، وبمباركة الدولة، أسهمت في عملية البناء والتنمية في الكثير من الجوانب الخدمية والمؤسسية، وبمسؤولية عالية، وكانت تجربة اجتماعية خلاقة مازالت آثارها إلى اليوم.

وللمبادرات المجتمعية إيجابيات، أهمها إدراك الناس أهمية قضايا التعليم باعتبارها همومًا مجتمعية ترتبط بمستقبل الأجيال ومستقبل الوطن، والإسهام في حلول بعض المشكلات المتعلقة بالتعليم، وتشكيل ضغط مجتمعي على المؤسسات الرسمية للوقوف على قضايا التعليم، ووضع آليات المعالجة لها، وبالذات القضايا التي لا يمكن حلها من خلال هذه المبادرات.

مقالات مشابهة