المشاهد نت

نفاد الدواء الأساسي لمرضى الثلاسيميا

يتم تشخيص 700 حالة سنويا من مرض الثلاسيميا في اليمن

تعز – مجاهد حمود

تحتضن أم محمد طفلين، محمد البالغ من العمر ثلاث سنوات وعفيف، ست سنوات، وتذهب بهما كل شهرين إلى جمعية أصدقاء الدم والأمراض الوراثية في تعز، لنقل الدم اليه بشكل مستمر. تقول أم محمد بنبرة حزن لـ”المشاهد”: “هذا هو العناء دون أمل بالشفاء النهائي، بل هو مكافحة مؤقتة للمرض” الذي تتمثل أعراضه بالحمى الشديدة والضعف الجسدي والإنهاك واصفرار العينين وشحوب الوجه، ملامح تحمل كمًا هائلًا من الوجع والمعاناه التي يعيشها مرضى الثلاسيميا في اليمن.

في اليمن، يتم تشخيص حوالي 700 حالة جديدة من مرض الثلاسيميا سنويًا، مع تسجيل حوالي 50.000 حالة حتى 2020، حسب تقرير للبنك الدولي.

تعود معدلات المضاعفات والوفيات المرتفعة المرتبطة بالمرض إلى: نقص المعرفة بمرض الثلاسيميا وجوانبه الوراثية، التأخر في الكشف عن المرض، عدم توفر بعض الأدوية بسبب الوضع غير المستقر وغياب نظام التأمين الوطني. كل ذلك يؤدي إلى صعوبات في متابعة المرضى، حسب دراسة أكاديمية نشرت في 2017، بعنوان النمط والملف السريري للثلاسيميا بين الأطفال المرضى الذين يحضرون إلى مراكز الجمعية اليمنية للثلاسيميا واضطرابات الدم الوراثية في اليمن.

من جهة أخرى، يشكو فهد إسماعيل، 40 عاما، في تعز، وهو مصاب بالثلاسيميا، من شحة الإمكانيات والعجز عن توفير حتى العلاجات الأساسية للمرض لارتفاع أسعارها والمسافات الطويلة التي باعدت بينه وبين المراكز الصحية. يقول فهد لـ”المشاهد”: “أن تعيش في ريف شرعب هو عناء بذاته، كل الطرقات مضنية وبعيدة، فالوصول إلى مدينة تعز بات شاقًا ومتعبًا، وبحاجة إلى تكاليف مادية نعجز عنها في ظل الوضع الحالي، وكذلك إلى صنعاء لا نملك غير الصبر والرضا بما كتبه الله لنا”.

أزمة دواء

تزداد أوضاع مرضى الثلاسيميا صعوبة وتعقيدًا في ظل انعدام الدواء صنف Hydroxyurea 500mg، الذي ينعدم بشكل كلي من مخازن وزارة الصحة العامة والسكان، وكذا من مخازن المراكز العلاجية التابعة للجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي.

يقول الدكتور خالد النهاري، رئيس جمعية أصدقاء الدم في تعز: “لم نتلقَّ أي دعم حكومي أو دولي، وإنما نعمل بجهود ذاتية، إضافة إلى انعدام الأدوية بشكل نهائي نهاية أكتوبر الماضي، وهناك معاناة حقيقية للمرضى وأهالي المرضى بتوفير الأدوية، وهو ما يفاقم الألم والوجع، ويضيف أوجاعًا إلى أوجاعهم”.

ويضيف النهاري: “رغم شحة الموارد وضعف الإمكانيات، إلا أننا نسعى بكل الوسائل لتوفير الدعم الممكن قدر استطاعتنا لتقديم الخدمات الصحية والنفسية للمرضى، إضافة إلى التوعية بالمرض وأسبابه ومضاعفاته وسبل الوقاية منه بجهود محدودة وذاتية، ولكننا للأسف نجد تحديًا أمام التوسع الكبير للمرض وزيادته من عام لآخر، بسبب الجهل وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتفاقم الوضع الصحي والمعيشي في ظل الحرب المستمرة منذ 7 أعوام”.

وفي بلاغ الجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا و الدم الوراثي، في 30 أكتوبر من العام الجاري، عن نفاد مخزون صنف Hydroxyurea 500mg، وهو الدواء الأساسي لآلاف المرضى المصابين بالثلاسيميا من مخازن وزارة الصحة العامة والسكان، وكذا من مخازن المراكز العلاجية التابعة للجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي.

وحذرت من لجوء المرضى لشراء العلاج من السوق دون معرفة المصدر، وقد يكون منخفض الجودة نتيجة قيام المهربين وتجار الأدوية بتوفيرها بأسماء وأشكال مختلفة لكسب المال”.

وطالبت المنظمات الدولية والحكومية بسرعة توفير دواء Hydroxyurea 500mg وأدوية سحب الحديد Deferasirox 500mg، Deferoxamine 500mg، وسرعة توفير الكميات المطلوبة من هذه الأصناف الدوائية الهامة لمرضى انحلال الدم الوراثي.. للإسهام في استقرار صحة المرضى والحفاظ على حياتهم.

زيادة في الحالات

ويعرف مرض الثلاسيميا فقر دم البحر الأبيض المتوسط، بأنه اضطراب وراثي في خلايا الدم، ويوصف بانخفاض مستوى الهيموجلوبين، وانخفاض عدد كريات الدم الحمراء عن المعدل الطبيعي، حسب وزارة الصحة السعودية. يحدث المرض بسبب طفرة جينية في الحمض النووي للخلايا المكونة للهيموجلوبين، وتنتقل هذه الطفرة وراثيًّا من الآباء إلى الأبناء؛ ويتسبب حدوث الطفرات الجينية في تعطيل إنتاج الهيموجلوبين الطبيعي، وبالتالي فإن انخفاض مستويات الهيموجلوبين، وارتفاع معدل تلف خلايا الدم الحمراء، هو ما يحدث لدى مرضى الثلاسيميا الذي يؤدي إلى ظهور أعراض فقر الدم، حسب المصدر نفسه.

إقرأ أيضاً  حرمان المرأة العمل بسبب الزوج

يحتاج المريض إلى نقل الدم كل ثلاثة أو أربعة أسابيع على مدى الحياة، واستخدام أدوية لسحب أو إزالة الحديد من أنسجة ودم المريض بشكل دائم، حد قول الدكتور خالد النهاري، رئيس الجمعية اليمنية لأصدقاء مرضى الدم بمدينة تعز.

وشهدت الحالات المصابة بأمراض الدم الوراثي الثلاسيميا ارتفاعًا ملحوظًا خلال عامي 2020 و2021، مقارنة بالعام 2019، بحسب الدكتور النهاري، مؤكدًا لـ”المشاهد” أن الجمعية تستقبل يوميًا من 40 إلى 45 حالة مصابة بأمراض الدم الوراثية منذ بداية العام 2021.

ويشير إلى زيادة العدد مقارنة بالعام 2019، الذي كانت تستقبل الجمعية خلاله من 20 إلى 23 حالة يوميًا، وهذا العدد للأسف كبير.

في العام 2020 تم رصد 10.800 حالة، منها 116 حالة وفاة، إضافة إلى 13.200 حالة تم رصدهم منذ بداية 2021.

مناشدات

أكد مدير الجمعية اليمنية لمرض الثلاسيميا، جميل الخياطي، لـ”المشاهد” امتلاك الجمعية مركزين رئيسيين في صنعاء والحديدة للاهتمام بهؤلاء المرضى، بسبب غياب أي مراكز حكومية تعنى بهذا المرض، مؤكدًا أن انعدام الأدوية يهدد حياة الكثير من المرضى، لأنهم يستخدمونها بشكل يومي ومستمر.

وأوضح الخياطي أن الجمعية ناشدت الجهات الرسمية والمنظمات، مساعدتها في تأمين العلاجات اللازمة التي يجري تقديمها للمرضى مجانًا، لكنها لم تلقَ أية استجابة أو دعم طوال الأشهر الماضية.

فحوصات ما قبل الزواج

يقول الدكتور خالد النهاري إن زواج الأقارب يعد سببًا رئيسيًا للإصابة بمرض الثلاسيميا، مؤكدًا أن المعاناة اليومية تزداد مع قلة الوعي بأهمية إجراء الفحوصات قبل الزواج من جهة، بخاصة الزواج بين الأقارب، للتأكد من عدم حملهم لهذا المرض الذي ينتقل للأبناء وراثيًا، بسبب الجهل الحاصل تجاه هذا الموضوع الذي فاقم زيادة عدد الحالات المرضية بالدم الوراثي.

ويقول: “هناك قصور كلي من قبل الجهات الإعلامية للتحذير من هذه الكارثة، وتقديم النصح عبر جميع وسائل الإعلام للحد من تفشي المرض بشكل أكبر”، مشددًا على أهمية إجراء الفحص قبل الزواج، كونه الحل الوحيد للحد من زيادة الحالات المرضية المصابة بأمراض الدم الوراثية.

حلول لتخفيف المعاناة

لتخفيف المعاناة يجب تصميم برامج التوعية والوصول إلى مرضى الثلاسيميا من خلال مناهج مبتكرة، حسب دراسة أكاديمية عن النمط والملف السريري للثلاسيميا بين الأطفال المرضى الذين يحضرون إلى مراكز الجمعية اليمنية للثلاسيميا واضطرابات الدم الوراثية في اليمن.

وحسب الدراسة، يجب توفير التثقيف العام حول مرض الثلاسيميا من خلال اجتماعات دورية موجهة للمهنيين الصحيين، بمن في ذلك الأطباء والممرضات العاملين في المجتمع، وأفراد الأسرة.

من المهم توفير علاج مخلب للحديد مجانًا وبطريقة كافية ومنتظمة لجميع المرضى. التبرع بالمال مهم لتقليل العبء المادي والنفسي على المريض وعائلاتهم.

إن علاج مرض الثلاسيميا متعدد الأوجه ومكلف. ومع ذلك، فإن الوقاية منه فعالة من حيث التكلفة. تظل التدابير الوقائية مثل التثقيف الصحي وفحص الناقل وPMS والاستشارة الوراثية والتشخيص قبل الولادة أفضل الطرق لتقليل حدوث المرض، والذي قد ينعكس في المدخرات المالية والفوائد الاجتماعية والصحية. لذلك من المرجح أن تكون الوقاية من مرض الثلاسيميا هي الاستراتيجية الأكثر قابلية للتطبيق لتقليل عبء مرضى الثلاسيميا على العائلات، ولإدارة نظام رعاية صحية مستدام.

مقالات مشابهة