المشاهد نت

اليمنيون يتمنون من طرفي الحرب الصيام عن الرصاص والقذائف قبل الاكل

رمضان .. حرب ودمار

المشاهد – خاص- معاذ الحيدري:
هو رمضان الثالث في اليمن بتوقيت الحرب. حيث كان يتمنى اليمنيون فيه ان يصوم فيه المتحاربون عن الرصاص والقذائف قبل صيامهم عن الأكل والشراب. وعلى الرغم من التحركات السياسية والدبلوماسية على مستوى الأمم المتحدة وعلى مستوى مبعوثها الخاص الى اليمن إسماعيل ولد الشيخ احمد، ومحاولته في التوصل الى هدنة إنسانية خلال شهر رمضان، الا ان ذلك لم يحدث ولم يتم الاستجابة له من قبل أطراف الحرب. لقد استقبل اليمنيون رمضان هذا العام بأعمال قصف ومعارك ومجازر للمدنيين وللصحفيين، امتدت من مارب ومناطق نهم شرق العاصمة وصولا الى تعز، وربما ان تعز شاءت لها الأطراف ان تكون ساحة حرب مفتوحة ومنها يدشن أي تجدد للقتال ولأي تحرك عسكري.
على مستوى تعز استقبل الناس رمضان بمجازر وقصف كثيف وعشوائي على المدينة، وبرحيل العشرات من الأطفال الأبرياء وقرابة ثلاثة صحفيين، فقد أبناء المدينة الفرحة برمضان واستقبلوه بكتلة الم وحزن شديدين.
ثلاثة مواسم لرمضان مرّت على اليمن وسط أحداثٍ ساخنة تحولّت إلى حربٍ مريرة. ما الذي يختلف إذاً في ظروف الشهر الكريم هذا العام مقارنةً بمواسم رمضان الماضية؟ يجيب أحد سكان مدينة تعز: “كان رمضان يبدأ بحالة من الاعتياد والتكيّف ربما خلال السنوات الماضية والى حد ما، أما في العام الحالي، فهو رمضان الخوف من كل شيء، من الماضي الذي ذهب، والحاضر المعاش، والمستقبل المخيف، فالحرب أصبحت راسخة، ولم تعد حدثاً عارضاً، ربما اعتدنا الموت، لكننا لم نعتد الخوف بعد، ويزداد خوفنا من المجهول، البقاء، السفر، العاصفة، الغلاء صوت الرصاص، وسيارات الإسعاف”.
التمس اليمنيون هلال رمضان وتبقى هلال السلام، السلام الذي تصر أطراف الحرب على حرمان المدنيين منه حتى في رمضان، الشهر الذي تهدأ فيه النفوس ويفترض على قادات الحرب ان يضعوا هذا في عين الاعتبار.
ومن هذه الزاوية ربما، الأمم المتحدة أطلقت نداءاتها وطالبت أطراف النزاع ان يتركوا فرصة لليمنيين فرصة لليمنيين خلال هذا الشهر، على ان يعيشوا بسكينة واستقرار ومع ذلك أصروا على امطار المدن بالرصاص والقذائف عشية رمضان وبشكل أعنف عما قبل.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا كلما تحركت الدعوات المحلية والإقليمية والدولية تجاه هدنة في اليمن تتحرك الأطراف نحو استئناف المعارك والقتال بشكل أشرس وأعنف خصوصا في تعز؟ ما السر؟ ولماذا كل هذا الإصرار؟ ومن هو السبب في ذلك بل ما ابعاد ذلك ومن هو المعرقل لكل هذه الهدنات التي فشلت وتفشل في بلد معذب ويموت ابناءه على مدار الساعة دون رحمة؟
يجيب الناشط السياسي، محمد المقبلي، في حديثه مع “المشاهد”: ” اعتقد من وجهة نظري ان للأمر علاقة بمسألة الاستجابة للسلام بالنسبة لمليشيا الانقلاب، لديها استجابة صفرية للسلام وهذا الامر واضح؛ ومن وجهة نظري ان الذي أطلق النار على المبعوث الاممي في مطار صنعاء هو من يقصف تعز لأنه لا يريد السلام”.
من جهته يرى الناشط والمحلل السياسي، همدان الحقب، أن الظروف على الأرض لا تسمح بسريان الهدنة والتزام الأطراف المعنية بها، حيث يقول لــ “المشاهد”: “هنا لا بد من أن نشير أن الفترة منذ بداية الحرب حتى اليوم كانت طويلة، الأمر الذي خلق تعقيدات في امكانية سيطرة السياسة على قطاع كبير من المحاربين، والذين باتوا غير معنيين بمن يتحدث عن الهدنة، الأمر الآخر أنه من الصعب أن تكون هدنة مالم تكن في إطار رؤية لاستعادة الدولة المختطفة من الانقلابيين وكذلك خارطة تتفق عليها الاطراف لبناء مرحلة انتقالية على قاعدة الشراكة والذهاب من خلالها إلى انتخابات ديموقراطية تحسم موضوع الصراع على السلطة”.
ويضيف الحقب: “لا أعتقد من وجهة نظري أن رمضان يمكن أن يضيف تأثير يسهم في سريان الهدنة والمدخل فعلا لأي خطوة باتجاه الاستقرار والخروج من الحرب تتمثل في توافق القوى الحية في الساحة اليمنية على الية تطوي صفحة الانقلاب وتنتج تصور لمرحلة انتقالية مقنعة لكل اليمنيين”.
عدم نجاح الهدنة في اليمن
عدم نجاح الهدنة في اليمن، وفي نظر المحلل السياسي، وضاح الجليل، ترجع “الى ان لدى كل طرف حساباته واجنداته الخاصة التي ترتبط باستمرار وطول أمد الخرب وليس بانتهائها، وبالتالي لا يمكن لهذه الحرب ان تصل الى نقطة محددة يمكن ان تتوقف او تنتهي بسبب هذه الحسابات والاجندة، إضافة الى ان اللاعبين الإقليميين والدوليين في الحرب، وخصوصا أتكلم عن دول الخليج من ناحية وإيران من ناحية أخرى إضافة الى اللاعبين الدوليين مثل الولايات المتحدة التي دخلت المشهد بقوة بعد انتخاب الرئيس الجديد ترامب، لديهم حسابات يبدو انها ستعمل على إطالة امد الحرب لفترة طويلة، وما التحركات الواسعة للمبعوث الاممي؛ الا إضافة الى هذا المشهد”.
ويفسر الجليل، وفي حديثه مع “المشاهد” إصرار أطراف الحرب على عدم الدخول في هدنة والاستمرار في المعارك، بالقول: “وصلت هذه الأطراف الى قناعة ان الحسم العسكري صعب وبعيد المنال، ولذا هي تستمر في الحرب كمحاولة لكسب مزيد من نقاط القوة او فرض واقع مختلف عن الواقع الحالي، ومن ضمن الاحتمالات التي تعمل عليها، تقسيم البلد الى مناطق تحكمها قوات متفرقة بمليشيات متعددة الاشكال، مع استمرار الحرب بحيث يحتفظ كل طرف بما لديه من القوة والسلاح ولا يسمح بحدوث حراك سياسي أو اجتماعي يمكن أن يؤدي إلى الخروج على سلطة الأمر الواقع التي يفرضها.
ويرى الجليل، ان جماعة الحوثي وصالح يحاولون إضاعة الوقت من اجل الحصول على موقف دولي داعم لهم من قبل أي طرف دولي لشرعنة انقلابهم، ومساواتهم بالتالي مع الحكومة الشرعية في الوضع أمام القانون والمجتمع الدوليين، وهو الموقف الذي فشلوا في الحصول عليه طوال عامين ونصف.
اما لماذا تعز تحديدا؟ فيقول الجليل “تعز أصبحت ورقة بيد كل طرف، وساحة يفرغ فيه كل طرف قدراته، وامكانياته، طرف الانقلاب يفرغ قوته المفرطة على المدنيين، ويبتز المجتمع الدولي والمحلي، بحيث انه سيستمر بحصار المدينة واغراقها بالماسي والكوارث الإنسانية، وذلك من اجل ان يقبلوا بوجوده وشروطه. وبالنسبة للأطراف الأخرى، والمتمثلة بالشرعية، والتحالف الدولي، فيبدوا انهم استمرأوا ان تبقى مدينة تعز والمحافظة بشكل عام مجالا للكسب السياسي من خلال مواقف الإدانة والشجب.
إذا بهذه القراءة ومن خلال هذه الاطروحات تبدو الحرب جاثمة على صدور اليمنيين، وتبدو الأطراف مستمرة بخططها دون تغير، مع فارق وحيد هو ان المدنيين مستمرون في دفع الثمن الباهظ على مدار اليوم، والاسبوع، والشهر، في شعبان او رمضان او غيره من الأشهر، والمتحاربون صاروا لا يفرقون بين شهر واخر ولم يعد يمثل لهم ذلك فارقا.
الحرب قتلت كل شيء جميل
لقد فقد اليمنيون كل شيء بسبب الحرب التي قتلت كل شيء جميل في حياتهم. دمرت البيوت وأحرقت المدن والأشجار وشرد الأطفال والأهالي.
مئات العائلات، ربما فقدت لذة الطعام والشراب ومتعة الحياة بعد أن فقدت ولد او عائل الاسرة في إحدى المعارك او القصف العشوائي المستمر، او اعتقال أخد افراد الاسرة قبل فترة ولم تعرف الاسرة عن مصيره حتى الان، وهذه العائلات كانت تتمنى ان يكون شهر رمضان فرصة في الكشف عن ولدها المعتقل وفرصة لإطلاق سراحه. هذا هو الحلم وهذه هي فرحة هذه العوائل التي تعيش عذاب وحرمان مستمر. وبدون ذلك ترى هذه الاسر، انه لا معنى لرمضان ولا يمكن لها ان تعيش لحظة فرح.
ولهذا شاءت الاقدار، والأطراف المتحاربة، ان يحيي اليمنيون شهر رمضان الكريم، بطقوس ناقصة؛ بسبب الحرب التي أثقلت تداعياتها كاهل المواطن، الذي بات يرزح تحت ثقل حزمة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والأمنية، التي غيرت إلى حد كبير من نمط حياته الاعتيادية.

مقالات مشابهة