المشاهد نت

بسبب الحرب وانقطاع الراتب.. شباب اليمن خارج الجامعة

صورة ارشيفية لطلاب جامعيين في صنعاء

المشاهد – معاذ الحيدري – خاص :

إذا كانت الأخلاق تشكل الدعامة الأولى، للأمم والشعوب، فإن العلم يشكل دعامتها الثانية. وفي اليمن يبدو ان رحى الحرب التي تشارف على الانتهاء من عامها الثالث، قد هرست في طريقها بنية المجتمع السوري بقطاعاته المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، وكان التعليم أحد تلك القطاعات التي عمقت الحرب في سلبياته المتمثلة بانحدار في مستوياته وضعف جودة مخرجاته وضياع استراتيجياته لتقوده نحو شفا الهاوية.

ويبدو ان الحرب لن تترك آثارها على العملية التعليمية لتقتصر على الفترة الحالية، إنما ستطال المرحلة المقبلة من مستقبل البلاد، لقد دمرت الحرب المدارس والجامعات وشردت أطفالها وطلابها وأصابتها بنقص كبير في كوادرها التدريسية إما للهجرة أو للنزوح، واما البقاء في المنزل او الذهاب نحو سوق العمل.

وفي ظل الحديث عن انقطاع الراتب منذ عشرة أشهر، وحديث المنظمات الدولية الذي يقول ان قرابة 17مليون يمني بحاجة الى مساعدات إنسانية، وان حوالي 7 مليون يمني اخرين يعانون من الجوع؛ فكيف إذا سيكون وضع التعليم بشكل عام والتعليم العالي في ظل هذا الواقع؟

بلا شك ان التعليم العالي يشهد تراجعا كبيرا في ظل هذه الازمات المتفاقمة وفي ظل الازمات الاقتصادية التي تتوالى وتضع اليمنيين امام واقع مر.

يقول أشرف محمد راصع في حديثه لـ “المشاهد” انه اثناء تنسيقه في أكثر من كلية بجامعة صنعاء، انه لاحظ الانكسار واضحا على المئات من المتقدمين، وان الكثير ممن تقدموا للتسجيل اختبارات القبول لم يكونوا جاديين في مسالة خوض تلك الاختبارات بحماس وتنافس.

السبب في ذلك حسب حديث أشرف، يعود الى الأوضاع والظروف الاقتصادية بشكل عام، حيث ان الكثير من المتقدمين كثير من ابائهم يعتمدون بشكل أساسي على الراتب والراتب منقطع منذ 10 أشهر، ولهذا هم يقولون انهم غير جاديين وغير مستعدين على الالتحاق في التعليم العالي هذا العام؛ خصوصا وان اسرهم تمر بظروف معيشية سيئة وانهم يواجهون مشاكل مستمرة في مسالة توفير لقمة العيش.

تراجع ملحوظ هذا العام

وفي جامعة صنعاء، سلسلة طويلة من التعقيدات والصعوبات تقف امام المتقدمين، منها تضييق الطاقة الاستيعابية للمتقدمين من ناحية ومن ناحية ثانية هناك محسوبية في اغلبية الكليات، حيث ان هناك مساعي تتم من قبل رئاسة الجامعة وبالتنسيق مع الحوثيين الى اعتماد متقدمين يقاتلون مع الحوثي في الجبهات.

ويشير محمد حاتم لـ “المشاهد” وهو أحد الطلاب في كلية الطب البشري، الى ان هناك تراجع ملحوظ في اعداد المتقدمين مقارنة بالأعوام الماضية، فعلى سبيل المثال كان يتقدم في كلية الطب البشري بجامعة صنعاء سبعة الاف الى عشرة الاف، لكن هذا العام بلغ عدد المتقدمين قرابة الأربعة الالف متقدم، ما يعني ان هناك تراجع عن التعليم الجامعي بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يخضع لها اليمنيون، والتي تتفاقم مع استمرار الحرب.

لم يتوفق محمد في القبول في الكليات الثلاث التي تقدم للتنسيق فيها وخوض اختبارات القبول فيها، لقد عاكسه الحظ ربما او الواقع، ليفشل في كل من كلية الطب والهندسة وكلية الحاسوب.

يقول محمد نفسيتي مكسورة وقد تقدمت للجامعة بدون وجودي أي رغبة، ومن الصعب ان أفكر بوضع اسرتي ووضع والدي الذي انقطع راتبه عنا منذ 10 أشهر، وفي نفس الوقت أفكر بالالتحاق بالتعليم العالي والمصاريف وتكاليف الدراسة التي سأكون بحاجة لها ومن سيقوم بتغطيتها، ولهذا انا منذ أشهر ابحث عن فرصة عمل أولا أنقذ فيها نفسي واسرتي من الجوع الذي نخضع له بعيدا عن اهتمام المتحاربين.

إقرأ أيضاً  حرمان المرأة العمل بسبب الزوج

يشار الى ان مشكلة الطاقة الاستيعابية في الجامعة عادة ما كان يتم حلها بالالتحاق بالجامعات الخاصة، ولكن اليوم صار اغلبية اليمنيين غير قادرين على الالتحاق في التعليم الجامعي الحكومي، فكيف ستتولد القدرة على الالتحاق بالجامعات الخاصة ودفع رسوم وتنقلات ومستلزمات أخرى كثيرة عادة ما يكون بحاجة لها أي طالب جامعي.

انقطاع الراتب حاجز امام التحاق الشباب بالجامعة

يقول المعيد في كلية الاعلام بجامعة صنعاء علي محسن ابولحوم في حديثه لـ “المشاهد”: “بعد اندلاع ما يسمى بالربيع العربي مطلع ٢٠١١ انزلقت اليمن نتيجة لسوء ادارة المرحلة من جميع الأطراف الى أتون فوضى وانفلات أمني تبعه ازمه اقتصادية خانقة، وصلت تباعاً الى ذروتها بعد اندلاع حرب استعادة الدولة في صنعاء في مارس ٢٠١٥”.

ويضيف: “كان من النتائج الكارثية لهشاشة الوضع الاقتصادي الناجم عن انعدام موارد الدولة، انقطاع مرتبات موظفي الدولة وتدهور وضع المواطن حتى وصل وبحسب تقارير عالمية انه لا يكاد يجد قوت يومه، اتحدث عن الغالبية العظمى من الشعب باستثناء تجار الحروب المستفيدين من هكذا اوضاع. الاستاذ الجامعي هو موظف دولة، وولي امر الطالب او الطالبة الجامعية في الغالب موظف دولة، عندما انقطعت رواتب الطرفين ضاعت العملية التعليمية وعزف الجميع عنوةً عن الاستمرار، وأصبح نتاج المرحلة الراهنة مخرجات تعليم ليس جامعي بل تعليم جهادي تفخيخي لان معظم الشباب ونتيجة لتوقف التعليم وانعدام الاعمال توجهوا الى جبهات القتال مع هذا الطرف او ذاك”.

عاجزون عن الاستمرار في التعليم الجامعي

ربما الظروف الاقتصادية والمعيشية، تقف على راس العوامل التي عملت على تراجع العملية التعليمية في اليمن، واضطرت الألاف من الطلاب على عدم المواصلة واخرون على الالتحاق، يقول احد طلاب كلية الصيدلة بجامعة صنعاء، انه عندما بدأ دراسة الصيدلة في العاصمة اليمنية قبل ثلاث سنوات، كان يخطط لنيل درجة البكالوريوس بسرعة ومواصلة دراسته ليصبح أستاذاً جامعيا، او يصبح مندوبا صيدلانيا لدى احدى الشركات الدوائية لكن، بدلاً من ذلك، كانت دراسته بطيئة وسببت له الكثير من الحرج، حيث اضطرت والدته لبيع أساورها الذهبية لدفع رسوم جامعته”.

يقول بنبرة الم وحسرة “الظروف المعيشية قاسية جداً في ظل الحرب على الرغم من أننا لسنا قريبين من مناطق الاشتباك”.

من جهته يقول الطالب الجامعي عصام القدسي لـ “المشاهد”: “الازمة الخانقة اجبرت الكثيرين اليوم الى الالتحاق بسوق العمل، بدلا عن الجامعة والتعليم، فعندما يجد الشاب الذي احالت الحرب والده الى المنزل دون مرتب، يجد نفسه امام خيارين التعليم وترك أسرته تموت جوعا؟ ام البعث عن عمل ينقذها؟  من الطبيعي ان يختار الأخير”.

ويتابع “البقالات والمحال التجارية القريبة من مساكن الطلاب في صنعاء اليوم تمتلئ سجلاتها بالديون، الكثير يقضون الايام بوجبة واحدة، ايضا اخرون تركوا مقاعد الدراسة بعدما توقفت الرواتب التي كانوا يحصلون منها على مصاريف حياتهم اليومية. وعادوا الى مناطقهم حاملين الخيبة والانكسار، فالحرب لم تعد المشكلة الوحيدة أمام الطلاب، فتوقف الرواتب، وتدني المستوى المعيشي جعلا من التحاق الطلبة بالجامعات أمرًا في غاية الصعوبة”.

مقالات مشابهة