المشاهد نت

فى اليمن: دراما حربية وسياسية

المشاهد-معاذ الحيدري-خاص:

على الرغم من تواضعها، مقارنة بنظيراتها في بلدان أخرى، إلا أن للدراما اليمنية في رمضان جمهور محلي كبير. ويؤكد كثيرون من الفنانين والممثلين، انه خلال الخمسة الأعوام الماضية شهدت الدراما اليمنية تحسنا طفيفا، بسبب انتهاء احتكار النظام الحاكم للإعلام الفضائي، وإن طغى الطابع السياسي على معظم الأعمال الفنية التي أُنتجت بعد ذلك. ولكن المشكلة الكبرى هي الحاصلة الان، وارتبطت بالحرب، والظروف الاقتصادية والامنية في اليمن، والتي يمكن القول انها مثلت ضربة للواقع الدرامي اليمني.

هذا العام حضرت الدراما اليمنية، ولكن ليس بذاك الشكل المتوقع والشكل الذي كان حاضرا قبل الحرب. والواضح أنه في السابق كانت الدراما تركز على اسعاد المشاهد اليمني وعلى تقديم دراما ساخرة ومضحكة من ناحية، ومن ناحية اخرى كانت الدراما تعالج بعض القضايا الاجتماعية وتذهب نحو التطرق الى كثير من مشاكل وهموم المواطن نوعا ما. اما الحاضر الان هو دراما سياسية وعنصرية وطائفية، أكثر من دراما اخرى ربما. لقد اقحمت السياسة والحرب واقحمت أطراف الصراع صراعاتها في الجانب الدرامي، ما جعلها مقبولة لدى طرف وغير مقبولة لدى طرف، وان صح التعبير لدى شريحة من شرائح المجتمع.

الدراما والحرب

الحرب وبحسب كثير من المهتمين بالدراما، عملت على انتاج دراما حربية وسياسية من جهة، ومن جهة ثانية غيبت كثير من الدراما المعتادة والدراما غير السياسية.

يقول الكاتب الدرامي، فؤاد الوجيه، في حديثه مع “المشاهد”: “احدثت الحرب الدائرة في اليمن شرخ في النسيج الاجتماعي، والسياسي بشكل خاص، والاعلامي بشكل عام، ويأتي في مقدمة العمل الإعلامي، الاعمال الدرامية، التي كانت بمثابة روضة يتنفس من خلالها اليمنيون، في شهر رمضان المبارك، باعتبارها نافذة للهروب من زخم الاحداث التي تتوارد عليهم بين حين واخر”.

ويضيف “ما يحز في النفس أن الاعمال الدرامية الكوميدية والتراجيدية لهذا العام ظهرت بشكل شحيح للغاية، وبعضها ظهرت بنكهة ممزوجة بنكهة البارود والحرب ، والمعاناة المتراكمة على المجتمع، وحتى الجوانب الترفيهية التي تتخللها تبدو بمثابة البسمة المعصورة بالألم”.

بحسب الصحفي اليمني، نبيل الشرعبي، فأنه “في السابق أي قبل أن تغرق اليمن في وحل الصراع، لم تستطع الدراما في اليمن أن تصل إلى مستوى يمكن معه القول إنها أضحت دراما فعلية ترتكز على معايير فنية يستوجبها العمل الدرامي إلا في النادر وهنا نقصد ما يبث في القنوات الرسمية وكذلك التابعة، وفي زمن الحرب وتضييق الخناق على الاعمال الفنية والابداعات كافة بدء تدريجيا التلاشي من الدراما اليمنية ما كانت حققته من تقدم متواضع للغاية في مجال الالتزام بمعايير العمل الدرامي الفني”.

وضع مزري للجانب الابداعي

ويتابع الشرعبي، في حديثه لـ “المشاهد”: “في رمضان هذا العام إذ يعد الشهر الكريم موسم لسباق الدراما، تكشف وضع مزري للواقع الابداعي الذي أضحى محكوم برغبة الصراع وثقافة الموت المؤطر برغبات المتصارعين في ابراز قبح الطرف الأخر وتقديم نفسه كملاك، ما تعرضه شاشات التلفزة اليمنية في رمضان هذا العام وبشقيها التابع  للمتحاربين فى اليمن ، ويُطلق عليه خطأ دراما، في الأساس لا يعدو عن كونه مجرد دعاية موجهة تركز على مهاجمة الأخر وتنميق الطرف الذي يتم البث عبر قنواته لهذه الدعاية”.

مسلسلين في قناة خاصة تميزت بعيدا عن السياسة والحرب

مسلسلين فقط تبثهما قناة خاصة، وهي قناة السعيدة، وطبقا لـ الشرعبي فيمها عمل ابداعي متفاوت لا بأس به، هو كل ما يمكن أن نسميه دراما وإن كانا لا يرتقيان إلى المستوى المطلوب في الاعمال الدرامية. المتابعة الدقيقة لمسلسل “حاوي لاوي” في نسخته الثانية، والذي تبثه قناة السعيدة يقدم عمل فيه تميز لا بأس به أفضل من مسلسل “سكر زيادة” والذي تُعد تسميته تكرار لمسرحية مصرية عرضت منتصف الثمانينات.

“حاوي لاوي”، وبحسب المتحدث، وإن كان يبدو للمتابع العادي عمل ل يستحق المتابعة، لكنه عكس ذلك تماماً فهو عمل فني يستحق الاحترام، فقط يحتاج إلى لمسات درامية وتحريك ركود التصوير ونوعية المشاهد، أما الفكرة رائعة لأنها كما اعتقد تحمل رؤية تبدء من الأصغر وتنطلق للتوسع نحو الأعم.. وهذا ما يخص القنوات الخاصة المسحوبة على تضاريس الشمال أما المحسوبة على تضاريس الجنوب فلم تتاح لي فرصة المتابعة.

إقرأ أيضاً  شراء الملابس المستعملة للاحتفال بالعيد

نجوم في جبهات القتال

يشرح حسن باحريش، مساعد مخرج المسلسل الشهير “همي همك” -المسلسل الذي غيبته الحرب -بعض جوانب التعقيدات التي حصلت وتحصل للدراما اليمنية، حيث يقول “طبعا الدراما اليمنية تأثرت بسبب الحرب بشكل كبير جدا بل انا اقول انها انعدمت واصبحت شيء صعب جدا فعله”.

ويتابع باحريش حديثه لـ “المشاهد”: “لو تحدثنا عن الممثلين،أصبحوا مقسمين بسبب الحرب العنصرية والطائفية، بل وأصبح البعض مشرد خارج اليمن، لا يستطيع العودة وحتى ان عاد في المناطق التي تم تحريرها، فهذه المناطق لا يوجد فيها شركات ضخمة لإنتاج اعمال درامية بالشكل المطلوب، إضافة الى ان هناك نجوم بارزين مثل حضورهم عنصر مهم في دراما رمضان وهؤلاء منخرطين في أحزاب ومكونات سياسية وتركوا الدراما وذهبوا الى ساحات القتال اما للمشاركة في انتاج مسرحيات او تقديم الدعم المعنوي للمقاتلين”.

الشي الثاني، وحسب  باحريش، هو “تعطيل عمل القنوات التي هي الاخرى اصبحت مشتتة وبل بعضها توقفت تماما عن الانتاج والبعض ينتج بأسعار ضئيلة جدا وذلك ما يجعل المنتجين يتوقفوا عن العمل”.

غياب الكتاب المحترفين في الدراما اليمنية

مشكلة أخرى، يطرحها باحريش، والمشكلة من وجهة نظره، والتي تجعل انتاج الدراما في اليمن متعب جدا، تتمثل بـ “التأخير في الانتاج وعدم الانتاج قبل عدة شهور من رمضان وذلك ما يجعل العمل ضعيفا من كثير من النواحي لسرعة الانتاج والتصوير والاستغناء عن الكثير من المشاهد وربما تكون مهمه بسبب ضيق الوقت”.

والى جانب ذلك يشير، الى تعقيد اخر، وهو انه لا يوجد كتاب محترفين ومتخصصين في كتابة الدراما “رغم انه في مواهب كثيره

رغم انه في مواهب كثيره باليمن، واعتقد لو تم البحث عليهم لحصلت الكثير لكن زي ما قلت ضيق الوقت وعدم الترتيب للعمل واعطاء فتره زمنية كافية، وهذا الامر ربما ناتج عن غياب الإمكانات لدى القنوات وغياب الرعايات التي تعتمد عليها عملية انتاج أي عمل درامي في اليمن، فالحرب غيبت كل شيء على ما يبدو”.

دراما تعتمد على الكم وليس الكيف

من جهته يقول الصحفي، والكاتب الدرامي، علي أبو لحوم، في حديثه لـ “المشاهد”: “الدراما في كل الدول العربية وجبة رمضانية دسمة والامر غير حصري على بلدنا لكن ما يشد الانتباه لشركات الانتاج اليمنية سواء كانت قطاع خاص او عام انها تعتمد في إنتاجها على الكم لا على الكيف فالمواطن اليمني ينتظر رمضان من اجل ان يهرب من همومه والضيق الجاثم عليه (في حال وجود بدائل لتوليد الكهرباء) الى تلك الاعمال الدرامية.

ويتابع: “بالتالي هذه الشركات تدرك مدى احتياج الناس للأعمال الدرامية التي تدخل عليهم البهجة وترسم على وجوههم العابسة تقاطيع فرح لحظي وذلك عبر انتاج اعمال ركيكة تفتقر الى نصوص مدروسة وبناء درامي وتسلسل منطقي للأحداث، حتى يصل للذروة حتى وان كان المضمون يغلب عليه الطابع الكوميدي.

وزاد: “شركات الانتاج تريد ان تسرق الضحكة من وجوه الناس لا ان تجتهد في رسمها وصناعتها. ومن اجل ذلك تجد البسطاء هم من يتابعون هذه الاعمال وينفر منها النخبة من المتابعين. والدراما في بلادنا ينقصها التحضير ودراسة المواضيع بشكل جيد. تحد مثلاً في بعض الدول العربية ومنها مصر على سبيل المثال قد يستغرق انتاج عمل واحد لشهر رمضان عام كامل وربما عامين بسبب الاحتراف والحرص على ترجمة السكربت الهادف الى قصة متحركة على الشاشة. انت مجرد رسّام تحول الورق الى شخصيات تتفاعل مع الموجودات البصرية في لوكيشنات التصوير”.

الضحكة المجردة

وما يثير الحنق في الدراما اليمنية، طبقا لـ أبو لحوم، هو بسبب “تركيزها على الضحكة المجردة انها تصور اليمني غالباً بصورة الجاهل والهمجي والعشوائي والمعتدي احياناً حتى يشد الجمهور لأداء معظمه ارتجالي وانفعالي يفتقر الى التأثير والعمق في تركيب وبناء وتجسيد الشخصية”.

فى اليمن: دراما حربية وسياسية

ويرى المتحدث، أنه “يتطلب الامر منا أعوام طويلة من اجل ان نصل بمفهومنا وحسنا الفني الى إيجاد مؤسسات احترافية فنية تحترم المشاهد وتسهم في تثقيفه وتحقق له عنصر الترفيه عن طريق الاعتماد على اهم عنصريين فنيين (الورق والإخراج) مسنوداً بإنتاج سخي”.

مقالات مشابهة