المشاهد نت

السامعي.. “التزام أخلاقي” مُكلف تجاه الحوثيين يبعده عن مهنة الصحافة

تعز – سامر محمد :

للعام الثاني على التوالي، يمضي الصحفي تيسير السامعي حياته منقطعاً عن مزاولة مهنة الصحافة، وفاءً بالتزام قطعه للحوثيين، مقابل إطلاق سراحه، بعد بضعة أشهر من الاعتقال في سجونهم، رغم أنه غدا مقيماً في بيئة ملائمة لعمل الصحفيين، بعيداً عن سلطة الحوثيين، مدينة تعز الخاضعة للحكومة الشرعية.
“لازلت ممنوعاً من الصحافة”، قال السامعي الذي كان يروي لـ”المشاهد” قصة اعتقاله، وما ترتب عليها من آثار على حياته المهنية، مستدركاً: “هذا المنع هو “التزام أخلاقي ذاتي” تجاه الشخص الذي سعى للإفراج عني مقابل عدم الكتابة، ولا أريد أن يتعرض للإحراج أو الانزعاج لإخلالي بتعهدي”.
ويشير بذلك إلى تعهدات قطعها للقيادي في ما يعرف بالمجلس السياسي الأعلى، الذي يمثل مجلس الرئاسة في سلطة الحوثيين، سلطان السامعي، الذي أثمرت مساعيه بالإفراج عن السامعي الصحفي بضمانته، على أن يلتزم بعدم ممارسة العمل الصحفي أو الكتابة، والإقامة في صنعاء.
وكان السامعي اعتقل، صباح الثاني من يناير 2017، من مدينة دمنة خدير التابعة لمحافظة تعز، أثناء مرافقة طفله إلى المدرسة، من قبل مسلحين حوثيين، ولم يشفع له بكاء طفله حينها. ووضع السامعي في زنزانة استقبال من 3 غرف، تكتظ بأكثر من 50 معتقلاً، بينهم كثير من المجانين والمرضى النفسيين، في مدينة الصالح السكنية شمال شرق تعز، التي حولها الحوثيون إلى معتقل للمواطنين.
وبعد أسبوع على اعتقاله، تم استدعاء السامعي لتحقيق طويل ابتدأ من منتصف الليل، واستمر لساعات، في غرفة خاصة، معصوب العينين، ووجهت له تهم تتعلق بعمله الصحفي، من قبيل التبرير للعدوان، بالكتابة، أو الظهور في القنوات.
ويقول السامعي: “كان تحقيقاً قاسياً استمر 5 ساعات، تعرضت للضرب والتعذيب، وهددوني بالقتل والتصفية.. وبعد أسبوع أعادوا التحقيق معي، وأرغموني على البصم على الورق، وأنا معصوب العينين، لا أدري على ماذا بصمت”. مضيفاً أنهم وجهوا له تهماً تتعلق بعمله الصحفي، من قبيل التبرير للعدوان، بالكتابة، أو الظهور في القنوات.
ويتابع: “توقفت عن المداخلات التلفزيونية، مع أني كنت أركز على الوضع الإنساني، وإيقاف الرواتب، وتفشي الكوليرا. لم أكن منحازاً لأي من أطراف الصراع، ورغم ذلك تعرضت للاعتداء والضرب خلال التحقيق، بحجة أني أدعم العدوان. سألوني كثيراً عن أصحابي، أين فلان وفلان، لكني لم أجبهم، لأني فعلياً كنت منقطعاً عن الزملاء، فبعضهم انتقلوا للإقامة في تعز المدينة، وآخرون خارج البلاد”.

من صحفي إلى أسير حرب في ذمار

إقرأ أيضاً  إيناس تتحدى الإعاقة وتلهم المجتمع  

وبعد قرابة شهر ونصف، نقل الصحفي السامعي إلى سجن سري في ذمار، أمضى فيه قرابة 5 أشهر، وأدرج ضمن المعتقلين المصنفين كأسري حرب، لإدخالهم ضمن صفقات تبادل الأسرى، وهو الأمر الذي عبر السامعي عن رفضه قطعياً له.
“طلبوا مني ومن أقاربي الذين يتابعون الإفراج عني، بصراحة، البحث عن أسير حوثي لدى المقاومة، كشرط للإفراج عني، أبلغتهم أني أرفض هذا الأمر، فأنا صحفي، ولست مقاتلاً، ولا تابعاً لطرف في الحرب، وهذا منافٍ للقانون الدولي، لكن الحوثيين لا يفهمون أموراً كهذه”.
في سجنه بذمار، التقى السامعي بـ”محمد عبدالملك الصلوي”، الصحفي بوكالة “سبأ” الحكومية، الذي اعتقله الحوثيون في ذمار، وأمضى بضعة أشهر دون أن يعلم أحد بسجنه.
ويرى تيسير أن هناك حالات يجب فيها إعطاء فرصة للوسطاء ليحاولوا الإفراج عن الصحفي دون ضغط زائد، وإذا تأخر الإفراج أكثر من أسبوع، ينبغي ممارسة الضغط الإعلامي والحقوقي، لأن السكوت عن اعتقال الصحفيين يميت قضيتهم، ويتركهم عرضة للضرب والتعذيب والإخفاء.
أطلق سراح تيسير السامعي، في 15 يونيو 2017، بضمانة شخصية من القيادي الحوثي سلطان السامعي، بشروط، كان من ضمنها “أن أتوقف عن ممارسة العمل الصحفي، وألا أتكلم، وأن أبقى في صنعاء”.
لكن وسيطه تساهل معه بشرط البقاء في صنعاء بعد 6 أشهر أمضاها هناك، فانتقل إلى تعز لاستئناف عمله كمسؤول عن الإعلام والتثقيف الصحي بمكتب الصحة بتعز، مع التأكيد على الالتزام بالشروط الأخرى، وهو ما يؤكد التزامه الأخلاقي به.
بالنسبة للحوثيين “ما فيش فرق اكتب، أو لا تكتب، قد يختلف الأمر من مكان إلى آخر، الأمور تخضع لمزاج النافذين، وهذا المزاج لا يمكن تقديره، لكن الضغط الإعلامي يبقى أفضل من غيابه” كما يقول، مستشهداً بنفسه: “ذات مرة سمعت نقاشاً في إذاعة صنعاء التابعة للشرعية، وأنا في السجن بذمار، وناقشوا قضيتي، فارتفعت معنوياتي، وشعرت بالارتياح، والمساجين كانوا فرحين ومطمئنين أن صحفياً معهم يناقشون قضيته في الإعلام، وكانوا يبلغون أهلهم عندما يتصلون أن الصحفي السامعي معنا”.
وأبدى السامعي تضامنه الكامل مع جميع الصحفيين المعتقلين لدى جماعة الحوثي، حيث أمضى أغلبهم 4 سنوات، معتبراً استمرار اعتقالهم مأساة، خصوصاً أن جماعة الحوثي تسعى للمساومة بهم، وتعتبرهم أسرى حرب، للإفراج عن أسرى آخرين، داعياً نقابة الصحفيين وكل المنظمات والزملاء، لتسليط الضوء على مأساة الصحفيين، ورفض المساومة على حقوقهم وحريتهم.

مقالات مشابهة