المشاهد نت

الإعلام في مفاوضات السلام بستوكهولم…هل نقل مجريات الأحداث بمهنية؟

صنعاء – معاذ الحيدري:

بدت التغطية الإعلامية لوقائع المفاوضات الجارية في ستوكهولم، بين وفدي الحكومة والحوثيين، أكثر توازناً هذه المرة، ما أعطى تفاؤلاً لدى المتابعين للأخبار الواردة من هناك عبر وسائل الإعلام المختلفة.
الإعلام، طبقاً لأكاديميين، سلاح ذو حدين، فقد يصنع السلام، وقد يصنع الحرب والدمار. الفارق فقط في آلية الاستخدام. ويمكن أن يلعب الإعلام في صناعة السلام عبر التهدئة، وعبر نشر ثقافة التسامح والتعايش، ويكون جسر عبور نحو السلام. ويمكن أن يعمل على إبقاء الحرب ونشر ثقافة الكراهية والتمييز والإقصاء.
ففي الجولات التفاوضية الماضية بشأن اليمن، كان الإعلام يحضر قبل أطراف الصراع، ويبدأ بالترويج لفشل الحوار والتفاوض. بخلاف هذه المرة في مفاوضات ستوكهولم، إذ تبدو تغطية وسائل الإعلام لمجريات المفاوضات، حتى الآن، متوازنة في بعضها، بنظر البعض.
ويقول الصحفي زكريا الكمالي، في حديثه لـ “المشاهد”: “الإعلام لا يمكن تحميله سبب أية انتكاسة قد ترافق مشاورات السويد، بل على العكس هناك زخم إعلامي هذه المرة، وحضور متوازن نوعاً ما، حتى من الوسائل المحسوبة على أطراف الصراع.
وتابع الكمالي: “الإعلام مل أخبار القتل، وهلل للمشاورات أكثر من أي شيء، وأعطى للمتابعين في اليوم الأول جرعة أمل عالية، قد تتضاءل مع مرور الوقت مع فشل تحقيق أي تقدم، وتحميل كل طرف خصمه الآخر كامل الأسباب لإفشال المشاورات”.

غرفة أخبار محايدة في مفاوضات السويد

الملفت في مشاورات السويد هذه المرة، والميزة الخاصة هي حضور شبكة من الصحفيين يديرون غرفة أخبار محايدة، وتقوم بنقل الوقائع أولاً بأول، وتستضيف كل الأعضاء المشاركين، ومن الطرفين.
الصحفي مصطفى نصر، يقول لـ”المشاهد”: “بالنسبة لغرفة أخبار مشاورات السلام اليمنية التي أنشئت في ريمبو بستوكهولم، هي مبادرة من “سي إف آي” و”اليونسكو”، بالتنسيق مع مكتب المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن مارتن جريفيث، تهدف إلى تغطية أخبار المشاورات بطريقة مهنية تخدم السلام، وتنقل للجمهور اليمني ما يدور في المشاورات بكل مهنية، والغرفة تشكلت من مجموعة من الصحفيين والصحفيات اليمنيين الشباب، يمثلون تنوعاً من عدة محافظات، وقامت “سي إف آي” بتدريبهم، خلال الفترة الماضية، على الصحافة الإنسانية، ليصبحوا أيضاً مدربين في هذا المجال، وشكلت المشاورات فرصة لأن يقوم بدور عملي في هذا الجانب”.
ويوضح نصر: “الغرفة تقدم تغطية متوازنة ومهنية، وتهدف إلى مد كافة وسائل الإعلام المحلية بالمعلومات من المشاورات، لأن التغطية عادة ما تكون من قبل المؤسسات الإعلامية الكبيرة التي هي قادرة على إيفاد موفدين، ولهذه الوسائل سياستها التحريرية، وعادة ما تغيب وسائل الإعلام اليمنية، وكذلك بالمقابل تحضر القنوات ووسائل الإعلام المحلية التابعة لهذا الطرف أو ذاك، وتستبعد وسائل الإعلام المستقلة أو المهنية، ومن هنا جاءت هذه الفكرة”.

خفوت لإعلام الحكومة

في الأيام الأولى من تدشين المشاورات، دار الكثير من الجدل حول سبب غياب الإعلام التابع للحكومة عن المشاورات، وحضور إعلام الحوثيين بشكل ملفت، الأمر الذي قوبل بانتقادات كثيرة من قِبل صحفيين وإعلاميين يمنيين، حملوا خلالها وزارة الإعلام مسؤولية ذلك.
وبرر زير الإعلام معمر الإرياني، أنهم خاطبوا مكتب المبعوث الأممي الخاص لليمن مارتن جريفيث، عبر الوفد الحكومي المشارك بالمشاورات، بضرورة إشراك وسائل الإعلام الرسمي ونخبة من الصحفيين، لتغطية المفاوضات.
لكنه تم إبلاغهم، بشكل رسمي، بعدم قبول طلبهم، بحجة منع أية زيادة في عدد وفد الشرعية المكون من 12 ممثلاً، و5 من السكرتارية، وهو ما التزم به الوفد، مشيراً إلى أنهم تفاجأوا بوصول أكثر من 42 حوثياً، بينهم إعلاميون، إلى السويد.
وكان الإرياني دعا مكتب المبعوث الخاص إلى اليمن، إلى سرعة تدارك ذلك الخطأ الفادح، الذي يظهر انحيازاً واضحاً للحوثيين، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أن هذا يتعارض مع مرجعيات الحل السياسي للأزمة اليمنية، ويخل بالجهود الرامية لإنجاح المشاورات.
وتقول الصحفية كفى الهاشلي لـ”المشاهد”: “لوحظ أن إعلام الحوثيين حضر بشكل كبير من مصورين ومراسلين، وللأسف الناس الذين حضروا من طرف الحوثيين هم العدد الأكبر، وهؤلاء يمثلون وجهة نظر الحوثي، ويتبنون مواقفهم، في حين إعلام الشرعية تغيب تماماً، فلا يوجد إعلام تابع للحكومة، لا القناة الفضائية اليمنية الرسمية، ولا قناة سبأ أو قناة الشرعية أو غيرها، حتى قناة يمن شباب وقناة بلقيس وغيرهما تغيبت هذه المرة”.
وتضيف الهاشلي: “لا يوجد إعلام مستقل ومحايد قادر على نقل الحقيقة من الطرفين، سواء في الحوثي أو الحكومة، ومن يوجد بالنسبة للحكومة هم صحفيون عبارة عن محللين سياسيين، حضورهم كان بهدف الظهور في القنوات الخليجية وغيرها من القنوات”.

إقرأ أيضاً  تهريب القات إلى السعودية... خطوة نحو المال والموت

كيف يساعد الإعلام في إنجاح السلام؟

تمنى الصحفي جمال حيدرة، من الوفود الإعلامية اليمنية، أن يستشعروا مسؤوليتهم الوطنية، ويعلموا أن المرحلة تحتاج تهدئة، ويدركوا جيداً أنه ليس كل ما يحدث هناك في أروقة المشاورات قابل للنشر، وأن ثمة تصريحات وأخباراً بلا قيمة إعلامية، وتضر أكثر مما تنفع، وعليهم أن يتجنبوها.
ويرى حيدرة أن الإعلام يستطيع المساعدة في نجاح عملية السلام في اليمن إذا ما تحلى بالوعي الكافي بخطورة المرحلة، واستشعر مسؤوليته الوطنية. ومؤسف أن يستمر بكونه واحداً من أسباب الفشل، وسبباً أصيلاً في الأزمات والحروب.
ويقول الصحفي حيدرة لـ”المشاهد”: “في الحالة اليمنية، يأتي الإعلام كواحد من أهم أسباب استمرار الحرب، وقبلها كان الإعلام واحداً من مشعلات نار الفتنة والصراعات العنصرية والمناطقية والطائفية، والإعلام بشقيه الرسمي والمعارض، خارج مساره الصحيح، فالإعلام الرسمي يعمل بشكل دائم على تجميل صورة الحكومة، ويدعم سياساتها مهما كانت خاطئة، والإعلام المعارض ينتقد بشكل هدام، ولا يرى سوى السلبي، وهذا بطبيعة الحال سببه سياسات تلك الوسائل، وبالتالي لا يوجد في اليمن إعلام حر ومنطلقاته وطنية”.
ويذهب نصر في حديثه عن الإعلام والسلام، بالقول: “للإعلام رسالة أخلاقية كبيرة، وهي خدمة المجتمع، وما يطلق إعلامياً الجمهور المتلقي، ويكون هذا الأمر أكثر إلحاحاً أثناء الأزمات والحروب. ويقتضي ذلك أن يكون الإعلام محافظاً على ذلك المبدأ من خلال الالتزام بالمعايير المهنية التي توافق عليها العاملون في الإعلام. فإما أن يكون الإعلام أداة لتوضيح الحقائق والإسهام في بناء السلام خدمة للمجتمع، او العكس”، مضيفاً: “هناك قاعدة أساسية نحن نؤكد عليها في عملنا مع الإعلام أثناء النزاعات، وهي نقل المعلومات بدقة وموضوعية، وبما يسهم في بناء السلام، ولذلك نشأ مصطلح جديد نحن نقوم بالتدريب عليه، اسمه الصحافة الحساسة للنزاعات، وهي التغطية المعتمدة على الحقائق، والتي تخدم السلام، ولا تزيد من إشعال الحرائق”.

مقالات مشابهة