المشاهد نت

مع بداية الدراسة… تسرب متزايد للأطفال من المدارس

صنعاء – فارس قاسم:

تقضي الطفلة هديل أحمد (13 عاماً)، أكثر من 8 ساعات يومياً، بالتسول في دوار القيادة، وسط العاصمة اليمنية صنعاء، منذ أن اضطرت لترك مدرستها قبل حوالي 3 سنوات، بسبب ظروف أسرتها المعيشية.
“أجبروني على ترك الدراسة، وأنا كنت أحبها. والدي فقير، ويجب أن نساعده في مصاريف البيت”، تقول هديل التي غادرت المدرسة وهي في الصف الرابع من التعليم الأساسي.
وتذكر هديل، وهي أحد 5 إخوة ينحدرون من أسرة يمنية فقيرة، أن شقيقها الأصغر منها، ترك هو الآخر مدرسته، العام قبل الماضي، ليلتحق بالعمل كبائع متجول في شوارع صنعاء.
“أجمع في اليوم حوالي ألف ريال من التسول، وأعطيها لوالدي”، تضيف الطفلة النحيلة ذات البشرة السمراء، لـ”المشاهد”.
وخلافاً لما هو متعارف عليه عالمياً، مع حلول كل عام دراسي جديد، بالتحاق مزيد من الأطفال الذين بلغوا سن الدراسة بالمدارس، يتزايد عدد الأطفال الذين يتسربون منها، وبخاصة الفتيات، في اليمن.
ومنتصف العام الماضي، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إن نحو نصف مليون طفل اضطروا لترك الدراسة منذ تصاعد النزاع في اليمن مع التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية، ضد الحوثيين، عام 2015.
ويرتفع بهذا العدد الكلي للأطفال المحرومين من التعليم في اليمن، إلى أكثر من مليونين، مع تزايد عمليات التجنيد في صفوف الأطفال.
وقالت ممثلة المنظمة في اليمن، ميريتشل ريلانو، إن جيلاً كاملاً من أطفال اليمن يواجه مستقبلاً قاتماً بسبب محدودية أو عدم القدرة على الحصول على التعليم.
وأوضحت أن من الأسباب التي تحد أيضاً من حصول الأطفال على التعليم، مخاطر التعرض للقتل في رحلة البحث عن التعلم، مضيفة أن” هذا الأمر دفع كثيراً من أولياء الأمور إلى الإبقاء على أطفالهم في المنازل، والبحث عن سبل بديلة أكثر خطورة، مثل الزواج المبكر، وعمالة الأطفال، والتجنيد للقتال”.

“الماء البارد”

“الماء البارد… الماء البارد. اشتري مني يا عم!”، بهذه الكلمات يخاطب علي عبدالعزيز (14 عاماً) مالكي المركبات والمارة في تقاطع رئيس شمالي العاصمة صنعاء.
علي هو مثل آلاف الأطفال الذين دفعتهم الحرب للعمل في سن مبكرة، وتسربوا من التعليم. ويقول لـ”المشاهد” إن والده هو من ألح عليه بالانخراط في سوق العمل مبكراً، مضيفاً: “أبي غير متعلم، وقال لنا التعليم لا فائدة منه”.
وأكد أن ظروفهم المعيشية صعبة، وأنهم ينامون أحياناً هو وإخوانه الثلاثة بدون عشاء.
وتسببت الحرب في اليمن، في ارتفاع الفقر بنسب قياسية، فاقت 90% بنهاية 2018، مقارنة بـ49% عام 2014.
ودفع النزاع المتصاعد بملايين السكان إلى دائرة الحاجة، حيث تقول الأمم المتحدة إن 24.1 مليون شخص من أصل 27.5 مليوناً، يحتاجون لمساعدات إنسانية، منهم 11.3 مليوناً معرضون لخطر المجاعة، وبحاجة ماسة للغذاء العاجل.
وتشير تقارير رسمية إلى تزايد أعداد الأطفال العاملين إلى أكثر من مليونين ونصف المليون طفل تحت سن الـ17، مقارنة بمليون و614 ألفاً عام 2010.
وحسب تلك التقارير، فإن الأطفال تحت 17 سنة، يشكلون أكثر من 46% من إجمالي سكان اليمن البالغ نحو 26.5 مليون نسمة.

إقرأ أيضاً  تضييق الخناق على السلفيين في شمال اليمن 

9.3 مليون طفل خارج المدارس

وأشارت “اليونيسف” إلى أن نحو 31% من الفتيات في اليمن، خارج المدارس، وأن استمرار النزاعات سيجعلهن أكثر عرضة لفقدان فرصة التعليم.
ومعظم الأطفال والشباب المنخرطين ضمن الجماعات المسلحة والإرهابية، ممثلة بـ”داعش” و”القاعدة”، لم تحظَ أمهاتهم بالتعليم الكافي، وتسربن من المدارس في سن مبكرة، أو لم يلتحقن بها.
ووفقاً لتقرير أممي حديث، فإن 9.3 مليون طفل أعمارهم بين 15 و17 عاماً، هم خارج المدارس، تمثل الفتيات أكثر من نصفهم، في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تقرير سابق للمنظمة ذاتها، أوضح أن معدل استبعاد الفتيات من المدارس هو ضعف الفتيان بنسبة 35% مقارنة بـ16.4% للفتيان.
ووفقاً لمنظمة اليونيسف؛ فإن النزاعات في اليمن وسوريا والعراق حالت دون التحاق 3 ملايين طفل بالمدارس.
وقد تعرّض ما لا يقل عن 2160 من المرافق التعليمية في المنطقة، للهجوم منذ عام 2014.

واقع “شديد القتامة”

وقللت المديرة التنفيذية لليونيسف، هنريتا فور، من جدوى عودة هؤلاء الأطفال إلى المدارس مع تعاقب السنين.
وقالت فور: “على المدى الطويل يظلون وتظل البلدان التي يعيشون فيها يواجهون حلقات إدامة الفقر”.
وأوضحت أن البديل لعدم تمكين الأطفال، وخصوصاً الفتيات، من التعليم “شديد القتامة، وليس بوسعنا تحمل نتيجة الفشل”.
وقال المدير العام لليونيسكو، أودري أزولاي، إن “تعليم الفتيات هو المحرك الأقوى للتحول العالمي، وإنه حق أساسي ومسألة كرامة إنسانية”.
وتشدد الأمم المتحدة على الترابط بين التعليم للفتيات والصحة “والدور الذي يمكن أن يلعبه التعليم في مكافحة العنف الجنسي، والزواج القسري للأطفال، والحمل غير المرغوب فيه، والأعراف والتوقعات الاجتماعية التقليدية”.
ويؤكد البنك الدولي أن محدودية فرص التعليم للفتيات، وحرمانهن من إنهاء المراحل التعليمية كاملة، يكلف العالم نحو 30 تريليون دولار سنوياً على مستوى الإنتاج والدخل على مدى الحياة.
وقال إن حصول كل فتاة في العالم على 12 عاماً من التعليم الجيد، يزيد مكاسب النساء من 15 تريليون دولار إلى 30 تريليوناً سنوياً.

مقالات مشابهة