المشاهد نت

الإنجاب في زمن الحرب… مخاطر تهدد مستقبل الأطفال

تعز – وئام عبدالملك :

توقفت إقبال سعيد عن استخدام حبوب منع الحمل، بعد أن خسر زوجها عمله في مصنع البرح للإسمنت بمحافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، وعجزت معه عن شراء دواء تنظيم الأسرة، لمدة 9 أشهر، الأمر الذي أدى إلى حملها بعد تلك الفترة.
أنجبت إقبال طفلها “يزن”، نهاية العام 2016، لتضيف طفلاً ثالثاً إلى جانب “فارس، ووردة” اللذين عجز زوجها عن تعليمهما، بسبب عدم قدرته على توفير متطلبات الحياة الضرورية للأسرة المكونة من 5 أفراد.
إقبال ليست وحدها من أنجبت طفلاً خلال فترة الحرب، بل هناك نساء كثر أنجبن أطفالاً خلال الفترة ذاتها، للسبب نفسه الذي واجهته.
ووفقاً لموقع “Knoema” (قاعدة بيانات عالمية)، فإن معدل المواليد الجدد بلغ عام 2017، في اليمن، 31.0 لكل ألف شخص، وبلغت نسبة نمو السكان 2.4%، في 2018.

إغلاق مراكز الأمومة والطفولة

وتسببت الحرب بإغلاق 45% من المستشفيات ومراكز الأمومة والطفولة، بعد تعرض بعضها للتدمير الكلي أو الجزئي، فضلاً عن نقص الإمدادات الصحية، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وأكدت المديرة التنفيذية للصندوق، الدكتورة ناتاليا كانيم، أن خدمات الصحة الإنجابية الموجهة للنساء اليمنيات، في حاجة ماسة للتمويل، مشيرة إلى أنه بنهاية شهر أغسطس، تم إغلاق 100 مستشفى من 268 مستشفى يدعمها الصندوق، في أنحاء اليمن، وهو ما سيؤثر على حوالي 650 ألف امرأة في حاجة لخدمات الصحة الإنجابية، وسيصل العدد إلى أكثر من مليون امرأة إن تم إغلاقها جميعاً.
وتشير إحصائية الصندوق إلى أن 3 ولادات فقط من بين كل 10 ولادات تتم في المرافق الصحية، كما يموت واحد من بين كل 37 مولوداً جديداً، خلال الشهر الأول من الولادة.
ويؤكد الصندوق، أن “الضرر الذي لحق بالمرافق الصحية، بخاصة مرافق الصحة الإنجابية، نتيجة القتال المستمر في اليمن، قد يُعيق توصيل خدمات وإمدادات الصحة الإنجابية، إذ أدى ذلك إلى حدوث عواقب وخيمة على صحة الأمهات وأطفالهن”.
وذكرت أنيسة عبدالله، إحدى سكان مدينة تعز، أنها كانت تذهب لأحد مراكز الأمومة والطفولة، قبل الحرب، وتحصل على الإبر لمنع الحمل، بشكل دوري، لكن الحرب أدت إلى نزوحها إلى أحد أرياف مديرية شرعب، وتوقفت عن استخدامها، ما أدى إلى حملها مطلع العام 2016.
وتتمنى أنيسة لو أن الزمن يعود إلى الوراء، وتعيش مع أطفالها الـ5 في بلد آمن، وبعيداً عن الحروب التي أثرت على أطفالها الذين يبلغ عمر أكبرهم 11 عاماً.
بخلاف إقبال وأنيسة، حرصت أحلام المقطري (أم لطفلة أنجبتها مطلع العام 2015)، على استخدام وسائل منع الحمل بشكل منتظم، رغم صعوبة توفيرها أحياناً، بسبب إغلاق كثير من مراكز الأمومة والطفولة في تعز أبوابها، بداية الحرب.
وكانت أحلام أكثر حظاً من إقبال وأنيسة اللتين لم تجدا مراكز قريبة من أحيائهما، في بداية الحرب، خصوصاً في أماكن نزوحهما.


حرص أحلام على عدم الإنجاب أثناء فترة الحرب المستمرة حتى الآن، ناتج عن خوفها من تفاقم الأوضاع أكثر، وعدم قدرتها على تربية الأطفال، بعد أن واجهت صعوبات كثيرة مع طفلتها “جنى” التي حرمتها الحرب الكثير من حقوقها.

نجيبة عبدالغني : هناك 400 حالة وفاة بين كل 100 ألف حالة ولادة حية، مؤكدة أن هناك 5.6 مليون امرأة في سن الإنجاب، بحاجة إلى مساعدة، بينهن 520 ألف امرأة حامل يعانين من مشاكل صحية، و78 ألفاً يوجد خطر مباشر على حياتهن في عدم الحصول على رعاية صحية.

مخاطر محتملة

نحو 144 ألف حامل معرضة لخطر مضاعفات الحمل، و1.1 مليون حامل ومرضعة يعانين سوء التغذية، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.
ويشكل الحمل خطراً كبيراً على حياة الأم في مثل هذه الظروف التي تمر بها اليمن، فوفقاً لتصريحات رئيسة الجمعية اليمنية للصحة الإنجابية، نجيبة عبدالغني، هناك 400 حالة وفاة بين كل 100 ألف حالة ولادة حية، مؤكدة أن هناك 5.6 مليون امرأة في سن الإنجاب، بحاجة إلى مساعدة، بينهن 520 ألف امرأة حامل يعانين من مشاكل صحية، و78 ألفاً يوجد خطر مباشر على حياتهن في عدم الحصول على رعاية صحية.
ويؤكد صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن امرأة تموت و6 من حديثي الولادة، كل ساعتين، في اليمن، بسبب مضاعفات أثناء الحمل أو الولادة.

إقرأ أيضاً  تكحيل العين…طقس رمضاني مهدد بالاختفاء في صنعاء


ويعتقد أستاذ التربية الخاصة المساعد بجامعة تعز ، الدكتور عبده الصنعاني، أن قرار إنجاب الأطفال في بعض الأسر كان غير صحيح، بخاصة التي فقدت مصدر دخلها، في ظل انقطاع الرواتب، وعدم وجود فرص عمل.
وبحسب الصنعاني، يترتب على إنجاب الأطفال عدد من المسؤوليات، كالتربية، والتعليم، والرعاية الصحية، والتغذية، وكل تلك الخدمات تأثرت سلباً بسبب الحرب، ما يعني أن المواليد الجدد سيعانون بسبب ضعف الخدمات.

خلفت الحرب أكثر من 5 ملايين شخص يعانون من أحد الاضطرابات النفسية، حتى العام 2018، بحسب دراسة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري في اليمن.

تأثيرات نفسية على الأطفال

خلفت الحرب أكثر من 5 ملايين شخص يعانون من أحد الاضطرابات النفسية، حتى العام 2018، بحسب دراسة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري في اليمن.
وتركت الحرب آثاراً نفسية على الطفل والأم معاً، خصوصاً أن النساء أكثر تأثراً من الناحية النفسية، مقارنة بالرجال، بحسب الصنعاني، مشيراً إلى أن السنوات الـ5 الأولى من عمر الطفل، تشكل شخصيته المستقبلية، وتؤثر فيه حتى عند بلوغه مرحلة الرشد.
واستطرد قائلاً: “عندما يعيش الطفل باكورة عمره في ظل أوضاع مشحونة بالنزاعات والقتل، والأصوات المرعبة للحرب، والتوترات النفسية للوالدين، ستخلق منه شخصية مهزوزة تتسم بعدم الاستقلالية وعدم الثقة وعدم الاتزان الانفعالي والنفسي، مما قد يؤثر عليه مستقبلاً”.
ومن أبرز آثار الحرب على الأطفال، بحسب الصنعاني، إصابتهم بالاضطرابات النفسية التي تلازمهم حتى وفاتهم، منها المخاوف النفسية المرضية، واضطرابات النوم، والقلق، والوساوس القهرية، مؤكداً أن الأم ليست بمعزل عنها، ويمكن أن تكون عرضة لاضطرابات ما بعد الصدمة، والمخاوف النفسية والكوابيس الليلية، والخوف من فقدان شخص عزيز.
وتشكو داليا منصور من عنف أبنائها الـ3، الذين أنجبت اثنين منهم خلال فترة الحرب، ومن عدم قدرتها على التحكم بهم وتوجيههم وفق ما تريد، برغم عدم تجاوز عمر أكبرهم 9 سنوات.
وقالت إن ألعابهم أصبحت عنيفة للغاية، ويفضلون اللعب بالمسدسات المختلفة، وتلك المصنوعة على شكل دبابات وأسلحة.
ويعتبر الأخصائي الاجتماعي محمد ناجي عبدالله، ذلك، نتيجة طبيعية لنشأة الأطفال في بيئة تعاني من الحرب وعدم الاستقرار.
وأكد أن العنف أو الانطواء أبرز الآثار التي تنعكس على سلوك الأطفال، خصوصاً مع رؤيتهم مشاهد الدم والقتل بشكل مستمر، فضلاً عن عدم وجود أماكن للتنزه يذهبون إليها لإخراج طاقتهم.

حلول ممكنة

مؤخراً، فتحت مراكز الأمومة والطفولة أبوابها، بدعم من منظمات مختلفة، بعد فترة من توقفها نتيجة الحرب، بحسب إفادة نوال محمد، إحدى العاملات في مركز 22 مايو بمدينة تعز، مؤكدة أن هذه المراكز تقدم الخدمات المختلفة للأم والطفل، وبمبالغ رمزية، فضلاً عن الحصول على حبوب منع الحمل بشكل مجاني.
واستفادت من خدمات تنظيم الأسرة، التي يقدمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، خلال 2018، نحو 88 ألف امرأة، إضافة إلى قرابة 340 ألف مستفيد من خدمات الصحة الإنجابية، فضلاً عن إنشاء 283 مرفقاً صحياً للأمومة.

مقالات مشابهة