المشاهد نت

من المستفيد من استهداف الجيش في “مأرب”؟

تعز –  أحمد عبدالله:

يتعرض الجيش اليمني في مأرب، لهجمات مختلفة منذ عامين، كان آخرها استهداف مسجد في معسكر الميل بقصف صاروخي في التاسع عشر من يناير الجاري، ما أدى إلى مقتل 111 وجرح 80 عسكريًا دون أن تعلن اي جهة مسؤوليتها عن القصف، كما هو حال أغلب الهجمات التي تطال شخصيات عسكرية ومعسكرات في مأرب، ويظل الفاعل مجهولًا فيها، لكن الحكومة اتهمت الحوثيين بقصف مسجد معسكر الميل. وهو ما نفاه القيادي في جماعة الحوثي محمد البخيتي في تصريحات إعلامية، وبالتالي من استهدف مسجدًا في معسكر الميل ظل مجهولًا حتى اللحظة.

وتعرض مقر قيادة المنطقة العسكرية الثانية في مأرب لقصف صاروخي مماثل، وقال مصدر عسكري في القوات الحكومية لـ”المشاهد” إن القذيفة استهدفت المكان من مواقع تمركز جماعة الحوثي في تلك المحافظة، غير أن مصادر عسكرية توجه أصابع الاتهام لدولة الإمارات إحدى دول التحالف العربي بقيادة السعودية، الذي شن حربه في اليمن منذ 26 مارس 2015 بهدف دعم الحكومة اليمنية.

الغريب في الأمر أن داعمي الحكومية صاروا جزءًا فاعلًا في النيل منها من خلال تسليح جماعات مسلحة خارج إطار الحكومة كما هو حال الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي المدعوم اماراتيًا.

تزايد الهجمات الصاروخية في 2019

تكرار استهداف الجيش الوطني في مأرب، يفهم في سياق الحرب الباردة بين الإمارات والحكومة، إضعاف الأخيرة من خلال ذراعها العسكري الذي تشكل على مدى 5 سنوات من الحرب، ما هي أوجه الاستهداف لهذا الجيش؟

وفق رصد “المشاهد” لتسلسل الهجمات التي تزايدت مؤخرًا يتبين أن جهة ما إلى جانب الحوثيين تسعى إلى التخلص من هذا الجيش على حساب تشكيل جماعات مسلحة بديلة عن الدولة، ففي العام 2018 أطلقت مجموعة من الصورايخ لاستهداف عرض عسكري في مأرب، وفي التاسع عشر من أغسطس 2019، أعلنت جماعة الحوثي إطلاق صاروخ باليستي من طراز نكال، على عرض عسكري للجيش الوطني في مأرب أيضًا.

من المستفيد من استهداف الجيش في "مأرب"؟
استهداف قوات الجيش – صورة ارشيفية

وتكرر الهجوم على الجيش في السادس والعشرين من سبتمبر، وفي عام 2019 أسقطت قوات الجيش، طائرة مسيرة قالت إنها حوثية كانت موجهة لاستهداف حفل التخرج لمئات الضباط في المركز التدريبي لتأهيل ضباط الجيش الوطني في صحراء الرويك بين حضرموت ومأرب، دون وقوع إصابات.

وفي الرابع من أغسطس الماضي، قصفت جماعة الحوثي، بصاروخين معسكرًا يتبع الحكومة اليمنية في محافظة مأرب، لكن دون أن يسفر عن وقوع ضحايا، سبقه استهداف لمنازل ومعسكرات كان يتواجد فيها مسؤولين حكوميين بارزين، وتصدت منظومات الدفاع الجوي لكثير من الصواريخ الباليستية.

وفي التاسع والعشرين من أكتوبر 2019، استهدف صاروخ مقر وزارة الدفاع في مأرب، سقط على إثره جنديان وعدد من الجرحى، فيما نجا وزير الدفاع الفريق الركن محمد المقدشي من محاولة اغتياله.

وفي الثالث عشر من نوفمبر الماضي قالت مصادر عسكرية إن 15 جنديًا سقطوا بين قتيل وجريح في هجوم صاروخي على مقر وزارة الدفاع بمحافظة مأرب شرقي اليمن، أثناء اجتماع قيادات عسكرية.

ومع تكرار مثل تلك العمليات التي استهدفت الجيش، يتوقع أستاذ إدارة الصراع والأزمات بجامعة الحديدة نبيل الشرجبي استمرارها، مؤكدًا أن ما يحدث في مأرب يشكل خرقًا واضحًا لكل الإجراءات الأمنية المتبعة في العاصمة العسكرية والأمنية للحكومة.

وحذر الشرجبي في تصريح لـ”المشاهد” من خطورة ذلك، فهو يعني “أن جسد الحكومة الأمني والعسكري مخترق وبشكل خطير، وهو ما قد يوثر على كل الخطوات والعمليات العسكرية القادمة، كما أنه لا يتصور أن تترك العاصمة العسكرية والأمنية للحكومة دون غطاء أو حماية جوية، وهو استهتار ولامبالاة غير مبررة”، على حد قوله.

خرق في الجانب الأمني

ويؤكد الخبير العسكري علي الذهب، أن الهجمات الصاروخية على مأرب لن تكون الأخيرة لعدم عقاب القادة المقصرين، ولوجود قصور في الحماية المادية والوقاية الاستخباراتية لدى وحدات الجيش، فاتصالاتهم وتحركاتهم مكشوفة، خاصة أن وسائل الاتصال ما زالت في يد الحوثيين، ويمكن تتبعهم عن طريقها ومعرفة كل ما يدور على مستوى القادة والجنود.

علي الذهب : الهجمات الصاروخية على مأرب لن تكون الأخيرة لوجود قصور في الحماية المادية والوقاية الاستخباراتية لدى وحدات الجيش، فاتصالاتهم وتحركاتهم مكشوفة، خاصة أن وسائل الاتصال ما زالت في يد الحوثيين، ويمكن تتبعهم عن طريقها ومعرفة كل ما يدور على مستوى القادة والجنود.


وحمَّل الذهب في حديثه لـ”المشاهد” وزير الدفاع لعدم توفيره الإمكانيات اللازمة، وقيادة المعسكر المسؤولية عن التعرض لذلك الهجوم؛ لأنها لم توفر لهم وسائل الحماية، فتلك المنطقة “منطقة حشد” ويجب أن تكون محمية بشكل طبيعي بالجبال أو بشكل صناعي بملاجئ وخنادق ومباني تتحمل الضربات، فضلًا عن ضرورة فرض تدابير معينة، كمنع تجمع أكثر من اثنين، ومنع التجمهر في الأوقات التي تكون فيها مؤشرات الهجوم واردة، كذلك يجب أن يكون الإخلاء والفرق الطبية مستعدة، إضافة إلى منع استخدام الهواتف والدخول بها، وأن تكون المنطقة بعيدة عن نيران مدفعية العدو، وضرورة توفير منظومة دفاع جوي صاروخية أو مدفعية عادية ومضادات طائرات.

إقرأ أيضاً  تفوق أطفال اليمن في مسابقات الحساب الذهني

وقال الذهب: “حتى في حالة عدم رصد الرادار للطائرات المسيرة، يمكن إسقاطها بالمدفعية العادية والذي يستوجب وجود فريق كامل يكون على أهبة الاستعداد”.

وانتقد طريقة إدارة الحكومة للمعركة قائلاً: “إنها تتم بشكل تقليدي وبأقل مستوى فلا سرية في الاتصالات ولا حتى في تحركاتهم، فالجيش لا يتعامل معها كحرب عصابات، وهو أسلوب الحوثيين الذين يتحركون بنشاط وحذر أكثر من الجيش، فضلا عن منعهم الاتصالات أثناء تحركاتهم السرية أو الفردية، وكذا عدم بقائهم مجتمعين.

ويتوقع المحلل العسكري على الذهب أن يكون للحوثيين “عيون” داخل المعسكرات التابعة للحكومة، أو طائرات استطلاع حددت أوقات تجمع القوات.

أما السيناريو الآخر، فهو أن يكون الحوثيون تحصلوا على معلومات عن ذلك المعسكر من قِبل الإمارات أو المجلس الانتقالي الجنوبي، مستبعدًا امتلاك الأخير القدرة على تنفيذ مثل ذلك الهجوم، فضلًا عن عدم جرأتهم على ذلك، وبالتالي مكنُوا الحوثيين من استهدافه.

انعكاسات سلبية على اتفاق الرياض

وتزامن القصف الصاروخي الأخير مع فشل تنفيذ اتفاق الرياض ومصفوفة الانسحابات التي تم التوقيع عليها من قِبل الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي.

ورأى الشرجبي أن عدم التمكن من تحديد مصدر الصاروخ، له ارتدادات على موضوع اتفاق الرياض والذي يعد من وجهة نظره غير قابل للتطبيق، خاصة مع تدويره باتفاقات أخرى، فضلًا عن تجزئة مراحل تنفيذه وهو ما يعني الدخول في مزيد من الاتفاقات لتنفيذ الاتفاق الأساس، ما يعني إفراغه من روحه.

إضافة إلى أن أطراف تنفيذ الاتفاق لهم دور سلبي فيما يحصل، بسبب غياب الجدية، برغم أنه كان واضحًا في أحد بنوده وجود مرجعية تحدد تفسيره، وتحديد الأطراف المعطلة له، وهو ما لا يوجد في الواقع، ما يعني إمكانية الدفع بالحكومة والانتقالي والدخول في جولة صراع جديدة لمحاولة تنفيذ الاتفاق كل بطريقته، وفق الشرجبي.

وهو من وجهة نظر أستاذ إدارة الأزمات قد يعد نسفًا لكل جهود توحيد الصف كما تدعي كل الأطراف، بينما الواقع هو أن اتفاق الرياض هو إسقاط واجب من التحالف تجاه تكرار فشله في الكثير من مراحل إدارة الصراع مع الحوثيين، على حد تعبيره.

ويذهب بعيدًا المحلل العسكري الذهب، إلى الاعتقاد بأن الإمارات والانتقالي والحوثيين متفقين على إفشال اتفاق الرياض، كونه يعني استقرار الجنوب وتوجه القوات عقب ذلك نحو أماكن سيطرة الحوثيين، رغم أن تنفيذه لا يعني أن الحكومة ستكسب، بل لأن الإمارات والانتقالي خسروا أمام السعودية التي فرضت نفوذها بشكل كبير على حسابهم.

وأكد الذهب أن القوات الحالية في كثير من المحافظات لديها دافع وطني ويمكن أن تشكل جيشًا قويًا إن خضع للتدريب والإعداد والتنظيم، وهو ما سيتحقق وفق توقعات – متفائلة – بعد 10 سنوات من الاستقرار في اليمن، كون ذلك يتطلب قرابة 20 مليار دولار.

لافتًا إلى افتقار القادة الحاليين للخبرة المحصنة بالعلم والتأهيل، وافتقار الجيش الحالي للإرادة والقرار وتبعيته للتحالف.

صعوبات أمام الجيش الوطني

وأدى استهداف الجيش بتلك الصورة إلى صدور بيانات استنكار عديدة من جهات مختلفة؛ فقد أدان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الهجوم، متهمًا الحوثيين بارتكابه، وشدد على أهمية تعزيز اليقظة العسكرية والجاهزية القتالية وإفشال كافة المخططات العدائية والتخريبية، والسير نحو “تحرير كامل التراب اليمني”.

أما الاتحاد الأوربي فاعتبر الهجوم إرهابيًا، وأنه يهدد جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن، وهو ما لم يذهب عنه بعيدًا المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث الذي حث جميع الأطراف على وقف التصعيد والتوجه نحو الحلول السياسية.

بينما وصفت السعودية الهجوم بـ”الإرهابي الآثم”، وقالت إنه “يعكس استهانة جماعة الحوثي الإرهابية وفق وصفها بالمقدسات واسترخاصها للدم اليمني”.

فيما طالب البرلمان العربي الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، باتخاذ إجراءات فورية وعاجلة لمحاسبة الحوثيين، أما الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، فأكد أن الهجوم “يشير مجددًا إلى محاولة أطراف خارجية تسخين الجبهة اليمنية لصرف الأنظار عما تواجهه من مشكلات وتحديات داخلية”.

ومع اندلاع الحرب في اليمن في مارس 2015، والمرحلة التي سبقتها في العام 2011، عقب ثورة الشباب، تفكك الجيش اليمني وتعددت ولاءاته، وأصبحت الجماعات المسلحة هي الأبرز في البلاد، الأمر الذي أدى إلى تشكيل نواة أولى لتلك المؤسسة العسكرية في مأرب؛ لكن الطريق أمامها وعرة بعض الشيء بسبب تعقيدات الصراع في البلاد وتزايد وتيرة الاستهدافات له.

مقالات مشابهة