المشاهد نت

المرأة والسلطة: هل توقف الأيادي الناعمة الحرب في اليمن؟

صورة تعبيرية

تعز – منال شرف :

تواجه المرأة، في المنطقة العربية عموماً، واليمن على وجه الخصوص، تحديات شائكة في سبيل تفعيل دورها المجتمعي وتعزيزه. واحد من أكبر تلك التحديات، يتمثل في مشاركتها السياسية ووصولها لمناصب صنع القرار في السلطة.
وعلى الرغم من أن المجتمع العربي ليس مشهوراً بقبول مبدأ المساواة أو تمكين المرأة، فقد اتضح أن لديه تقبلاً واسعاً لفكرة تنصيب المرأة على مواقع قيادية، بحسب الاستطلاع الأخير لموقع “بي بي سي عربي”، وإن كان الواقع السياسي للمرأة العربية يقول عكس ذلك، حيث شهدت اليمن، مؤخراً، حراكاً نسائياً بارزاً واعترافاً مجتمعياً بأهمية دور المرأة وإشراكها في عملية صنع القرار. في المقابل، يأتي عدد المناصب العليا التي تشغلها النساء اليمنيات، أقل بكثير من النسبة المشروعة لهن قانونياً، وغالباً تنعدم.
وسط هذه التناقضات، لايزال الحديث حول إمكانية التأثير في المسار السياسي للدولة، من خلال شغل النساء مناصب حكومية، يخضع لجدل كبير، البعض يرجع أسبابه إلى سطوة المجتمع الذكوري ومحاولات تكريس الصورة النمطية بين الجنسين، وآخرون يتهمون المرأة نفسها، أو يبررون المشكلة بعامل الوقت، بالإضافة لأسباب أخرى جعلت المرأة تقبع، حتى اليوم، على هامش هذا المجال.

المرأة اليمنية تاريخياً ووظيفياً

يؤكد رئيس التكتل الوطني للتنمية، عمر الشجاع، أن “المرأة اليمنية، قديماً، كانت السباقة في الوصول إلى سدة الحكم، والنهوض بالدولة في مختلف مجالات الحياة، فقد حكمت الملكة بلقيس، “سبأ”، قبل ما يقارب 1500 سنة قبل الميلاد، وحكمت الملكة أروى الصليحي، هي الأخرى، اليمن، قبل 1000 عام، وقد عرفت اليمن ازدهاراً ونشاطاً حقيقيين في عهديهما، أما الآن، وبعد أن غُيب دور النساء، وحُرمن من المشاركة الفعلية، ومن الوصول إلى أماكن صنع القرار على المستويين المحلي والدولي، لوحظ تشظٍّ في بنية المجتمع، وتأخر في عجلة التنمية”.

محمد فارع : أثبتت المرأة، على مدى تاريخها الوظيفي، كثيراً من الأمور الجيدة على مستوى صناعة القرارات واتخاذها والتأثير فيها، وعدم تورطها بقضايا فساد كالتي نسمعها عن الرجال


ويشير المدرب والاستشاري في مجال بناء السلام وريادة الأعمال، محمد فارع، إلى مدى حرص النساء على بناء السلام والتنمية حين يتولين مناصب تساعد على اتخاذ قرارات متعلقة بهما؛ باعتبارهن أكثر من يتحمل أعباء وأخطاء الحروب، ويقول: “أثبتت المرأة، على مدى تاريخها الوظيفي، كثيراً من الأمور الجيدة على مستوى صناعة القرارات واتخاذها والتأثير فيها، وعدم تورطها بقضايا فساد كالتي نسمعها عن الرجال، من جانب آخر، يرجع غالبية الرجال لأخذ الشورى من نسائهم في أمورهم ومسائلهم الحياتية، وهو دليل آخر على أهمية دور المرأة في إطار الأسرة والمجتمع، وأن إسهام النساء في الحياة السياسية يرتبط بتعزيز دورها على مستوى الأسرة قبل كل شيء”.

واقع المرأة لا يسمح

وتملك الشابة عصماء الكمالي، وجهة نظر مختلفة؛ إذ تنوه إلى أن النساء اللاتي حكمن في الأمس، يختلفن عن نساء اليوم والظروف التي تحيط بهن. وتقول: “تولي النساء مناصب حكومية، حالياً، سيزيد من حدة الصراع؛ ليس لمعرفتهن القاصرة في الأمور السياسية والإدارية فقط، إنما لعدم قبول المجتمع، أما إن كان الوضع مهيأً لهن، فالحديث هنا يختلف؛ لأن المرأة التي تربي الأجيال، قادرة كذلك على قيادتها، والأخذ بها إلى بر الأمان”.
ويرى اليمني عماد محمد، أن الأمر متعلق بالشخصية وحجم الثقل الذي تمثله، ومع هذا كله، يرى أن وعي المجتمع بأهمية الأمن القومي، هو ما يمكن أن يغير المشهد، إذ يقول: “في الوضع الحالي، لا يمكن للمرأة أن تسهم في تغيير المشهد، ولدينا أمثلة من الواقع؛ إذ وجدنا صعوبة في التعامل مع النساء اللواتي تولين مناصب عليا في السلطة المحلية. لكن، ربما يستطعن في المستقبل أن يغيرن شيئاً”.
وبحسب المصور الصحفي رأفت سلطان، فإن البيئة التي تعيش فيها المرأة هي معيار القبول أو الرفض، ويقول: “لا شك في أن النساء لهن القدرة على تغيير المسار السياسي، ولكن، في حال تواجدن على أرض دولة ديمقراطية تحترم حقوقهن، ولا تقلل من شأنهن، وهذا ما لا نملكه”.

فتح العيسائي : تمكنت المرأة، في الدول الأوروبية، من التأثير بإيجابية على المشهد السياسي لدولتها، من خلال سعيها لفرض كوتا نسائية داخل الأحزاب؛ وذلك لرفع مستوى مشاركة المرأة في البرلمان وفي البلديات. في المقابل، مازال واقع المرأة، في المنطقة العربية، لا يسمح بوصولها إلى المناصب السيادية، والتي تجعلها مشاركة في صنع القرار


فيما يتحدث الإعلامي فتح العيسائي، عن حاجة المرأة في المنطقة العربية لتطبيق نظام الكوتا باعتباره نوعاً من التمييز الإيجابي، ومرحلة مؤقتة لتعويض المجتمع، وليس لإثبات قدرة المرأة على الوصول إلى المجالس النيابية.
ويقول: “تمكنت المرأة، في الدول الأوروبية، من التأثير بإيجابية على المشهد السياسي لدولتها، من خلال سعيها لفرض كوتا نسائية داخل الأحزاب؛ وذلك لرفع مستوى مشاركة المرأة في البرلمان وفي البلديات. في المقابل، مازال واقع المرأة، في المنطقة العربية، لا يسمح بوصولها إلى المناصب السيادية، والتي تجعلها مشاركة في صنع القرار، نتيجة لما تواجهه من انغلاق فكري وأعراف. حقيقة، المرأة في بلدنا بحاجة فعلية لتطبيق مثل هكذا نظام”.

إقرأ أيضاً  استمرار تراجع مؤشر التنمية البشرية في اليمن

إقصاء ممنهج

من زاوية أخرى، تقول الناشطة هنادي أنعم، إن هناك إقصاءً متعمداً للمرأة من قبل السلطة، برغم وجود قوانين وبنود، في الدستور اليمني، تنص على أحقية إشراك المرأة في كل المجالات، وممارستها العمل السياسي والمدني، كما أن مواثيق الأمم المتحدة تنص، هي الأخرى، على ذلك، مضيفة: “كان للمرأة النصيب الأكبر من المعاناة في ظل الحرب، بعد أن تسبب بها الساسة؛ لذا ينبغي عليهم التنحي وترك الفرصة للنساء؛ حتى يثبتن للجميع أنهن قادرات على لملمة شمل اليمنيين من جديد”.
وتذكر المهندسة فريدة المحمدي، أن تولي المرأة مناصب حكومية، من شأنه أن يعود على الدولة بتغيرات ملموسة؛ لتميز النساء بالجدية والإتقان وحب التطوير.
وتضيف: “لايزال المجتمع اليمني يرفض وصول المرأة للسلطة، بل يعمل على عرقلتها ومنعها؛ على الرغم من معرفته بأهمية دور المرأة وإشراكها في الحكم، وأثر ذلك على مختلف الأصعدة”.
وتشك الناشطة نهى الشرعبي، في مقدرة النساء اليمنيات على تغيير مسار الدولة، بشغلهن مناصب حكومية، في ظل هيمنة السياسيين الذين يستخدمون النساء في المناصب السيادية لزيادة تثبيت أنفسهم على الكراسي وحسب، موضحة بالقول: “تمنح النساء، ضمن الأحزاب السياسية، مناصب رفيعة في الحكومة، لتقوية الحزب فقط، ثم يتم منعهن من ممارسة حقهن في المناصب التي يشغلنها، ومن مزاولة أي رأي سياسي دون العودة لساسة الحزب أنفسهم. إنهم يمارسون السلطة عليهن، كما يمارسونها على أهل بيتهم؛ أي باستئذانهم والرجوع إليهم في أبسط الأمور؛ لتبقى المرأة تتعرض للإقصاء والتهميش سواء تولت المنصب أم لا”.

كفاءة وقرارات صلبة

وبحسب الأكاديمي في مجال الإعلام محمد المليكي، فإن كفاءة من يتولى المنصب هي الأهم في مسألة إصلاح المسار السياسي للدولة، وليس الجنس، إذ يقول: “بغض النظر عن جنس من يتولى إدارة المنصب في السلطة، فإنه لن يغير في المشهد السياسي شيئاً، ما لم يمتلك الكفاءة لذلك؛ ما الذي ستضيفه المرأة، مثلاً، إن لم تكن مؤهلة لمنصبها! أو كان غيرها، ممن يشاركونها الإدارة، لا يمتلكون أدنى مقومات التغيير، أو على الأقل لديهم استعداد له؟!”.
وينوه الصحفي محمد مقبل، إلى أن “الوضع السياسي في اليمن معقد للغاية؛ لعدم مقدرة المسؤولين من الرجال على فرض الأوامر والتعليمات التي تُتخذ، فكيف سيكون الحال مع النساء، خصوصاً وأنهن في بلد قبلي لا ديمقراطية فيه؟”، مضيفاً: “المشكلة ليست في العقليات الفذة، وإيجاد الحلول، بل في كيفية فرضها السريع والصارم. نحتاج إلى حاكم بقبضة وقرارات، من حديد، تنهي كل هذا اللغط والمغالطات”.

سمر العبسي : من المؤكد أن هناك نساء قياديات توليهن مناصب في السلطة، يساعد على تصحيح مسار الدولة، علاوة على تحقيق المساواة، والتخلص من مشكلة الصورة النمطية بين الجنسين.


من جهتها، ترى الحقوقية سمر العبسي، أن الوضع الراهن، بحاجة لقيادة محنكة وقوية، قادرة على خلق حلول استراتيجية له، وعلى اتخاذ قرارات حاسمة دون الرجوع لأطراف من وراء المشهد. وتضيف: “من المؤكد أن هناك نساء يمتلكن مثل هذه القدرات؛ لذا فإن توليهن مناصب في السلطة، يساعد على تصحيح مسار الدولة، علاوة على تحقيق المساواة، والتخلص من مشكلة الصورة النمطية بين الجنسين”.

بارقة أمل

وتشير بشرى ياسين، إلى أن الأمر عائد لشخصية المرأة نفسها، وإن كانت على ثقة بأن تواجد النساء في السلطة، إجمالاً، بوسعه أن يغير الكثير، حيث تقول: “لأنهن، بالفطرة، أكثر إحساساً وتلمساً لاحتياجات الآخرين، وهو ما يتطلبه واقع الوطن والمواطن على وجه الخصوص، أما الرجل فعادة ما تجذبه مصالح أخرى”.
وتعتبر المرأة، بطبيعتها، أكثر حكمة وهروباً من الصراع، بحسب الكاتب عبدالله الحميري، أما الرجال، فقد خاطبوا بلقيس بنحن أولو قوة وأولو بأس شديد، ويكمل: “طالما أن للمرأة خصائص تختلف عن الرجل، فمن الطبيعي أن تأتي إدارتها في صورة مختلفة أيضاً، وهذا لا يعني أن الشخص يكفي حين تكون المؤسسية غائبة. أثق أن تولي المرأة منصباً سياسياً، سيسهم في إحداث تغيير حقيقي بمسار الدولة، لكن ذلك لن يحدث إلا بإصلاح منظومة الأفكار التي تتحكم في الفعل السياسي، سواء عند الرجل أو المرأة، ومنحها -أي المرأة- الفرصة لتقلد المناصب العليا”.
وتجد الناشطة زهور ناصر، أهمية بالغة في تولي النساء مناصب سياسية؛ وذلك لتحقيق السلام في المجتمعات الإنسانية، وإطلاق إمكانياتها الكاملة ومنتوجها الحضاري؛ باعتبار المرأة تمثل نصف المجتمع، إن لم نقل المجتمع بأكمله. مضيفة: “صحيح أن نسبة مشاركة المرأة في الحياة السياسة تتفاوت من دولة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، حسب منظومة القوانين والقيم والأفكار التي تحكم هذا المجتمع أو هذه الدولة، إلا أن العقود الأخيرة شهدت زيادة واضحة في وتيرة دعوات تمكين المرأة، وإفساح المجال أمام مشاركتها في الحياة العامة؛ وهو ما يشكل دفعة أمل كبيرة”.

مقالات مشابهة