المشاهد نت

المختبرات الطبية… انتشار عشوائي ونتائج تشخيصية خاطئة

صنعاء – عابد عمر:

اضطر الخمسيني عبدالقوي التاج، للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج العاجل، كون نتائج الفحوصات التي أجراها في أحد المختبرات الطبية بصنعاء، كشفت عن إصابته بسرطان الدم.
وصل عبدالقوي إلى أحد مستشفيات جمهورية مصر العربية، لمعاينة حالته المرضية لدى الطبيب المختص بأمراض الدم هناك، حيث طُلب منه إعادة إجراء الفحوصات والتحليلات الطبية مرة أخرى، وقام بعملها، وظل ينتظر نتائجها بخوف وقلق شديدين، ثم ذهب ليستلمها من الطبيب المخبري في الموعد المحدد له، ليكتشف أن نتائج الفحوصات المخبرية تؤكد أنه سليم وغير مصاب بسرطان الدم، كما يروي عبدالقوي.
ويقول لـ”المشاهد”: “عند معرفتي بنتائج الفحوصات المخبرية بصنعاء، شعرت بصدمة كبيرة، وبدأت تؤثر بقوة على حالتي الصحية والنفسية”.
حينها باع عبدالقوي السيارة والمجوهرات الخاصة بزوجته، لكي يتمكن من السفر إلى مصر للعلاج، بعد أن نصحه الطبيب بذلك.

منير الزبيدي : عدم وجود قانون خاص بالمختبرات الطبية، يحد من انتشارها العشوائي، وينظم أداءها، يجعل الباب مفتوحاً أمام من هم غير مختصين بالطب المخبري، الذين يقومون بفتح المختبرات بصورة عشوائية، كالأطباء والصيادلة والممرضين،وهذا ينعكس سلباً على المهنة.


وانتشرت المختبرات الطبية الخاصة مؤخراً بشكل لافت في صنعاء وغيرها من المحافظات، بأسماء رنانة ومظاهر ديكورية براقة، وإعلانات ترويجية ممولة في الطرقات والأماكن العامة ووسائل التواصل الاجتماعي، تستعرض من خلالها الإمكانيات الفريدة التي تمتلكها دون غيرها في العالم، ابتداء من الكوادر الطبية المخبرية ذوي الخبرات العالية والمتخصصة، والأجهزة الطبية الحديثة والمتطورة، غير أن كل ذلك يتلاشى بمجرد وقوع بعض تلك المختبرات في أخطاء تشخيصية لتحليل دم أو عينة نسيجية لمريض قد تكلفه حياته، كما حدث لعبدالقوي سابقاً، ومثله الأريعينية نجاة فقيرة، التي كانت تعاني من تقيحات فموية وبلعومية وأنفية، سببت لها صعوبة في مضغ الطعام والتنفس بشكل طبيعي، حيث قامت بإجراء بعض الفحوصات المزرعية في أحد المختبرات بمحافظة الحديدة، لعينة من تلك التقيحات واللعاب، لكي تكتشف داءها، وتبحث عن دواء لعلتها، إلا أنها وجدت بعد أخذ نتائج الفحوصات المخبرية للطبيب المعالج لحالتها، أنها سليمة، ولا تعاني من أي شيء، بحسب ما أفادت نجاة لـ”المشاهد”، مضيفة أنها تفاجأت من نتائج الفحوصات المخبرية التي تفيد بأنها سليمة، في حين أنها تشعر بآلام شديدة في بلعومها وفمها وأنفها، تحرمها من القدرة على تناول الطعام والاعتماد على السوائل فحسب، فضلاً عن صعوبة التنفس، حيث كانت تلجأ أحياناً للأكسجين لمساعدتها على الاستنشاق.
وأشارت نجاة إلى أنها اتجهت إلى مختبر آخر، وأعادت الفحوصات مرة أخرى، والتي أظهرت هذه المرة أنها مصابة ببكتيريا وفطريات، وتحسس في الشعب الهوائية، لافتة إلى أن الطبيب قرر لها الأدوية اللازمة لمرضها، وهي الآن تتماثل لشفاء.

إهمال توفير محاليل ضبط الجودة

ولكي تؤدي المختبرات الطبية أداءها بمستوى عالٍ، لا بد أن تعتمد على شيئين، هما: الوازع الديني والضمير الإنساني لدى المخبري، والأجهزة والمعدات والمحاليل ونظام الجودة والخبرة، حيث إنها تلعب دوراً هاماً في

التشخيص الدقيق للأمراض، بحسب ما أوضحه منير الزبدي، مدير العلاقات العامة في مختبرات العولقي بصنعاء، الذي أضاف لـ”المشاهد”، أنه لا يمكن القول إن أداء المختبرات في بلادنا عالٍ، إذ إن أي مختبر لا يمتلك المواصفات المطلوبة ونظام الجودة، يكون غير قادر على تشخيص الأمراض بشكل صحيح.

الأخطاء التشخيصية للأمراض التي تقع فيها المختبرات، هي انعكاس عن تدني التعليم والخبرة لدى العاملين، وكذا عدم توفر محاليل ضبط الجودة


ويؤكد الزبدي أن الأخطاء التشخيصية للأمراض التي تقع فيها المختبرات، هي انعكاس عن تدني التعليم والخبرة لدى العاملين، وكذا عدم توفر محاليل ضبط الجودة، بالإضافة إلى العمولات التي تصرف للأطباء من المختبرات، والتي تجعل من الأخير يهمل توفير محاليل ضبط الجودة، كونها باهظة الثمن، وبالتالي يجب إلغاء ما تسمى “عمولة” للأطباء من المختبرات.

إقرأ أيضاً  تعز : الابتهاج بالعيد رغم الحرب والحصار

مخاطر ممكنة

ويؤكدالدكتور عبدالإله الحرازي، مدير عام المركز الوطني للمختبرات والصحة العامة،
أن عدداً كبيراً من دخلاء المهنة وجدوا في المختبرات باباً للارتزاق، الأمر الذي أسهم في الانتشار العشوائي للمختبرات، منوهاً إلى أن هناك فرصاً كبيرة لإعادة تنميطها وتقنينها، بما يحقق مستوى أفضل في أداء المختبرات، وكذا حماية المهنة من الدخلاء، وضمان مأمونية وسلامة الخدمات الطبية والتشخيصية المختبرية، وتفادي الوقوع في الأخطاء التشخيصية.
ويقع الكثير من المرضى في فخ التشخيص الخاطئ الذي ينتجه المختبر، ويعتمد عليه الطبيب لصرف الأدوية.
وفي هذه الحالة لا يحقق الدواء أية نتيجة إيجابية، بحسب الدكتور محمود أحمد، الذي سبق له أن طلب من المرضى الذين يترددون على عيادته، إعادة الفحوصات، في حال شك أن ما وصفه المريض مما يعاني لا يتناسب مع نتيجة الفحص، مؤكداً أن الطبيب إذا لم يتنبه للأمر، فإنه يصرف دواء وفق نتيجة الفحص التي قد لا تكون دقيقة، ما ينتج عنه مضاعفات للمريض بسبب تناوله دواء لمرض لا يعاني منه.

غياب القانون كاثر من انتشار المختبرات

إن عدم وجود قانون خاص بالمختبرات الطبية، يحد من انتشارها العشوائي، وينظم أداءها، يجعل الباب مفتوحاً أمام من هم غير مختصين بالطب المخبري، الذين يقومون بفتح المختبرات بصورة عشوائية، كالأطباء والصيادلة والممرضين، الأمر الذي ينعكس سلباً على المهنة، كما يقول الزبدي.

الدكتور عبدالإله الحرازي : تطوير التشخيص المختبري يعتمد أولاً على الاهتمام بجودة التعليم الطبي والتدريسي، حيث يلاحظ ضعف مخرجات التعليم الطبي، مع الانتشار الواسع لكليات الطب والمختبرات، سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة، والتي تركز على تخصص مختبرات كتخصص مرغوب ومقبول.


وتعتبر المختبرات ركناً أساسياً من العملية الطبية، وواحدة من المهن المساعدة التي يحتاج إليها الطبيب في تشخيص الحالات بمختلف مستوياتها، أكانت الحرجة أو العادية أو المزمنة، بل تمثل عين الطبيب الحقيقية إلى داخل جسم المريض، بحسب ما قال الدكتور عبدالإله الحرازي لـ”المشاهد”، مضيفاً أن القطاع الطبي التشخيصي المختبري يشهد ازدهاراً نوعياً وكمياً، أدى إلى دق أجراس التنبيه لدى الجميع بأهمية المختبرات الطبية، والاهتمام بجودة فحوصاتها وتجهيزاتها ومحاليلها.
وأشار الحرازي إلى أن تطوير التشخيص المختبري يعتمد أولاً على الاهتمام بجودة التعليم الطبي والتدريسي، حيث يلاحظ ضعف مخرجات التعليم الطبي، مع الانتشار الواسع لكليات الطب والمختبرات، سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة، والتي تركز على تخصص مختبرات كتخصص مرغوب ومقبول.
وبرغم أن قانون المهن الطبية شمل المختبرات بقدر بسيط من النصوص والمواد القانونية، لكنها غير كافية، وبالتالي فإن المختبرات الطبية بحاجة إلى إعادة النظر في التقنين، بما يتوافق مع التطورات الحاصلة ومستوى الانتشار لها، كون الانتشار العشوائي للمختبرات ناتجاً عن سوء التقنين، وتهافت الأطباء على فتح المختبرات والمراكز الطبية ضمن عياداتهم، فضلاً عن الازدواجية في تنفيذ اللوائح بين السلطة المحلية ومكاتب الصحة والوزارة، كما أوضح الحرازي.

مقالات مشابهة