المشاهد نت

مع تفشي جائحة “كورونا”… من يصادر أجهزة التنفس من سوق الدواء في صنعاء؟

صنعاء – وضاح الجليل:

مع اختفاء الأدوية والمستلزمات الطبية لمواجهة فيروس كورونا (كوفيد 19)، وجه الناس أصابع الاتهام لتجار الأدوية وملاك الصيدليات باحتكار وإخفاء تلك الأدوية والمستلزمات من الأسواق، للمضاربة بأسعارها. هذا ما بدا للوهلة الأولى على الأقل. لكن معلومات سربها تجار أدوية وموظفون في وزارة الصحة، تفيد أن الحوثيين هم من صادروا هذه المواد الأساسية بالقوة، وأجبروا التجار على تسليمها لهم قبل أن يتم نقلها إلى أماكن مجهولة.
ووصل الأمر، وفق تلك المصادر، إلى مصادرة أجهزة التنفس الصناعي التي تعد أهم وسائل إنقاذ ضحايا فيروس كورونا، مع العلم أن نقص الأجهزة مثّل أهم معضلة أمام المنظومات الصحية في الدول المتقدمة، وأدى تالياً إلى ارتفاع أعداد الوفيات عالمياً.
وفي ظل مصادرة هذه المستلزمات الضرورية من قبل جماعة الحوثي، يبرز السؤال التالي: أين تذهب هذه المعدات الطبية والأدوية المهمة في مواجهة الوباء إذن؟
يرجح مصدر في وزارة الصحة أن أعمال المصادرة وتخزين الأدوية والمعدات الطبية، وخصوصاً أجهزة التنفس الصناعي؛ تأتي ضمن احتياطات القادة الحوثيين لإصابتهم وعائلاتهم بالفيروس، ولتقديم الرعاية الطبية الفائقة لهم، خصوصاً مع التفشي الواسع للوباء في مناطق سيطرتهم، وإصابة ووفاة العديد من المسؤولين والعاملين في عدد من الوزارات مثل الصحة والخارجية؛ إضافة إلى إصابة قادة حوثيين كانوا عائدين من إيران، ويرجح أنهم نقلوا الوباء من هناك.
وأعلن الحوثيون مؤخراً عن وفاة عدد من قياداتهم دون إعلان أسباب الوفيات، وكان آخرهم القيادي عبدالغني حسين المتميز (أبو محمد)، الذي سبقه نائب وزير التخطيط في الحكومة غير المعترف بها ورئيس جامعة صنعاء سابقاً أحمد محمد دغار، والدكتور الطبيب أحمد المؤيد، مدير ومالك مستشفى المؤيد، وسبقهما جميل الكحلاني الذي توفي في مستشفى جبلة في محافظة إب (وسط اليمن).

أجهزة التنفس في مخازن وزارة الصحة

يذكر تاجر معدات طبية لـ”المشاهد” أن مسؤولين في وزارة الصحة التابعة لسلطة الحوثيين، أجبروه على تسليم 4 أجهزة تنفس صناعي لمخازن الوزارة، منتصف مارس الماضي، إلا أنه فوجئ عند زيارته بعد أكثر من شهرين إلى مخازن الوزارة، ضمن التعاون بين شركته والوزارة لتوريد معدات طبية؛ أن الأجهزة الأربعة موجودة في المخزن إلى جوار أجهزة أخرى بعضها تحمل علامات شركات أخرى، وبعضها تحمل ملصقات تفيد أنها مقدمة من جهات دولية بينها منظمة الصحة العالمية، مقدراً عدد الأجهزة التي لاحظ وجودها هناك بما بين 40 و60 جهازاً.
وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت أنها وفرت 154 جهاز تنفس صناعي لليمن؛ ضمن خطتها التي تقضي بتسليم 400 جهاز؛ إلا أنها لم تعلن عن خطتها في توزيع تلك الأجهزة، وأين تم تسليمها، والمرجح أن أغلبها، إن لم يكن كلها، تم تسليمها إلى وزارة الصحة التابعة للحوثيين في صنعاء.
وأفاد عدد من الأطباء في مستشفى الكويت الجامعي الذي خُصص لعزل المصابين بفيروس كورونا، أن المستشفى استقبل خلال الشهر الماضي عشرات من الأجهزة التي تم تركيبها وإعدادها للعمل، إضافة إلى أجهزة أخرى تم استقبالها قبل منحة الصحة العالمية، والتي تم جلبها من مستشفيات حكومية وخاصة منذ مارس الماضي.

اختفاء فيتامين سي من رفوف الصيدليات

وشهدت صيدليات العاصمة صنعاء اختفاء الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية التي تساعد في تعزيز الحماية المناعية، أو تستخدم في البروتوكولات العلاجية المعتمدة في عدد من الدول الموبوءة بالفيروس، وعلى رأس تلك الأدوية فيتامين سي وفيتامين دي والأسبرين والباراسيتامول ومهدئات أخرى.
ويقول أحد تجار الأدوية إنه تلقى اتصالاً من أحد المشرفين الحوثيين يطالبه بتسليم كامل مخزونه من فيتامينات سي ودي، وعندما سأله عن ثمن هذه الأدوية؛ فوجئ بالمشرف يخبره أنه سيتم التفاهم حول ثمنها لاحقاً.
ويتابع التاجر: “بسرعة قمت بالاتصال بالموظفين في المخازن، لإخفاء 80% من الكميات المتوفرة في المخازن قبل وصول الأفراد التابعين لهذا المشرف لاستلامها؛ إلا أني فوجئت بهم يخبرونني أن هؤلاء الأفراد قد وصلوا بالفعل، ولم يتمكنوا من إخفاء سوى كميات بسيطة، وفي اليوم التالي عاود المشرف نفسه الاتصال بي طالباً كميات من أدوية مسكنة ومهدئات ومضادات حيوية من التي تستخدم في علاج نزلات البرد والسعال الجاف والالتهابات الصدرية، لكني هذه المرة استطعت إخفاء جزء كبير منها قبل وصول الأفراد التابعين له لاستلامها”.
ولاحقاً، تواصل التاجر مع المشرف لاستفساره عن مصير تلك الأدوية أو ثمنها؛ إلا أن المشرف أخبره أن هذه الأدوية ستسلم إلى المستشفيات ومراكز العزل من أجل حالات طارئة، دون أن يذكر وباء كورونا، يقول التاجر؛ مضيفاً: “ولعلمي بالتعتيم الذي يحدث حول تفشي الوباء؛ لم أجرؤ على سؤاله إن كانت تلك الحالات مصابة بالفيروس، وقد طلب مني أن يكون جزء من تلك الأدوية مساهمة وتبرعاً مني، وسيتم دفع ثمن الباقي، وبعد جدل ونقاش حول الأمر أرسل لي المشرف مبلغاً تحت الحساب”.
ويتابع: “في اليوم التالي أرسل لي مبلغاً ثمن الأدوية والمستلزمات”.
ولا يكتفي الحوثيون بالتستر على تفشي وباء كورونا في مناطق سيطرتهم؛ بل إن ممارساتهم تشكل أخطاراً مضاعفة على حياة المواطنين، وتسهم في سقوط المزيد من الضحايا نتيجة تردي الأوضاع الصحية.
وعند سؤال التاجر حول احتكار التجار والصيدليات للأدوية؛ أفاد بأن الأمر غير مستبعد، لكن هناك رقابة من مشرفين ومسؤولين حوثيين على حركة الأدوية والمعدات الطبية بشكل دائم ومستمر، ومن النادر أن يجرؤ أي شخص على ذلك إن لم يكن محمياً أو لديه علاقات تجنبه المساءلة، فلا أحد يريد توفير ذريعة لمصادرة أمواله ووقف تجارته.
وقد عادت الكثير من الأدوية إلى الظهور في الصيدليات مجدداً؛ غير أن الأنواع المستوردة وذات الجودة العالية مازالت نادرة أو منعدمة، ويكاد فيتامين دي أن يكون الوحيد من بين تلك الأدوية التي لم تعاود الظهور، أما فيتامين سي فقد عاد بكميات وفيرة؛ إلا أن المتوفر منه من الأنواع رخيصة الثمن وقليلة الجودة، بحسب رأي أحد الصيادلة.
وبالعودة إلى المصدر السابق في وزارة الصحة، فإن مخازن الوزارة استمرت لفترة طويلة تستقبل وبشكل منتظم معونات طبية وصحية من منظمة الصحة العالمية، بمعدل 15 شاحنة أسبوعياً، إضافة إلى معونات من جهات دولية أخرى، غير أن هذه المعونات كانت توضع في مخازن الوزارة، ويتم التصرف بها من طرف مشرفين تابعين لقيادات حوثية عليا.
ويؤكد المصدر أنه وقبل تفشي وباء كورونا؛ كانت المعونات الطبية العينية المختلفة توجه إلى مراكز معالجة جرحى الحرب من الحوثيين، أما المعونات التي وصلت لمواجهة وباء كورونا؛ فلا يعرف كيف يتم التصرف بها.

إقرأ أيضاً  تفوق أطفال اليمن في مسابقات الحساب الذهني

كلفة مرتفعة للعلاج في المشافي الخاصة

مؤخراً، وبعد طول إنكار وتعمية؛ وافقت السلطات الصحية التابعة للحوثيين على السماح للمستشفيات الخاصة باستقبال حالات الإصابة بفيروس كورونا، رغم أنها خصصت مستشفيين حكوميين خاضعين لها لعزل الحالات في بداية الأمر، منكرة تفشي الوباء، قبل أن تضطر إلى الإقرار بوجوده، وإلقاء التهم على منظمة الصحة العالمية بالتسبب في ذلك، وتعمدها الغش في إرسال عينات ومستلزمات إجراء الفحوصات.
غير أن كلفة التعافي من الفيروس في المستشفيات الخاصة باهظة ومكلفة، ولا يمكن لأية عائلة أن تلجأ بأحد أفرادها المصابين إليها للعلاج فيها.
فبحسب مصادر في تلك المستشفيات؛ فإن أية حالة تصل لإسعافها؛ يتم إلزام ذويها بدفع مبلغ مليون ريال مقدماً كضمان لتكاليف العلاج، ويتم رفض استقبال أية حالة بدون دفع هذا المبلغ.
أما المستشفيات الحكومية؛ فباستثناء مستشفيي الكويت وزايد المخصصين لعزل المصابين، لا تستقبل حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وهو الأمر الذي يصعب ويعقد من إسعاف وعلاج المصابين، حيث لا يتوفر لدى غالبية المواطنين القدرة على تحمل تكاليف العلاج في المستشفيات الحكومية.

“دريس” يومي في مساجد صنعاء

وفي غياب الإحصائيات والأرقام الرسمية التي يمكن من خلالها معرفة حجم انتشار الوباء في العاصمة صنعاء؛ فإن شهادات المواطنين حول أعداد الجنازات التي تصل إلى المقابر يومياً، تعطي تصوراً عن حجم التفشي وأعداد الوفيات، حيث تتزايد أعداد الجنازات بشكل يومي، ووصل الأمر إلى عدم قدرة بعض المقابر على استيعاب وفيات جديدة.
ويضاف إلى ذلك المشهد؛ قراءة القرآن على الموتى في الجوامع، وهو ما يُعرف باللهجة المحلية في عدد من المحافظات بـ”الدريس”؛ فبحسب شهادات المواطنين في العاصمة؛ فإن مكبرات الصوت في الجوامع لا تتوقف عن قراءة القرآن والترحم على أرواح الوفيات يومياً.
في مستشفى الكويت تبدو الأمور أكثر سوءاً، وبرغم حالة التعتيم الشديد؛ إلا أن عدداً من الأطباء والعاملين تمكنوا من تسريب معلومات بدون إحصائيات دقيقة.
تقول طبيبة في المستشفى إن هناك أموراً عدة يمكن لأي عامل في المستشفى ملاحظتها، خصوصاً بعد تحويل المستشفى إلى معزل، وهي السرية المشددة وانتشار طواقم أمنية من خارج المستشفى، والتعتيم التام على نتائج الفحوصات الخاصة بفيروس كورونا، ومنع الاقتراب من قسم العناية المركزة إلا لعدد محدود من الأطباء.
وتؤكد الطبيبة زيادة عدد الجثث الخارجة من العناية المركزة، خلال الأسابيع الماضة، وقدوم أفراد مجهولين لنقل هذه الجثث إلى أماكن مجهولة، ولا يتسنى معرفة من يتبعون أو إلى أين يذهبون بالجثث.
وتضيف: “تعودنا على الإجراءات المشددة والسرية في قسم العناية المركزة، منذ عدة سنوات، بسبب الحرب وامتلاء المستشفى بالمصابين من قيادات الحوثيين، وكانت إجراءات إسعافهم ونقل جثثهم إلى الثلاجة تحاط بسرية كبيرة”، غير أنها تعود وتستدرك: “لكن أعداد الحالات التي يتم إدخالها قسم العناية، والجثث التي تخرج من هناك، تزايدت خلال الشهرين الأخيرين”.

ما حقيقة حقنة الموت الرحيم؟

وتناقل مواطنون، خلال الأسابيع الماضية، أخباراً عن حقنة الموت، تقول بأن المصابين بالفيروس يتم قتلهم بطريقة الموت الرحيم، من أجل تخفيف العبء على المستشفيات الحكومية، ومنع انتقال العدوى منهم، وهي الإشاعة التي فضل المواطنون بسببها عدم الذهاب بمرضاهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج، خوفاً منها.
ويؤكد أحد الأطباء أن الأمر بدأ بإشاعة تعمدت السلطات الصحية نفسها بثها من أجل عدم الضغط على المستشفيات في الوقت الذي كانت فيه السلطات تنفي تفشي الوباء، وتؤكد خلو العاصمة منه. وقد نجح الأمر إلى حد كبير، حيث فضل غالبية المرضى مواجهة المرض بأنفسهم، وهو ما أدى إلى ارتفاع حالات الوفاة بشكل كبير، وأسهم في انتقال العدوى منهم إلى مخالطيهم.
لكن هذه الإشاعة خفتت مؤخراً بعد اعتراف وزير الصحة في الحكومة غير المعترف بها، طه المتوكل، بانتشار الوباء، وبعد السماح للمستشفيات الخاصة باستقبال المصابين وعلاجهم.

مقالات مشابهة