المشاهد نت

عام على اتفاق الرياض… ما أسباب تعثر التنفيذ؟ ومن يقف وراءه؟

عدن – محمد علي محروس:

تتصاعد حدة المواجهات العسكرية بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي، في آخر مناطق الاشتباك بينهما في محافظة أبين (جنوبي البلاد)، وفقاً لمؤشرات التفاوض الدائر بين الجانبين في الرياض.
مشاورات تشكيل الحكومة المرتقبة تعمل أيضاً على خفض حدة التوتر العسكري في حال اتفق الجانبان على نقطة ما، ضمن المسار ذاته، وهو مؤشر يثبت مدى انعكاس تأثير القرارات السياسية على المعارك العسكرية في الواقع، وهو ما لم يتمكن اتفاق الرياض منه بعد، على الرغم من مضي عام على توقيعه، وسط ضمانات سعودية بتنفيذه كلياً دون انتقاء.
حكومة جديدة، بـ24 حقيبة، مناصفة بين الجنوب والشمال، 6 منها حُددت للمجلس الانتقالي، جاء هذا القرار للدفع بتنفيذ بنود اتفاق الرياض. وقضى قرار سابق بتعيين محافظ ومدير أمن للعاصمة المؤقتة عدن، تمكن الأول من ممارسة مهامه بامتياز، مع صلاحيات إدارية واسعة. أما مدير الأمن فلم يتمكن من العودة والبدء بممارسة مهامه بعد.
وأبرمت الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي اتفاقاً برعاية سعودية، في الـ5 من نوفمبر 2019، بعد سجال عسكري انتهى بسيطرة المجلس الانتقالي على العاصمة المؤقتة عدن ومحافظات مجاورة، في أغسطس من العام ذاته، لكن الاتفاق لم يرَ النور منذ توقيعه، وسط اتهامات متبادلة وخطوات تصعيدية من الجانبين، إذ أعلن المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية للمحافظات الواقعة تحت سيطرته، في 25 أبريل الماضي، ما دعا السعودية إلى عقد مشاورات مكثفة في يونيو الماضي. وبعد شهر من ذلك التاريخ، أعلنت السعودية، موافقة الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي على آلية قدّمتها لتسريع العمل باتفاق الرياض عبر نقاط تنفيذية، تشمل استمرار وقف إطلاق النار، والتصعيد بين الطرفين، وإعلان المجلس الانتقالي التخلي عن الإدارة الذاتية، وإصدار قرارات تنفيذية في سياق ما ورد في اتفاق الرياض. ورغم ذلك، إلا أن هناك تعثراً حتى اللحظة. وهو ما يثير علامات استفهام حول مآلات الاتفاق بعد عام من توفيعه، وهل سيُنفذ وسط حالة الشد والجذب التي لا تنتهي؟ وما موقف الدولة الضامنة من الوضع الغامض للاتفاق؟

عام على الاتفاق المر

مر عام على إبرام الاتفاق، وبدأ آخر، دون تنفيذ، الأمر الذي يفاقم من معاناة الناس في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، والذين كانوا يتطلعون لواقع مغاير لما كان عليه، قبل أن يصطدم بمستجدات لم تكن في الحسبان.
ولا تخفي نور سريب، رئيس تحرير صحيفة “الوطن توداي” بعدن، أنها كانت متفائلة باتفاق الرياض؛ كونه الحل الوحيد أمام الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، للوصول إلى تسوية تخفف العبء الكبير الذي فُرض على المواطنين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة.

مسار اتفاق الرياض يبدو طويلاً ومعقداً، لأن الذكرى الأولى على توقيعه مرت دون أي إنجازات؛ وهذا ينذر بكارثة طالما الأطراف الموقعة لا تعي حجم المسؤولية التي تقع على عاتقهم.


مسار اتفاق الرياض يبدو طويلاً ومعقداً، لأن الذكرى الأولى على توقيعه مرت دون أي إنجازات؛ وهذا ينذر بكارثة طالما الأطراف الموقعة لا تعي حجم المسؤولية التي تقع على عاتقهم، بحسب نور التي تتوقع الإعلان عن حكومة هشة متصارعة في ما بينها، لا تختلف كثيراً عن الحكومات السابقة التي تقلدت المناصب، والسبب هو تغييب المصلحة العامة، والسعي خلف المكاسب الشخصية، حسب قولها.
“6 سنوات وهذه الحرب تحصد الأرواح، والبنية التحتية، والخدمات، وسط حلول ترقيعية بسيطة، تتغير الحكومات، ويبقى الهم واحداً؛ عجز في صرف المرتبات، وعجز في توفير الخدمات، لهذا فتوقعاتي لا تحمل الكثير من التفاؤل، لكن هذه المشاورات والتحركات التي تحدث ستخفف من احتمالية حدوث اقتتال جديد بين الحلفاء في مناطق الحكومة”. تقول نور.
الناشط السياسي ورئيس حركة رفض الشبابية، أحمد هزاع، يرى، من جهته، أن الاتفاق تعرض للإرباك، وما يجري هو محاولة للالتفاف على ما ورد فيه، بما في ذلك الملحق الذي فُرض بما فيه، وحتى قرار تعيين محافظ عدن كان للترضية، حسب تعبيره.
ويصف محمد الخامري، رئيس تحرير صحيفة “إيلاف”، اتفاق الرياض بالاتفاق الباطل؛ معللاً وصفه، بالقول: “هذا الاتفاق بين طرفين غير متكافئين. فالأول يمثل الحكومة المعترف بها دولياً، وطرف يمثل دولة لها أجندة معينة للاستيلاء على المنافذ والجزر والموانئ اليمنية، وليس بيدهما قرار التنفيذ”.
ويشخص الخامري ما يجري بأنه صراع بين الطرفين على أشياء لا يمتلكونها، وما يفعلونه اليوم من قبيل الحرص للحصول على مناصب، وتجييرها باسم أقاربهم، وليس حرصاً على أن تكون هناك دولة على الأرض، حسب قوله.
ويضيف أن الاتفاق أبرم لشرعنة وجود المجلس الانتقالي، وليس للتنفيذ، وهذه هي نية الإمارات العربية المتحدة من البداية، ولا أتوقع أن يُنفذ، وهو ما تتحمل وزره السعودية والإمارات على حد سواء؛ كونهما تسعيان إلى شرذمة اليمن بين كيانات تتصارع على المناصب، معبّراً عن خشيته من ضياع الأجندة الوطنية في متاهة صراع المناصب والمكاسب، الذي وصفه بأنه يؤسس لمرحلة صدامات غير محمودة العواقب في البلاد.

إقرأ أيضاً  شراء الملابس المستعملة للاحتفال بالعيد

عواقب غير محمودة

على الرغم من الوعود السعودية بضمان تنفيذ سلس للشق السياسي من الاتفاق، يواكبه الشق العسكري في مرحلة أخرى، إلا أن المخاوف من وجه آخر لمرحلة جديدة من الصراع البيني، مازالت سيدة الموقف.
ويقول الدكتور علي الذهب، الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، في حديث لـ”المشاهد”، إن المجلس الانتقالي يسعى من مرحلة إلى أخرى للوصول إلى مرحلة توازن بينه وبين الحكومة اليمنية، على المستويين العسكري والسياسي، مضيفاً: “يملك المجلس الانتقالي قوة على عسكرية وأمنية ومخابراتية على الأرض، لكنها لا تستطيع تحقيق إرادته السياسية، لأن إرادته السياسية ضعيفة، وتنفيذ الشق السياسي يضمن بقاءه العسكري على الأرض، ويعزز موقفه السياسي بدخوله في تشكيلة الحكومة، وفي الوقت ذاته تمكينه من الدخول في المفاوضات النهائية مع الحوثيين وفقاً لاتفاق الرياض، ولا يستبعد فك الارتباط، أو القبول بإقليمين في أضيق الحدود”. وهو ما يراه الذهب سبباً لإصرار المجلس الانتقالي على تنفيذ الشق السياسي أولاً.
وبنظرة مستقبلية لا يخفي الذهب مخاوفه من تكرار سيناريو 1994، في حال نُفذ الشق السياسي دوناً عن العسكري، إضافة لفتح المجال أمام تحرك حوثي يسعى لإعادة السيطرة على مناطق عدة، من بينها الساحل الغربي، الذي يمثل أهمية استراتيجية بالنسبة للمعركة العسكرية في البلاد.

من يتحمل مسؤلية التباطؤ في تنفيذ الاتفاق؟

يتحمل الجانبان مسؤولية عرقلة تنفيذ بنود الاتفاق المحددة، وبذات النسق يتحمل التحالف العربي المسؤولية، لأنه عمل على تشكيل المجلس الانتقالي وسط تعارضات سياسية وجيوسياسية بين طرفيه، وهذا يعد خرقاً لكافة المواثيق الدولية، وكل الآليات الإقليمية والوطنية التي تخول الحكومة اليمنية العمل وفق أطر محددة لضمان وحدة التراب الوطني في كل الظروف، وفق ما يقول الدكتور الذهب، متوقعاً أن يُنفذ الشق السياسي من الاتفاق، وجزء من الشق العسكري بضمانة سعودية، لكنه لا يتوقع أن يستمر هذا الانسجام بين الجانبين؛ لأن كل طرف يبيت للآخر موقفاً ما، في ظل المجريات الراهنة.
ويحمّل هزاع الحكومة اليمنية مسؤولية تماهيها وتساهلها مع الموقف من البداية، وهي تائهة بفعل التراخي الحاصل من قبل بعض المسؤولين، وسط خضوع تام لإملاءات التحالف، وتنفيذ ما يريده، بعيداً عن المصلحة الوطنية، وهو ما لا تحمد عقباه على المدى القريب، بالنظر إلى المستجدات على الأرض، وفق تعبيره.

مقالات مشابهة