المشاهد نت

العنف ضد النساء ينتقل إلى الفضاء الإلكتروني

نيويورك وردة العواضي :

تتعرض المرأة لجميع أنواع العنف، سواء من قبل الأسرة (الأب، الأخ، الزوج)، أو من قبل المجتمع. ومع دخولنا عصر السوشيال ميديا، والتي كان يُعتقد أن تكون المكان الذي تجد فيه المرأة متنفساً لها، تعبر عن رأيها، ويكون لها صوت مسموع، لكن سرعان ما تلاشى هذا الحلم، وتحول إلى كابوس يومي يطاردها عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. فنفس المجتمع الذي يحمل ثقافة كراهية تجاه النساء، ويمارس العنف ضدهن، ويحاول تقييد حريتهن، انتقل معهن إلى هذه المساحة الافتراضية بشكل واسع وكبير، وبدون جدران أو حدود.

مجتمع “فيسبوك”

يتكون مجتمع “فيسبوك” من مختلف الفئات العمرية، والجنسية، والتخصصات العلمية، وما يشتركون به هو الأعراف والتقاليد الاجتماعية والقبلية التي لا تنصف النساء. ولذلك لا تستطيع كثير من الفتيات الظهور بهوياتهن الحقيقية، أو وضع صورهن الشخصية، خوفاً من المجتمع والأهل.
تنشئ بعض الفتيات حسابات بأسماء وصور مستعارة، ليتجنبن المشاكل التي قد يتعرضن لها إذا ما كشفن عن هوياتهن، وأحياناً بأسماء حقيقية، لكن بصور مستعارة، لأن ظهور صورهن الشخصية للعامة يعتبر أمراً مخالفاً للعادات الاجتماعية والقبلية والموروث الديني. وما يجدر الإشارة إليه، أن استخدام الأسماء المستعارة والصور المستعارة لفتيات، يأتي أيضاً من قبل شباب، لأسباب عدة: سياسة، تطفل، تحرش، تشهير، وغيرها من الجرائم الإلكترونية.
هذه المنصات فتحت أيضاً مساحةً من الانقسامات الفكرية، السياسية، الحزبية، العرقية والدينية، بشكل أوسع. وأصبحت ساحة للجدل غير المنتهي من قبل الأطراف المختلفة، ويكفي أن تكون امرأة في هذا الفضاء لتصبح هدفاً يسعى للنيل منه الجميع.

المرأة هدف

تمثل المرأة اليمنية المجتمع كله، وعليها الالتزام بكل قيوده التي انتقلت معها من الواقع إلى الفضاء الافتراضي. الثقافة الذكورية التي يشترك بها رجال ونساء، هي من أهم أسباب ممارسة هذا العنف الذي يرتكز في سلب هوية النساء، صوتهن، وجودهن وكيانهن.

وعندما تكون المرأة ناشطة حقوقية نسوية أو سياسية، ترتفع نسبة العنف لقمعها وإسكات صوتها، وأيضاً لترهيب الأخريات حتى لا يتجرأن في الدخول لهذا النشاط المدني الحقوقي. حيث تجتمع ضدها كل الشرائح الاجتماعية المختلفة، وتنظم حملات للتشهير، وتشويه سمعتها، والإساءة بكل الطرق، فليس هنالك مناصرون كٌثر لتكون معركة متكافئة في بعض الأحيان.
تقول أروى في تعليق كتبته على “فيسبوك”: إن عدم توفير الحماية من قبل الأهل لبناتهم، والوقوف بجانبهن إذا ما تعرضن للتشهير، يضعف من موقف المرأة في مواجهة عنف مماثل، فهي تقاتل وحدها بلا قانون، أسرة، أو مجتمع ينصفها.

فتوى الحميقاني

غالباً ما يُستغل الدين لشرعنة حرمان المرأة من أي حقوق، وهذا كفيل بأن يعزز شعور المجتمع بأن هذا هو الصواب، ودونه تعدٍّ على الدين ومقدساته، ومن خلال ذلك تم تكفير أية امرأة تظهر بدون حجاب أو عباءة سوداء، وأصبحن صيداً سهلاً للذكوريين.
في بداية العام 2018، أطلق شيخ سلفي معروف وله أتباعه، فتوى عُرفت بـ”فتوى الحميقاني”، متضمنة خطاب كراهية ضد المرأة، ويحتقرها، حيث قال: “عجائز النساء ومثلهن دميمات الخلقة لا يلزمهن من أحكام الحجاب ما يلزم بقية النساء”.
ردت عدد من الناشطات والحقوقيات على هذه الفتوى عبر صفحاتهن، منهن الإعلامية والناشطة الحقوقية هند الإرياني، حيث كتبت على صفحتها في “فيسبوك”: “أقول له أنا دميمة وأفتخر، وأتمنى أن يتابع خطبي للجمعة، فهي أكثر فائدة، وتتحدث عن هموم الناس، وليس عن شعيرات الرأس”. مرفقة صورة لها وهي ترتدي فستاناً أحمر وكاشفة الشعر.
الناشطة الحقوقية ماجدة الحداد، نشرت أيضاً عبر صفحتها في “فيسبوك”، صورة لها كاشفة شعرها مع صديقتها الناشطة د. أروى أحمد، وقالت إن هذه الفتوى كانت تستهدفها هي وصديقتها أروى.
اشتعل “فيسبوك” بتعليقات بين مؤيد ومعارض، حول الصور التي نشرتها الناشطات، وامتدت المعركة التي تضمنت سيلاً من التعليقات، بين الإهانة والتجريح، وبين الدفاع.

إقرأ أيضاً  الأسر المنتجة تسعد الفقراء في العيد
العنف ضد النساء ينتقل إلى الفضاء الإلكتروني
ماجدة الحداد


في العام نفسه، نشرت إحدى الناشطات صوراً لها وهي بشعرها وبفستان، في دولة أجنبية، ما استفز متابعي “فيسبوك”، وقاموا بحملات تحريضية ضدها، قالوا فيها إنها تسيء لسمعة اليمن وشرفه، ولا يجب تركها وشأنها، وأنها ستشجع الأخريات على التشبه بها وتقليدها. فالمرأة اليمنية تُحمّل ثقل مسؤولية سمعة 26 مليون يمني تقريباً، تُبنى حملات التشهير هذه على الفضاء الإلكتروني، ولكنها تُشعر المرء منا بعدم الأمان، وتشجع الناس على النيل من النساء. كل هذا من شأنه إضعاف المرأة الناشطة، وتقويض نشاطاتها، ويمكن أن يعرضها للخطر، بالإضافة إلى أنه يعد نوعاً من أنواع ترهيب بقية الفتيات اللائي يتطلعن إلى ممارسة حريتهن، والتعبير عن أنفسهن، والمطالبة بحقوقهن كاملة دون تجزئة.

مستهدفات بسبب الجنس

في عامنا الحالي 2020، تستمر الحملات التحريضية والتشويه ضد ناشطات “فيسبوك”، بصورة أكثر شراسة من قبل، بل بشكل ممنهج. تم إنشاء مجموعة على “فيسبوك” سميت “الشباب المسلم لحماية المجتمع والأسرة من خطر النسويات”، القائمون على المجموعة استعرضوا عدداً من الصور لناشطات يمنيات في المهجر، كنت بينهن، مرفقين منشورات حملت هاشتاغ “حمّالات الحطب”.
وهنالك من دعا لضرب النساء بالكفوف، ومنعهن من التعليم، الخروج، استخدام الموبايلات، وإنشاء حسابات على “فيبسوك”.
ومن الملاحظ أن الأشخاص المحرضين على العنف ضد المرأة، يلاقون عدداً كبيراً من المتابعين والمشجعين، فهي طريقة سهلة للحصول على الشهرة على صفحات التواصل الاجتماعي.
واقترح متابعو أحد ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي، الذي اشتهر بالإساءة للناشطات، عمل معرض صور للناشطات النسويات والحقوقيات، بهدف تشويه سمعتهن بين أوساط المجتمع، وبدأوا بالفعل بنشر عدد من الصور لمجموعة من الناشطات، عبر صفحاتهم، وأطلقوا ضدهن حملات تشهير مسعورة.
تقول القاضية د. آمال الدبعي، إن هناك قوانين قد تكون رادعة في “فيسبوك”، لكن معظم النساء يخفن من التشهير ومن المجتمع والسمعة، فيخترن الصمت، وهذا ما يشجع الطرف الآخر على الاستمرار في الإساءة والتشهير.
الفضاء الإلكتروني مكان خصب لكل من يريد أن ينتقم من فتاة أو امرأة. تقول انتصار الصبرين (ناشطة اجتماعية) إن هذا العنف يعتبر جريمة، وله تأثير على سلامة المرأة النفسية، الجسدية والاجتماعية. تتحدث انتصار عن تجربة شخصية أيضاً، فقد تعرضت سابقاً لحملة قام بها مجهولون بأسماء مستعارة، بغرض الإساءة لشخصها ولكيانها المجتمعي، وقاموا باتهامها بالنصب والاحتيال، وعانت من هذا التشهير والإساءة نفسياً.
ناشطة يمنية أخرى تدعى فاديا القباطي، تتعرض حالياً للابتزاز والتشهير من قبل زوجها السابق، والذي يحاول نشر صور مركبة مفبركة بأوضاع غير لائقة مع شباب للتشهير بها في “فيسبوك”، للانتقام منها.
ومازال هذا العنف ضد المرأة مستمراً، ولكي ينتهي لا بد من أن تتغير مفاهيم المجتمع العامة وسلوكه.

  • هذه المادة خاصة بشبكة أصوات السلام النسوية، بالشراكة مع تحالف مجموعة التسعة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، ضمن حملة 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة
مقالات مشابهة