المشاهد نت

بعد 3 أعوام…. هل زادت تعقيدات المشهد اليمني بعد مقتل صالح؟

صنعاء – وفاء غالب :

طويت صفحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، في الـ4 من ديسمبر 2017، عقب نشر جماعة الحوثي فيديو تأكيداً على مقتله.
وأدى مقتل الرجل إلى بروز كثير من المخاوف على مستقبل اليمن، بخاصة في ظل توقعات بهيمنة جماعة الحوثي على المشهد في الشمال، واستفرادها به، بعد أن قامت بقمع مختلف القوى السياسية والمناوئين لها.
ومنذ 2017 وحتى اليوم، بات حزب المؤتمر الشعبي العام مقسماً بين صالح والحوثيين والرئيس الحالي للبلاد عبد ربه منصور هادي. ولم يعد يُشكل قوة كبيرة كما كان سابقاً، كما أن السلطة تآكلت، خصوصاً في الجنوب، بسبب ما يبدو أنه تغير في خطط التحالف العربي.
ونفذت جماعة الحوثي، في سبتمبر 2014، انقلاباً على الدولة، وبدعم من حليفها صالح، واستقوت أكثر، وحاول الرئيس صالح أن يُحكم السيطرة على خيوط اللعبة، لكنها مع مرور الوقت انفلتت من يديه.

توسيع الفجوة بين صالح والقوى السياسية الأخرى، أبرزها حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي كان بمثابة الدينامو إلى جانب الشباب من مختلف المكونات السياسية والمجتمعية لثورة 11 فبراير، التي خرجت مطالبة بالتغيير ورفض توريث الحكم .


حين قرر صالح، أواخر 2017، العودة إلى الوراء، وقلب الطاولة على الحوثيين، لم تلقَ دعوته لقتال الجماعة حينها آذاناً صاغية، لعدم ثقة الكثيرين من مشائخ القبائل وبعض أنصاره في الحزب، بعد أن تركهم عرضة لبطش الحوثيين منذ تحالفه معهم. فكانت النهاية بمقتله.

خصومة الحلفاء

ومثلت ثورة 11 فبراير 2011، أملاً بحدوث تغيير جذري يحقق طموحات الشباب، لكن ما حدث أن أحلامهم كان تبعد عنهم أكثر وأكثر، بسبب عدم استجابة صالح لمطالبهم.
أدى ذلك إلى توسيع الفجوة بين صالح والقوى السياسية الأخرى، أبرزها حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي كان بمثابة الدينامو إلى جانب الشباب من مختلف المكونات السياسية والمجتمعية لثورة 11 فبراير، التي خرجت مطالبة بالتغيير ورفض توريث الحكم، ولم يستطع أحد حتى الآن لملمة ما بقي من قوى لمواجهة الحوثي.
وتزايدت الفجوة أكثر بين صالح ومؤيدي ثورة 2011، بعد المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة الوفاق نهاية العام 2011، إذ تحالف صالح مع جماعة الحوثي التي سبق أن خاض ضدها 6 حروب يدور حولها الكثير من الجدل حتى اليوم، بسبب نتائجها غير الواضحة.
ويقول المحلل السياسي ياسين التميمي، إن المشهد اليمني لم يزدد تعقيداً بعد مقتل صالح، فقد كان جزءاً من انقلاب 2014 الذي نفذه الحوثيون، ومقتله كان تصفية حسابات بينهما.
وذكر التميمي لـ”المشاهد” أن صالح كان يمارس الانتقام السياسي ضد خصومه وحتى الشعب، ولهذا استخدم كل أدواته، بما في ذلك الحوثيين، برغم علمه أن لهم مشروعاً مستقلاً، مؤكداً أنه كان يشعر بخطورة تلك الجماعة، لكنه كان يعتقد أن أهدافه السياسية كان يمكن أن تتحقق من خلال تمكين الحوثيين واستجلابهم إلى صنعاء، واستخدامهم كـ”مخلب قذر”، ليس من أجل اليمن ومستقبله، بل للإسراع في تحقيق أهدافه ومستقبله السياسي، والثأر لكرامته السياسية التي يعتقد أنها أهدرت، مع أنها لم تهدر، لأن الشعب حين طالب بالتغيير كان هناك مبررات موضوعية تستدعي أن يتعامل بمسؤولية معها، فضلاً عن عدم تعامله مع المزايا التي مُنحت له.
ووفقاً للتميمي، كان يرغب صالح بالقضاء على الحوثيين، لكن ما سمي “انتفاضة ديسمبر” لم تكن قراره، وإنما ضاقت حوله الدائرة، فكان مضطراً لإنهاء حياته كبطل في مواجهة الحوثيين، وفي تقدير المحلل السياسي اليمني أنه أساء حساباته، واستطاع الحوثيون أن يحيطوا به قبل أن يحيط بهم، وجاءت أحداث أواخر 2017 باهتة، وفقد السيطرة على أدواته وأنصاره، كما أنه لم يحسن اختيار التوقيت المناسب، فقد كان ربما يمكن أن يسمح بإنجاح التحول العسكري والأمني ضد الحوثيين، متوقعاً أن يكون صالح تلقى إشارات بشأن ذلك من الرياض وأبوظبي على وجه التحديد.

إعلامي في حزل المؤتمر :هناك “الكثير من التعقيدات التي حدثت في المشهد اليمني بعد مقتل صالح، فقد كان وفي أقل فاعلية له شوكة ميزان سياسي بين مختلف المكونات السياسية في الداخل، وشخصية أكثر قبولاً وقدرة في قيادة الملف السياسي مع الخارج، غير أنه كان صاحب الشعبية الأولى كما ظهرت في عدة مناسبات


ويعارض وجهة النظر تلك، مصدر إعلامي في حزب المؤتمر الشعبي العام (فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية)، فهو يعتقد أن هناك “الكثير من التعقيدات التي حدثت في المشهد اليمني بعد مقتل صالح، فقد كان وفي أقل فاعلية له شوكة ميزان سياسي بين مختلف المكونات السياسية في الداخل، وشخصية أكثر قبولاً وقدرة في قيادة الملف السياسي مع الخارج، غير أنه كان صاحب الشعبية الأولى كما ظهرت في عدة مناسبات، آخرها مهرجان ذكرى تأسيس المؤتمر في أغسطس 2017، أي قبل استشهاده بنحو 3 أشهر”.
واستشهد المصدر على ذلك بقوله: “هناك أمثلة بسيطة عميقة التأثير على الوضع السياسي، أحدها الانشقاق الفعلي للبرلمان، محل اعتراف كل مرجعيات ومبادرات الحل السياسي، وكذا إضعاف حزبه المؤتمر الشعبي، ما يضعف الحياة السياسية اليمنية بشكل كبير حالياً، وفي المدى المنظور، كونه الحزب الليبرالي الجماهيري الوحيد بين مكونات سياسية أخرى تمتلك قواعد شعبية مؤثرة كالإصلاح والحوثيين والسلفيين والصوفيين، وجميعها قوى ذات طابع ديني يصعب عليها التفاعل الطبيعي في علاقات ديمقراطية في ما بينها.

إقرأ أيضاً  اللحوح... سيدة مائدة الإفطار الرمضانية

الانتقام من قوى ثورة 2011

وفي ظل الاتهامات التي توجه للرئيس السابق بشأن تدميره البلاد بتحالفه مع الحوثيين، لا يعتقد المصدر في حزب المؤتمر أن صالح تعمد وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، على الأقل لأنه المسهم الأكبر بالنظر إلى الفترة الزمنية لحكمه في بناء يمن ما بعد الجمهورية، مضيفاً: “من الخطأ اختزال صراعه مع الحوثيين في بضعة أيام، فهذا الصراع يمتد إلى 1986، عندما ظهرت ممارسات متطرفة في الوسط المحسوب مذهبياً على الزيدية، ثم حروب ما بين 2004 و2010”.
وبرر المصدر سبب تحالف صالح بعد التمدد الحوثي ودخول صنعاء، بأن الرئيس السابق كان أمام وضع سياسي معقد ومعركة متعددة الجبهات، يقابلها ضعف في أداء سلطة هادي، فضلاً عن توجه فج من الحوثيين في الخلط بين حركتهم وبين الدولة، فتحالف معهم للثأر السياسي من خصومه من جانب، ولاحتواء وترشيد التحركات الحوثية للحفاظ على ما يمكن من مفاهيم ومؤسسات دولة يعتقد أنه بانيها الأبرز.
وتوقع أن صالح كان يستطيع العمل مع هادي، وهذا ما حصل في البداية، إلا أن الأخير كان شديد الارتباك في تحديد مساره السياسي والموازنة بين الأوراق الرابحة أو على الأقل الإمساك بإحداها، حتى على المستوى العسكري لم يتمكن من بناء لواءين أو ثلاثة لحمايته الشخصية، أو الانتقال المؤقت في الوقت المناسب إلى العاصمة عدن أو أية مدينة أقل خطراً على حكمه من صنعاء، بحسب المصدر.
وبشأن تصفية الحوثيين له، قال إنها كانت واردة، خصوصاً أنها عندما تتعلق بشخصية يمنية وعربية بحجم صالح، فإنها لن تكون قراراً محلياً فقط.
وزاد قائلاً: “كان الجانبان، صالح والحوثي وأنصارهما، مدركين حتمية الصدام، إلا أن رهانات صالح في الاعتماد على شعبيته وتحديد ساعة الصفر، والاتجاه نحو الحفاظ على مسار سياسي لتصفية الحوثيين، أربكه تدخل التحالف العربي، وسبق الحوثيين في تحديد المعركة في حلبتها العسكرية محل تفوقهم المطلق، لا الحلبة السياسية التي كان يريدها صالح”.

نقطة تحول لم تكتمل

حول جدية صالح بالتحرك ضد الحوثيين قبل مقتله، يرى التميمي أن تحركاته في صنعاء كانت بداية تحول في موقفه السياسي، الذي كان يمكن أن يسهم في تغيير الأوضاع باتجاه زحزحة الحوثيين، وكان ذلك سيوفر -من وجهة نظره- فرصة للتحالف في إيجاد بديل والتخلص من الشركاء الحاليين، وما حدث هو أن التحالف ربما يتباطأ ومرد ذلك -كما يفيد- إلى أنه مازال يبحث عن بديل، مستطرداً: “وقد قام بالفعل بإعادة تجميع بقايا صالح السياسية والعسكرية من أجل الدفع بهم ليكونوا بديلاً في حال إذا ما تطورت المعارك باتجاه صنعاء، وتم إقصاء الحوثيين من المشهد السياسي، لكن هذا مايزال مستبعداً، فما نراه الآن هو المزيد من تمكين الحوثيين، وخيارات القضاء على الانقلاب تراجعت بالنسبة للتحالف”.
ويعتقد أن الحوثيين اختاروا استفزاز السعودية، من أجل أن تكون لهم مبرراً للسيطرة على الجيش، وإقحام الشعب اليمني في حرب ضد القوى الخارجية، وهذا يعني أن مشروعهم مستقل عن صالح الذي ظل بالنسبة لهم خصماً قديماً وحليفاً تكتيكياً، وكانوا يدبرون المكيدة له، فهم لا يرغبون بالمضي معه إلى نهاية المطاف، مؤكداً أن الخلاص منه كان أحد مخططات الجماعة وقراراً مؤجلاً، وتحركات الرئيس السابق هي التي دفعتها للاستعجال بالخلاص منه، وتوفرت لها كل الإمكانيات لتحقيقه في الوقت المناسب، فيما افتقد صالح كل الظروف والأدوات والإمكانيات التي كان يفترض أن تسمح له بفرصة ضرب الحوثيين في مقتل، والخلاص منهم.

الحاجة لاتحاد شامل وإمكانيته

ومع تدهور الأوضاع المختلفة في اليمن منذ انقلاب 2014 وحتى اليوم، وضعف السلطة اليمنية التي تحارب ضد الحوثيين شمالاً، وما يعرف بالمجلس الانتقالي جنوباً، فاليمن كما يرى الصحفي محمد السامعي، بحاجة إلى اتحاد شامل من مختلف المكونات السياسية، بما في ذلك أنصار الراحل صالح، ضد انقلاب الحوثيين الذي كان سبباً رئيساً لما وصلت إليه البلاد من دمار ومأساة.
وبشأن رأيه حول إمكانية حدوث ذلك، أفاد لـ”المشاهد” أن لا مؤشرات حقيقية تنبئ عن تحقيق هذا التوحد في الموقف ضد الحوثيين؛ نظراً لحالة التشتت التي تطغى على المكونات المؤيدة للسلطة، بسبب تعدد المصالح والأهداف، إضافة إلى وجود خلافات متواصلة وتأثيرات العامل الخارجي على قرارها.
بالنسبة لأنصار صالح، يذكر السامعي أن هناك من استطاعوا الانشقاق عن الحوثيين والانضمام للسلطة، وثمة من قاموا بموقف معاكس، ولذلك فلا مؤشر حقيقي لاتحادهم في موقف واحد ضد الجماعة، فحتى من هم مستمرون بالتحالف مع الحوثيين بصنعاء، سيواصلون ذلك لأسباب أمنية ومصالح اقتصادية، كون الكثير منهم يملكون عقارات وأموالاً في العاصمة، ويخشون مصادرتها في حال قرروا الرحيل عن تأييد الحوثي.
يُذكر أن طارق ابن شقيق الرئيس السابق صالح، يقود حالياً القوات المشتركة المدعومة إماراتياً، وهي تقاتل في الساحل الغربي، لكنها لا تعترف بالسلطة اليمنية.
وولد صالح في 21 مارس 1942، وبدأ نشاطه السياسي منذ وقت مبكر، ثم حكم اليمن منذ عام 1978 حتى 27 فبراير 2012، وهو كذلك من أسس حزب المؤتمر الشعبي العام في 1982.

مقالات مشابهة