المشاهد نت

إدارة الشؤون الإنسانية بصنعاء.. مجلس الضرار

صنعاء – زين أحمد

في محاولة منها للسيطرة على المنظمات المحلية والدولية، تمكنت سلطات الأمر الواقع (الحوثيون) في صنعاء، من إحكام قبضتها على جميع المنظمات التي تعمل في نطاق سيطرتها من خلال جهاز إداري تم إنشاؤه لهذا الغرض.
بعد سيطرتها على صنعاء، حاولت جماعة أنصار الله (الحوثيين) السيطرة على عمل المنظمات وتوجيهها لصالح الجماعة، إلا أنها لم تتمكن نظرًا لعدم توفر أي مبرر قانوني أو سبب يسمح لهم بذلك، إذ كانت ترتبط المنظمات المحلية مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل باعتبارها الجهة المخولة قانونًا ودستورًا للإشراف على وتنظيم عمل المنظمات المحلية، فيما كانت تشرف على المنظمات الدولية وزارة التخطيط والتعاون الدولي، ووزارة الخارجية، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية.
حاول الحوثيون في البدء التدخل في عمل المنظمات من خلال الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، ولما رأوا أن الأمر مستهجن، عمدت إلى تأسيس مكون جديد، يكون كافة عناصره من أنصارهم، ليضعوا من خلاله أيديهم على المنظمات المحلية والدولية.
في 25 نوفمبر 2017، صدر قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد، رقم 87، الذي قضى بإنشاء “الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث”، كجهاز يتبع الحكومة، مهمته إدارة العمل الإنساني ومواجهة الكوارث.
ورغم العيوب الدستورية والقانونية، التي شابت قرار الإنشاء، بحسب تعليق مصدر مسؤول في وزارة الشؤون القانونية، للكاتب، إلا أن طريقة سلق القرار يمكن ملاحظتها ببساطة شديدة، حيث يلاحظ المدقق الحصيف أنهم نسخوا هذا القرار من قرار آخر يخص إنشاء مستشفى، حيث ورد في الفقرة 11 من المادة 14، ما نصه: “اقتراح برامج التأهيل والتدريب لموظفي الهيئة وتقدير احتياج المستشفى… الخ”، وهذا دليل كافٍ على أن القرار كان مستعجلًا، ولم يمر عبر القنوات الرسمية، كونه لا يراعي تحقيق المصلحة العامة.
عقب إصدار هذا القرار، تم تعيين القاسم عباس لرئاسة الهيئة، الذي حاول في بادئ الأمر أن يحقق شيئًا، إلا أن التجاوب من المنظمات الدولية والمحلية لم يكن بالمستوى المطلوب، إذ ظلت المنظمات الدولية توقع اتفاقيات التمويل/ التعاون مع قطاع التعاون الدولي في وزارة التخطيط، فيما المنظمات المحلية لاتزال مرتبطة بوزارة الشؤون الاجتماعية.
ولأن الجماعة لم تستطع فرض سيطرتها الكاملة، فقد فكرت عن كيفية جلب المنظمات صاغرة إلى الهيئة التابعة لها، لذلك قررت أن يتم تغيير وكيل وزارة التخطيط لقطاع التعاون الدولي (عمر عبدالعزيز عبدالغني) بأحد الموالين. وهو ما تم بالفعل، حيث أصدر رئيس المجلس السايس الأعلى قرارًا رقم 32 بتعيين القاسم عباس وكيلًا لقطاع التعاون الدولي بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، إضافة إلى عمله رئيسًا للهيئة الوطنية، بدرجته، لأن درجته كرئيس للهيئة هي درجة “وزير”!
بهذا القرار تمكنت الجماعة من السيطرة الكاملة على المنظمات الدولية والمانحين، إذ كان يجبرها الوكيل الجديد لقطاع التعاون الدولي بوزارة التخطيط، على أن توقع الاتفاقيات أولًا مع الهيئة الوطنية التي يرأسها هو.
بالرغم من ذلك، رأوا أن قرار الإنشاء بحاجة إلى تطوير وفرض المزيد من القيود ومنح المزيد من السيطرة والصلاحيات، إذ أصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى قرارًا جديدًا يحمل رقم 178 لسنة 2018، والذي قضى بإعادة تنظيم الهيئة. أبرز ما جاء فيه إلحاقها مباشرة برئيس الدولة، واستحدث القرار مجلس إدارة للهيئة مكونًا من 12 وزيرًا، وجهاز الأمن القومي، يرأسه مدير مكتب رئاسة الجمهورية.
بهذا القرار صار أحمد حامد، مدير مكتب رئاسة الجمهورية، رئيسًا لمجلس الإدارة، فيما يشغل القاسم عباس رئيس الهيئة ووكيلًا لقطاع التعاون الدولي في وزارة التخطيط، في سابقة قانونية لم تحدث من قبل.
لم يقف سيل القرارات التي حظيت بها هذه الهيئة، ولم تحظَ بها أية هيئة أخرى عند هذا الحد، بل جرى تغيير جديد. التغيير هذه المرة قضى بتعيين رئيس جديد للهيئة، حيث تم نقل القاسم عباس إلى رئاسة جامعة صنعاء.
في 5 مايو 2019، صدر قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى بتعيين عبدالعزيز عيضة حسن الرمام رئيسًا للهيئة، إلا أن هذا الأخير لم يستلم عمله، دون الإعلان عن أسباب ذلك، قد يكون منها أهمية الموقع، وحاجة الجماعة إلى شخص موثوق يدير أعمال هذه الجهة.
بعد شهرين من ذلك، وتحديدًا في 6 يوليو 2019، صدر قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى رقم 133، الذي قضى بتعيين عبدالمحسن الطاووس رئيسًا للهيئة. والطاووس هو مشرف الجماعة السابق في محافظة ذمار، ورئيس دائرة الخدمات في رئاسة الجمهورية.
لاقى قرار تعيين الطاووس الذي يعد من تيار الصقور في الجماعة، استياء واسعًا، نظرًا لما يعرف عنه من قساوة وغلظة الطباع والغرور المصحوب بالكبر والغطرسة، وتعامله الفظ مع الجميع، بمن فيهم أنصار جماعته، وعدم مراعاته قواعد التعامل الدبلوماسي أو الأخلاقي مع الآخرين.
ومنذ وصول الطاووس إلى رئاسة الهيئة أضحت تمارس أدوارًا أكبر من دور حكومة الإنقاذ الوطني التي يرأسها عبدالعزيز بن حبتور.
خلال فترة وجيزة، جلب الطاووس إلى الهيئة كادرًا جديدًا مواليًا له، واستغنى عن الكادر السابق الذي عمل مع القاسم عباس.. حتى إن الطاووس أمر بعدم التعامل مع وكيل الهيئة عبدالفتاح عردوم، بل وجه سكرتاريته بتعليق هذا الأمر على لوحات الإعلانات وفي جدران المكاتب داخل الهيئة. وبسبب هذا الأسلوب الإداري أصيب عردوم بجلطة غادر على إثرها موقعه هذا. وبذلك يكون الطاووس قد استطاع أن يتخلص من المحسوبين على القاسم عباس، وعين في كل مفاصل الهيئة أشخاصًا تابعين له، بحسب ما نقله أحد الموظفين لمحرر هذه المادة.
خلال ذلك، شهدت علاقة الهيئة، مع المنظمات الدولية والمحلية، توترًا كبيرًا في كثير من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وخلال هذه الفترة، ارتفعت وتيرة الضغط على ومضايقة المنظمات، حيث يتم توقيف أي نشاط أو مشروع تنفذه أية منظمة سواء كانت محلية أو دولية، ولا يمر أي مشروع إلا بدفع إتاوات تحت مسمى “تسهيلات”، بل فرض موظفين وعاملين مع المنظمات من قبل الهيئة وفروعها.
السمعة السيئة هذه لا تقتصر على فرع من فروع الهيئة ولا على المركز الرئيسي، كما أن السمعة السيئة عند المواطنين أيضًا واضحة، ودائمًا ما تسمع في مناطق سيطرة الحوثيين الأصوات المستاءة من طبيعة عمل الهيئة، سواءً من المواطنين أو من السلطات، والمتابع أيضًا يدرك حجم الفجوة التي أحدثتها هذه الهيئة “الضرار”، حتى مع الحكومة بمختلف وزرائها.
ولأن فريق الصقور هو المسيطر والمتحكم في كل مفاصل الدولة صنعاء وفي قرارات الجماعة، حيث بإمكانه عمل أي تغييرات لا تتجاوز فترة نقاشها جلسة قات واحدة، فقد ابتكر هذا الفريق تعديلًا جديدًا في هذا المكون، أعطى له المزيد من التغول في أعمال وصلاحيات كثير من مؤسسات الدولة، حتى أصبح رديفًا للحكومة، وموازيًا للمجلس السياسي الأعلى.
هذه المرة كان التغيير عميقًا، إذ صدر قرار رئيس المجلس الأعلى مهدي المشاط، رقم 201 بتاريخ 6 نوفمبر 2019، قضى بإنشاء مكون جديد يحل محل الهيئة، تحت اسم “المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي”، ليعطل بذلك أهم قطاع في وزارة التخطيط، وهو قطاع التعاون الدولي، الذي ألحقه بالمجلس.
وحتى يقطع الطريق على تبرم المانحين والمنظمات الدولية، ويفرض عليهم الأمر الواقع بالتعامل المباشر معهم تخطيطًا وتمويلًا وتنفيذًا.
كما يقطع الطريق أمام أعضاء حكومة ما تسمى “الإنقاذ الوطني” المتذمرين من هذا المكون، والذي أضاف بعضهم إلى هيئة إدارة المجلس الذي يرأسه مدير مكتب الرئاسة، أحمد حامد، كما أجرى تغييرًا في الهيكل من خلال أمانة عامة للمجلس، وأصبح عبدالمحسن الطاووس أمينًا عامًا للمجلس، بالرغم من عدم إصدار قرار جديد لتعيينه في هذا المنصب، بناء على الهيكل الجديد. كما حدد هذا القرار نسبة 2% من قيمة التمويلات/ المنح الخارجية تورد لحساب المجلس الأعلى.
بناء على هذا القرار، رفع رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في صنعاء، علي العماد، تقريرًا لرئيس المجلس السياسي الأعلى، قال فيه إن “قرار الإنشاء للمجلس تضمن عددًا من المخالفات للدستور والقوانين النافذة، بالإضافة إلى جوانب قصور كبيرة في تلبية المتطلبات الدولية والاحتياجات الوطنية المتعلقة بالعمل الإنساني”.
وقال إن “قرار الإنشاء تضمن التعدي على اختصاصات الجهات المنصوص عليها بنصوص قانونية”، مضيفًا أن “المجلس الأعلى حل محل الحكومة”.. وتضمن التقرير المكون من 50 صفحة سردًا وتوضيحًا شاملًا لهذه المخالفات القانونية والدستورية، وأوضح جوانب القصور.
ويمكن اعتبار هذا التقرير حجة قانونية وإدارية كافية، تكشف الارتجال في تأسيس وإنشاء هذا المجلس.

إقرأ أيضاً  الهروب من البشرة السمراء.. تراجيديا لا تدركها النساء

مركز تنسيق الإغاثة ينهب المساعدات

مع بداية 2020، أقدم فرع المجلس الأعلى في محافظة حجة، على نهب 130 طنًا من الدقيق من مخازن برنامج الأغذية العالمي، مما شكل حرجًا كبيرًا أمام حكومة بن حبتور في صنعاء، نتيجة التهديد الذي تلقته من المنظمات الإنسانية التي قالت “إنه في حال أصبح من المستحيل إيصال المساعدات دون انتهاك مبادئها، فإن الرد قد يتضمن إعادة تحديد المساعدات الإنسانية، بما في ذلك تقليصها أو حتى إيقاف عمليات معينة”.
وسبق لبرنامج الغذاء العالمي أن اتهم جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في أكثر من مناسبة، بنهب مساعدات الفقراء، ووصفها في يونيو 2019 بأنها “تسرق الطعام من أفواه الجوعى”، بعد التأكد من سرقتها حصة 33% من المساعدات المخصصة للمحتاجين الذين يدعمهم الغذاء العالمي.
وكانت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أورسولا مولر، اتهمت، في أواخر نوفمبر 2019، الجماعة بنهب المساعدات، ومنع تنفيذ نصف مشاريع المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني، وطرد بعض موظفي تلك المنظمات وموظفي الأمم المتحدة بدون أي أسباب.
وأشارت مولر إلى تدخل جماعة الحوثي في العمليات الإنسانية، ومحاولاتها التأثير باختيار المستفيدين من تلك المساعدات والشركاء المنفذين، ومحاولة إلزام المنظمات الإنسانية بالعمل “في ظروف تتناقض مع المبادئ الإنسانية”.
كما نددت بممارسات جماعة الحوثي في الجانب الإنساني، وإعاقتها وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها بشكل منتظم.
نتيجة ذلك، تراجعت حكومة صنعاء عن فرض نسبة الـ2% التي جاءت في قرار إنشاء المجلس سالف الذكر. وبحسب مذكرة رسمية ممهورة بتوقيع بن حبتور، موجهة للسيدة ليزا غراندي، الممثلة المقيمة للأمم المتحدة – منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن (اطلع عليها المحرر)، تضمنت إبلاغها أن حكومته قررت إلغاء نسبة 2% من المساعدات. كما تضمنت المذكرة تأكيد الحكومة الإفراج عن أجهزة ومعدات تابعة لبرنامج الغداء العالمي، كانت تحتجزها في مطار صنعاء، بالإضافة إلى تأكيدها على إعادة 120 طنًا من أكياس الدقيق التي كان قد نهبها فرع المجلس الأعلى من مخازن برنامج الغذاء العالمي في محافظة حجة.
وبالرغم من ذلك، ظلت أصوات عدد من أعضاء الحكومة تشجب هذا الانفراد والتسلط من قبل المجلس “المدلل”، وترفض التعامل معه، أبرزها كان من يحيى الحوثي، شقيق عبدالملك، زعيم المتمردين الحوثيين، الذي اتهم “أحمد حامد وعبدالمحسن الطاووس”، بالتلاعب بالمساعدات. وهي المرة الأولى التي يعترف فيها قيادي حوثي بسوء إدارة قيادات في جماعته للمساعدات.
الأمر الذي دعا إلى إصدار قرار جديد بضم عدد من الوزراء إلى عضوية مجلس الإدارة، كوسيلة لإسكات ورشوة هذه الأصوات. والوزراء الذين جرى ضمهم لمجلس الإدارة، في 28 سبتمبر 2020، بموجب القرار رقم 86، هم: الداخلية، التعليم الفني، التربية والتعليم، حقوق الإنسان، والإدارة المحلية.
مع ذلك ظل المتحكم الأساسي هما “أحمد حامد وعبدالمحسن الطاووس”، رئيس المجلس وأمين عام المجلس، أما مجلس الإدارة الذي يضم في عضويته عددًا من الوزراء، فليس سوى ديكور شكلي، ولا يقوم بأي دور في المجلس.
وبهذا تكون سلطات صنعاء قد أصدرت نحو 7 قرارات، تخص الهيئة / المجلس، في تخبط إداري واضح، يعكس اهتمام الجماعة في إحكام قبضتها وسيطرتها على كل شيء، في تسلط عجيب لم يسبق له مثيل، ويتوقع المزيد.
ومع ذلك، لاتزال علاقة الشد والجذب بين بعض أعضاء الحكومة وبين المجلس، قائمة، إذ رفض بعض أعضاء الحكومة الدخول إلى بيت الطاعة (المجلس)، كان آخرهم وزير المياه والبيئة نبيل الوزير، ممثل اتحاد القوى الشعبية، الذي تعرض لحملة تشهير واسعة من قبل الطاووس، وبعض وسائل الإعلام التابعة له ولمدير مكتب الرئاسة.
فيما تبقى العلاقة مهزوزة بين المجلس والمنظمات الدولية، بسبب الشروط والتدخلات غير الموضوعية واللاقانونية من قبل المجلس. مع ذلك، ورغم تحقيق كل رغبات المجلس من قبل المنظمات الدولية والمانحين، ونتيجة لمبالغة الحوثيين في فرض شروطهم وتدخلاتهم، ارتفع عدد من أصوات ممثلي بعض المنظمات في بعض المحافل والمؤتمرات، منددة بهذا التعامل، وفاضحة الكثير من التصرفات الحوثية والتعامل السيئ مع هذه المنظمات.

مقالات مشابهة