المشاهد نت

حرب موزمبيق درس لليمن عن جدوى السلام لتفادي كارثة ثلاثية

تعز – عبدالعالم بجاش:

من الاستقلال عن البرتغال، عام 1975، إلى مستنقع حرب أهلية غرقت بها جمهورية موزمبيق على مدى 15 عامًا، حرب بلغ ضحاياها 5 ملايين شخص، مليونًا منهم عدد القتلى وقرابة 4 ملايين مشردون. وتشير بعض التقديرات إلى قرابة مليوني نازح جراء الحرب.
العدد الأكبر من ضحايا الحرب، ماتوا جراء المجاعة الناتجة عن النزاع، وقد وُجهت اتهامات لطرفي النزاع في موزمبيق، وهما جبهة تحرير موزمبيق “فريليمو” والقوات الوطنية لموزمبيق “رينامو”، بالتسبب في المجاعة التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين.
وتقع بين جنوب إفريقيا وتنزانيا، وعاصمتها مابوتو، يبلغ عدد سكان موزمبيق الذين يتشكلون من مجموعات عرقية متعددة ويتحدثون 33 لغة محلية، قرابة 18 مليون نسمة، ثلث السكان يعتنقون المسيحية، و10% مسلمون، فيما الغالبية ونسبتهم 60% يعتنقون ديانات إفريقية تقليدية.
وتعد موزنبيق واحدة من أفقر دول القارة الأفريقية، فيها بطالة مرتفعة تصل إلى قرابة 50%، ومعدل الدخل للفرد منخفض للغاية، وقد عانت البلاد مرارًاا من الجفاف والفيضانات والأعاصير وتلوث المياه والتصحر، فضلًا عن الحرب الأهلية المدمرة.
ويمتلك شعب موزمبيق تراثًا ثقافيًا وفنيًا متعددًا، يعكس التنوع السكاني والعرقي، ويمارس الموزمبيقيون الرقص والغناء ورواية القصص. وهناك العديد من المراكز الحضرية في موزمبيق التي تشتهر بحرف ونقوش ومنحوتات خشبية من خشب الأبنوس الثقيل غالبًا، ومنها ما تسمى شجرة الحياة، وهي منحوتات خشبية تظهر أشخاصًا ووجوهًا نابضة بالحياة.
وقد تبنت البلاد دستورًا ديمقراطيًا عام 1990، على طريق السلام الذي تم في أكتوبر 1662، والذي أنهى الحرب الأهلية.
لقد استطاعت موزمبيق، بنهاية المطاف، تجاوز الحرب الأهلية بصعوبة، وبعد عدة جولات من المفاوضات، خرجت البلاد من مستنقع الحرب الأهلية الدامية، وكانت اتفاقية روما للسلام بوابة لذلك الخروج.
وتمثل تجربة الحرب الأهلية في موزمبيق مثالًا لتبعات النزاع الكارثية، وأخطرها تفشي المجاعة في ظروف الحرب، وهو أكبر خطر يهدد اليمن في الوقت الراهن، إذ دخلت الحرب الأهلية عامها السابع في أواخر مارس 2021.

الاستقلال عن البرتغال

في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، اتسعت المقاومة الموزمبيقية ضد الاستعمار البرتغالي، تزامن ذلك مع بروز حركات الاستقلال في عدة أنحاء في إفريقيا. وفي 1962، تأسست جبهة تحرير موزمبيق “فريليمو” عبر اتحاد الجماعات السياسية الموزمبيقية المناهضة للاحتلال البرتغالي. تم الإعلان عن تأسيسها من دار السلام في تنزانيا.
تبنت الجبهة ذات الأيديولوجية الشيوعية، الكفاح المسلح لإسقاط الاستعمار، وحصلت الحركة على معدات عسكرية وتدريب من الصين والاتحاد السوفيتي سابقًا ومن الجزائر.
ويعود الانطلاق الفعلي للكفاح المسلح والفعال ضد الحكومة الاستعمارية البرتغالية في موزمبيق، إلى سبتمبر 1964، حين هاجم مسلحو جبهة تحرير موزمبيق، بتعاون من السكان، الإدارة الاستعمارية في محافظة كابو دلغادو.
أدى ذلك إلى إطلاق العنان للكفاح المسلح وحرب العصابات ضد الحكومة الاستعمارية البرتغالية. وبحلول عام 1969، كانت جبهة فريليمو سيطرت على ثلث مساحة موزمبيق في مقاطعات شمال ووسط البلاد، وكانت مناطق ريفية. سعت الجبهة لحرب استنزاف طويلة، واستخدمت تكتيك حرب العصابات، ونصب مسلحوها كمائن للدوريات البرتغالية.
لم تكن الجبهة تأمل بنصر عسكري على الاحتلال البرتغالي، وكان هدفها إرغام الاحتلال على التفاوض بشأن الاستقلال، إذ عمدت الجبهة إلى تخريب سكك الحديد وخطوط الاتصالات، وتمت مواجهتها بقوة من قبل قوات الاحتلال البرتغالي التي قاتلت بضراوة.
وكانت جبهة فريليمو وبقوة لا تتجاوز 7000 مقاتل، فتحت عدة جبهات في 4 مقاطعات ضد الاستعمار البرتغالي الذي واجه الجبهة بقوة بلغت قرابة 60 ألف مقاتل. وتراجع زخم انتصارات جبهة فريليمو، ومنيت بخسائر فادحة عام 1970، بعد إطلاق البرتغال عملية عسكرية واسعة.

ثورة القرنفل في البرتغال

كادت آمال الجبهة تتحطم حين اندلعت في العاصمة البرتغالية لشبونة، ثورة القرنفل في أبريل 1974، والتي كان عدد من ضباطها ذوي ميول اشتراكية. أطاحت ثورة القرنفل بالنظام الاستبدادي للدكتاتور استادو نوفو، على يد حركة القوات المسلحة البرتغالية، مدعومة من فئات من الفلاحين والعمال.
كان استقلال موزمبيق من نتائج ثورة القرنفل في البرتغال، إذ تحولت سياسة الدولة البرتغالية نحو إنهاء حروبها واستعمارها الطويل لكل من موزمبيق وأنغولا وغينيا بيساو. ودخلت البرتغال في مفاوضات مع جبهة فريليمو على استقلال موزمبيق، أفضت إلى تشكيل حكومة انتقالية حتى الاستقلال الرسمي لموزمبيق عن البرتغال في يونيو 1975.
استمرت المفاوضات عامًا كاملًا، وتم في سبتمبر 1974، توقيع اتفاق بين حركة القوات المسلحة في البرتغال وجبهة تحرير موزمبيق “فريليمو”. وفي الـ25 من يونيو 1975، أعلنت موزمبيق استقلالها عن البرتغال. كانت البلاد في حالة انهيار اقتصادي واجتماعي، بخاصة بعد هجرة عشرات الآلاف من البلاد.

من الاستقلال إلى الحرب الأهلية

ومن الاستقلال إلى الحرب الأهلية، لم تكن موزمبيق قد استعادت أنفاسها بعد حين اندلعت الحرب الأهلية عام 1977، التي استمرت لعقد ونصف، ووضعت أوزارها في الـ4 من اكتوبر 1992، بعد نتائج مدمرة.
اشتعلت الحرب بين جبهة تحرير موزمبيق “فريليمو” وبين القوات الوطنية لموزمبيق “رينامو”، والأخيرة حركة مسلحة تشكلت من قبل أحد الأحزاب، تأسست عام 1975 بعد الاستقلال، وخاضت حربًا ضد “فريليمو”.
كانت “رينامو” حركة معادية للشيوعية، وضمت جماعات المقاومة الوطنية الموزمبيقية، كانت ممولة من قبل روديسيا، ومن جنوب أفريقيا لاحقًا، كما حصلت الحركة على دعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في مرحلة تالية، وذلك بغية مواجهة المد الشيوعي في أفريقيا. وقد أعلنت القوات الوطنية لموزمبيق “رينامو” أنها تسعى من أجل إقامة دولة تقوم على التعددية السياسية والحزبية، وهو توجه نقيض لتوجهات جبهة فريليمو التي عملت على إقامة دولة بنظام الحزب الواحد.

كيف استقبلت دول محيط موزنبيق استقلالها؟

تحرير جمهورية موزمبيق الذي تم بإمكانيات بسيطة، وعبر كفاح مسلح وحرب عصابات، وقدرتها على نيل الاستقلال عن البرتغال والإطاحة بالحكومة الاستعمارية البرتغالية البيضاء، كان له وقع مقلق لدى حكومة جنوب أفريقيا من البيض في تلك الفترة. وتشير المصادر التاريخية إلى أن حكومة الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، شعرت بالخطر عقب استقلال موزمبيق وأنغولا، عام 1975، فقد رأت فيه تحديًا أمام حكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا. وكان من الطبيعي أن تبدي جنوب أفريقيا في عهد حكومة الأقلية البيضاء، مخاوف مما يجري في موزمبيق، فقد انتعشت حركات التحرر، وتمكنت من الوصول إلى السلطة وإسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كما وصلت حركات اشتراكية في دول أخرى إلى سدة السلطة.

إنقسام موزمبيق بعد الاستقلال

تحولت موزمبيق عقب الاستقلال إلى دولة اشتراكية بنظام الحزب الواحد. وأعلنت ذلك جبهة تحرير موزمبيق “فريليمو” التي تاسست عام 1962، وتحولت رسميًا إلى حزب يساري اشتراكي عام 1977، كحزب حاكم وحيد للبلاد. مارست جبهة تحرير موزمبيق القمع ضد المعارضين لها، والمحاكمات الصورية.
الأقلية البيضاء من أبناء موزمبيق وآخرون من أصول برتغالية، وهي الأقلية التي كانت مهيمنة في السابق خلال الحكومة الاستعمارية البرتغالية على البلاد، هذه الأقلية وجدت نفسها في وضع صعب، وقد فرضت جبهة فريليمو عليهم الاختيار بين الجنسية الموزمبيقية أو ترك البلاد والمغادرة خلال 3 أشهر. ووفقًا للتقديرات، فإن ما بين 300 و400 ألف هاجروا، كثير منهم غادروا خشية اندلاع أعمال انتقامية.
نتيجة الهجرة، عانت البلاد انهيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا، وكانت نسبة الأمية في البلاد طاغية تصل إلى 95% من السكان. كان عدد كبير ممن هاجروا يمثلون العمالة الماهرة، معظمهم كانوا من الأقلية التي حظيت سابقًا بامتيازات التعليم والمناصب والوظائف دون غالبية السكان في البلاد الذين عانوا مرارة الظلم والحرمان والتمييز العنصري خلال حقبة الاستعمار البرتغالي.

في اليمن، تشكل مسار فيه بعض تشابه مع حركة “رينامو”، فبعد أكثر من عام على اندلاع الحرب الأهلية عام 2015، تشكلت المقاومة الوطنية، وهي جماعة مسلحة دعمتها الإمارات العربية المتحدة، مناهضة لجماعة الحوثيين، اندمجت مع ألوية العمالقة الموالية للحكومة اليمنية، أطلق عليها القوات المشتركة، وهي قوات تسيطر على معظم مناطق الساحل الغربي في اليمن من باب المندب والمخا في محافظة تعز

مأزق الإفلاس وثورة مضادة

خرجت موزمبيق عقب الاستقلال مفلسة مع هجرة القوى العاملة الماهرة، وواجهت جبهة فريليمو مأزقًا اقتصاديًا إلى جانب ثورة مضادة أشعلتها المقاومة الوطنية الموزمبيقية “رينامو”، مدعومة من جيران البلاد القلقين من سقوط حكم الأقليات البيضاء.
في اليمن، تشكل مسار فيه بعض تشابه مع حركة “رينامو”، فبعد أكثر من عام على اندلاع الحرب الأهلية عام 2015، تشكلت المقاومة الوطنية، وهي جماعة مسلحة دعمتها الإمارات العربية المتحدة، مناهضة لجماعة الحوثيين ، اندمجت مع ألوية العمالقة الموالية للحكومة اليمنية، أطلق عليها القوات المشتركة، وهي قوات تسيطر على معظم مناطق الساحل الغربي في اليمن من باب المندب والمخا في محافظة تعز، إلى محيط مطار مدينة الحديدة.
ولاتزال ألوية المقاومة الوطنية مصدر قلق، وقد أعلنت مطلع أبريل 2021، عن مكتب سياسي لها، وهي تقاتل فعليًا ضد المتمردين الحوثيين، جنبًا إلى جنب مع ألوية العمالقة المدعومة من الإمارات أيضًا، وما يثير القلق أن قيادة المقاومة الوطنية لايزال ولاؤها للحكومة اليمنية ولرئيس البلاد عبد ربه منصور هادي، مشكوكًا به، برغم إعلانها الاعتراف بالشرعية، وذلك لأسباب منها طبيعة تكوينها كقوات مرتبطة مباشرة بالإمارات التي يعتقد أن لديها أطماعًا في السيطرة على السواحل والموانئ في اليمن، وتدعم عدة تشكيلات مسلحة في الجنوب والشمال، أشرفت على إنشائها، وترتبط بها مباشرة، وذلك على الرغم من كون الإمارات عضوًا في تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية.

بدايات الحرب الأهلية في موزمبيق

بدأت المقاومة الوطنية الموزمبيقية “رينامو” نشاطها المسلح ضد جبهة فريليمو، باستهداف البنية التحتية الحكومية الرئيسية في البلاد، ومع نمو قوتها عملت على إرهاب السكان بشكل مباشر. كانت تلك هي الإرهاصات الأولى، اندلعت بعدها اشتباكات مباشرة بين رينامو وفريليمو التي تولت الحكم في موزمبيق. تطورت المواجهات إلى حرب أهلية دامت 15 عامًا.
في الوقت نفسه، كانت جبهة فريليمو توسع نشاطها التنظيمي، وتحولت رسميًا إلى حزب سياسي عام 1977، باسم حزب فريليمو المهيمن على موزمبيق، وهو العام نفسه الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية.
كانت سياسة المقاومة الوطنية الموزمبيقية المتمردة “رينامو”، قائمة على تنفيذ أعمال إرهابية ضد السكان، وأنشطة تخريبية ضد الدولة، في الوقت نفسه ساءت أوضاع موزمبيق أكثر بسبب كوارث طبيعية وجفاف.
خلال الأعوام 1982-1984، تدخلت روديسيا وجنوب إفريقيا في شن هجمات مسلحة مباشرة ضد جبهة فريليمو، دعمًا لـ”رينامو” المتمردة.
استخدمت حركة رينامو المسلحة في حربها، النهج ذاته الذي استخدمته في الماضي جبهة فريليمو ضد الاستعمار البرتغالي، وهو أسلوب حرب العصابات. عملت جبهة فريليمو على تجنيد عمال بعض المصانع لمواجهة عصابات رينامو. كانت سياسة الحكومة في موزمبيق أخفقت في مجال الاقتصاد والزراعة، وتسببت السياسات الحكومية وهجمات متمردي المقاومة الوطنية رينامو على الطرق الرئيسية وسكك الحديد، في إحداث فوضى اقتصادية عارمة. وظلت جبهة فريليمو وحكومة موزمبيق التابعة لها على موقفهما الرافض للتفاوض مع رينامو.

التجنيد القسري للأطفال في الحرب

عمل متمردو المقاومة الوطنية الموزمبيقية رينامو على مهاجمة البلدات في مناطق ريفية، كما مارسوا أنشطة محظورة وفق القوانين الدولية، أبرزها التجنيد القسري للأطفال. وتقول المصادر التاريخية إن حركة رينامو عملت بصورة ممنهجة على جمع المدنيين، وإرغامهم على العمل لصالحها، ومن أجل ذلك مارست عمليات اختطاف للمدنيين والأطفال في مناطق سيطرتها.
ركزت الحركة على اختطاف الأطفال وتجنيدهم قسريًا في صفوفها والمشاركة في الحرب. وفق التقديرات كان ثلث جنود حركة رينامو من الأطفال.
فرضت حركة رينامو ما سمي نظام كانديرا، وهي طريقة لاستخدام المدنيين في الأغراض العسكرية، إذ تم إرغام السكان في مناطق سيطرة حركة رينامو، على تنفيذ 3 مهام، هي إنتاج الغذاء لعناصر الحركة المسلحة، ونقل الذخيرة لجنودها. ثالث المهام فرضتها الحركة على النساء في مناطق سيطرتها، وأرغمتهن على الحضور إلى جنودها بمثابة إماء لممارسة الجنس. تقول المصادر التاريخية إن حركة رينامو كانت تختطف النساء الرافضات، ويتعرضن للاغتصاب بغض النظر عن السن. عانى السكان كثيرًا في المناطق الواقعة تحت سيطرة حركة رينامو.
في اليمن، يمثل تجنيد الأطفال، جانبًا رئيسيًا في الأزمة اليمنية، وهناك عدة تقارير دولية تحدثت عن تجنيد الأطفال من قبل أطراف النزاع، وخصوصًا اللجان الشعبية المرتبطة بجماعة الحوثي الانقلابية.
ففي 28 فبراير 2017، نشر موقع أخبار الأمم المتحدة تقريرًا يذكر أن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، تلقت العديد من التقارير حول تجنيد الأطفال في اليمن، واستخدامهم في الصراع المسلح من قبل المتحاربين، خصوصًا من قبل اللجان الشعبية التابعة للحوثيين. وقالت رافينا شمداساني، المتحدثة الرسمية باسم المفوضية، إن الأمم المتحدة “تحققت من تجنيد قرابة 1500 طفل من الذكور في الفترة ما بين مارس 2015 ويناير 2017، وأنه من المرجح أن تكون الأرقام أعلى من ذلك بكثير، نظرًا لرفض معظم الأسر الحديث عن تجنيد أطفالها، خوفًا من الانتقام”.
وأضافت: “إن تجنيد واستخدام الأطفال في الصراعات المسلحة محظور قطعيًا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وفي ما يتعلق بحالات تجنيد الأطفال دون الـ15، قد يرقى ذلك إلى جريمة حرب”
هناك العديد من التقارير والبيانات صدرت عن منظمات دولية أخرى، منها منظمة العفو الدولية، التي ذكرت في أحد بياناتها أن الحوثيين يقترحون في بعض الحالات دفع مبلغ يتراوح ما بين 80 و120 دولارًا شهريًا لكل ولد “إذا استشهد في الجبهة”.
ووفق تقارير لمنظمات محلية صدرت عام 2020، يقدر أن 80% من الأطفال المجندين جندتهم جماعة الحوثي، و8% جندوا من قبل قوات الحكومة وقوات موالية لها، و10% جندوا من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، و2% من قبل القوات المشتركة في الساحل الغربي للبلاد. ويذكر أن اليمن وقع في مايو 2014، خطة عمل مع الأمم المتحدة لإنهاء والحيلولة دون تجنيد الأطفال من قبل القوات المسلّحة.
وفي الـ12 من فبراير 2021، وتزامنًا مع اليوم الدولي لمكافحة تجنيد الأطفال، أصدرت منظمة رايتس رايدر تقريرًا ذكر أن جماعة الحوثي جندت أكثر من 10 آلاف طفل في الحرب، قتل المئات منهم.

مليونا طفل يمني خارج المدارس

يعد الأطفال في اليمن أبرز ضحايا النزاع والحرب المستعرة منذ عام 2015. ففي سبتمبر 2019، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، في بيان، إنه مع بدء العام الدراسي الجديد في اليمن “يوجد مليونا طفل خارج المدارس، بمن في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا منذ تصاعد النزاع في البلاد منذ مارس 2015”. وطالبت اليونيسف أطراف النزاع في اليمن بالعمل على تحقيق السلام بما يتيح المجال للتعافي وعودة حياة الأطفال إلى طبيعتها.

الألغام الأرضية

وكما يحدث حاليًا في الحرب الأهلية اليمنية الجارية، عانت موزمبيق خلال الحرب من استخدام الألغام الأرضية من قبل طرفي النزاع، بخاصة من جانب حركة رينامو المتمردة.
أمام هجمات متمردي حركة رينامو، التي استهدفت زعزعة الاستقرار في موزمبيق، وتركزت في المناطق الريفية، ضعفت سيطرة حكومة جبهة فريليمو، وصار قطاع النقل التجاري والنقل العسكري مهددين، وعرضة لهجمات حركة رينامو. لجأت حكومة جبهة تحرير موزمبيق فريليمو لإنشاء “الديامنتوس”، وهي قرى طائفية محصنة نقل إليها الكثير من سكان الريف، واستعادت بذلك الاستقرار بشكل نسبي في البلاد. كما أنشأت الحكومة شبكة طرق تحت حراسة كبيرة وملغمة لصد هجمات حركة رينامو.
في اليمن، تبدو الأزمة أكبر، إذ تؤكد تقارير دولية ومحلية قيام طرف واحد فقط بزرع الألغام، وهم جماعة الحوثي. وتذكر التقارير أن هذه الجماعة قد زرعت ما لا يقل عن مليون لغم في أراضي اليمن، بالإضافة إلى زراعة ألغام في مياه البحر الأحمر، طوال سنوات الحرب، وجزء من ضحايا الحرب هم من ضحايا الألغام الأرضية، بينهم المئات من الأطفال والنساء.
المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن، وفي تقرير له صدر في 5 أبريل 2021، ذكر أن عدد المدنيين الذين قتلوا بالألغام بلغ قرابة 10 آلاف مدني يمني، بينهم العشرات من موظفي مشروع “مسام” ممن قتلوا أثناء عملهم في نزع الألغام. ينشط مشروع “مسام”، في 9 محافظات، وتمكن من تطهير مناطق شاسعة، غير أن كميات الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي بكثافة تمثل مشكلة ستدوم طويلًا حتى بعد انتهاء الحرب، وسيعاني منها اليمنيون لعقود قادمة بحسب خبراء نزع الألغام العاملين حاليًا في اليمن. وأعلن مشروع مسام انتزاع قرابة 300 ألف لغم من عدة محافظات يمنية، خلال السنوات الماضية منذ اندلاع الحرب عام 2015.
إن أهمية السلام لليمن تكمن أيضًا في متطلبات مرحلة ما بعد الحرب لمعالجة ملفات ثقيلة وكوارث من بينها الألغام. وكلما طالت الحرب زادت الأعباء والتراكمات وتحديات ما بعد الحرب.

إقرأ أيضاً  تكحيل العين…طقس رمضاني مهدد بالاختفاء في صنعاء

مشروع هالو وتطهير موزمبيق من الألغام

مولت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مشروعًاا لنزع الألعام في موزمبيق، نجح المشروع في تطهير كامل أراضي البلاد التي نجت من أخطر مخلفات الحرب. وفي 1993، بدأ مشروع هالو لإزالة الألغام في موزمبيق، وتم تجنيد عمال محليين لإزالة الألغام الأرضية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.
4 عمال فقط في مشروع هالو قتلوا أثناء عملهم على نزع الألغام الأرضية. في اليمن ينشط مشروع مسام السعودي لنزع الألغام، غير أن البرنامج يواجه صعوبات، فالمساحات المزروعة بالألغام واسعة ومترامية الأطراف، والمشروع رغم إنجازاته وتطهيره مساحات شاسعة في 9 محافظات يمنية، يبقى محدودًا من حيث قدرته وحجم طاقمه قياسًا بحجم المساحة المزروعة بالألغام.
وقدر عدد ضحايا الألغام بمئات المدنيين، في اليمن، أعلن برنامج مسام السعودي أن 90 شخصًا من العاملين في الفرق الهندسية التابعة للمشروع، قتلوا أثناء عملهم في نزع الألغام حتى الآن، إضافة إلى مقتل عشرات آخرين من اليمنيين العاملين في مجال نزع الألغام، ويتبعون الحكومة اليمنية .

إذا كان تطهير موزمبيق من الألغام استغرق قرابة ربع قرن من الزمن، قتل خلالها 4 فقط من عمال نزع الألغام، فكم سيستغرق تطهير اليمن من الألغام بعد الحرب، وقد أودت بحياة 10 آلاف مدني خلال 6 سنوات من الحرب


وتراوحت التقديرات للقتلى اليمنيين جراء الألغام بين 8000 قتيل من المدنيين، بينهم أطفال ونساء، وفقًا لمسؤولين محليين، وبين 10 آلاف قتيل مدني، بحسب تقرير مشروع مسام. في موزمبيق، وبعد 23 عامًا من جهود نزع الألغام من خلال مشروع هالو، تم الإعلان في سبتمبر 2015، عن استكمال تطهير موزمبيق وخلو البلاد من الألغام، وأقيم احتفال بالمناسبة.
وإذا كان تطهير موزمبيق من الألغام استغرق قرابة ربع قرن من الزمن، قتل خلالها 4 فقط من عمال نزع الألغام، فكم سيستغرق تطهير اليمن من الألغام بعد الحرب، وقد أودت بحياة 10 آلاف مدني خلال 6 سنوات من الحرب، ناهيك عن أعداد القتلى من العسكريين، إضافة إلى مقتل نحو 90 من عمال نزع الألغام في مشروع مسام، وعشرات آخرين من العاملين في البرنامج الوطني الحكومي لنزع الألغام، خلال 6 سنوات حتى الآن؟

حرب دون حسم تزداد ضراوة

في موزمبيق، وبعد 3 أعوام من الحرب، ومع نهاية عام 1980، تبين أن طرفي الحرب في حالة عجز عن حسم الصراع عسكريًا لصالح أي منهما، غير أن القتال اشتد وازدادت الحرب ضراوة. مع نهاية الثمانينيات انخفضت حدة القتال، وبرز أكثر التوجه نحو مفاوضات السلام.
في اليمن، ومنذ اكتوبر 2020 وخلال الربع الأول من عام 2021، أخذت الحرب المسار ذاته، إذ ازدادت حدة المعارك، بخاصة مع شن جماعة الحوثي هجومًا على مأرب، في ذروة الضغط الدولي من جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل وقف شامل لإطلاق النار واستئناف العملية السياسية للوصول إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة، وتضع حدًا للحرب.

زاد من تعقيد النزاع اليمني، نزوع إيراني لربط الأزمة اليمنية بالملف النووي الإيراني، واستعمال إيران بشكل صريح لليمن كورقة مساومة


وقد شهدت الفترة منذ تولي إدارة بايدن، مطلع 2021، زخمًا سياسيًا دوليًا واسعًا واهتمامًا كبيرًا بالملف اليمني، غير أن التحركات الدولية والأمريكية لإنهاء الحرب في اليمن، اصطدمت بنفوذ إيراني قوي في شمال اليمن، مخيب للآمال.
وزاد من تعقيد النزاع اليمني، نزوع إيراني لربط الأزمة اليمنية بالملف النووي الإيراني، واستعمال إيران بشكل صريح لليمن كورقة مساومة. كل من الحكومة اليمنية وتحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، اعتبرا إيران المسؤول المباشر وراء التصعيد العسكري الحوثي على مأرب، وتكثيف الهجمات الصاروخية والهجمات بالطائرات المسيرة الملغومة على السعودية. كما اعتبرا أن إيران مصدر عرقلة للسلام في اليمن.

جرائم الحرب

وعودة إلى تجربة الحرب الأهلية في موزمبيق وتاريخ النزاع، فقد وجهت اتهامات لحركة فريليمو التي حكمت موزمبيق، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خلال النزاع الأهلي. لكن النصيب الأكبر من الاتهامات باقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجهت لحركة رينامو المتمردة. ونصت التهم الموجهة للمقاومة الوطنية الموزمبيقية رينامو على قيامها وبصورة منهجية بـ”ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كجزء من زعزعة الاستقرار الاستراتيجي، وهذا يشمل القتل الجماعي، الاغتصاب، وتشويه غير المقاتلين خلال الغارات الإرهابية على القرى والمدن، واستخدام الأطفال كجنود وعمال بواسطة نظام كانديرا على أساس العمل القسري، والعنف الجنسي”.
وشملت الاتهامات لحركة رينامو بتسبب نظامها المسمى كانديرا في انتشار المجاعة بين سكان الريف، بسبب الاعتماد على أنفسهم في إنتاج الطعام، وتسبب ذلك في المزيد من الأمراض لهم.

مذبحة أوموان

تسببت مذبحة ارتكبتها حركة رينامو المتمردة بحق المدنيين، في إزاحة الستار دوليًا عن الفظائع التي اقترفها المتمردون في موزمبيق. وقد أثارت المذبحة اهتمامًا دوليًا. ففي بلدة أوموان الريفية، هاجم مسلحو حركة رينامو البلدة، وقاموا بذبح 424 من المدنيين المرضى في المستشفيات، باستخدام المناجل والبنادق، في مذبحة من أكثر المآسي والفظائع في تاريخ البلاد.
الخارجية الأمريكية فتحت تحقيقًاا في المذبحة، وتخلت في ما يبدو عن فكرة دعم حركة رينامو المناهضة لحكومة جبهة فريليمو ذات التوجهات الشيوعية. وقد استفزت المذبحة الرأي العام العالمي نتيحة العدد الكبير للضحايا. كانت المذبحة جزءًاا من انتهاكات وممارسات معتادة من قبل حركة التمرد رينامو.
لفتت المذبحة الأنظار لانتهاكات الحركة. وذكر تقرير الخارجية الأمريكية أن 94% من جرائم القتل الجماعي وعمليات الخطف و93% من عمليات النهب خلال الحرب الأهلية في موزمبيق، نُفذت من قبل المقاومة الوطنية الموزمبيقية “رينامو”.

مرحلة السلام في موزمبيق

انحسر الدعم الخارجي لحركة رينامو المتمردة من جانب روديسيا “زيمبابوي”، بسقوط الحكومة هناك التي تولت مخابراتها سابقًا إنشاء ودعم قيام المقاومة الوطنية الموزمبيقية “رينامو”، لمناهضة جبهة تحرير موزمبيق “فريليمو” الاشتراكية. لبعض الوقت، استمرت جنوب إفريقيا في عهد حكومة الأقلية البيضاء، في تقديم الدعم لحركة رينامو المتمردة في موزمبيق. غير أن حكومة جنوب إفريقيا عادت ووقعت اتفاقية مع حكومة جبهة فريليمو، تعهدت فيها بوقف تمويلها ودعمها لحركة رينامو المتمردة.
وفي الواقع، أبقت حكومة جنوب إفريقيا على دعمها سرًا لحركة رينامو، حتى انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وسقوط حكومة الأقلية البيضاء هناك.
كان لسقوط حكومات الأقلية البيضاء في زيمبابوي (روديسيا سابقًا) وجنوب إفريقيا الداعمتين لمتمردي رينامو، أثر على حركة التمرد، وكان عاملًا مساعدًا للمضي نحو مرحلة جديدة تضع فيها الحرب أوزارها.
وفي 1990، عقدت أول محادثات مباشرة بين حكومة جبهة تحرير موزمبيق “فريليمو” والمقاومة الوطنية الموزمبيقية “رينامو”، بعد تراجع الأولى عن نزعتها نحو نظام الحزب الواحد، وقبولها بمبدأ التعددية السياسية والحزبية التي نادت بها حركة رينامو.
قبل ذلك، وتهيئة لمحادثات السلام المباشرة، تم وضع مسودة دستور جديد للبلاد، واعتمد الدستور في نوفمبر 1990، الضامن للحريات السياسية والحقوق الديمقراطية. ومنذ ذلك الوقت وجمهورية موزمبيق دولة متعددة الأحزاب، وتجري فيها انتخابات دورية. وفي اكتوبر 1992، وبرعاية الأمم المتحدة، تم توقيع اتفاق روما للسلام بين حكومة جبهة تحرير موزمبيق والمقاومة الوطنية الموزمبيقية. بدأ تطبيق الاتفاق رسميًا في 15 أكتوبر. ووضعت الحرب أوزارها، وبدأت فترة انتقالية.
تلى ذلك وصول قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، في مهمة استغرقت عامين، لضمان الفترة الانتقالية، ونجاح اتفاق السلام. كانت قوات حفظ السلام مكونة من 7500 جندي للإشراف على عملية الانتقال إلى الديمقراطية، غادرت القوات مطلع عام 1995.
قبل ذلك بعام، أرسلت الأمم المتحدة 2400 من المراقبين الدوليين للإشراف والرقابة على الانتخابات العامة في موزمبيق التي جرت يومي 27 و28 أكتوبر 1994.
في اليمن، جهود البعثة الأممية في الحديدة للإشراف على اتفاق وقف إطلاقاق النار، متعثرة.
دور الأمم المتحدة في اليمن يواجه صعوبات، وغير فعال، باستثناء الدور الإغاثي الذي تتولاه منظمات تابعة للأمم المتحدة. تجربة النزاع في موزمبيق وخطوات السلام هناك، بخاصة دور قوات حفظ السلام الدولية، يمثل خيارًا يكتسب أهمية كبيرة، وقد يكون مناسبًا لليمن لوضع حد للنزاع الدامي. وعلى الرغم من انتهاء الحرب في موزمبيق، لايزال وضع السلام هشًا في البلاد، والنزاع يتجدد من وقت لآخر بشكل محدود، غير أنه في المجمل وضع موزمبيق أفضل بكثير مما كانت عليه في زمن الحرب.

دروس لليمن من تجربة حرب موزمبيق

3 أمور هامة، يمكن استخلاصها من تجربة الحرب الأهلية في موزمبيق، وأخطر تبعاتها: المجاعة والألغام وتجنيد الأطفال. ففي زمن الحرب، يصبح تفشي المجاعة كارثيًا بالقدر الذي يصعب احتواؤه، ذلك أن المجاعة تتفشى كالنار في الهشيم خلال الحرب، وما يتبعها من كوارث صحية واجتماعية وغيرها.
تعد المجاعة أخطر تهديد يواجه الشعب اليمني في الوقت الراهن، وهناك كوارث متفرعة، أبرزها تفشي وانتشار أوبئة مميتة، أخطرها فيروس كورونا. كما تمثل الألغام وعمليات تجنيد الأطفال مأزقين يهددان حاضر ومستقبل البلاد.
هذا المثلث الكارثي يمكن أن يقضي على أي أمل أو فرصة لليمن في أن تتعافى من أزماتها المركبة، أو يستعيد اقتصادها وضعه ما قبل الحرب. إن استمرار الحرب ينذر بمزيد من تقويض البلاد واقتصادها، ومزيد من تردي الأوضاع المعيشية والصحية والنفسية لعموم الشعب اليمني، كما يزيد من مخاطر ضياع أجيال بأكملها، وزيادة الانقسامات الداخلية سياسيًا وطائفيًا وعرقيًا أيضًا. كما يزداد في الوقت نفسه تأثير الأطراف الخارجية وتحكمها في مسار الصراع، وخصوصًا جانب إيران التي أبدت منذ مطلع 2021، توجهات علنية قوية لفرض ما يشبه وصاية على طرف حلفائها الحوثيين الذين يسيطرون على معظم أجزاء شمال اليمن.
وبالمثل، هناك صراع واضح بين أبرز دول تحالف دعم الشرعية في اليمن، وهما السعودية والإمارات، وينعكس هذا الصراع سلبًا داخل المناطق التي تسيطر عليها أطراف مدعومة من الإمارات، والتي تنازع بقوة الحكومة الشرعية في صلاحياتها، وتعوق في الغالب عملها، مما يدفع الحكومة مجددًا للعودة إلى الرياض. وإلى جانب ذلك، هناك صراع خليجي متعدد ينعكس سلبًا على الداخل اليمني.
ترشدنا تجربة الحرب الأهلية في موزمبيق، إلى خطورة الانقسامات الداخلية، والانزلاق في دوامة الاستقطاب من قبل جهات خارجية، وخطر التكوينات المسلحة خارج الدولة في إشعال حروب يصعب إنهاؤها، تكون كلفتها باهظة على المستويين البشري والمادي. إلى جانب خطر انفراد طرف واحد في محاولة قولبة الدولة واحتكار السلطة والثروة. في اليمن تتعدد المخاطر التي تعيشها البلاد وسط مستنقع الحرب الدامية المستعرة، والتجاذبات بين إيران ودول المنطقة والعالم على الساحة اليمنية.
ويتضاعف التهديد في تعدد وتشظي الصراع سواء بين طرفي الحكومة والانقلاب الحوثي من جهة، ومن جهة أخرى بذور الصراعات بين التشكيلات المسلحة المتعددة التي ظهرت على هامش الحرب، وأنشأتها ومولتها أطراف خارجية لأهداف خاصة بتلك الدول ومصالحها في اليمن، بحيث ترتب على ذلك بقاء عوامل الصراع لمراحل تالية.

المجاعة رأس المثلث الكارثي.. الدرس الأهم من التجربة الموزمبيقية

يبقى الدرس الأهم لليمن الذي يمكن استلهامه من تجربة النزاع في موزمبيق، هو خطر المجاعة أثناء الحرب.
كانت المجاعة الكارثة الأكبر التي أفرزتها الحرب، معظم الضحايا البالغ عددهم مليون موزمبيقي، قضوا من الجوع. ففي فبراير 2021، قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، في تقرير له، إن “66% من سكان اليمن بحاجة إلى المساعدة أو الحماية، منهم 12 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدة، و16 مليونًا يعانون من الجوع”.
وهناك 5 ملايين يمني يواجهون ظروفًا طارئة في ظل الأزمة الإنسانية التي تعد الأسوأ في العالم، بحسب التقرير، وأنه “من المتوقع أن يزداد الوضع تدهورًا، وتزداد شدة الاحتياجات خلال العام الجاري 2021، ما لم تكن هناك تهدئة للصراع وتحسن الاقتصاد والتمويل ومكافحة فيروس كورونا، الذي فرض ضغوطًا إضافية، وأدى إلى سوء الخدمات الصحية، مع انتشار أمراض أخرى مثل الكوليرا وحمى الضنك”، مشيرًا إلى أن “الصراع والتدهور الاقتصادي الحاد يدفعان البلاد إلى حافة المجاعة”.
تبرز حاجة اليمن ماسة لسلام يقوم على أسس قوية حتى لا ينهار بسرعة. سلام يحول دون تكرار مأزق حرب موزمبيق في اليمن، بخاصة ما يتعلق بتهديد استفحال المجاعة، إذ من الممكن أن يؤدي ذلك إلى ضحايا لا حصر لهم. تمامًا مثلما دلت المجريات حول استفحال الموجة الثانية من جائحة كورونا، بخاصة خلال مارس وأبريل 2021، في اليمن، إذ ارتفعت حالات الوفيات بشكل مريع. خلال أيام فقط خرجت المستشفيات عن الجاهزية، وعدد كبير ماتوا بصمت في منازل، واكتظت المقابر بجثث الموتى.
إن ما يساعد اليمنيين في ظل الحرب هو نمط معيشي واجتماعي تكافلي غالبًا، واعتماد عدد كبير من الأسر على عائدات يبعثها كثير من المغتربين ممن يعملون في السعودية خصوصًا، أو دول خارجية أخرى، لذويهم وأسرهم في الداخل. وفي ظل القيود المفروضة عالميًا بسبب جائحة كورونا، تسبب ذلك في أزمات شديدة.
خلال يناير وفبراير ومارس وأبريل 2021، واجه اليمن موجة ثانية من تفشي وباء فيروس كوفيد- 19، المئات ماتوا بالوباء، أمام عجز وانهيار المنظومة الصحية.
صدرت دعوات دولية ومن الأمم المتحدة لأطراف النزاع للتهدئة ووقف إطلاق النار، والذهاب نحو مشاورات الحل السياسي من أجل مواجهة الوباء، لكن لا يتحقق أي تقدم يذكر.
خلال الفصل الأول من عام 2021، اتضح للجميع تقريبًا أن إيران تمثل فعليًا العائق أمام السلام في اليمن ووقف الحرب. كما يتبين أنها تتمتع بنفوذ قوي في شمال البلاد. لم يعد هذا سرًا، فقد عطلت إيران مبادرة أعلنتها السعودية لوقف إطلاق النار في اليمن وإطلاق عملية سياسية، حازت تأييدًا دوليًا واسعًا، ومن قبل الأمم المتحدة، ووصفت من جانب مراقبين باعتبارها تتضمن مكاسب كبيرة لجماعة الحوثي الانقلابية، غير أن المبادرة لم يُكتب لها النجاح حتى الآن.
يبقى الشعب اليمني أكثر عرضة للمعاناة في ظل استمرار الحرب، وتبقى البلاد محتاجة لسلام على أسس راسخة، بما في ذلك أطراف النزاع التي بلغت حالة من الإنهاك والإخفاق في إدارة مناطق سيطرتها، وفقدان القرار غالبًا أمام زيادة تحكم الدور الخارجي.

مقالات مشابهة