المشاهد نت

لحج: صناعة الفحم.. مصدر دخل للأسرة

العمل في صناعة الفحم لتأمين سبل المعيشة-لحج

لحج – عبدالرب الفتاحي

يعمل المواطن الخمسيني عبده العنتري منذ 26 عامًا، في صناعة الفحم، وهي حرفة يمنية قديمة؛ لإعالة أسرته في ظل ظروف المهنة الشاقة، حيث يقوم العنتري بالحفر في ضواحي منطقة كرش بمديرية القبيطة شمال محافظة لحج جنوب اليمن، لتجهيز واستخراج الفحم أو “السوّد” كما يسمى محليًا.

صناعة الفحم

حفر العنتري، نصف متر على السائلة في إحدى الشعاب، بمساحة دائرية وبقطر مترين، وقام بعدها بقطع العديد من أشجار السمر من جذورها،  ثم عاد إلى الفروع الصغيرة ليقطعها بشكل محدد؛ ليضع الأعواد والفروع في أسفل الحفرة.

يعيش العنتري مع 9 من أولاده وبناته، إحداهن تعاني من الإعاقة، حاول في السنة الحالية معالجتها ونقلها لأحد الأطباء في مدينة عدن، والذي اعتبر أنه كان يمكن إنقاذها لو كانت في سنوات عمرها الأولى؛ لكنها تأخرت عن فترة العلاج، كما يقول.

يكشف العنتري في حديثه لـ”المشاهد“، أنه في تجهيزه للفحم، سيقوم باستخراج حملين منه، أي بحوالي 8 عبوات مملوءة بالفحم بعد تكسيره ورصّه فيها.

ويحدد القيمة التي سيحصل عليها هذه المرة، إذ يقدرها بـ100 ألف ريال يمني (تساوي 82 دولارًا أمريكيًا)، إذ إن الحمل الواحد يبلغ سعره 50 ألف ريال. لكنه أيضًا سيحتاج إلى ما يقارب الشهر، وهي فترة العمل والتجهيز، منها 20 يومًا يقضيها في الحفر وقطع الأشجار ورصها، والـ10 الأخرى تكون في إشعال النار في الحطب وتخفيف الحرارة.

وتزدهر تجارة الفحم نتيحة استمرار وتواصل أزمة الغاز المنزلي التي تشهدها معظم المحافظات اليمنية، بينها لحج، ورخص سعره مقابل الغاز.

مشقة وجهد

لحج: صناعة الفحم.. مصدر دخل للأسرة

يعمل العنتري بمفرده لأن لديه أولادًا صغارًا، حسب حديثه، لكنه أحيانًا يحتاج إليهم ليقوموا بنقل الحطب الذي انتهى من فصله وتجزئته لقطع متساوية، وهذا يمنع ذهابهم إلى المدرسة لبضعة أيام.

تعود بداية عمل عبده العنتري في صناعة الفحم، إلى عام 1996، حيث اختار وقتها العمل في هذه المهنة، نظرًا للظروف الصعبة التي عاشها آنذاك، إضافةً إلى أن عائلته كانت تعمل في صناعة الفحم، وهذا ما جعله ينضم منذ وقت مبكر إلى حرفة عائلته، لكنه لايزال مستمرًا فيها لعدم حصوله على أي عمل آخر.

ويشرح طريقة عمل الفحم الذي يحتاج لوقت كبير وجهد مضاعف منه، إذ يقول إنه يحتاج، لصناعة الفحم، أن يقوم بقطع الأشجار، وعمل حفرة “مدفن الفحم” ورصّ الحطب وفق الحجم، حيث يبدأ بالأصغر الذي يصل طوله إلى 60سم، بشكل كثيف ومتوازٍ.

ويضيف أنه يأتي بجذوع الأشجار المتوسطة في الحجم، ويضعها فوق الصغيرة، ويصل طولها إلى أكثر من متر، ثم الكبيرة.

إشعال الحطب

فوق الكم الكبير من قطع الأشجار الخضراء، يلجأ العنتري إلى وضع فروع شجرة “الأثل” الصغيرة للتغطية عليها بشكل كامل، أو يختار قطع عبوات السمن الصناعي، ووضعها فوق الحطب. يذكر العنتري أن قطع عبوات السمن الصناعي تمثل مادة جيدة للتغطية على الأخشاب المتراكمة، وفي حالة عدم توفرها، يتم الاستعانة بأوراق الأثل. بعد ذلك تُوضع مادة “الدمال” وهي مخلفات المواشي الجافة على قطع عبوات السمن أو أوراق شجرة الأثل في الحفرة، ويتم بعدها إشعال النار.

إقرأ أيضاً  سماهر.. الإبداع في الرسم لمواجهة تحديات المعيشة

ويعتبر العنتري أن “الدمال” يتميز باحتراقه البطيء، واحتفاظه بالحرارة لفترة طويلة، حيث تنتشر الحرارة من خلاله بشكل طويل حتى تصل  للطبقات السفلية القريبة من أوراق الأثل، دون أن يصل الدمال إلى قطع الأشجار.

ويرى أن وصول “الدمال” فوق الحطب في مدفن الفحم، سيؤدي إلى إفساده دون تفحمه، ولذلك يتم الفصل بينها في الأسفل وبين الدمال.

ويضيف أن احتراق مخلفات المواشي يُحدث ضغطًا قويًا على الحطب في الأسفل، وهذا يشبه طباخة اللحم الحنيذ، حيث يكون ضغط حرارة الدمال كبيرًا وهائلًا مع وجود مادة عازلة، مما يسبب ظاهرة التفحم لقطع الحطب.

يقوم العنتري بوضع فتحتين فوق مدفن الفحم مع بداية حرق الدمال، وتسمح الفتحتان في التهيئة لتسهيل تحول تلك القطع الخشبية إلى فحم، حيث تعمل إحدى الفتحتين على دخول كمية كافية من الأكسجين، أما الفتحة الأخرى فتتخلص من ثاني أكسيد الكربون، كما أن وجود الفتحتين يعمل على تخليص قطع الأشجار من الماء، ليكون الفحم جافًا.

وبعد اكتمال فترة احتراق الدمال، والتي تصل من 8 إلى 10 أيام، يقوم بأخذ عود خشبي ليضرب به فوق الدمال، فإذا كان هناك صدى، فذلك مؤشر أن الفحم لم يجهز بعد، وإذا انقطع الصدى فإن الفحم قد اكتمل وانتهت مدته، وأصبح جاهزًا.

بعد اكتمال المدة يتم وضع التراب فوق الدمال لتبريد وتخفيف درجة الحرارة لمدة يومين، ليتم بعدها نقل الفحم المحترق ونقل المادة العازلة من قطع عبوات السمن، واستخراج الفحم وتعبئته في أكياس بلاستيكية تعرف محليا بـ “الشوالات”.

أنواع الفحم المستخرج

يوضح العنتري أن الفحم ليس شكلًا واحدًا، فهو متعدد الأنواع، وكل نوع له استخدام معين، فهناك الفحم المقلم الذي يتم وضعه عند بداية الدفن والتفحيم ورصه أولًا، وهناك مقلم صغير ومقلم كبير، وله طلب متزايد لأنه يستخدم في البخور وغيره.

ويتابع في حديثه: “أما النوع الثاني فهو النبل، ويتم استخدامه في المدائع والشيش، وعند بائعي المحاجين، والنوع الثالث هو الرصاصي، ويستخدام في الأفران والطباخة في تجهيز اللحم الحنيذ، لأنه قوي ويحتفظ بالحرارة.

ويقول العنتري أن بعض الزبائن مثل محلات أو تجار الفحم يتقدمون بطلب ويقوم بدوره بأخذ “العربون” منهم، وهو مبلغ مالي يقوم من خلاله بشراء احتياجات أسرته الأساسية من الدقيق والسكر والشاهي. ويقوم أيضًا بالتواصل مع أشخاص آخرين من صانعي الفحم، ليعدوا هم كميات الفحم المطلوبة ويأخذ مبالغ مالية من تجار الفحم، ليوزعها على من سيعملون معه في صناعة الكميات المطلوبة من الفحم.

مقالات مشابهة