المشاهد نت

تقارب تركي – سعودي.. ما انعكاساته على الملف اليمني؟

عدن – سامي عبدالعالم:

حظيت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للمملكة العربية السعودية، في 28 أبريل 2022، باهتمام كبير، إذ طوت أزمة بين البلدين امتدت لسنوات، ومهدت لمرحلة جديدة تؤسس لتعاون في مجالات عدة، من بينها المجال الدفاعي، وذلك في ظل تهديدات إيرانية مستمرة لأمن دول المنطقة، وبخاصة المملكة العربية السعودية.
التقارب بين أنقرة والرياض غالبًا ينظر إليه كتحول قد يكون له انعكاسات على الملف اليمني على المدى البعيد، وربما تستدعي المتغيرات الدولية دورًا تركيًا غير بعيد لحماية الممرات المائية الدولية، وأهمها البحر الأحمر وباب المندب.
الزيارة أتت بالتزامن مع زيارة كل من رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن الدكتور رشاد العليمي، وزيارة رئيس وزراء باكستان الجديد مشرف. وهو ما دفع لبروز تخمينات عن تحركات لبناء محور سني في مواجهة التهديد الإيراني والتغول الشيعي في المنطقة، سرعان ما تبين أن هذه الزيارات لتعزيز العلاقات أو طي خلافات، ولم تتناول الملف اليمني كما توقع البعض.
مراقبون وباحثون سياسيون يقولون إن هذا التقارب التركي -السعودي في هذا التوقيت، غير بعيد عن الترتيب لتعاون مرجح في المرحلة المقبلة، على سبيل المثال أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، في ظل الظروف الدولية الراهنة على خلفية الحرب الروسية -الأوكرانية.

الملف اليمني.. ليس أولوية حاليًا

يقول رئيس مركز أبعاد للدراسات عبدالسلام محمد، إن “زيارة أردوغان للسعودية لا تأثير لها حاليًا على الأوضاع في اليمن، لأن هناك أولويات بين البلدين، منها حل الخلافات الماضية، بخاصة ما يتعلق بقضية خاشقجي، وأيضًا الأمور الاقتصادية التي تراجعت كثيرًا في الفترة الماضية، بسبب الخلافات وأمور تتعلق بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين في المنطقة إقليميًا”.
ويضيف محمد لـ”المشاهد” أن الأولويات بين تركيا والسعودية حاليًا، لا تدخل فيه اليمن والقضية اليمنية بأي شكل من الأشكال، لكن مستقبلًا إذا تم تفعيل مجلس الشراكة بين البلدين، وحصل مثلًا توطين للدرونز التركية في السعودية، أو حصل تطور للعلاقات العسكرية بين البلدين، ربما أن السعودية ستستفيد من تكنولوجيا الأسلحة المسيرة من تركيا، في حال لم يرضخ الحوثيون لعملية السلام.

تحديات التطورات العالمية المتسارعة

وعلى خلفية الحرب الروسية -الأوكرانية، تواجه دول المنطقة تحديات جديدة، أبرزها أمن الملاحة الدولية، ما يدفع لتحركات إقليمية متوقعة.
ويقول محمد: “ربما نشهد تنسيقًا مستقبليًا بين السعودية وتركيا في قضايا إقليمية استراتيجية، مثل أمن البحر الأحمر، وهو أمر مهم حاليًا بالنسبة للكثير من دول الإقليم، بالذات التي ترى في وجود الحوثيين تهديدًا لأمن ممرات الملاحة الدولية، وخطرًا على الملاحة.

تعزيز العلاقات العسكرية والصناعات الدفاعية

تعزيز العلاقات العسكرية والصناعات الدفاعية أحد أهم المجالات المتوقعة لعودة العلاقات، في ظل زيادة التهديدات الإيرانية لأمن السعودية ودول الخليج.
وقد انعكس هذا الاهتمام في تصريحات القيادة التركية، ففي سلسلة تغريدات على “تويتر”، قال الرئيس التركي أردوغان إن بلاده والسعودية “تربطهما علاقات تاريخية وثقافية وإنسانية، نبذل جهودًا حثيثة من أجل تعزيز جميع أنواع العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبدء حقبة جديدة بيننا”، مضيفًا أن “زيادة التعاون بين تركيا والسعودية في مجالات مثل الصحة والطاقة كالأمن الغذائي وتكنولوجيا الزراعة والصناعات الدفاعية والتمويل، ستصب في المصلحة المشتركة للبلدين”.

أمن واستقرار منطقة الخليج

وتبدي تركيا اهتمامًا لأمن واستقرار منطقة الخليج، في ظل مخاوف هذه الدول جراء تصاعد تهديدات إيران.
وخلال زيارته قال الرئيس التركي في تغريداته على “تويتر”: “نحن نؤكد في كل مناسبة أننا نولي أهمية لاستقرار وأمن أشقائنا في منطقة الخليج، مثلما نولي أهمية لاستقرارنا وأمننا”.
وأضاف: “نؤكد أننا ضد جميع أنواع الإرهاب، ونولي أهمية كبيرة للتعاون مع دول منطقتنا ضد الإرهاب. أنا على ثقة أننا سنرفع علاقاتنا إلى مستوى أفضل مما كانت عليه في الماضي”.
عند الحديث عن التهديدات الإيرانية لأمن السعودية ودول الخليج، يحضر الملف اليمني، باعتبار توغل نفوذ إيران في اليمن، وإلى حد امتلاكها قرار إطالة الحرب اليمنية الراهنة، واستخدام أراضي اليمن منصة إطلاق لصواريخ باليستية وطائرات مسيرة.

إقرأ أيضاً  ضياع حق المرأة في التعليم والعمل بسبب الحرب 

كل من السعودية وتركيا محتاج للآخر

ويبدو أن توافقًا مثاليًا للمصالح يدفع باتجاه إنهاء التوتر الذي جثم على العلاقات بين السعودية وتركيا، وطي صفحة الماضي. تجلى ذلك بإعلان السلطات التركية إغلاق ملف قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وإحالة ملف القضية للسلطات السعودية.
توافق المصالح الراهنة يدفع بقوة لعودة سريعة للعلاقات والتعاون.
ويرى أستاذ الإعلام في جامعة تعز الدكتور منصور القدسي، أن “التقارب التركي السعودي هو محصلة طبيعية نتيجة للتغيرات الإقليمية والدولية التي تمس مصالح البلدين بدرجة رئيسية”.
ويقول الدكتور القدسي لـ”المشاهد” إن السعودية بحاجة لتعزيز قدراتها الدفاعية العسكرية في مواجهة خطر الطائرات المسيرة الحوثية، فيما تركيا بحاجة للدعم الاقتصادي من السعودية.

اتفاق سري محتمل

وبشأن انعكاسات التقارب السعودي التركي على الملف اليمني، يتفق الدكتور القدسي مع رئيس مركز أبعاد للدراسات عبدالسلام محمد، في أن الوقت قد لا يكون ملائمًا لطرح هذا الملف كأولوية بين البلدين.
ويقول الدكتور القدسي إنه “لا توجد مؤشرات واضحة في الوقت الراهن حول أي تدخل تركي مباشر في الملف اليمني بالتنسيق مع السعودية. ربما يكون هناك اتفاق سري بين البلدين، يسمح بذلك في قادم الأيام إذا أفشلت جماعة الحوثي الهدنة الأممية، واختارت مسار الحرب في اليمن لخدمة الأجندة الإيرانية التي تهديد دول الجوار.

تحالف ردع

وأيًا كانت الضرورات الراهنة لعودة العلاقات السعودية – التركية، يقول الكاتب والباحث السياسي عبدالرحمن الحميدي، إن هذا التقارب سيشكل ضغطًا قويًا على إيران. مشيرًا في حديثه لـ”المشاهد” إلى أنه في ذروة الأزمة الخليجية التي اشتعلت سابقًا بين قطر ودول الخليج، استعانت قطر على الفور بتركيا، وفي الوقت الراهن، وبعد انفراج الأزمة الخليجية، يشكل التهديد الإيراني خطرًا حقيقيًا، خصوصًا بعد استهداف الإمارات بطائرات مسيرة، وبعد سنوات من استهداف السعودية بعشرات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وبالتالي وجود تركيا كحليف سيعزز قوة السعودية والخليج في مواجهة إيران، ويدفع طهران للتهدئة قليلًا.

طموحات إيران التوسعية

زيارة أردوغان للسعودية وزيارة رئيس حكومة باكستان الجديد، في التوقيت نفسه، فتحتا المجال لتكهنات واسعة، منها على سبيل المثال الحديث عن بناء محور سني في مواجهة تمدد نفوذ إيران عبر مليشيات شيعية في المنطقة. غير أن ذلك يظل تكهنات، فيما تزامنت الزيارة مع جولة خامسة من الحوار السعودي -الإيراني في العراق، والتي يقول عبدالسلام محمد إنها لن تنتهي إلى نتيجة يبنى عليها نظرًا لطموحات إيران التوسعية.
والأمر نفسه بالنسبة للباحث الحميدي الذي قال إن طموحات إيران واعتقاد قادة النظام الإيراني أنهم باتوا مهيمنين على المنطقة، لا بد أن يدفع إلى تحالفات تناهض الطموحات الإيرانية، كما أن مصالح دول كالسعودية وتركيا والإمارات وبقية دول الخليج والدول العربية، تتوافق حاليًا باتجاه تحجيم إيران وإفقادها جزءًا كبيرًا من النفوذ الذي حصلت عليه خلال السنوات الخمس أو السبع الأخيرة.

إدارة بايدن ليست محل ثقة

وحول أبرز سبب يمكن أن يدفع لتحالفات قوية في المنطقة، بالإضافة للتهديد الإيراني، يقول الحميدي إن”الموقف المتشدد لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والديمقراطيين عمومًا أحد مصادر القلق بالنسبة للسعودية ومعظم دول الخليج، ففي عهد الديمقراطيين لطالما كان انحياز الإدارة الأمريكية واضحًا إلى جانب إيران ولصالحها، كما أن الفترة الأخيرة وموقف الولايات المتحدة في أفغانستان بين بوضوح أن واشنطن حليف لا يعول عليه كثيرًا، أضف إلى ذلك السجال الحاد الراهن بين الروس والأمريكيين، وأحد ميادينه النفط و”أوبك+”، وهي المنظمة العالمية لمصدري النفط، والتي تلعب فيها السعودية وروسيا الدور المحوري”.

مقالات مشابهة