المشاهد نت

من يحكم تعز ؟ تقرير يكشف خبايا النفوذ العسكري

جنود في استعراض عسكري في شارع جمال بتعز
من يحكم تعز ؟ تقرير يكشف خبايا النفوذ العسكري
جنود في استعراض عسكري في شارع جمال بتعز

المشاهد – خاص : إسماعيل احمد

تبدو الإجابة على سؤال من يحكم تعز شائكة، اذ تتوزع السلطة بين الجيش الموالي للشرعية وفصائل المقاومة المتعددة ، حيث يصبح الاستقواء بالسلاح الأسلوب الأكثر استخداماً في تعامل تلك المكونات ، في ظل سلطة محلية هشة وحكومة غائبه ومدينة ما تزال محاصرة وبعض مديرياتها تحت سلطة جماعة الحوثي وصالح حتي اللحظة.

تخضع المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية بالمدينة لسلطة قيادة المحور باستثناء أحياء المدينة القديمة الممتدة من جنوب شارع جمال ( وسط المدينة ) إلى سفوح جبل صبر جنوب المدينة ومن حارة صينه غربها حتى الجحملية السفلى شرقي المدينة ، حيث تدين لسلطة جماعة أبي العباس .

في حين تخضع مناطق ريف غرب وجنوب المحافظة لسلطة اثنين من ألوية الجيش المشكٌلة ، لواء17 مشاة الذي يقوده الشمساني ويرأس عملياته عبده حمود الصغير أحد قادة حزب الإصلاح الميدانيين ، ولواء 35 مدرع بقيادة الحمادي المعروف بولائه للناصرين .

تسيطر جماعة أبي العباس على نحو 5 أقسام شرطة من أصل 20 قسم يتوزعون المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الموالية للشرعية بمدينة تعز .

وتهيمن الجماعة على عدد من مؤسسات ووحدات الدولة الإيرادية من ضمنها نقطة الهنجر بالضباب والمركز الأول لإصدار البطائق الشخصية ومشروع المياه ، فضلاً عن هيمنتها على ثلاث هيئات قضائية أهلية ، في حين تعجز السلطة المحلية عن تشكيل أياً من المحاكم التي قضى المجلس الأعلى لمؤسسة القضاء الشرعية بتشكيلها، كما عجزت عن تشغيل أياً من مؤسسات ووحدات الدولة الخدمية والإيرادية أو تفعيل أياً من الأقسام الـ 15 التابعة لها ، حيث تعاني الأجهزة الأمنية والقضائية من شلل تام .

وتسيطر الجماعة على نحو 30 % من المناطق المحررة بتعز ، حيث تخضع كل أحياء المدينة القديمة لسلطتها بمشاركة بعض الجماعات الصغيرة ذي الميول المتطرفة .

 

خلفيات الصراع

يتمظهر الصراع في تعز بمظاهر أمنية تأخذ شكل خلاف بين شخصين أو جماعتين على تحصبل موارد الأسواق ، فيما هو أعمق بكثير مما يتبدى على السطح .

تعد الأحياء الجديدة في المدينة التي يفصلها عن المدينة القديمة شارعي الثورة ( 26 سبتمبر وشارع جمال ) مناطق خاضعة لنفوذ حزب الإصلاح سياسياً وعسكرياً لثلاثة ألوية عسكرية من أصل أربعة بقيادة قائد المحوراللواء خالد فاضل  ، حيث يتولى صادق سرحان قيادة اللواء ( 22 ميكا) ، وهو أحد القيادات الموالية لنائب الرئيس علي محسن ، فيما يشغل شقيق الشيخ حمود المخلافي موقع أركان حرب لواء الدفاع الجوي ( 170 ) إلى جانب اللواء الثالث  ( 17 مشاه ) الذي تتوزع سيطرته ما بين الجبهة الغربية بالمدينة وبين المديريات الريفية غرب تعز .

وتقف جماعات مجتمع المدينة القديمة مع تيارات مجتمع الأحياء الجديدة على طرفي نقيض في خياراتها السياسية ، حيث تبدو سلفية أبي العباس في الطرف المقابل لحزب  الإصلاح ، فخلال ثلاث دورات انتخابية برلمانية ( 1993-1997-2003 )  نجح حزب الإصلاح في التمسك بفوز مرشحية الأربعة بدوائر المدينة الخمس ، لكنه خسر لمرتين مرشحه عن الدائرة الخامسة ( 31 ) ( تشمل أحياء المدينة القديمة ) لصالح فوز أحد الباشوات التركية المنتمية للمؤتمر الشعبي العام .

يبدو الشارع الفاصل بين المدينة القديمة والأحباء الجديدة كخط تماس ملتهب بين سلطتين تسعى كل واحدة منهما لتكريس وجودها على حساب الأخرى ،  حيث يختزل شارع جمال عبد الناصر كل الاشتباكات المسلحة بين جماعة أبي العباس ومجاميع منفلته محسوبة على اللواء 22 ميكا ، تتسبب في مقتل عشرات الأبرياء .

 

خريطة الصراع 

وتتنافس السلطتان ؛ سلطة الأمر الواقع بقيادة جماعة أبي العباس وسلطة محلية ذات شقين ؛ إداري وعسكري ممثلة على التوالي بوكيل المحافظة الأول وقائد المحور نائب رئيس اللجنة الأمنية وقادة الألوية والأجهزة الأمنية ، على السيطرة وبسط النفوذ في المدينة ، حيث تسعي الجماعة لتوسيع سلطتها خارج مناطقها التقليدية على حساب الفراغات التي تتيحها السلطة المحلية التي تعاني من ازدواجية واضحة بين أجهزتها الإدارية والأمنية .

وفيما يقاطع عارف جامل ، وكيل المحافظة ، أغلب اجتماعات قيادة المحور المخصصة لمناقشة الوضع الأمني وينفرد بإصدار قرارات تكليف لمسؤولين أمنيين ، قاطع مدير عام الشرطة محمود المغبشي إجتماع الوكيل بمدراء عموم أمن المديريات ومدراء أقسام الشرطة ، الأربعاء 1/ مارس ، احتجاجاً على تلك التعيينات .

صباح الأحد 5/ مارس الجاري ، عقد إجتماعاً أمنياً ضم اللجنة الأمنية والقادة العسكريين وبحضور الوكيل الأول للمحافظة، وكان الملفت في الأمر ليس مشاركة جامل رغم مقاطعته ، بل بيان مركز إعلام المحور الذي أكد على رئاسة قائد المحور للاجتماع ، حيث كلفت اللجنة الأمنية السلطة المحلية ممثلة بالوكيل بوظائف ، بحسب البيان ، يفترض أنها تخصها، وذلك بمتابعة استلام موقعي القلعة والأمن السياسي والأفراد المتورطين في العملية لدى جماعة أبي العباس ، في إشارة ضمنية للعلاقة الخاصة التي تربطه بالجماعة .

من جهة أخرى ، حرص المكتب الإعلامي لوكيل المحافظة على إصدار بيان عن الإجتماع ينسب فيه رئاسة الإجتماع له ، ويتجاهل الإشارة لقضية التكليف ، في إشارة واضحة لطبيعة الصراع بين ذراعي السلطة المحلية حول القيادة والمسؤولية السلطوية والأمنية .

وكان جامل قد غرّد أكثر من مرّه على صفحته بالفيس بك منتقداً قرارات وإجراءات اللجنة الأمنية ، في وقت يسعى فيه ، بصفته رئيس فرع المؤتمر المؤيد للشرعية ، لبناء تحالفات سياسية أشهرها اللقاء التشاوري مع جماعة أبي العباس في 25/ ديسمبر من العام الماضي .

ويضاعف الصراع السياسي بين الأحزاب والتيارات السياسية من حدة الصراع على السلطة بين الطرفين ، حيث تنظر الأحزاب الأخرى لكثافة تواجد عناصر حزب الإصلاح في الألوية العسكرية بكثير من الريبة التي تدفعها لمساندة جماعة أبي العباس سياسياً بغرض خلق توازنات قوة تمنع التفرد بالقرار .

وتدرك المكونات السياسية والمدنية والقوى الإجتماعية  طبيعة التغيرات والتحولات الجارية والفراغات السياسية التي ستخلق واقعاً جديداً ، ما يضاعف من سباقها المحموم لإعادة تموضعها السياسي وحجز مقاعدها في التشكيلات القادمة .

ويتحالف الناصريون مع قيادات اشتراكية وأخرى مستقلة في تكتلات ولقاءات لم يُكتب لها الظهور حد الآن ، لكنها تعكس حالة الإحتقان والصراع الذي يحاولون من خلاله كبح جموح الإصلاح ورغبته في تكريس هيمنته باستغلال كثافة تواجده في الجبهات وسيطرته على مواقع القيادة في الألوية العسكرية المُشكَلة والأجهزة الأمنية

إقرأ أيضاً  شراء الملابس المستعملة للاحتفال بالعيد

من ناحية نظرية ، تعتتبر جماعة أبي العباس تابعة للواء 35 مدرع بقيادة الحمادي وفقاً لعملية الدمج ، لكنها عملياً لا تخضع لقيادته ، حيث تتلقي عناصرها  المسلحة وأجهزتها السلطوية أوامرها وتوجيهاتها من قائد الجماعة الذي لا يشغل موقعاً عسكرياً رسمياً في قيادة اللواء الذي يتبعه .

يتحدث أغلب النّخب في المدينة ، عن حزب الإصلاح – أبرز التيارات الإسلامية – باعتباره صاحب السلطة ومالكها وبعضهم يشير إلى أبي العباس كجهة تمارس السلطة والحكم ، فيما يستغرب البعض من سؤالك ، حيث لا يرون أن ثمة سلطة محددة يمكن وصفها ، في إشارة للفوضى . .

ورداً على سؤال من يحكم تعز ، قال الناشط السياسي والمدني المستقل عبد الستار الشميري : ” يحكم. تعز سلطة الامر الواقع . فسيفساء من جماعات دينيه مختلفة التوجهات. اهمها جماعة الاخوان المسلمين ( الإصلاح ) . هذا واقعا، اما صوريا. محافظ واحزاب وهيئات اخرى ”

 

مظاهره 

دشنت جماعة العباس ، عبر مسلحيها وعرباتها العسكرية ، مرحلة المواجهة المسلحة مع أجهزة السلطة المحلية علناً في الـ 24 من يناير من خلال قيامها بتطهير موقعي قلعة القاهرة والأمن السياسي الواقعتين في قطاعها من أي تواجد للحراسات التابعة للواء 22 ميكا ، واعتدائها على إدارة الشرطة وإطلاق بعض السجناء من السجن الخاص بالإدارة ، وذلك عقب إعلان قيادة المحور بدء تنظيم حملة أمنية رسمية تجوب الشوارع لحفظ الأمن والحد من ظاهرة الإغتيالات التي تزايدت منذ بدء الإشتباكات المسلحة بين عناصر الجماعة ومجاميع مسلحة منفلته في شارع جمال منتصف يناير الماضي .

ورغم محاولاتها الحثيثة ، فشلت قيادة المحور في استرداد المواقع العسكرية من الجماعة ، حيث اعتذر قائد اللواء 35 مدرع عدنان الحمادي عن تنفيذ توجيهات قيادة المحور بناء على توجيهات رئيس الجمهورية، بتسليم الموقعين لرئيس عمليات المحور عدنان رزيق الرجل الثاني في كتائب حسم ، معللاً اعتذاره بما وصفه عدم علاقة كتائب أبي العباس باللواء الذي يقوده إلا بالكشوفات حد قوله في التعقيب الذي حرره رداً على توجيهات قيادة المحور .

كما فشلت قيادة المحور في تنفيذ أياً من القرارات والإجراءات التي اتخذتها مع قيادة الألوية والأجهزة الأمنية ، سواء المتعلقة منها بتسليم نقطة الهنجر للواء 17 مشاه بدلاً عن كتائب العباس ، أو ما يتعلق بقراراتها في إلغاء مسميات الفصائل وتوحيد ألوان العربات العسكرية أوالعمل تحت غرفة عمليات مشتركة تجمع الأمن والجيش .

وفي 16 / فبراير ، اقتحمت عربات مسلحة تابعة للجماعة قسم شرطة وادي الدحي التابع لإدارة أمن  مديرية المظفر بالمدينة وأعتقلت مدير القسم ، وبعد أيام خاض مسلحوها عدة اشتباكات جراء محاولاتهم لإنشاء ثلاثة أقسام شرطة جديدة في مناطق مختلفة خارج نطاق سيطرتها .

 

موقع حزب الإصلاح 

تتحاشى قيادة الحزب الدخول في أتون صراع مباشر مع الجماعة السلفية ، وتلجأ لإدارة الصراع بطرق غير مباشرة وعبر أساليب وواجهات أخرى ، فرغم إخفاقها في تفريخ الجماعة السلفية الحجورية بعد محاولته استقطاب أحد أبرز قادتها “أبو الصدوق ” ودعمه لتولي قيادة الجماعة بدلاً عن أبي العباس ، فقد نجحت في توظيف صراعات الكيانات السلفية مع بعضها لاستمالة كتائب حسم والدخول معها في تحالف كثاني أكبر جماعة سلفية مؤثرة في الأحياءالقديمة .

كما تمكن الحزب من مد أذرعه في اللواء 22 ميكا إلى الجبهة الشرقية لتطويق جماعة أبي العباس في الجبهة التي تزعم قيادتها

(العسكري -التشريفات -القصر الجمهوري ) وقطع صلتها بخطوط التماس مع الحوثيين هناك .

وتمارس قيادة المحور سلطتها الأمنية في نطاقها بواسطة القوة العسكرية التابعة لفصيلين من المقاومة ؛ كتائب حسم بقيادة عمار الجندبي وكتائب الطلاب بقيادة عزام الفرحان نجل أحد قيادات الإصلاح ، حيث تم انتدابهما للعمل مع المحور بالتنسيق مع ثلاثة ألوية تضم في تشكيلاتها مختلف الكتائب والجبهات التابعة لقيادات ميدانية تنتمي لحزب الإصلاح ومجاميع قبلية أخرى تتبع قائد اللواء 22 ميكا صادق سرحان والشيخ حمود المخلافي قائد المقاومة بتعز.

وتعيش الأجهزة المحلية بمختلف أجهزتها حالة عجز ذاتي وتشكو إهمال الحكومة الشرعية لها وتخليها عن دعمها ، فالمحافظ غائب عن المدينة منذ أشهر ومسلحي الفصائل لازالوا يتلقون توجيهاتهم من قادة فصائلهم لا قيادة الألوية التي يتبعونها ، بما في ذلك التي تعمل تحت قيادة المحور.

يؤكد العقيد عبد الله الوهباني مدير عام شرطة مديرية المظفر في تصريح للمشاهد ، أن إدارته مثل بقية الإدارات الثلاث داخل المدينة ، متوقفة عن العمل منذ أسابيع بسبب عدم امتلاكها للإمكانيات اللازمة والموازنات التشغيلية ، حيث كل أقسام الشرطة التابعة لها تعمل بمجهود ذاتي يشبه المجهود الأهلي لفض النزاعات عن طريق التحكيم .

 

موقف القيادة الشرعية 

يجري تهيئة تعز بصورة منتظمة لخوض صراع ثنائي داخلي بين مكوناتها السياسية وجماعاتها المسلحة ، حيث لا تتورع القيادة الشرعية عن توفير مناخاته بشكل يستدرج الأطراف للخوض فيه بوعي أو بدون وعي .

ويصبح تخاذل الحكومية الشرعية في إسناد ودعم رموز السلطة وأجهزتها بما تحتاجه لبسط سلطتها على كافة مناطق المدينة الخاضعة للشرعية ، مؤشراً كافياً يستند إليه الكثير في توجيه اللوم وتحميل المسؤولية على الحكومة فيما يخص صراعات تعز .

ويستند البعض على توجيهات هادي المتعددة إزاء أحداث 24 يناير وتداعياتها ، لوصف مواقفه تجاه تعز بالمتناقضه بما يكفي للجزم بأنها لا تساهم بحل معضلة الصراع بقدر ماتعمل على مفاقمته ، حيث صدر من الرئيس هادي ثلاثة توجيهات يناقض فيها الأخير ما قبله فيما يخص استلام موقعي قلعة القاهرة والأمن السياسي اللّذين سيطرت عليهما جماعة العباس في تلك الإحداث الشهيرة .

يبدو حرص أبي العباس وإصراره على الإرتباط بالرئيس هادي عند مناقشة موضوع تسليم مؤسسات الدولة – كما ورد بنص بيان لجنة الوساطة الأخير في مأرب –  دليلاً كافياً على أن عدم اعترافه بالسلطة المحلية المكلفة ، مرتبط بتجاهل الحكومة لما قد يترتب على ذلك من مخاطر على أمن ومستقبل تعز ، وإلاً لكان لها موقف آخر أكثر حسماً . وفقاً لطرح كثير من المراقبين .

مقالات مشابهة