المشاهد نت

اليمن: المستشفيات الحكومية واقع الانهيار المتسارع وقصص من واقع الحال المرير

طفلة يمنية تعانى من سوء التغذية

المشاهد- معاذ الحيدري – خاص:

ليس هناك شيء أصعب من ان يكون الموت زائرا يوميا الى المكان الذي تتواجد فيه، والاصعب ان تشاهد الموت وهو يحوم، ويخطف في كل مرة، شخصا، او طفلا ينام الى جوارك، على سرير المرض في نفس الغرفة، او في القسم المجاور. بل في ظل حرب، واخبار منظمات دولية، تفيد بان طفل يمني يموت كل 10 دقائق، وان لم تكن دقيقة؛ فهي مقلقة.

هذا هو حال الطفل محمد راشد، البالغ من العمر 4سنوات، والذي ينام على سرير المرض وفي احدى زوايا مستشفى الثورة العام بصنعاء منذ شهر، وهو بين الحياة والموت.

محمد راشد، وهو من محافظة حجة، وكما تحدثت والدته لــ “المشاهد”، بلغة قهر وحرمان وحزن عميق، يعاني من مرض تجمع السائل الدماغي، وهو بحاجة الى علاج وجهاز وعملية بتكاليف 250 ألف ريال، وهي عاجزة تماما عن توفير هذا المبلغ او حتى بعضه.

تقول “زوجي عامل وعاطل عن العمل وما نلاقي ما نأكل فكيف لنا ان نوفر تكلفة العلاج هذه والعملية، لنا شهر في المستشفى منتظرين بعض الناس الذين واعدونا بأنهم سيحاولون ان يجمعوا تكاليف العلاج وللآن منتظرين والناس حالتهم تعبانة والذي بيساعد بكم بيساعد، منتظرين وعلى الله”.

“ولدي الان بين الحياة والموت وجالس بقلق وخوف لو يأخذه الموت مني قبل ما اعالجه” قالت والدة راشد بحرقة، ولم تستطع كتم دموعها وهي تصف معاناتها امام قاهرين: الفقر والمرض.

سحابة حزن كثيث وشعور بالقهر فعلا، تجعلك تفكر كيف يفتك الفقر بإنسانية الانسان ويهزمه هزيمة مريره، فلحظة الشعور بالعجز القاهر من أبشع اللحظات التي يمر بها البشر ربما.

وراشد ضمن نصف مليون طفل يمني، قالت عنهم منظمة اليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية بأنهم مهددون بالموت والخطر، مع فارق وحيد في تعدد أسباب الوفاة، وعلى راس تلك الأسباب مرض سوء التغذية ربما الذي وسعته الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد.

ودخل الوضع الصحي في اليمن جراء الحرب مرحلة انهيار وشلل تام، ويوما بعد اخر أصبحت المستشفيات الحكومية في العاصمة صنعاء ومحافظات يمنية كثيرة عاجزة عن تقديم الخدمة تحت سلسلة طويلة من الأسباب، وعلى راس تلك الأسباب اختفاء العلاجات، اضراب الكادر الطبي بسبب انقطاع المرتبات، وغياب الموازنات التشغيلية، الى جانب ذلك غياب الكهرباء وغياب المستشفيات النفطية وما الى ذلك من أسباب لا حدود ولا حصر لها.

يقول الطبيب أحمد الاهدل في مستشفى الثورة، لــ “المشاهد”: “المستشفيات الحكومية لم تعد تقدم الرعاية الصحية بالشكل المناط بها وبدأت الخدمات فيها شبه منقطعة في حين المواطن عاجز عن الرجوع لمستشفى خاص في ظل هذا الوضع، الذي لا يستطيع المواطن دفع تكاليف الرعاية الصحية في مستشفى حكومي ما بالك في خاص”.

وأضاف: ” المشكلة تكمن في غياب العلاج والخدمات بسبب الحرب والحصار، اما الطبيب فلا مشكلة كبيرة فيه، انا اتواجد وامر على أكثر من مريض واقوم بتحديد قائمة من الفحوصات والعلاجات الأولية على سبيل المثال للمرضى وعندما اعود له اليوم الثاني والثالث والرابع وبعد أسبوع اجده راقدا في المستشفى ولا فعل لا فحوصات ولا أجهزة ولا اشترى علاجات، يقول لك ما فيش معه فلوس وتكاليف وعادهم يبحثوا عن قيمة علاج وحق أجهزة”.

وبحسب الطبيبة امة العليم قائد، فان العلاجات في مستشفى الثورة وفي بقية المستشفيات الحكومية تقريبا، مختفية ومعدومة، على سبيل المثال كان المريض في السابق يحصل على علاجات مجانية، كعلاجات الحالات الطارئة والمضادات الحيوية والمهدئات الشرنقات واشياء كثيرة، الان أصبح كل شيء على المريض وكل شيء يقوم بشرائه هو من خارج المستشفى”.

وتضيف في حديثها لــ “المشاهد”: “تصور ان حتى انابيب الفحوصات غير متوفرة، حتى كمادات الاكسجين، الماء حق العملية غير متوفر بداخل المستشفيات غير متوفرة والمريض أصبح ملزم بشرائها من خارج المستشفى الحكومي”.

وترمي هذه الطبيبة، سبب هذا الاختفاء، الى الحصار المفروض على الادوية، واغلاق مطار صنعاء الدولي، وعدم السماح لدخول الادوية الى البلد، كما انها ترمي بهذه المشاكل الى الوضع الاقتصادي المتدهور، وغياب موازنات التشغيل وما الى ذلك.

ونظرا للظروف الاقتصادية المتدهورة، وفي ظل هذا الغياب للخدمة، تشهد المستشفيات الحكومية ازدحاما كبيرا، بسبب عدم قدرة الناس على العلاج في المستشفيات الخاصة، فأحيانا مستشفى الثورة وطبقا لعاملين فيه، يعجز عن استقبال عشرات ومئات الحالات، نظرا لعدم وجود اسرة رقود، وأحيانا لعدم توفر الطبيب المختص، وأحيانا لعدم توفر الأجهزة، والعلاجات الخاصة. وحصل ان خضع عشرات المرضى والذين هم في حالات حرجة للبقاء في طواريد وممرات الأقسام الطبية، التي تتحول أحيانا الى أماكن لرقود المرضى، حسب حديث ممرضين في المستشفى.

إقرأ أيضاً  اتساع ظاهرة التسول في رمضان

وتشير التقارير عن الوضعِ الصحي إلى أرقامٍ مخيفة ومهولة، حيث أفاد مكتب الأمم المتحدة للشؤونِ الإنسانية (أوتشا) في اليمن، في تقرير أخير له، أن عددَ اليمنيين الذين لا يحصلون على العنايةِ الصحية الكافية وصل إلى 15 مليون مواطن، بنسبةِ 60% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 26 مليوناً، وذلك لعدم قدرةِ المرافق الصحية على القيامِ بواجبها.

الدكتور جمال ناشر، مسؤول النظم الصحية بمنظمة الصحة العالمية، يؤكد بان الوضع الصحي في اليمن مستمر بالتدهور بمعدل ينذر بالخطر، وان المرافق الصحية التي كانت تعاني أساساً من شح الأدوية تجد نفسها الآن بلا أي دعم يضمن استمرار تشغيلها.

وقال ناشر في تصريح لــ “المشاهد”: “تفاقم الوضع الصحي بصورة أكبر بعد قرار الحكومة إيقاف الميزانية التشغيلية لوزارة الصحة العامة والسكان. ونتيجة لذلك، لم تتلقَ المرافق الصحية في اليمن أي دعم مالي لتغطية النفقات التشغيلية ودفع رواتب الموظفين منذ سبتمبر 2016.

وتابع حديثه بالقول “أبرز التحديات التي تواجهها المنشآت الصحية تكمن في نقص الأدوية الجراحية وأدوية علاج الإصابات إضافة للأدوية المتعلقة بالأمراض غير المعدية وأكياس الدم ومشتقاته ومستلزماته، واحتياجات المعامل، والوقود اللازم لتشغيل سيارات الإسعاف والمولدات الكهربائية لضمان الاستمرارية في توفير الخدمات خلال انقطاع الكهرباء”.

وطبقا لــ ناشر، فقد كشفت النتائج النهائية لنظام توافر الموارد الصحية في 16 محافظة شملها المسح بأن 1,579 مرفقاً صحياً (45%) فقط من أصل 3,507 مرافق ما تزال تعمل بكامل طاقتها، وأن 1,343 مرفقاً (38%) تعمل بجزء من طاقتها، فيما توقف العمل تماماً في 504 (17%) مرفقاً صحياً. ومن أصل 276 مديرية شملها المسح، فإن 49 مديرية تفتقر تماماً للأطباء، كما أن 42% من إجمالي المديريات لديها طبيبين أو أقل (في كل مديرية). أما عدد الأَسرة المتوفرة في المستشفيات، فقد بلغ 6.2 سرير لكل 10,000 من السكان؛ وهو ما لا يلبي المعيار الدولي الذي يتطلب 10 أَسرة على الأقل لكل 10,000 من السكان.

ويفيد أطباء لــ “المشاهد”، بان العديد من المستشفيات العامة لجأت إلى خفض أو إغلاق بعض الأقسام مثل غرف العمليات ووحدات العناية المركزة.

وتتجاوز الاحتياجات الصحية بكثير الوقاية من فاشيات الأمراض. فالأمراض من قبيل السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان تودي بحياة أعداد تتجاوز ما تحدثه الرصاص والقنابل. ناهيك عن عدم توافر الأدوية اللازمة للسيطرة على هذه الأمراض ببساطة بكميات كافية، كما تفيد تقارير المنظمات الدولية بشأن الوضع الصحي في اليمن.

جميع المرضى ومن مختلف الشرائح يواجهون خطر الموت، حسب الطبيب في المستشفى الجمهوري بصنعاء، عبد الله أحمد خالد، والى جانب تأكيده لما سبق ذكره من قبل بعض الأطباء، يشير الى ان الأمهات والأطفال هم أكثر من يواجهون صعوبات صحية بشكل كبير، وأكثر عرضة للخطر، نظرا لطبيعة هذه الحالات، وطبيعة الرعاية السريعة، التي يكونون بحاجة لها ولم يجدونها.

ويقول خالد لــ “المشاهد”: “المعوقات التي تواجه الأم والطفل تبدأ من المنزل أحيانا، عدم قدرة الزوج أو الأهل الوصول بالمريض إلى المستشفى بسبب المواصلات وكثرة نقاط التفتيش خاصة، إذا كان هناك حالة حرجة، فيكون هناك تأثيرا سلبيا فتصل الحالة وقد حدث لها مضاعفات أكثر سوءً، مثل النزيف الحاد أو التسمم في الحمل وفي هذه الحالات يحتاج المريض إلى رعاية صحية ضعف ما ستقدمه في الحالة الطبيعية وهناك من يموت نتيجة لهذه المعوقات “.

غياب الخدمة الطبية وارتفاع تكاليفها، عامل رئيسي ربما في تدهور الوضع الصحي في اليمن، ولكن كل المؤشرات تقول بان الوضع المالي لكثير من الناس هو من ساهم في تفاقم المرضى، حيث يشير بعض الأطباء، وفي حديثهم لـ “المشاهد” الى ان الوضع المالي لا يسمح للأب بإسعاف طفله من أجل الحصول على الرعاية الصحية، بالتالي يضطر إلى البقاء في المنزل، ومن هنا تتضاعف الحالة وتصل إلى سوء تغذية حاد، ويصبح الطفل بحاجة الى رعاية صحية ورقود والمشكلة إن أغلب المواطنين لا يستطيعون تحمل أعباء وتكاليف العلاج.

ومن هذه الزاوية ربما جاء حديث المنظمات الدولية الذي يقول ان كل عشرة دقائق يموت طفل في اليمن. ولكن بالمقابل ورغم هذا الحديث ما زال الإنقاذ لملايين من الناس بعيدا، في حين ان الحلول لهذه الماسي لا تحتمل التأخير، بل تحتاج الى التدخل السريع والطارئ. ولا حياة لمن تنادي.

مقالات مشابهة