المشاهد نت

نساء في تعز ..التسول من اجل البقاء

صورة ارشيفية

المشاهد – هشام المحيا-خاص :

على حين غفلة من الدهر  وجدت الام ابتهال عبدالكريم ذات ال٣٧ ربيعا نفسها مرمية في ساحة معاناة واسعة تصارع الخطوب وتقاسي مرارة الحياة ، تمد يدها لتستجدي السعادة من ايدي المارة بعد ان سلبتها المليشيا الحوثية سعادتها ونعيمها كما فعلت بالمئات من غيرها ممن اجبرتهن المليشيا على الخروج الى الشوارع لمد ايديهن للناس لسد احتياجات اسرهن … تفاصيل معاناة ابتهال وغيرها ودور المجتمع في التخفيف من المأساة تجدونه في السطور التالية

في إحدى غرف المنزل المتهالك الذي قصفته المليشيا الانقلابية تسكن ابتهال عبدالكريم مع ابناءها الاربعة اكبرهم لا يتجاوز عمره ١٢ عاما بالإضافة الى  زوجها البالغ من العمر ٤٥ عاما والذي بترت القذيفة احدى ساقيه وتسببت في شلل بيده اليمنى الامر الذي تسبب في توقف مصدر دخل الاسرة حيث وان الرجل لم يكن يمتلك مرتبا فقد كان يعمل في مهن حرة مختلفة ، لذلك وجدت الزوجة نفسها امام مسئولية انقاذ الاسرة من الموت وبالتالي نظمت برنمجا يوميا لها ففي الخامسة من صباح كل يوم تبدأ ابتهال طقوس حياتها القاسية فبعد ان تؤدي صلاة الفجر تتوجه زوجها لتقوم بعمل المجارحة الخفيفة التي تستطيع عملها بعد ذلك تتوجه الى الشارع وبالتحديد الى شارع جمال بالقرب من مدخل سوق ديلوكس ومصرف الكريمي وهناك تمد يدها للمارة ليتصدقوا عليها بما جادت به ايديهم وقبل الظهيرة تعود الى المنزل وقد وفرت لقمة العيش لابناءها وبعض الادوية الضرورية لزوجها وهكذا تعيش حياتها كل يوم منذ حوالي سبعة اشهر وقد كانت بالسابق تنعم بمنزل آمن ولقمة عيش آمنة واطفال يذهبون الى المدرسة كل يوم .

الاختيار الصعب

لم تكن ابتهال وحدها من نساء تعز ممن اجبرن على التسول بعد ان كن يعشن في حياة اسرية مستقرة تنحصر همومها في صناعة الطعام لاطفالهن والاهتمام بتعليمهم وتربيتهم تربية صالحة ، إذ تمكنت المليشيا الانقلابية الاجرامية من نسف كل مظاهر الحياة في مدينة تعز فقتلت  الالاف من أرباب الاسر وجرحت اضعافهم جراحات افقدتهم القدرة على العمل والانتاج ، الامر الذي القى بمهمة انقاذ الاسر من الموت على كاهل النساء فتحولن إما الى متسولات في الشوراع او الى نازحات عند اقارب ليسوا بأفضل حال منهم او في المنازل يواجهن شبح الموت جوعا هن وأطفالهن

” ع ق ” امرأة اخرى لم تجد بدا من مد يدها الى الناس في الشوارع والمساجد ، فأقاربها كما تقول غير قادرين على تحمل مسئولية انفسهم فضلا عن تحمل اعباء غيرهم ” تقول ” ع ق ” وتقاطيع الحزن تبدو جلية في حروفها وكلماتها ” كان زوجي المتوفى منذ خمس سنوات يملك دكانا في المدينة وقبل تسعة اشهر قامت المليشيا بقصفه مما ادى الى تدميره بالكامل ، وكان هذا المحل هو مصدر الدخل الوحيد الذي يوفر لأبنائي الخمسة لقمة العيش وكذا قيمة العلاج لابني الاكبر الذي يعاني من امراض مزمنة في القلب والمعدة ، ولذلك لم اجد حلا سوى مد يدي للناس لسد حاجة اطفالي ورغم ذلك لا اجد الا القليل من الناس يتصدقون نظرا للوضع الذي يعانيه الجميع ..” وعن دور المنظمات الاغاثية تقول ” نادرا ما نحصل على مساعدات غذائية إذ نحصل على سلة غذائية كل شهرين واحيانا كل ثلاثة اشهر  وهي لاتكفي الا لأسبوعين ”

محاولات انقاذ

عائشة الربيعي ناشطة اجتماعية ينحصر نشاطها في حدود المبادرات المجتمعية تتحدث عن اتخاذ بعض النساء لقرار التسول فتقول ” في الواقع لم تكن تفكر نساء تعز قاطبة بما يحدث الان غير ان مشيئة الله كانت فوق كل شيء ، وعلى كلٍّ  وكما هو معروف فقد تسببت الحرب التي تشنها مليشيا الحوثي وصالح على تعز بقطع مصادر دخل الكثير من الاسر اما بقتل اربابها او بتدمير ممتلكاتها وبالتالي كانت النساء بين خيارين إما الاستسلام لشبح الموت جوعا أو الخروج لمد الايدي للناس ، وكانت النتيجة أن عددا لا بأس به من ربات الاسر قررن الخروج بينما فضلت الاغلبية البقاء في البيوت أو في أماكن النزوح ، ونحن بدورنا قمنا أكثر من مرة بمبادرات لجمع تبرعات من فاعلين الخير لنسد جوع هؤلاء بحدود امكانياتنا وبالفعل تمكنا من تأمين حاجة عدد من تلك الاسر في حي المسبح والمدينة القديمة ونأمل أن يلتفت المجتمع الى هؤلاء ليساعدوا في سد جوعهم ”

إقرأ أيضاً  اقتصاديون ومواطنون: الوضع المعيشي «لم يعد يطاق»

مدينة منكوبة

ائتلاف الاغاثة الانسانية بتعز تحدث عن فداحة المأساة التي تعيشها مدينة تعز والتي لم تستثن المرأة بل إن الكثير من عمليات القتل والتشريد والقصف اليومي لمنازل ومنشآت ومحلات المدينة القت بضلالها على النساء اللاتي وجدن انفسهن امام مسئولية تحمل اعباء اسرهن وقال  المدير التنفيذي للائتلاف امين الحيدري – للمشاهد – ان الوضع في تعز يزداد سوءا يوما بعد أخر وانه لم يستثن احدا من سكان المحافظة بما في ذلك النساء في ضل صمت رهيب لمعاناتها من قبل منظمات الامم المتحدة والمنظمات الانسانية الدولية  ، وأشار إلى أن هناك 21 ألف و250  يتيم ومعاق، وطلبة المستوى العام، الأرامل والمسنين، والشباب، بحاجة ماسة إلى الدعم والرعاية وإدراجهم ضمن برامج التمكين الاقتصادي وتقديم الرعاية الشهرية لهم.

واضاف ” يتعرض أبناء هذه المحافظة للموت وأمراض سوء التغذية ومرض الكلوليرا وانقطاع المرتبات الشهرية للموظفين، وتوقف إرسال المساعدات الإغاثية والإنسانية للمتضررين والنازحين جراء الحرب منذ أغسطس 2016 وحتى مايو 2017 ، وأكد الحيدري أن تعز تحتاج إلى الكثير من المعونات والمساعدات لوقف هذه المأساة وقال ” تتلخص الاحتياجات المعلنة في ثلاثة عشر مجال وهي  كالآتي: “التغذية والصحة والمياه والصرف الصحي وايواء النازحين و الأمن الغذائي والزراعة و الحماية و الإصحاح البيئي و التعليم (العالي، الفني، العام) والمرأة والطفل و بناء القدرات و رعاية (المعاقين والعجزة) والمشاريع التنموية المستدامة و مشاريع التمويل الصغيرة والأصغر للمهن والحرب ، ويقدر إجمالي الاحتياج الشهري للأسر في مديريات محافظة تعز، من السلل الغذائية تصل إلى 500ألف سلة غذائية لعدد 500ألف أسرة وبتكلفة إجمالية تصل إلى 64 مليار ريال يمني، أي ما يعادل 305 مليون دولار أمريكي،  للوصول إلى حالة الاستقرار، كما يصل حجم الاحتياج الشهري أيضاً من الوجبات الساخنة 200ألف وجبة لعدد 200 ألف فرد، في حين أن 40ألف أسرة بحاجة للتمور، و 100ألف أسرة بحاجة للحوم ”

اسباب ونتائج

تتضح حجم المأساة الملقاة على عاتق النساء اللاتي أجبرن على التسول أو ممن قد يلحقن بهن في هذا الظرف عندما نستعرض حجم الجرائم التي ارتكبتها المليشيا الحوثية في المحافظة  فهناك ما يزيد عن 4 ألف و204 منزل ومنشأة عامة منذ بدء الحرب وحتى مطلع شهر مارس/ آذار بحسب احدث تقارير ائتلاف الاعاثة ، أما  الضحايا الذين يتساقطون يومياً جراء الحرب، فقد وصل عدد القتلى حتى مطلع مايو إلى 4637، كما وصل عدد الجرحى والمصابين إلى 17ألف و450 شخصا، من جهة أخرى تحتاج 98 ألف أسرة إلى مواد إيوائية متنوعة، ، كما تحتاج 29 ألف و95 أسرة نازحة إلى برامج (دعم مشروعات صغيرة) سبل عيش، لتمكينها من الاكتفاء الذاتي .

وبناء على هذه الارقام يتضح حجم المسئولية التي تواجه نساء تعز فهن بين خيارين إما الموت جوعا مع اطفالهن وإما استجداء كسرة الخبز من ايدي الناس

خلاصة القول

تسبب الحوثيون بحربهم الهمجية على محافظة تعز بتعطيل مسار الحياة الطبيعية بعد أن وجهت مختلف الاسلحة التي نهبتها من معسكرات الدولة الى صدرو ابناء المحافظة ليصبح قرابة اربعة ملايين نسمة وهم اجمالي سكانها ضحايا إما بالقتل او الاعاقة او التشريد والنزوح او بقطع مصادر دخل آلاف الاسر ، وبالتالي لم تجد بعض  النساء بدا من الخروج الى الشوارع لمد ايديهن للناس لتأمين لقمة العيش لأبناءهن الذين افقدتهم المليشيا آبائهم او من كان يعولهم سواء من الاقارب او من مصادر دخل ثابتة كالمحلات التجارية التي دمرتها المليشيا الحوثية ،بالمقابل تبقى النساء اللاتي فقدن ازواجهن او مصادر دخل اسرهن وفضلن عدم الخروج الى الشوارع – وهن الاغلبية – تحت تهديد الموت جوعا مع اطفالهن  ويأمل هؤلاء باعتبارهم ضحايا الحرب في هذه المحافظة المنكوبة ان تلتفت اليهم ايادي الخير بعد ان خذلتهم حكومتهم والمنظمات الدولية .

 

مقالات مشابهة