المشاهد نت

من داخل مخيم “المنجورة ” الــ”المشاهد ” ينقل قصص مرارة النزوح ووجع الخذلان

نازحة من مدينة حرض -صورة خاصة لــ"المشاهد"

المشاهد -خاص :

 

بعد أن حاصرهم الموت من كل جانب، غادر سكان مديريتي حرض وميدي الحدوديتان بمحافظة حجة شمال غرب اليمن, منازلهم في رحلة الى المجهول تاركين ورائهم أغلى مايملكون بحثاً عن ملاذ آمن.

 

فر هؤلاء النازحون من الموت فوجدوا أنفسهم أمام فصل جديد من المعاناة، زادها طول أمد الحرب وسوء الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل والذي أصبح مصدر تهديد لحياتهم بعد أن باعوا جميع ممتلكاتهم التي استطاعوا حملها لتوفير لقمة العيش.

 

وشهدت مديريتا حرض وميدي, نزوحاً كلياً بعد اشتداد المعارك على الشريط الحدودي بين مسلحي جماعة الحوثي والقوات السعودية المشتركة وفقد أهاليها منازلهم ومزارعهم وأعمالهم وتجارتهم التي تركوها خلفهم ولم يستطيعوا العودة إليها بسبب استمرار المواجهات التي حولتها الى أرض محروقه.

 

 

نصف مليون نازح

 

 

أقحم الحوثيون وصالح, حرض وميدي في الحرب وحولوها الى ساحة مواجهات هي الأعنف على مستوى الجمهورية بعد تمركزهم في المدينتين ومينائيها البري والبحري ماجعلها عرضة لغارات طيران التحالف العربي والقصف المدفعي والصاروخي المستمر.

 

وتسببت المواجهات على الشريط الحدودي في نزوح نحو نصف مليون نازح, منهم قرابة 150 ألف شخص من حرض وميدي, نزح البعض منهم عند أقاربه في مديريات المحافظة فيما توزع الأغلبية منهم على مخيمات النازحين في مديريات عبس وأسلم وكعيدنه والتي تعد من أشد المديريات فقراً في اليمن.

 

وتقدر الاحصائيات الرسمية عدد النازحين في محافظة حجة من مختلف المديريات بنحو 485 ألف و388 نسمة أي ما يعادل 80 ألف و898 أسرة منهم 134 الف نازح خارج المحافظة.

 

ويتواجد النازحون في جميع مديريات المحافظة إما في بيوت مستأجرة أو عند أقاربهم وعدد كبير منهم في تجمعات عشوائية يبلغ عددها 22 تجمعا في مديريات عبس وحيران وأسلم.

 

قصص مؤلمة

نازحون في مخيم المنجورة

 

غادر الأهالي منازلهم التي حوت أجمل الذكريات مجبرين، في رحلة رافقتها مشاهد الموت على أمل أن تكون فترة النزوح قصيرة تاركين حاجياتهم الأساسية من ملابس وأغراض شخصية وأثاث لينصدموا بواقع مر بعد أن طال أمد الحرب ودمرت منازلهم ومزارعهم بما فيها بعد تحول المدينتين الى منطقة عسكرية خالية تماماً من البشر ومن أي مظاهر للحياة.

من داخل مخيم "المنجورة " الــ"المشاهد " ينقل قصص مرارة النزوح ووجع الخذلان
نازحون في مخيم المنجورة شمال مديرية عبس محافظة الحديدة

وتروي مريم (أم لثلاتة أطفال) تسكن مع زوجها في مسجد مهجور بمديرية عبس معاناتها لـ”المشاهد قائله: لم نكن نتوقع أن الحرب ستطول وعند مغادرتنا منزلنا في مدينة حرض تركنا كل شيء هناك على أمل عودة قريبة لاتتجاوز أسبوع أو اسبوعين وهانحن تحت هذا السقف المعرض للإنهيار منذ نحو عامين وفقدنا الأمل في العودة ووفقدنا منازلنا وممتلكاتنا أيضاً.

 

وتضيف بحسرة: “كنا في نعيم بل كنا ملوكاً في مدينتنا, لا نأكل الا أفضل الوجبات وأطفالي لايلبسون الا أجمل الملابس وكما ترون هاهم اليوم يتضورون جوعاً وأصيب أصغرهم بسوء تغذية حاد, ونعيش هنا على الصدقات فلا منظمات ساعدتنا ولا دوله ولاسامح الله من كان سبباً في تشردنا.

 

ووصفت ظروف عيشهم بالصعبة بسبب الغلاء وعدم توافر فرص عمل لسد تكاليف معيشتهم حيث يعيشون على مساعدات شحيحة من منظمة الغذاء العالمي، وتضيف ”كل مانحصل عليه من مساعدات من أهل الخير والجيران نقتصد فيه لشراء الحليب لأطفالنا فزوجي عاطل ولم يستطع الحصول على عمل هنا.

 

مخيم المنجورة

 

في مخيم المنجورة الواقع بمنطقة “بني حسن”، شمال مديرية “عبس” بمحافظة حجة، يعيش النازحون أوضاعاً مزرية، حيث تفتقر معظم الخيم إلى أدنى ظروف العيش الإنسانية، ويفترش بعض النازحين الأرض ويقضون ليالي صعبة في العراء ويحاولون الاستمرار في العيش بأبسط مقومات الحياة على الرغم من صعوبة حصولهم على احتياجاتهم”.

 

يعيش النازحون في مخيم “المنجورة” حياة شاقة في ظل إرتفاع درجات الحرارة، خصوصاً في فصل الصيف، حيث يقع المخيم في منطقة جرداء قاحلة ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل كبير ما أدى إلى انتشار الأمراض الصيفية مثل الإسهال والجفاف والأمراض الجلدية المعدية خصوصاً في أوساط الأطفال.

 

ويستضيف المخيم الواقع على بعد 35 كيلومتراً جنوب مدينة حرض الحدودية، نحو 3 آلاف أسرة تفتقر الى المأوى الملائم في ظل درجة حرارة تقترب من الـ 40 درجة مئوية، ضاعفت معاناة الأطفال بالإضافة الى النساء الحوامل والمسنين وآخرين ممن يحتاجون للرعاية الطبية.

 

ويعاني النازحون في المخيم من أزمات حادة ونقص في الاحتياجات الأساسية، من علاج ومياه صالحة للشرب وغيرها، ومما يزيد الأمر سوءا درجات الحرارة العالية التي يشكو منها سكان المنازل في الساحل التهامي الممتد من الحديدة إلى حرض، فكيف بساكني الخيام التي ترتفع فيها درجات الحرارة عشرة أضعاف.

 

 

وضع صحي متردي

 

 

ينذر الوضع في مخيم المنجورة، بكارثة بيئية وصحية بسبب انتشار أمراض خطيرة مثل الكوليرا والإسهالات المائية والملاريا والسعال الديكي والأمراض الجلدية المختلفة مايهدد حياة آلاف الأطفال في المخيم، ناهيك عن سوء التغذية بسبب النقص الحاد في الغذاء والدواء.

 

وعن الوضع الصحي في المخيم يقول الناشط محمد طيب لـ”المشاهد: “يوجد في المخيم عيادة طبية بسيطة تقدم اسعافات أولية ولاتتوفر فيها أدوية أو معدات، وهناك طبيب واحد فقط لـ 3 آلاف أسرة في المخيم ولجميع الإختصاصات وأغلب الحالات تحول لمستشفى عبس الريفي الذي تديره منظمة “أطباء بلا حدود” .

 

ويضيف: “أغلب مديريات المحافظة منكوبة ومتضررة بسبب موجات النزوح الكبيرة من مديريات (حرض وميدي وبكيل المير ومستبأ وحيران) في ضل نقص حاد في الأدوية والمحاليل الطبية وانتشار كبير للأوبئة واﻷمراض الفتاكة, مثل الكوليرا وسوء التغذية.

إقرأ أيضاً  عملة معدنية جديدة.. هل فشلت جهود إنهاء الانقسام النقدي؟

 

في العاشر من يوليو الماضي, قالت منظمة أطباء بلا حدود إن مديرية عبس في محافظة حجة (شمال غربي اليمن)، هي أكثر مناطق اليمن تأثرا بتفشي عدوى الكوليرا؛ جراء تلوث المياه، في المديرية التي تحتضن ربع نازحي المحافظة.

 

وذكرت إن مديرية عبس التي تحتضن عدة مخيمات للنازحين أكبرها “المنجورة” سجلت أول حالة إصابة بالكوليرا أواخر مارس، ثم ازداد عدد الحالات بشكل مخيف، حيث يستقبل مركز علاج الكوليرا لدى المنظمة في عبس حوالي 462 مريضًا يومياً، أي أكثر من عدد المرضى الذي يتم استقبالهم في أي مكان آخر باليمن.

 

 

معاناة مستمرة

 

يفتقد عشرات الآلاف من نازحي المناطق الحدودية بمحافظة حجة للخدمات الايوائية والغذائية، ويعانون من نقص حاد في الغذاء والدواء ومياه الشرب النظيفة، ورغم كل ذلك لم تتجاوب سوى بعض المنظمات المحلية والأجنبية وكل ما قدمته لا يمثل 10% من احتياجات النازحين.

 

أم مجدي، نازحة من منطقة المزرق الحدودية شرقي حرض, تعيش على ما تقدمه منظمات الإغاثة الدولية من مساعدات، تقول لـ”المشاهد” إن هذه المساعدات لم تعد تكفي لتغطية احتياجات أسرتها من الطعام للأيام الأولى من كل شهر، وإن معاناتهم تزداد سوءا، خاصة بعد أن تم خفضها إلى النصف هذا العام.

 

ويشكوا أغلبية النازحين من عجز أصابهم في مواجهة ظروف الحياة المعيشية الصعبة، ومن افتقار المخيم لأبسط الخدمات، مع غياب الرعاية الصحية اللازمة، وعدم وجود أماكن للاستحمام وقضاء الحاجة.

 

يقول أبوصالح, نازح من “ميدي” وهو يقف أمام خيمته التي أصبحت مأواه الجديد لـ”المشاهد: الوضع هنا مأساوي, والخيام حارة جداً في النهار ماتسبب في إصابة طفلتي بطفح جلدي, أما في المساء فننام خارج الخيمة فمن المستحيل تحمل الحرارة داخلها.

 

ويضيف: “نعيش على مساعدات شحيحية تقدمها منظمة الغذاء العالمي ولاتصل الينا الا وقد نهبوا نصفها ومايقدموه لنا لايكفي لمدة أسبوعين ونقتسمه مع بعض الأسر هنا والتي سقطت أسمائها ولا تقدم لهم اي مساعدات.

 

مشينا قليلاً في المخيم المترامي الأطراف فوجدنا محمد حمدان بجانب إحدى الخيام والذي تحدث لـ”المشاهد عن معاناته قائلاً “أعيش مع أسرتي (8 أفراد) في ظروف صعبة للغاية٬ والخيمة التي نقيم أصبحت متهالكة بسبب أشعة الشمس في الصيف ولم تعد كافية لحمايتنا من الأمطار  في فصل الخريف الذي سيحل قريباً”.

 

ويضيف: كنا نكرم الضيف في حرض ونتصدق على الفقير وعابر السبيل ونطعم المسكين واليوم نعيش على ماتجود به علينا المنظمات من الفتات والبعض منا أجبر على التسول لتوفير وجبة لأطفاله الذين يتضورون من الجوع لكن لانقول الا الحمدلله على كل حال .

 

 

بطالة طويلة الأمد

 

يعاني نازحو المناطق الحدودية بمحافظة حجة من بطالة طويلة الأمد، نتيجة انعدام فرص العمل وعدم امتلاكهم المال لتوفير قوت يومهم مادفع البعض للبحث عن عمل حتى وإن كان بأجر يومي زهيد لتلبية أبسط إحتياجاتهم الأساسية فيما لجأ البعض الآخر لممارسة التسول.

 

في مخيم المنجورة, يعيش غالبية النازحين بلا عمل. يقول أحمد عتين (35 عاماً) والذي كان يعمل في حرض في تهريب القات الى السعودية لـ”المشاهد“: نعيش هنا وضعاً مأساوياً, أخرج كل صباح بحثاً عن عمل وأعود في المساء بخفي حنين.

 

ويضيف: “جئنا إلى هذا المخيم، وازددنا بؤساً وشقاءً، وأصبح المخيم مليئاً بالشباب العاطل عن العمل. بحثت عن أي عمل براتب أو أجر يومي لكن دون جدوى وأفكر في السفر الى السعودية عبر محافظة صعدة لكنني لا أمتلك المبلغ الكبير الذي يطلبه المهربون.

 

ويتحدث حمزة (خريج جامعي) من ميدي قائلاً: استأجرت دراجة نارية من أحد المعارف بـ 500 ريال يومياً وظللت أعمل قرابة الثلاثة أشهر وأحصل على مايقارب ألف ريال (3 دولارات) بعد دفع الأجر اليومي لصاحبها لكنها تعطلت ورفض صاحبها إصلاحها على حسابه وعندما استدنت مبلغاً من المال وأصلحتها أخذها مني بحجة أنه يحتاجها كوسيلة مواصلات الى عمله.

 

ويضيف بأسى: فقدت الأمل في توقف هذه الحرب, حياتنا تحولت إلى جحيم. نتمنى أن تتوقف هذه الحرب ويعم السلام من جديد ونعود إلى الديار حتى وان صارت حطاما.

 

 

 

حلم العودة

 

ينتظر الحاج محمد انتهاء الحرب بفارغ الصبر، ويقول لـ”المشاهد”: لوتنتهي الحرب الليلة، أقسم أني سأعود إلى منزلي في مدينة حرض ولو في منتصف الليل وان شاء الله ساعود اليها وحلمي الوحيد أن أقبل ترابها قبل أن أموت.

 

ويصمت قليلاً ثم يستطرد: ” بالرغم من الأمان الذي نعيشه هنا إلا أن الحنين والشوق إلى حرض هو الأمل الوحيد لنا” “نريد العودة إلى مدينتنا، ونعيد بناء مادمرته الحرب” .

 

في المقابل تقول نوال شامي طالبة ثانوية نزحت مع أسرتها من إحدى قرى مديرية حرض الحدودية  لـ”المشاهد” لم نكن نتوقع أن تستمر فترة نزوحنا كثيراً، خرجنا هاربين من القصف ولم نحمل غير ثيابنا, ونعيش حياة قاسية هنا أنا وأسرتي منذ عامين.

 

وتضيف وهي تمسح دمعة فرت من عينيها: “إشتقت إلى معلماتي وزميلاتي في المدرسة, وصديقاتي, لا أعلم عنهم شيئاً ولم ألتقيهن منذ خروجنا من قريتنا قبل عامين،

 

وتختم حديثها بصوت حزين: “ليتنا نستطيع العودة الى منزلنا. اتمنى أن تتوقف الحرب ويعود الاستقرار لنعيش في منزلهنا الذي ولدنا وترعرعنا فيه. ننام مرتاحين ونستيقظ مرتاحين فالدنيا كلها لاتساوي لحظة أمان تعيشها في منزلك

 

مقالات مشابهة