المشاهد نت

بين الدمار الذى خلفته الحرب والخطاب المناطقي الطارد بالأرقام السياحة فى عدن تحتضر

منظر لساحل عدن

المشاهد -مفيد الحميري-خاص :

عدن المدينة التي اختزلت جمال الطبيعة بلوحة فنية غاية فى الجمال، وتعانقنت فيها مفردات الجغرافيا القاسية لتتحول الى معزوفة سياحة متناغمة، كانت ولاتزال لؤلؤة ترتمي بين احضان بحر العرب، تحرسها جبال صهباء، تعلوها حصون تنطق عن تاريخ وحضارة ملونة بلون قوس قزح، حيث ظلت وعلى مدى سنوات لا يهدأ ضجيجها من الفجر الى الفجر.

اليوم تحاول هذه القديسة الساجدة في معبد الجمال، على ضفاف بحر العرب، اعادة مكانتها السياحية التي هزت عرشها الحرب والصراعات المسلحة، وبخطوات خجولة وأرقام مخيفة يسردها مدير مكتب السياحة في محافظة عدن، السيد جعفر ابو بكر محمد جعفر، وفي تصريح خاص لـ”المشاهد”، يقول: “تعتبر مدينة عدن عاصمة سياحية بامتياز بما تمتلكه من مقومات سواءً بشرية أو طبيعية مثل، “الجبال والشواطئ والمحميات الطبيعية إلى جانب الكادر البشري المؤهل”، لكن السياحة في مدينة عدن كانت خلال عام 2010م في أوج قمتها وخصوصاً مع قيام بطولة خليجي عشرين الكروية، حيث حصلت محافظة عدن على الإهتمام والدعم من أجل إنجاح بطولة خليجي عشرين مما ساهم هذا في إنعاش السياحة في هذه الفترة كما ازدهرت فيها الحركة السياحة، ثم تأثرت خلال احداث 2011م”، ويضيف، “عادت بعدها السياحة للانتعاش من جديد، ولكن مع الأسف منذ تحرير عدن  و إلى الآن والحركة السياحية  أصبحت تقدر بنسبة ضئيلة، بمعني ان السياحة في عدن ما تزال في خطر”.

ويتابع، أن “النشاط السياحي هو ضمن منظومة متكاملة، فإذا توفر الأمن والاستقرار وانتعشت الحالة الاقتصادية من الطبيعي أن تزدهر السياحة في اليمن، ونتيجة للحرب التي شهدتها مدينة عدن واحتلالها من قبل الانقلابيين، والعمليات العسكرية التي ادت الى تحرير المدينة، مازال تاثير ذلك واضحا على عمل السياحة بشكل كبير، حيث أصبح الشخص يخاف من إقامة مشروع سياحي بسبب عدم وجود الأمن والاستقرار، وفي بعض الأحيان قلة الخدمات مثل انقطاع الكهرباء والمياه وغيرها، أثرت أيضاً عليها بشكل كبير”.

تدمير البنية السياحة

عدن المدينة الساحلية والسياحية من الطراز الأول، كانت وعلى مدى سنوات طويلة قبلة للسياحة الخارجية والداخلية، وعلى الرغم من أنها تخطت وبسرعة السلحفاه باتجاه استعادة مكانتها السياحية، إلا أنها كانت في الأعياد ومواسم الاجازات وجهة لليمنيين القادمين من مختلف محافظات البلاد، حتى جاءت الحرب فحولتها إلى مدينة أشباح ودمرت مقوماتها السياحية ومنشآتها الفندقية وأماكن الترفيه ومراكز التسوق، والمرافق السياحية التي ظلت لسنوات طويلة من أبرز معالم المدينة الساحلية، وكانت مراكز التسوق ومتاجر عدن تستقبل يومياً آلاف المواطنين من مديريات عدن ومن المحافظات المجاورة لها،  بهدف شراء احتياجاتهم والاستمتاع بالتسوق، لكن المعارك دمرتها بشكل كامل، كما دمرت فندق عدن ذي الخمس نجوم، وميركيور وفنيسيا وكورال والشيرتون السياحي، ومجمع عدن مول للتسوق، وهو أكبر مراكز التسوق على مستوى اليمن، إضافة إلى تعرض مجمع العرب السياحي والتجاري بخور مكسر لقصف مباشر أدى إلى احتراقه بالكامل.

رئيس جمعية الكتاب السياحيين اليمنيين في محافظة عدن، ياسين التميمي، أوضح في تصريح لـ”المشاهد”، أن “عدن تعتبر مدينة منكوبة سياحيا على كافة المستويات، لكن فرصتها في أن تنهض لاحت اليوم بقوة”، مضيفا أن “البنية التحتية لعدن عانت من حالة تدمير وإنهاك شاملين، لكن عدن تحتفظ بحيوة خاصة”، ومعتقدا، أنها “ستكون أسرع من أي مدينة يمنية أخرى نمواً خلال السنوات القليلة القادمة، خصوصاً وأن صنعاء فقدت تألقها وتراجع منسوب الثقة بها كمدينة للعيش الآمن”.

وكشفت إحصائية رسمية حديثة، عن حجم الدمار الذي طال المنشآت السياحية في عدن، وبأرقام مخيفة ومفزعة، حيث أكدت الإحصائية ان “المنشآت السياحية المدمرة تدمير كلي بلغت الـ(100) منشأة، بنسبة (56%) من إجمالي المنشآت السياحية بمحافظة عدن والبالغة (180) منشأة، كما بلغت خسارة القطاع السياحي بعدن (400) مليون دولار، ناهيك عن تسريح (20) ألف عامل في القطاع السياحي، بحسب الإحصائية الرسمية الأخيرة الصادرة عن مكتب السياحة بمدينة عدن.

مدير عام السياحة بعدن جعفر أبو بكر، أوضح في تصريح، لـ”المشاهد”، أنه “يوجد حاليا في عدن أكثر من (170) فندقاً سياحيا، ونتيجة لأحداث الحرب تم إغلاق أكثر من (50٪ ) منها،  أو تم تحويل نشاطهم لأسباب انعدام المردود الاقتصادي، وصاحب المنشأة أو النشاط السياحي سواءً كان هناك عمل أم لا، فاصبح ليس لمالك المنشأة السياحية قدرة على تحمل الصرفيات التي منها مرتبات العمال وتسديد فواتير الكهرباء والماء وغيرها،  فالبعض منهم تم تحويل نشاطه إلى سكن بمعنى تم تحويل الفنادق إلى شقق للسكن أو يعملون على تأجيرها، وهناك من توقف نشاطه إلى حين تحسن الأوضاع، كما تم تسريح أكثر من (50%) من عمالة المنشات السياحية مما اثر هذا كثيراً على نشاطها”.

إقرأ أيضاً  التغلب على النزوح من خلال حياكة المعاوز

وعلى الرغم من ان مدينة عدن كانت قبل الحرب وحسب إحصائية سابقة يؤمها خلال أيام العيد أكثر من (200) الف زائر، أكثرهم من المحافظات اليمنية والشمالية على وجه الخصوص، ونسبة قليلة جداً من دول الجوار ومن دول الخليج بالتحديد، إلا أن عدن حاليا ًيشكو اصحاب الفنادق فيها من عدم قدرتهم بأن يحصلوا على القيمة التشغيلية، ويؤكدون أن هناك مشكلة كبيرة يعانون منها وهي مشكلة انقطاع التيار الكهرباء بشكل مستمر.

الخطاب المناطقي الطارد

طارق الشعيبي، مالك فندق سياحي بمدينة عدن، أطلق في حديثه لـ”المشاهد”، تنهيدة طويلة، أعقبها قائلا: أن “هناك مشاكل سياسية وتقطعات للطرق، وانتشار ظاهرة حمل السلاح، وتزايد التفجيرات وجرائم الاغتيالات، وتفاقم الفكر المناطقي الطارد وغير المتقبل بحضور زائيرين من مناطق اخرى يمنية، أثر بشكل أساسي على حركة السياحة ولم تعد هناك رغبة للكثير في إقامة عمل سياحي”، ومضيفا أننا “في عدن معتمدون على السياحة الداخلية أكثر من السياحة الخارجية، وكما يقال بأن السائح جبان ويريد أن يطمئن بنسبة 100% ونأمل أن تتحسن الظروف وتعود عدن إلى مكانتها السابقة، وإذا لم يكن هناك استقرار أمني بدرجة رئيسية، فمن المؤكد ان النشاط السياحي لن يزدهر”، ومشيرا إلى أنه “لابد من توفير بنية أساسية، وكذلك توفير الوعي لدى المواطن، وعلى الدولة أن تهتم بالجانب السياحي ولكن مع الأسف الحكومة غير مهتمة بذلك ولابد أن يكون هناك ترويج لها، فكلما زاد دخل الفرد انتعشت السياحة التي هي حق لأي شخص أن يعمل أو يقوم بالسياحة”.

ويؤكد عبد السلام السامعي، من ابناء المحافظات الشمالية، الذي التقيناه في احد مطاعم عدن، في حديثه لـ”المشاهد”، قائلا: “جئت انا وعائلتي في زيارة سياحية لمدينة عدن قبل 4 ايام، وكنت متردد كثير للمجي الى هنا جراء مانسمع من اعتداءات على ابناء المناطق الشمالية، ولكننا الى الان لم نجد اي مضايقات الا احيانا من بعض العبارات المناطقية يتفوه بها بعض الاشخاص في السوق او الاماكن المزدحمة”، لافتا إلى انه “زار تقريبا كل مكان في عدن، الا هناك مناطق في المدينة  يحذرنا منها الكثيرين لم نتمكن من زيارتها”.

في حين يشير عبد الحليم صبرة سائق باص، في تصريح لـ”المشاهد”، أن “عدد المتنزهين لقلعة صيرة والمتحف القديم تقلص، لكن سواحل عدن بصراحة لم يقل الذاهبين اليها، فعندك ساحل ابين دائما مكتض بالمتنزهين و السابحين رجال ونساء واطفال، و منهم من يجلس لساعات طويلة بالليل”، مضيفا أن “الخدمات متوفرة هناك ومنتشرة على امتداد الكورنيش من مطاعم ومقاهي واستراحات، ويطل على الساحل كم كبير من الفنادق الراقية”، ومشيرا إلى ان “ساحل ابين يمتلك مساحة واسعة من الشاطئ الرملي وفيه يمارس الشباب ايضا رياضات مختلفة، وبالنسبة لي انا اخذ اسرتي مرتين أو ثلاث مرات في الشهر لساحل ابين، لكن الزيارة لساحل ابين تقتصر على ابناء عدن والمحافظات الجنوبية، اما ابناء المحافظات الشمالية تواجدهم قليل أولا بسبب الخوف على انفسهم وثانيا بسبب حالة الناس الاقتصادية التعبانه وقلة الاعمال وعدم صرف المرتبات”.

وتعمل الحكومة الشرعية حاليا على إعادة اعمار ما تم تدميره من منشاءت ومرافق سياحية في محافظة عدن، من خلال عدد من الاتفاقيات مع شركات خارجية لترميم عدد من المباني السياحية والاثرية التي طالها الخراب جزئيا او كليا، سواء نتيجة للحرب او لاعمال السطو والنهب التي تعرضت لها من قبل عصابات مسلحة مجهولة، كما اعلنت الشرعية عن تقديم تسهيلات  جمركية في الضرائب، مع عرض امتيازات لعودة العمل في المجال الاستثماري والتجاري في عدن، وهو ما سيعزز وحسب مراقبون من النهوض بالوضع الاقتصادي وسينعكس على ازدهار الحركة السياحية، واتساع النشاط السياحي من خلال تمكين رأس المال في الاستثمار بالقطاع السياحي.

مقالات مشابهة