المشاهد نت

في المشافي الحكومية… العلاج كتابة شهادة وفاة

صنعاء – حسان محمد :

وصلت منى (25 عاماً) إلى طوارئ هيئة مستشفى الثورة العام الحكومي بصنعاء، متقطعة الأنفاس، بسبب توقف في وظائف الكلى، على أمل أن تجد ملائكة رحمة يعملون على تفادي وقوعها في مضاعفات إضافية، لكن لا وجود لطبيب حينها، فعملت الممرضة على توصيل أنبوبة الأوكسجين إلى أنفها، وأخبرتها أنهم اتصلوا بطبيب الكلى المناوب ناصر اليافعي، وسيأتي بعد قليل. الوقت يمر، والاتصالات تتكرر مرات ومرات، والرد نفس الرد: “سأحضر بعد قليل”.
أخيراً، وصل الطبيب، بعد تدهور حالة المريضة. لم يكلف الدكتور نفسه أكثر من دقيقتين للنظر إلى المريضة، وكتابة الفحوصات المطلوبة، وترك مذكرة نقل إلى الرقود عند الممرضة. انتهت عملية الفحص، وعادت الممرضة تتصل بالطبيب الذي رد بأنه سيعود بعد قليل، لكنه لم يعد، فطلبت الممرضة من المرافقين نقل المريضة إلى رقود قسم الكلى في المستشفى.
تكررت العملية في قسم الكلى، بتوصيل الأكسجين للمريضة، لكن هذه المرة كانت أنابيب الأكسجين لا تعمل، والسبب أن إدارة المستشفى لا تقم بصيانة الأنابيب وأجهزة توصيل الأكسجين، بحسب مصدر طبي في قسم الكلى بمستشفى الثورة.
مرت اللحظات بطيئة على “منى”، وهي تضيق بكمامة أنبوبة أوكسجين لا تعمل، فطلبت نزعها، لأنها تختنق بالفعل بسبب عدم وصول الأكسجين إلى رئتيها، وشخصت ببصرها إلى الأعلى، وفارقت الحياة في الحال، حينها فقط وصل الطبيب، ليس لإنقاذها، وإنما لكتابة شهادة الوفاة.
ويؤكد أطباء في هيئة مستشفى الثورة الحكومي، أن المستشفيات الحكومية تتعرض للتدمير بشكل متعمد، ابتداءً بتعيين مدراء لتلك المشافي دون أن يتمتعوا بالكفاءة الإدارية، ناهيك عن تعيين مدراء إدارات لتلك المستشفيات، دون الخضوع لمعايير المؤهلات والدرجات العلمية.

50%من الأطباء هجروا مشافي الحكومة

ويعاني 19 مستشفى حكومياً في 11 محافظة يمنية، من تدهور صحي، خلال فترة الحرب المشتعلة في اليمن منذ نهاية العام 2014، بعد أن ترك العمل 50% من الأطباء العاملين فيها، وفي مراكز صحية حكومية أخرى، من عدد 3 آلاف طبيب كانوا يعملون في هذه المستشفيا والمراكز الصحية في العام 2015، وذهبوا للعمل خارج اليمن، وفي مشافٍ خاصة، بحسب التقرير السنوي لوزارة الصحة التابعة لسيطرة الحوثيين، وتأكيد مصادر أخرى في الوزارة.
وتقول المصادر الطبية لـ”المشاهد” إن إدارات المستشفيات تتعمد إقصاء الكوادر الطبية القديمة التي تمتلك الخبرة، واستبدالها بكوادر حديثة التخرج.
لكن الدكتور فضل حراب، رئيس المجلس الطبي الحكومي، يقول إنه لا يوجد إهمال متعمد للمستشفيات العامة، حيث إن أغلبها هيئات شبه مستقلة، وأن بعضها تقدم خدمات تتميز فيها عن القطاع الخاص، موضحاً لـ”المشاهد” أن هناك تداخلات كثيرة في تعيين مدراء المستشفيات الحكومية، بين وزارة الصحة وقيادات المحافظات والسلطات المحلية التي تتهرب وتتنصل من مسؤولياتها إذا مرت المستشفى بعجز مالي.
ويقول الدكتور حراب إن هناك مشاكل بالتنسيق بين الوزارة والمستشفيات في مجال الرقابة والإشراف، حيث تعد هذه الإدارات مجمدة، ويعمل فيها موظفون غير مؤهلين، ولا يعرفون شيئاً عن القانون.
مستشفى الثورة الذي يعد أكبر الهيئات الصحية في اليمن، شهد الكثير من الاحتجاجات وتغيير مدراء المستشفى خلال الفترة الماضية، وذلك لأن كل مدير عند تعيينه يبدأ بالتفكير بطرق الاستحواذ على الإيرادات، وتكوين ثروته الخاصة، وإهمال احتياجات المستشفى والموظفين، بحسب تأكيد مصدر طبي في المستشفى (فضل عدم ذكر اسمه)، موضحاً أن التقصير في العمل وإهمال الكادر الطبي أو تدني مستوى الخدمات، نتيجة مترتبة على فشل الإدارة والتقصير بمسؤولياتها، وهذا الوضع ينعكس على كل المرافق الصحية الحكومية.

إقرأ أيضاً  وسيلة النساء لتحسين ميزانية الأسرة في رمضان 

بديل موجع

بالمقابل، زادت وتيرة افتتاح المستشفيات الخاصة في العاصمة صنعاء ومدن يمنية أخرى، بشكل لافت، خلال سنوات الحرب، في ظل إهمال وتدني الخدمات في المرافق الحكومية، على الرغم من المبالغ الكبيرة التي تطلبها المستشفيات الخاصة من المرضى، إذ إن الكشف في المشافي الخاصة يصل إلى 4 آلاف ريال يمني، في حين يبلغ 500 ريال في المشافي الحكومية، وهو ما ينطبق على كل الخدمات الطبية.
الدكتور باسم العامري، مدير مستشفى يوني ماكس الدولي بصنعاء، يقول لـ”المشاهد” إن القطاع الصحي الخاص يقدم خدمة كبيرة للمواطن، واستطاع الصمود على الرغم من الظروف التي تمر بها البلاد، ويسهم في التخفيف من الضغط، وتقديم خدمات طبية، بغض النظر عما تقوم به بعض المستشفيات من أعمال انتهازية وغير أخلاقية باستغلال حاجة الناس والمتاجرة بآلامهم.
لكن الدكتور حراب يرى أن الكثير من المستشفيات الخاصة بأمانة العاصمة، غير خاضعة لمواصفات استقبال المرضى، ولا يوجد فيها أطباء متخصصون، حسب ما تعلن به، وتحتاج إلى تقييم ابتداء من المباني والأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية. ويعتبر أن ازدحام المستشفيات الحكومية مصدر رزق للقطاع الخاص.
ويعتقد الدكتور العامري أن المستشفيات الحكومية تستطيع أن تقدم خدمات أفضل، وتنافس القطاع الخاص، لأنها تمتلك إمكانيات كبيرة، لكن سوء الإدارة هو سبب تدهور الأوضاع فيها، منوهاً إلى أن القطاع الخاص يعاني من مشاكل ابتزاز متواصلة من قبل شخصيات نافذة بالوزارة، تقوم بأعمال بلطجة ليس لها أية علاقة بالرقابة والإشراف الذي يجب أن تقوم به الوزارة، لما يخدم المواطنين.

استجداء الحل

واقترح العامري أن تعد الوزارة قائمة بأسعار الخدمات الطبية، لحماية المريض من الاستغلال.
مصدر في وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يؤكد لـ”المشاهد” أن الوزارة لا تقوم بالرقابة الكافية على المستشفيات الخاصة مطلقاً، فكيف ستحدد أسعاراً بالخدمات الطبية؟ مجيباً على تساؤله: “الوزارة نفسها تعاني من المشاكل التي تعاني منها المستشفيات، ولو وجدت الكفاءات في الوزارة، ستوجد الكفاءات في المستشفيات الحكومية، وستعمل على مراقبتها، وتشديد الرقابة على المشافي الخاصة، وتحديد قائمة بأسعار الخدمات الطبية المقدمة للمرضى”.

مقالات مشابهة