المشاهد نت

الحديدة.. السير في طريق ملغوم

السويد – مصطفي نصر :

أحد عشر يوم مرت منذ بدء الهدنة المعلنة في محافظة الحديدة في السابع عشر من شهر ديسمبر الجاري وفقا لاتفاق مشاورات استوكهولم بالسويد دون أن تتضح بعد نقاط الغموض في اتفاق اخر اللحظات المبرم هناك.
“تمضي الامور ببطء كبير” حسب تعبير أحد المسئولين في فريق المبعوث الاممي لكن لا أحد يمكنه ان ينكر التقدم في هذا المسار اذ تم تعيين ممثلين عن الطرفين في اللجنة المعنية بالانسحاب وكلاهما زارها مدينة الحديدة وموانئها، وهي خطوات قد تؤسس لتوقف دائم للقتال في المدينة الساحلية الأكثر أهمية بالنسبة للمساعدات الانسانية والاغاثية.
خلال الثلاثة الايام الماضية انعقدت نقاشات مكثفة بين فريقي الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي ” أنصار الله ” والجنرال الهولندي المتقاعد الذي يقود عملية الاشراف والرقابة على تنفيذ الاتفاق ممثلا للأمم المتحدة.
كانت واحدة من القضايا الرئيسية المطروحة على الطاولة ” فتح الطرق لعبور قوافل المساعدات الانسانية ” عبر الطرق الرئيسية التي توقفت بفعل الاشتباكات وإذا ما تمت هذه الخطوة رغم انها لن تكون مؤشرا على البدء الجدي في تنفيذ الاتفاق من عدمه الا انها تضع لبنة أولى في طريق طويل وشائك.
يحاول المبعوث الدولي الي اليمن مارتن جريفث وفريقه سباق الزمن من أجل الوفاء بما أعلنه من انعقاد جلسة مشاورات جديدة في يناير المقبل، وهو البند الذي وقع عليه الطرفين صراحة في قلعة جوهانسبرج في السويد، لكن التحرك على الأرض لا يبدو مساعدا للقيام بذلك.
يؤكد مصدر حكومي بأن الوفد الحكومي لن يقبل أن يذهب الي مشاورات جديدة قبل ان يتمكن من التأكد جدية الطرف الأخر في الانسحاب وتسليم المدينة لأجهزة أمنية تخضع لإشرافه ” لكن من الصعب اختبار ذلك في مراحل التنفيذ الاولى، وفي حين يتربص كل طرف بالآخر لإظهاره كطرف معرقل تلوح فرصة الذهاب لمشاورات جديدة لاسيما مع استمرار الضغط الدولي الذي كان صاحب الفضل الأكبر في توصل الطرفين لاتفاق استوكهولم.

تعمد فريق المبعوث الدولي الخاص صياغة اتفاق الحديدة بطريقة غير واضحة، ويمكن وصفه بالاتفاق الملغوم اذ تضمن مصطلحات وتعبيرات يمكن تفسيرها بطريقة تتيح لكل طرف التنصل من تنفيذ ما عليه من التزامات، وبالمقابل أتاح لها إمكانية المناورة مع الأطراف واسالة لعاب كلاهما وفقا لما يتصوره عن الاتفاق.
تبدو منهجية الامم المتحدة واضحة في هذه النقطة اذ تتعمد اتباع سياسة الهروب الى الامام وتثبيت نقاط أساسية تؤهلها للفت انتباه المجتمع الدولي الذي يراقب الامور عن كثب. ففتح الممرات الرئيسية لسير قواف الاغاثة الانسانية نجاح يمكن الدخول به الي مفاوضات يناير المرتقبة والم يكن يعني الكثير بالنسبة لتنفيذ اتفاق انسحاب مسلح يقضي بعودة الحياة الطبيعية للمدينة ويجعلها نموذج للسلام.
مؤخرا وجه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي حكومته بصرف مرتبات الموظفين المدنيين في مدينة الحديدة وفقا لكشوفات ٢٠١٤م وهي خطوة استباقية تؤكد التفسير الحكومي لما نص عليه اتفاق الحديدة الذي اكد على أن فرع البنك المركزي في الحديدة هو من سيقوم بجمع الايرادات وتسليم المرتبات كما ان أجهزة الأمن المحلية هي من ستتولى حماية المدينة ” وفقا للقانون اليمني، ويجب احترام المسارات القانونية للسلطة وإزالة أي عوائق امام السلطة المحلية ” وذكر بالتحديد المشرفين وهم اشخاص يتم تعيينهم من قبل جماعة الحوثي للإشراف على أجهزة الدولة المختلفة وعادة ما يكون لهم السلطة الأقوى تسيير الامور بعيدا عن التراتبية الإدارية.

إقرأ أيضاً  تعز : الابتهاج بالعيد رغم الحرب والحصار

كلمة وفقا للقانون اليمني واحترام المسارات القانونية للسلطة يمكن عمل أكثر من خط، اذ بدأت جماعة الحوثي تستعد لأن يتولى الجهاز الأمني والمدني الحالي السلطة في الحديدة وهو الجهاز الذي أحدثت فيه الكثير من التغييرات على مدى السنوات الماضية منذ بدء الحرب، في حين تؤكد الحكومة أن المسارات القانونية تعني ان يتم عودة السلطة المحلية والمؤسسات الأمنية وفقا لما كان عليه الوضع عام ٢٠١٤م، ويتولى الجهاز الأمني مسئولية المدينة بإشراف من وزارة الداخلية في عدن.
من الواضح ان هذه الإشكالية لن يكون لها الاولوية في النقاش قبل ان تحكم الامم المتحدة سيطرتها على الموانئ والطرق الرئيسية لتضمن ان تخضع المدينة وموانئها لنفوذها لاسيما عقب المضايقات التي واجهتها الامم المتحدة والعديد من وكالات الدعم الإنساني التابعة لها من قبل جماعة الحوثي بصنعاء، بالإضافة الي صعوبة تحركها واستقرارها في عدن التي تشهد هشاشة في الحالة الأمنية.
تسير تحركات تنفيذ اتفاق الحديدة نحو تعبيد طريق الامم المتحدة لتصبح بنفوذ اقوى من أي وقت مضى، اذ من المتوقع في حال نجاحها في الاشراف على مدينة تنعم بالاستقرار ان تبدأ بالتفكير بمعالجات للملفات الأخرى المتعثرة وأبرزها الملف الاقتصادي.
إن نجاح الحديدة كمساحة مستقلة يمكن ان يلفت انظار الجميع للتفكير بأن تكون الحاضن للبنك المركزي اليمني المتنازع عليه ومركز رئيسي لإدارة عمليات الاغاثة والمساعدات الانسانية التي باتت أحد المحركات الرئيسية لاقتصاد اليمني بمبلغ يفوق ٤ مليار دولار ومتوقع زيادته خلال المرحلة المقبلة.

مقالات مشابهة